رؤي في صياغة هذه المادة الاخذ بطريقة المشروع الاردني وهي اصوب . كما انه رؤي التصريح بانه اذا لم يوجد نص في القانون ، يرجع لاحكام الفقه الاسلامي ، على اختلاف مذاهبه ، ويختار منها ما يكون اكثر موافقة لنصوص القانون ، واذا لم يعثر عليها ، ينتقل حينئذ لمبادئ الشريعة الاسلامية . وذلك لان ما يتميز به هذا المشروع هو اعتماده على احكام المجلة والفقه الاسلامي اولا كما ورد في اول هذا المشروع فان لم توجد ينتقل لاحكام القواعد العامة حينئذ . اما الاعتماد على مبادئ الشريعة الاسلامية فقط فلا يجعل لهذا القانون اية ميزة على غيره من قوانين الدول العربية الاخرى . وقد ذكر الخبير الدكتور محمد زكي عبد البر في الصفحة (3) من مذكرته في ايضاح تلك المادة ان المشروع بدأ ببيان المصادر الرسمية او الملزمة وهي التي يتعين على القاضي ان يلجا اليها لاستخلاص القواعد القانونية التي يجري في قضائه على تطبيقها متدرجا من التشريع الى احكام الفقه الاسلامي الى مبادئ الشريعة الاسلامية ، وقد فرق المشروع بين احكام الفقه الاسلامي وبين مبادئ الشريعة الاسلامية فالاولى مدونة في الكتب الفقهية والثانية تستخلص من نصوص الكتاب والسنة كالامر بالعدل والمساواة والنهي عن اكل اموال الناس بالباطل وكقاعدة الخراج بالضمان ولم يرد المشروع الاقتصار على احكام المذهب الحنفي بل عمم العبارة حتى تشمل كل مذاهب واراء الفقه الاسلامي ليتسع امام القاضي معين الحكم فيتيسر له ان يختار ما هو اكثر موافقة للنصوص التشريعية محافظة على وحدة القانون وانسجامه او ما هو اكثر موافقة لاحوال هذا الزمان . لم يرد المشروع ان يجاري التقنينات المدنية العربية بالاحالة الى العرف ثم الى مبادئ الشريعة الاسلامية ثم الى القانون الطبيعي وقواعد العدالة على خلاف بين هذه التقنينات في ترتيب هذه المصادر او جمعها ، ليس فقط نزولا على الاسباب الموجبة لوضع هذا المشروع والاسس التي رسمت له وهي استمداده من الفقه الاسلامي اولا - بل ايضا ايمانا بان مبادئ الشريعة الاسلامية اذا احتيج للالتجاء اليها تغني عن مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة فضلا عما تتسم به هذه الاخيرة من ابهام وغموض على خلاف مبادئ الشريعة الاسلامية فهي مسطورة في كتاب الله وسنة رسوله ومبينة في كتب العلوم الاسلامية المختلفة ثم ان القواعد الفقهية ومبادئ الشريعة الاسلامية تقر العرف مرجعا لبعض الاحكام فتقرر ان ( العادة محكمة) وان ( استعمال الناس حجة يجب العمل بها ) وان ( الممتنع عادة كالممتنع حقيقة ) وانه ( لا ينكر تغير الاحكام بتغيير الازمان ) وان ( الحقيقة تترك بدلالة العادة ) وان ( المعروف عرفا كالمشروط شرطا) وان ( التعيين بالعرف كالتعيين بالنص ) والاحالة الى الاحكام الفقهية ومبادئ الشريعة الاسلامية تتضمن الاحالة الى العرف . ولم يقتصر المشروع على بيان المصادر الرسمية بل عين للقاضي ما يستلهمه في استخلاص الاحكام من هذه المصادر جميعا فعرض للمصادر التفسيرية ومصادر الاستئناس فذكر القضاء والفقه قاصدا الاردني منها والعربي والاجنبي وغني عن البيان انه في استئناسه بذلك يختار ما هو اكثر اتفاقا مع نصوص هذا التشريع على ما تقدم .
رؤي وضع هذه المادة لتثبيت ما يتميز به هذا المشروع من ارتباطه بالفقه الاسلامي واصوله خصوصا ان اصول الفقه الاسلامي هو عبارة عن مبادئ التفسير وقواعده حسب ما ارتضاه ائمة ذلك العلم ، وقواعد اللغة العربية ، ويوجد كثير من الكتب الحديثة في هذا العلم للاساتذة شاكر الحنبلي والخضري وعبد الوهاب خلاف خصوصا ان حكومة الانتداب البريطاني ، كان لها قانون ، يسمى قانون تفسير القوانين يعتمد في نصوصه على قواعد اصول الفقه الاسلامي وقد صدر ذلك القانون قبل سنة 1939م، ثم عدل تعديلات ابعدته عن ذلك المقصود وان المشروع بين المرجع في فهم النص وتفسيره وتأويله ودلالته على الاحكام فاحال على علم اصول الفقه اخذا بيد القضاة وجمعا لهم على مرجع واحد فيكون ذلك احرى بقدر الامكان بابعاد اسباب الخلاف فضلا عن التوجيه والارشاد . وقد سد المشروع بذلك نقصا موجودا في التقنينات العربية الحالية اذ لم يورد ايها نصا في ذلك تاركا الامر للسليقة او لما يرد في كتب اصول القانون من قواعد قليلة تتضاءل بل تتلاشى امام مفخرة العقل الاسلامي وهو علم اصول الفقه بما تضمن من قواعد وضوابط وكان لهذا الاهمال اثره في بعد القضاة عن علم الاصول ففقدوا بذلك معينا لا ينضب في استنباط الاحكام على اسس ثابته تسدد خطاهم وتقرب بين منحاهم وتصل بهم الى سواء السبيل .
رؤي الاكتفاء بالقاعدة المبينة بالمادة العاشرة من المجلة لتكون هي الاصل في هذا الموضوع .
رؤي الاخذ بتعبير المشروع الاردني والقانون المصري خلافا لما اعتمده الخبير الدكتور محمد زكي عبد البر في مذكرته وهو النسخ وفضل تعبير الالغاء عليه لانه هو المعروف الان اكثر وان كانت قواعد النسخ في الاصول تسري عليه ، وان الاصل في نسخ التشريع نسخا كليا او جزئيا ان يتم بنص صريح ياتي به تشريع لاحق وهذا هو النسخ الصريح ، الا ان النسخ قد يكون ايضا ضمينا . وللنسخ الضمني صورتان - احداهما ان يصدر تشريع جديد يشتمل على نص يتعارض تعارضا تاما مع نص في التشريع القديم وفي هذه الحالة يقتصر النسخ على الحدود التي يتحقق فيها التعارض وثانيهما ان يصدر تشريع جديد ينظم تنظيما كاملا وضعا من الاوضاع خصص له تشريع سابق وفي هذه الحالة يعتبر التشريع السابق منسوخا جملة وتفصيلا ولو انتفى التعارض بين بعض نصوص هذا التشريع ونصوص التشريع الذي تلاه .
وغني عن البيان ان النص على عدم جواز نسخ التشريع الا بمقتضى تشريع اخر يستتبع عدم جواز نسخ النص التشريعي بمقتضى عرف لاحق . ( انظر الصفحة -10 من الباب التمهيدي للخبير الدكتور محمد زكي عبد البر ) .
ان النصوص المتعلقة بأهلية الاداء تسري من وقت العمل بها ومؤدى هذا ان النصوص الجديدة ترد من كان يعتبر رشيدا الى حالة القصر فيما لو رفعت سن الرشد وتدخل من كان يعتبر قاصرا في ظل القانون القديم في عداد الراشدين فيما لو خفضت السن . ذلك ان تحديد اهلية الاداء -وهي صلاحية الالتزام بالتصرفات الارادية يراعي فيه حماية فريق من الاشخاص وهذه الحماية امر متعلق بالنظام العام. على ان عودة الشخص الى حالة القصر بمقتضى قانون جديد بعد ان اعتبر رشيدا في ظل التشريع القديم لا تؤثر في صحة التصرفات التي صدرت منه في ظل التشريع القديم . فهذه التصرفات لا يجوز الطعن عليها بسبب نقص الاهلية متى كان العاقد كامل الاهلية وقت انعقادها اذ القانون الجديد يعيد الاشخاص الى حالة القصر بالنسبة الى المستقبل فحسب . وهي توافق المادة (11) عراقي و (7) مصري وسوري ومشروع اردني .
رؤي اختيار النص الموجود في المشروع القانون المدني الاردني وفي القوانين المصرية والسورية والعراقية وذلك لان المشروع المقدم لم يتعرض لحكم الفقرة (2) من المادة (7) وان الاصل في مدد التقادم ان اكتمالها يقيم قرينه قاطعة لمن شرعت لمصلحته تعفيه من اقامة الدليل على كسبه لحق معين او براءة ذمته من التزام معين لاعتبارات تتعلق بالنظام العام .
وكل تقادم لم يكتمل في ظل تشريع قائم لا يرتب هذا الاثر فاذا صدر تشريع جديد يطيل من مدته وجب ان يسري هذا التشريع .
اما بدء التقادم او وقفه او انقطاعه فيتحقق متى توافرت شروط معينة يحددها القانون الساري اذ ذاك . ومتى بدات المدة او وقفت او انقطعت وفقا لقانون معين ظل البدء او الوقف او الانقطاع مرتبا لحكمه في ظل القانون الجديد . فالمدة التي بدات تستمر سارية ، والمدة التي وقفت يمتنع استئنافها ، ما بقي سبب الوقف قائما ، ما لم يقض القانون الجديد بغير ذلك ، والمدة السابقة على سبب الانقطاع لا تحتسب .
وقد يقرر القانون الجديد للتقادم مدة اقصر من المدة المقررة في النص القديم وفي هذه الحالة لا يبدا سريان المدة الجديدة بالنسبة لتقادم بدا من قبل الا من وقت العمل بالتشريع الجديد كفالة لاستقرار المعاملات . فالواقع ان التقادم لم يكتمل في ظل القانون القديم ولذلك لا يترتب حكمه ، ولم يقصد من تقصير المدة في القانون الجديد الى ترتيب هذا الحكم بارادة الشارع دون انقضاء المدة .
بيد انه رئي ان تستثنى من حكم القاعدة العامة حالة اكتمال مدة التقادم التي نص عليها القانون القديم ، في ظل القانون الجديد ولكن قبل ان تنقضي المدة الجديدة بتمامها ويتحقق ذلك كلما كانت البقية الباقية من المدة القديمة اقصر من المدة التي تقررت في التشريع الجديد ، كما لو كانت المدة القديمة خمس عشرة سنة ولم يبق لاكتمالها سوى سنتين ثم جعل التشريع الجديد المدة ثلاث سنين ، ففي هذه الحالة يعتبر التقادم مكتملا بانقضاء هاتين السنتين وتكون ولاية التشريع القديم قد امتدت بعد زواله امعانا في تحقيق العدالة .
وعلى ذلك يقتصر تطبيق الحكم على الحالة التي يكون فيها الباقي من المدة القديمة اطول من المدة الجديدة باسرها ولعل هذا يوجب بصورة ظاهرة صرف النظر عن الزمن الذي مر من قبل وافتتاح مدة جديدة تبدا من وقت العمل بالقانون الجديد ويعتمد عليها المتعاملون دون ان يكون هناك محل للمفاجأة وقد اثر المشروع هذا الحل من بين مختلف الحلول التي خطرت للفقه والقضاة لانه اقلها استهدافا للنقد وادناها الى تحقيق العدل والاستقرار .
ان هذه المادة تبحث في جواز قبول الدليل وهو امر يتعلق بادارة القضاء ويتصل اوثق اتصال بالنظام العام فاذا كان التشريع القديم لا يجيز قبول دليل من الادلة في شان واقعة من الوقائع امام القضاء ثم صدر قانون جديد يبيح ذلك فنصوص هذا القانون هي التي تسري ولو كان الحق المتنازع فيه قد تنشأ في ظل التشريع القديم وكذلك الحكم فيما يتعلق باثر الدليل في الاثبات وهو ما يعرف في اصطلاح الفقه بالحجية امر تتكفل النصوص بتعيينه ليكون اساسا في الفصل بالخصومات ، فمن الواجب والحال هذه ان تسري هذه النصوص من وقت العمل بها لاتصال حجية الادلة بالنظام العام، وقد استثنى المشروع من القاعدة العامة حالة الادلة المهياة وقضى بانه تسري النصوص المعمول بها في الوقت الذي يجب فيه اعداد الدليل باعتبار ان الدليل المهيا يفترض وجود النص المقرر له قبل ان تتم تهيأيه ويكون وثيق الصلة من الناحية الموضوعية في الحق . ( وهي تطابق المادة (9) مصري و(10) سوري ومشروع اردني وتقابل المادة (13) عراقي ) .
اختلف فقهاء المسلمين في اي التقويمين الشمسي او القمري يعتمد فراى بعضهم اعتماد التقويم الشمسي وبعضهم التقويم القمري ولذلك رؤى اعتماد التقويم الشمسي الا اذا نص القانون على غير ذلك وهو امر يتفق مع اتجاه فقهاء الاسلام كما ورد في الجزء الثاني صفحة (595) من رد المختار ويتفق ايضا مع المواد (28/زو24 و68 و69 و70) من الدستور الاردني .
تقضي هذه المادة بوجوب رجوع المحاكم الى القانون الاردني في تكييف الروابط القانونية تمشيا مع الراي الذي كاد ينعقد الاجماع عليه في الوقت الحاضر ويراعى من ناحية ان للنص على هذا الحل اهمية خاصة في الاردن بسبب توزيع ولاية القضاء بين محاكم مختلفة . وينبغي ان يفهم من وجوب رجوع المحاكم الاردنية الى قانونها في مسائل التكييف الزامها بالرجوع الى القانون الاردني في جملته . بما يتضمن من قواعد تتعلق بالاشخاص او بالاموال ايا كان مصدر هذه القواعد ، دون ان تقتصر على الاحكام التي تختص بتطبيقها وفقا لتوزيع ولاية القضاء بين المحاكم المختلفة . ويراعي من ناحية اخرى ان تطبيق القانون الاردني بوصفة قانونا للقاضي في مسائل التكييف لا يتناول الا تحديد طبيعة العلاقات في النزاع المطروح لادخالها في نطاق طائفة (نوع) من طوائف النظم القانونية التي تعين لها قواعد الاسناد اختصاصا تشريعيا معينا كطائفة النظم الخاصة بشكل التصرفات او بحالة الاشخاص او بالمواريث والوصايا او بمركز الاموال . ومتى تم هذا التحديد انتهت مهمة قانون القاضي اذ تعين القانون الواجب تطبيقه فلا يكون للقاضي الا ان يعمل احكام هذا القانون وقد استرشد المشروع في صياغة القاعدة الواردة في هذه المادة بالقانون المدني المصري والسوري والعراقي .
ويلاحظ انه اضيف في عجز هذه المادة عبارة ( لمعرفة القانون الواجب تطبيقه من بينها ) زيادة في الايضاح لتعيين الحدود التي يقف عندها اختصاص قانون القاضي في التكييف .
وهي تطابق المادة (10) مصري و (11) سوري ومشروع اردني و (17/1 ) عراقي .
تعين الفقرة الاولى من هذه المادة القانون الواجب تطبيقه فيما يتعلق بحالة الاشخاص واهليتهم ويقصد بالحالة جملة الصفات التي تحدد مركز الشخص من اسرته ودولته وهي صفات تقوم على اسس من الواقع كالسن والذكورة والانوثة والصحة او على اسس من القانون كالزواج والحجر والجنسية . وينصرف اصطلاح الاهلية في هذا المقام الى اهلية الاداء وحدها اي صلاحية الشخص للالتزام بمقتضى التصرفات الارادية وهذه الصلاحية تتصل اتصالا وثيقا بالحالة . وقد اخضع المشروع حالة الاشخاص واهليتهم لقانون الجنسية .
هذا وقد تضمنت الفقرة الاولى استثناء يتعلق بالاهلية - مؤداه ان الاجنبي الذي يعقد تصرفا ماليا لا يكون اهلا للالتزام به وفقا لقانون جنسيته يعتبر اهلا لذلك متى كان هذا هو حكم القانون الاردني فيما يتعلق بالوطنيين . وقد رئي ان يتضمن المشروع هذا الحكم الاستئنافي لان من الصعب على من يتعامل مع احد الاجانب ان يكون ملما بالقواعد المتعلقة باهليته وبوجه خاص متى كان مظهره لا يدع محلا للشك في كمال هذه الاهلية . وتعرض الفقرة الثانية للنظام القانوني للاشخاص المعنوية الاجنبية من شركات وجمعيات ومؤسسات وغيرها فتوجب تطبيق قانون الدولة التي تتخذ فيها هذه الاشخاص مركز ادارتها الرئيسي الفعلي ومع ذلك فاذا باشرت نشاطها الرئيسي في المملكة الاردنية فان القانون الاردني هو الذي يسري وهي تطابق المادة (11) مصري و (12) سوري ومشروع اردني والفقرة الاولى تقابلها المادة (18) من القانون العراقي والفقرة الثانية من المادة (49) من القانون العراقي .
ان هذه المواد الثلاثة عينت القانون الواجب تطبيقه فيما يتعلق بانعقاد الزواج من حيث الموضوع والشكل وبعلاقات الزوجين شخصية كانت او مالية ، وبالاجراءات التي تتبع في شان مسائل خاصة تعرض بمناسبة دعاوى الطلاق والانفصال .
وتتناول المادة (13) كيفية انعقاد الزواج فتقضي في فقرتها الاولى بوجوب تطبيق قانون كل من الزوجين فيما يتعلق بالشروط الموضوعية لصحة الزواج وهذه قاعدة تقررت في المادة الاولى من اتفاقية لاهاي المعقودة في 13 يونيه سنة 1902 واخذت بها اكثر التشريعات . اما من حيث الشكل فيكون الزواج صحيحا وفقا لنص الفقرة الثانية من المادة متى روعيت اوضاع البلد الذي تم فيه او الاوضاع التي قررها قانون كل من الزوجين ، وقد استمد المشروع هذا الحكم من المادتين 6و7 من اتفاقية لاهاي التي تقدمت الاشارة اليها .
واذا كان في نص المادة (21) من المشروع وهي الخاصة بتعيين القانون الواجب تطبيقه فيما يتعلق بالشكل بوجه عام ما يسد هذا النقص الا انه رؤي افراد فقرة قائمة بذاتها في المادة (13) نظرا لاهمية القاعدة بالنسبة الى الزواج .
ويلاحظ ان القانون الاردني يتضمن اوضاعا مختلفة فيما يتعلق بالشكل :
فهناك الاوضاع المقررة في الشريعة الاسلامية ، وهناك الاوضاع المقررة في نظم الطوائف غير الاسلامية ، الا ان هذه الاوضاع الاخيرة لا ينعقد الزواج صحيحا وعلى وفقها اذا كان احد الزوجين مسلما او كان كلا الزوجين غير تابع للكنيسة التي يعقد الزواج امامها .
وان المادة (14) قررت حكم الاختصاص التشريعي بالنسبة الى الاثار التي يرتبها عقد الزواج بما في ذلك من اثر بالنسبة الى المال فتخضع كل ذلك لقانون الزوج وقت انعقاد الزواج، وهو يتفق مع احكام كثير من التشريعات الحديثة في هذا الشان اما الطلاق فله حكم اخر غير حكم الزواج اذ يخضع لقانون الدولة التي ينتمي اليها الزوج وقت الطلاق ، اما التطليق والانفصال فيطبق عليهما قانون الزوج وقت رفع الدعوى .
وقد رؤي استثناء حالة ما اذا كان احد الزوجين اردنيا وقت انعقاد الزواج فيطبق القانون الاردني رعاية لقواعد القانون الاردني في شان الزواج ، اما مسألة الاهلية للزواج فيرجع فيها بالنسبة الى كل من الزوجين الى قانون جنسيته .
وان هذه المواد تطابق المواد 12 و13 و14 مصري و13 و14و 15 سوري ومشروع اردني والمادة 19 من القانون العراقي .
ان هذه المادة تتناول الالتزام بالنفقة بين الاقارب فتوجب تطبيق قانون المدين بها وان هذا النص مقصور على نفقة الاقارب ولا يشمل نفقة الزوجية التي تنظمها احكام المواد السابقة على اعتبار انها من اثار الزواج .
وهي تطابق المادة 15 مصري و16 سوري ومشروع اردني والمادة 21 عراقي .
قصد في هذه المادة التعميم في التعبير حتى تصبح هذه الاحكام شاملة لجميع النظم الموضوعة لحماية عديمي الاهلية والمفقودين دون ان يقتصر على ولاية والوصاية والقوامة وقد اسند الاختصاص التشريعي فيما يتعلق بهذه النظم الى قانون عديم الاهلية او المحجور بوجه عام لانه اخلق القوانين بتوفير اسباب الحماية له . اما الاجراءات الواجب اتباعها في مسائل الوصاية والقوامة وما اليها فيطبق في شأنها القانون الاردني دون غيره وهي تطابق المادة (16) مصري و (17) سوري ومشروع اردني وتوافق المادة (20) عراقي .
تختتم هذه المادة طائفة النصوص المتعلقة بولاية القانون الشخصي وهي تتضمن احكام المواريث والوصايا والتصرفات المضافة الى ما بعد الموت بوجه عام وتنتهي بحكم عام يتعلق باقتسام الاختصاص بين قواعد الاجراءات والقواعد الموضوعية .
وقد افرد المشروع المادة (18) للمواريث والوصايا وسائر التصرفات المضافة الى ما بعد الموت وقرر انه في الناحية الموضوعية يسري عليها قانون المورث او الموصي او من صدر منه التصرف المضاف الى ما بعد الموت عند الموت لا عند صدور التصرف وفي الناحية الشكلية يسري عليها قانون الموصي وقت الايصاء او قانون البلد الذي تمت فيه الوصية وكذا قانون المتصرف وقت التصرف او قانون البلد الذي تم فيه التصرف المضاف الى ما بعد الموت . فالنص اراد مواجهة جميع التصرفات المضافة الى ما بعد الموت.
وهذه المادة تطابق المادة (17) مصري و(18) سوري ومشروع اردني وتقابل المادتين ( 22و 23) من القانون العراقي .
قاعدة خضوع نظام الاموال لقانون موقعها كانت تستخلص من التشريعات العثمانية القديمة (مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري جزء 1 صفحة 277) ولكن راي المشروع ان ينص عليها فنص في المادة (19) ان مسائل الحيازة والملكية والحقوق العينية الاخرى يسري في شأنها قانون الموقع فيما يختص بالعقار اما بالنسبة للمنقول فيسري قانون الجهة التي يوجد فيها هذا المنقول وقت وقوع الامر الذي ترتب عليه كسب الحيازة او الملكية او الحقوق العينية الاخرى او فقدها .
ويلاحظ ان نص المشروع لا يخص العقار وحده بالذكر بل يتناول المنقول ايضا ولكنه على ذكر الملكية والحقوق العينية الاخرى دون الحقوق الشخصية وجعل الاختصاص لقانون الجهة التي يوجد فيها وقت وقوع الامر الذي افضى الى ترتيب او زوال الحق العيني .
ويلاحظ ايضا ان طرق كسب الحقوق بالعقد والميراث والوصية وغيرها تخضع بوصفها من اسباب اكتساب الملكية لقانون موقع المال بعموم عبارة ( يسري على الحيازة والملكية والحقوق العينية الاخرى قانون الموقع فيما يختص بالعقار ...) فاذا كان قانون موقع المال يقضي مثلا بان الوصية لا تنقل الملك في العقار الا بالتسجيل فيجب تطبيق هذا القانون وبذلك لا يكون هناك تناقض بين هذه المادة والمادة التي تسبقها ( تراجع مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري جزء 1 صفحة 282- 283).
وهي تطابق المادة 18 مصري و19 سوري ومشروع اردني والمادة 24 عراقي .
ان المشروع تعرض للقاعدة العامة في الالتزامات التعاقدية ولصور خاصة من صور العقود وتنفيذها ثم قرر في نهايتها القاعدة الخاصة بوجوب احترام القواعد الامرة في حدود معينة يراعى بادىء ذي ان فقه القانون الدولي الخاص لا يزال غير مستقر فيما يتعلق بتعيين القانون الواجب تطبيقه في شان الالتزامات التعاقدية لتنوع صور العقود وتباين القواعد التي تسري عليها من حيث اركان الانعقاد وشروط الصحة وترتيب الاثار .
ولذلك توخى المشروع تجنب التفاصيل واقتصر على اكثر الاحكام استقرارا في نطاق التشريع . فقرر في المادة (20) ان الالتزامات التعاقدية يسري عليها القانون الذي يقرر المتعاقدان الخضوع لاحكامه صراحة او ضمنا مع مراعاة الاحكام المقررة في المادتين (20) و (21) وهذا حكم عام يمكن لسلطان الارادة ويضمن وحده القانون الواجب تطبيقه على العقد وهي وحدة لا تكلفها فكرة تحليل عناصر العقد واختيار القانون الذي يتلام مع طبيعة كل منها .
ويلاحظ ان المشروع قد اختار صيغة مرنة لا تقطع على القضاء سبيل الاجتهاد ولا تحول دون الانتفاع من كل تطور مقبل في حركة الفقه . وقد قرن المشروع هذه الصيغة بنصوص خاصة بعضها يعين اختصاصا تشريعا امرا بالنسبة لعقود معينة وبعضها يضع قرائن يستخلص منها الارادة عند عدم الاتفاق وبعض اخر يعين اختصاصا تشريعيا لمسائل تتعلق بتنفيذ العقود . وهي تطابق المادة 19 مصري وتوافق المادة 20 سوري ومشروع اردني والمادة 25 عراقي .
تتناول هذه المادة الاحكام المتعلقة بشكل العقود وهي تبدا في صدرها بوضع القاعدة العامة في هذا الشان فتنص على ان جميع العقود ما بين الاحياء تخضع في شكلها لقانون البلد الذي تمت فيه وهذه هي القاعدة التقليدية التي جرى العرف بها منذ عهد بعيد ونصت عليها صراحة اكثر التشريعات الاجنبية واخذ بها القضاء المصري رغم انها غير مقررة بنص تشريعي . وتتناول هذه القاعدة كل العقود اي التصرفات التي تتم بارادتين ومنها الهبة ولكن يرد على اطلاقها قيد هو انها تقتصر على العقود بين الاحياء وبذلك تخرج الوصية وسائر التصرفات التي تضاف الى ما بعد الموت وقد تناولت هذه التصرفات المادة (18) .
على ان المشروع اجاز ايضا اخضاع العقود المتقدم ذكرها من حيث الشكل للقانون الذي يسري على شروط صحة العقد واثاره او لقانون موطن المتعاقدين او قانونهما الوطني المشترك وبهذا لا يكون ثمة محل للخلاف في طبيعة اختصاص قانون محل الانعقاد وهل هو اختصاص مقرر بقاعدة امرة ام مؤسس على اعتبارات علمية . وايراد الحكم على هذا الوجه قد روعي فيه ان اختصاص قانون بلد انعقاد التصرف قد بني على الضرورات العملية فاذا كان في وسع من صدر منهم العقد ان يستوفوا اجراءات الشكل المقررة لهذا التصرف في القانون الذي يسري عليه من حيث الموضوع او في قانون جنسيتهم المشتركة او موطنهم المشترك فلا يجوز ان يمنعوا من ذلك ولا سيما ان اختصاص ثاني هذه القوانين اقرب الى طبيعة الاشياء واكفل بتحقيق وحدة القانون الذي يسري على العقد .
ولهذا تبدا بعض التشريعات الحديثة بالنص على خضوع شكل التصرف للقانون الذي يطبق في شأن احكامه الموضوعية وتجيز بعد ذلك الالتجاء الى قانون محل انعقاد التصرف ، وبعضها يجعل قانون محل الانعقاد والقانون الذي يرجع اليه للفصل موضوع التصرف وقانون الجنسية المشتركة للمتعاقدين بمنزلة سواء . وقد اضاف المشروع الى قانون الجنسية المشتركة قانون موطن من صدر منهم التصرف لان بعض الدول كانجلترا تستبدل بولاية قانون الجنسية ولاية قانون الموطن ثم ان في هذه الاضافة تيسيرا يتمشى مع اهمية الموطن في تنفيذ العقود ولا سيما التجاري منها .
ويراعي ان اختصاص القانون الذي يسري على شكل وفقا للاحكام المتقدمة لا يتناول الا عناصر ( الشكل ) الخارجية اما الاوضاع الجوهرية في الشكل وهي التي تعتبر ركنا في انعقاد العقد كالرسمية في الرهن التاميني فلا يسري عليها الا القانون الذي يرجع اليه للفصل في العقد من حيث الموضوع . وهي تطابق المادة 20 مصري و 21 سوري ومشروع اردني وتقابل المادة 26 عراقي .
بعد ان بسط المشروع احكام الالتزامات التعاقدية في النصوص المتقدمة عرض في المادة 22 للالتزامات غير التعاقدية فضمن فقرتها الاولى القاعدة العامة وخص الثانية بتفصيل يتعلق بالفعل الضار ، وتنحصر القاعدة العامة في خضوع الالتزامات غير التعاقدية بوجه عام سواء اكان مصدرها الفعل الضار ام الاثراء دون سبب مشروع لقانون البلد الذي وقعت فيه الحادثة المنشئة للالتزام ولا تدخل الالتزامات المترتبة على نص القانون مباشرة في نطاق النص لان القانون نفسه هو الذي يتكفل بتقريرها وتعيين من يلتزم بها دون ان يضع لذلك ضابطا معينا ضابطا معينا او قاعدة عامة .
وتورد المادة في فقرتها الثانية استثناء يتعلق بالمسؤولية عن الفعل الضار فتنص على ان احكام الفقرة السابقة لا تسري فيما يتعلق بالالتزامات الناشئة عن الفعل الضار على الوقائع التي تحدث في الخارج والتي تكون مشروعة في المملكة الاردنيةالهاشمية وان عدت غير مشروعة في البلد الذي وقعت فيه لان الحاق وصف المشروعية بواقعة من الوقائع او نفي هذا الوصف عنها امر يتعلق بالنظام العام . وهذه المادة تطابق المادة 21 مصري و 22 سوري ومشروع اردني وتوافق المادة 27 عراقي .
ان هذه المادة تتناول قواعد الاختصاص واجراءات التقاضي وقررت ان يسري عليها قانون البلد الذي تباشر فيه . وهذا حكم عام يقوم على اتصال هذه الاجراءات وتلك القواعد بالنظام العام . وقد تقدمت الاشارة الى كثير من تطبيقاته من قبل ويلاحظ ان تعبير الاختصاص ينصرف الى ولاية المحكمة كما ينصرف الى الاختصاص النوعي والمكاني والشخصي وان تعبير الاجراءات يشمل جميع الاوضاع التي تتبع امام المحاكم لاستصدار امر ولائي او حكم قضائي لمباشرة اجراءات التنفيذ وغيرها من الاجراءات التي رسمها القانون .
وهي تطابق المادة 22 مصري و 23 سوري ومشروع اردني وتوافق المادة 28 عراقي .
تواجه هذه النصوص المتعاقبة (24 وما بعدها ) مشاكل تعرض بصدد تطبيق قواعد القانون الدولي الخاص التي قررتها النصوص السابقة . فقد تكون هذه القواعد مخالفة لحكم مقرر بمقتضى نص خاص او بمقتضى معاهدة دولية نافذه في المملكة الاردنية الهاشمية وقد تعرض امرا لا حكم له في تلك القواعد ولا في نص او معاهدة خاصة وقد تقضي قاعدة بوجوب تطبيق قانون جنسية الشخص ولكن هذا الشخص لا تعرف له جنسية او تتعدد جنسياته واخيرا قد يتعارض تطبيق احكام القوانين الاجنبية مع النظام العام او الادب .
وقد نصت هذه المادة على احكام المواد السابقة لا تسري الا حيث لا يوجد نص على خلاف ذلك في قانون او في معاهدة دولية نافذة في الاردن وهذا الحكم يتمشى مع القواعد العامة في تفسير النصوص وفي فقه القانون الدولي الخاص . فقواعد التفسير تقضي بان الحكم الخاص يحد من اطلاق الحكم العام بالنسبة الى الحالة التي اريد التخصيص في شأنها . اما المعاهدات فلا تكون نافذة في الاردن الا اذا صدر تشريع يقضي بذلك ( تراجع المادة 33-1 من الدستور ) ومتى صدر هذا التشريع وجب امضاء احكام المعاهدة وفقا لما استقر عليه الفقه ولو تعارضت مع القواعد التي تقدمت الاشارة اليها .
وهي تطابق المادة 23 مصري و 25 سوري ومشروع اردني وتوافق المادة 29 عراقي .
تواجه المادة (25) حالة عدم وجود نص في شان حالة من احوال تنازع القوانين وتحيل في ذلك الى مبادئ القانون الدولي الخاص وهو ما ذ تقرره المادة 103-1 من الدستور الاردني اذ تنص على انه ( في مسائل الاحوال الشخصية للاجانب او في الامور الحقيقية والتجارية التي قضت العادة في العرف الدولي بتطبيق قانون بلاد اخرى بشأنها ينفذ ذلك القانون بالكيفية التي ينص عليها القانون .
وهي تطابق المادة 24 مصري و 26 سوري ومشروع اردني و30 عراقي .
يعرض المشروع الفقرة الاولى من هذه المادة الى حالتي التنازع السلبي ( عدم وجود جنسية للشخص ) والتنازع الايجابي للجنسية ( تعدد جنسيات الشخص ) فتنص على ان المحكمة تعين القانون الذي يجب تطبيقه دون ان تقيده في هذا التعيين بقيد . وفي الفقرة الثانية نص على تغليب الجنسية الاردنية عند تزاحمها مع غيرها من الجنسيات التي يتمتع بها شخص واحد وهذا مبدأ عام استقر في العرف الدولي باعتبار ان تحديد الجنسية مسألة تتعلق بالسيادة ولا تقبل ان تحتكم الدولة في شأنها لغير قانونها . ويراعي ان تخويل المحكمة سلطة التقدير وفقا لاحكام الفقرة الاولى خير من تقييده بضوابط تحد من اجتهادها والغالب ان تعتد المحكمة في حالة التنازع السلبي للجنسية بقانون الشخص او محل اقامته وهو القانون الاردني في اكثر الفروض وان تعتد في حالة التنازع الايجابي متى كانت الجنسية الاردنية غير داخلة في النزاع بالجنسية التي يظهر من الظروف ان الشخص يتعلق بها اكثر من سواها .
وهي تطابق المادة 25 مصري و 27 سوري ومشروع اردني و 33 عراقي .
تواجه المادة (27) حالة تعدد الشرائع التي يتكون منها القانون الواجب تطبيقه في دولة معينة ( كتعدد القوانين التي تطبق في شأن الزواج مثلا بتعدد الطوائف ) وتقضي في هذه الحالة بان القانون الداخلي لهذه الدولة هو الذي يعين الشريعة التي يجب تطبيقها من بين هذه الشرائع وقد استمد الحكم الوارد في هذه المبادئ مما استقر عليه الرأي في الفقه او القضاء بوجه عام .
ويراعى ان هذا الحكم يختلف عن حكم الاحالة ، ولو ان بعض الفقهاء يطلق على هذه الصورة الاخيرة اسم ( الاحالة الداخلية ) والواقع ان الاحالة بمعناها العام تثبت فيها الولاية لقانون دولة معينة ، ولكن هذا القانون يتخلى عن ولايته هذه لقانون آخر ، اما الاحالة الداخلية فلا يتخلى فيها قانون الدولة عن ولايته ، وانما هذه الولاية تكون موزعة بين شرائع متعددة ويكون من المتعين ان يرجع الى القانون الداخلي في هذه الدولة لتعيين الشريعة الواجب تطبيقها من بين تلك الشرائع ، وبعبارة اخرى يتخلى قانون الدولة عن اختصاصه في الاحالة ويرد هذا الاختصاص الى دولة اخرى بمقتضى قاعدة من قواعد الاسناد الخاصة بتنظيم التنازع الدولي ما بين القوانين اما في الاحالة الداخلية فلا يتخلى قانون الدولة عن اختصاصه وانما هو يعين من بين الشرائع المطبقة فيها شريعة يوجب تطبيقها بمقتضى قاعدة من قواعد تنظيم التنازع الداخلي ما بين القوانين .
وهي تطابق المادة 26 مصري و28 سوري ومشروع اردني و31- 2 عراقي .
تنص المادة (28) على وجوب تطبيق الاحكام الموضوعية في القانون الذي تقضي النصوص التالية بتطبيقه دون القواعد التي تتعلق بالقانون الدولي الخاص وهي بهذا لا تجيز الاخذ بفكرة الاحالة .
ولم ينهج المشروع نهج بعض التشريعات في اجازة الاحالة اذا كان من شأنها ان تقضي الى تطبيق القانون الوطني او في اجازة الاحالة اطلاقا ذلك ان قاعدة الاسناد حين تجعل الاختصاص التشريعي لقانون معين ، تصدر عن اعتبارات خاصة ، وفي قبول الاحالة ايا كان نطاقها تفويت لهذه الاعتبارات ونقض لحقيقة الحكم المقرر في تلك القاعدة .
وهي تطابق المادة 27 مصري و 29 سوري ومشروع اردني و31- 1 عراقي .
تنص المادة (29) على انه لا يجوز تطبيق احكام قانون اجنبي عينته النصوص السابقة اذا كانت هذه الاحكام مخالفة للنظام العام او الاداب في المملكة الاردنية وهذا الحكم انعقد عليه الاجماع وحذا المشروع في تقنينه حذو كثير من التشريعات الاجنبية وينبغي التنويه بان اعمال فكرة النظام العام والاداب لترتيب الاثر الذي تقدمت الاشارة اليه فيما يتعلق باستبعاد تطبيق القوانين الاجنبية ، يختلف عن اعمال هذه الفكرة في نطاق روابط الالتزامات التي لا يدخل في تكوينها عنصر اجنبي .
وهي تطابق المادة 28 مصري و 30 سوري مشروع اردني و 32 عراقي .
تبدأ الشخصية الطبيعية للانسان بتمام ولادته حيا اذ تثبت له منذ ذلك الوقت اهلية الوجوب وهي صلاحية الشخص لان تكون له حقوق وعليه واجبات , فيجب اذن لبدء الشخصية ان يولد حيا ولادته تامة فقبل ان تتم الولادة لا تبدا الشخصية , واذا تمت الولادة ولكن الجنين ولد ميتا فلا تبدا الشخصية كذلك , وتنتهي الشخصية بالموت . وما بين الولادة والموت يوجد الشخص الطبيعي وتكون اهلية الوجوب , ولكن اهلية الوجوب هذه قد توجد قبل الولادة وقد تبقى بعد الموت فالجنين يجوز ان يوصى له فيملك بالوصية , ويجوز ان يوقف عليه فيكون مستحقا في الوقف , ويرث فيملك بالميراث والميت تبقى حياته مقدرة حتى تسند اليه ملكية ما تركه من مال الى ان تسدد ديونه اذ لا تركة الا بعد سداد الدين .
وهي تطابق المادة 29 مصري و31 سوري مشروع اردني و 34 عراقي .
الولادة من حيث هي عمل مادي تثبت نشهادة الميلاد , وكذلك النسب الذي يترتب على الولادة فانه يثبت ايضا بشهادة الميلاد , والموت يثبت بشهادة الوفاة ودفاتر المواليد والوفيات والتبليغات المتعلقة بها والشهادات التي تستخرج من الدفاتر لها قانون خاص ينظمها .
والاصل ان شهادة الميلاد وشهادة الوفاة كافيتان للاثبات حتى يقيم ذو الشأن الدليل على عدم صحة ما ادرج في السجلات فعندئذ يجوز اثبات الولادة والوفاة بجميع طرق الاثبات ، كذلك يجوز اثباتهما بجميع الطرق اذا لم توجد شهادة الميلاد او شهادة الوفاة لاي سبب من الاسباب , وليس من الضروري اثبات ان هاتين الشهادتين قد فقدتا بل يكفي الا يوجدا حتى يسمح لذي الشان ان يثبت الولادة او الوفاة بجميع الطرق .
على انه يلاحظ في اباحة اثبات الولادة والوفاة بجميع الطرق ان قانون الاحوال الشخصية هو الذي يحدد قوة الاثبات للطرق المختلفة فتتبع احكام الشريعة الاسلامية في ثبوت النسب , ويلاحظ ان عبارة ( لم يوجد ) تشمل ما لم يوجد اصلا وما وجد ثم انعدم .
وهي تطابق المادة 30 مصري و32 سوري ومشروع اردني وتوافق المادة 35 عراقي .
هذه المادة تقابل المادة 32 مصري و34 سوري ومشروع اردني وتطابق المادة 36 عراقي .
وان اللجنة وافقت الخبير الاستاذ المنفلوطي على اختيار النص العراقي لانه يعين المقصود من المفقود والغائب وفقا للحكم الشرعي ولم تأخذ بالنص الذي ذكره الخبيرمحمد زكي عبد البر الموافق للمادة 34 من المشروع الاردني وقد اكتفى المشروع بالاحالة على الاحكام المقررة في قوانين خاصة فان لم توجد هذه القوانين الخاصة فانه يرجع الى احكام الشريعة الاسلامية , والسبب في تاخير حكم تطبيق الشريعة بعد تطبيق القوانين الخاصة ان القوانين الخاصة واجبة التطبيق اولا لانها قد تختار رايا معينا في الفقه الاسلامي , مخالفا لما هو راجح او معول عليه فاذا لم يوجد فيها نص رجع القاضي الى احكام الشريعة الاسلامية الاخرى .
كل شخص طبيعي ينتمي الى جنسية معينة والى دين معترف به , وينتسب الى اسرة تتكون من ذوي قرباه , ويتميز باسم يعرف به , ويقيم في موطن يخصص له , وتتحدد له اهلية اداء لمباشرة حقوقه المدنية فهذه خصائص ست للشخصية الطبيعية .
فالجنسية الاردنية هي التي ينتمي اليها كل اردني سواء اقام في المملكة الاردنية او لم يقم , ويلاحظ ان الاشخاص الذين تثبت لهم في وقت واحد بالنسبة الى المملكة الاردنية الجنسية الاردنية وبالنسبة الى دولة اجنبية او عدة دول اجنبية جنسية تلك الدولة يعتبرون اردنيين في نظر القانون الاردني والمحاكم الاردنية وتتغلب بذلك الجنسية الاردنية على الجنسيات الاجنبية وقد نص في المادة الخامسة من الدستور الاردني ان الجنسية الاردنية تحدد بقانون ,
وهي تطابق المادة 33 مصري و 35 سوري ومشروع اردني و 37 عراقي .
اسرة الشخص هم ذوو قرباه . ويعتبر قريبا للشخص من يجمعه به اصل مشترك ذكرا كان او انثى , والقرابة اما قرابة مباشرة او قرابة غير مباشرة , فتكون القرابة مباشرة بين شخصين اذا تسلسل احدهما من الاخر كما هو الامر بين الاصول والفروع وقرابة غير مباشرة وهي التي لا تسلسل فيها , وان كان يجمع الشخصين اصل مشترك , فالاب قريب مباشر وكذلك ابو الاب وان علا وام الاب وان علت . والام قريب مباشر وكذلك ابو الام وان علا وام الام وان علت , وكل اصل من هؤلاء يعتبر كلا من ابيه وامه اصلا اي قريبا مباشرا .
والحواشي هم الاقارب المحارم الذين ليسوا اصولا ولا فروعا كالاخوة والاخوات واولادهم والاعمام والعمات والاخوال والخالات .
والاقارب غير المحارم كابن العم وابن الخال وابن العمة وابن الخالة وينتسب للشخص من جهة ابيه فروع ابيه وفروع ابي ابيه وفروع ام ابيه وفروع كل اب وام لكل اصل من اصول ابيه , وينتسب له من جهة امه فروع امه وفروع ابي امه وفروع ام امه وفروع كل اب وام لكل اصل من اصول امه وقد ذهب القانون المدني المصري وكذا السوري والعراقي الى ان قرابة الحواشي هي الرابطة ما بين اشخاص يجمعهم اصل مشترك دون ان يكون احدهم فرعا للاخر اي ان الحواشي هم غير الاصول والفروع سواء اكانوا من المحارم او من غير المحارم في حين ان مصطلح الفقه الاسلامي ان الحواشي هم الاقارب المحارم الذين ليسوا اصولا ولا فروعا فلا يعتبر منهم الاقارب غير المحارم كابن العم وابن الخال وقد رؤي ان يلتزم المشروع المصطلح الفقهي الاسلامي .
وهما تطابقان المادتين 34 و 35 مصري وتقابلان المادتين 36 و 37 سوري ومشروع اردني و 38 و 39 - 1 عراقي .
درجة القرابة المباشرة تحدد باعتبار كل فرع درجة دون حسبان الاصل , فالاب والام في الدرجة الاولى , وكذلك الابن والبنت , وابو الاب وام الاب وابو الام وام الام في الدرجة الثانية , وكذلك ابن الابن وبنت الابن وابن البنت وبنت البنت وهكذا .
اما درجة القرابة غير المباشرة بين شخصين فتحدد بعدد الفروع التي تصل كل شخص بالاصل المشترك مع حساب كل شخص منهما فرعا وعدم حساب الاصل المشترك , فالاخ في الدرجة الثانية وابن الاخ في الدرجة الثالثة وكذلك العم اما ابن العم ففي الدرجة الرابعة .
وهي تطابق المادة 36 مصري وتقابل 38 سوري ومشروع اردني و 39 - 2 عراقي .
اذا تحددت قرابة الشخص من اخر ودرجة هذه القرابة فان هذا الشخص يعتبر في نفس القرابة بالنسبة لزوج الشخص الاخر وهذا من طريق المصاهرة ويتبين من ذلك ان القرابة ( بما في ذلك المصاهرة ) اما ان تكون من جهة الاب او من جهة الام او من جهة الزوج .
وهي تطابق المادة 37 مصري و 39 سوري ومشروع اردني وعراقي .
نص القانون المدني المصري والتقنينات العربية التي اخذت عنه على ان يكون لكل شخص اسم ولقب , ولقب الشخص يلحق اولاده ( وعلى انه ينظم بتشريع خاص كيفية اكتساب الالقاب وتغييرها ) ولم يعرف في اولى مادتيه اللقب ولذلك احال في ثاني المادتين على قانون خاص , واللقب في اللغة هو الاسم المشعر بمدح او ذم وقد يتخذ الشخص لقبا لا يبين نسبة الى اسرة معينة ولا الى اب معين لذلك رؤي ان يسلك المشروع مسلكا اخر وذلك بان يوجب ان يذكر اسم الشخص ويزاد عليه اسم ابيه واسم الاسرة فباسم الاسرة يتميز ابناء كل اسرة عن ابناء الاسر الاخرى وباسم الاب يتميز اولاد الاعمام بعضهم عن بعض وباسم الشخص يتميز عن اخوته فان لم يكن للاسرة اسم خاص فيغني عن اسمها اسم الجد .
وهي تقابل المادتين 38 و 39 مصري و 40 و41 سوري ومشروع اردني و 40 عراقي .
الموطن هو المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة , ومجرد الوجود او السكن في مكان لا يجعل منه موطنا ما لم تكن الاقامة مستقرة فيه , واذا كان المشروع قد جعل من الاقامة الفعلية اساسا للتصوير الذي اتبعه الا ان عنصر الاستقرار ضروري لتوافر معنى الموطن ولا يقصد بالاستقرار اتصال الاقامة دون انقطاع وانما يقصد استمرارها على وجه يتحقق معه شرط الاعتياد ولو تخللتها فترات غيبة متقاربة او متباعدة .
ويترتب على ذلك نتيجتان ( اولاهما ) ان الشخص قد لايكون له موطن ما , من هذا القبيل البدو الرحل الذين لا يقر لهم قرار في مكان معين ( والثانية ) انه يجوز ان يكون للشخص اكثر من موطن ويتحقق ذلك اذا كان الشخص يقيم اقامة معتادة في الريف واحدى المدن معا او كانت له زوجتان يقيم مع كل منهما في مكان منفصل عن مكان الاخرى والموطن هوالذي يوجه فيه الى الشخص كل اعلان او انذار او صحيفة دعوى او غير ذلك من الاوراق التي يكون لها اثر قانوني , وموطن المدين في المكان يسعى اليه الدائن لاستيفاء حقه .
وهذا التصوير هو تصوير الفقه الحنفي ففي البدائع ( ج/1 ص/103 - 104 ) ثم الموطن الاصلي يجوز ان يكون واحدا او اكثر من ذلك بان كان له اهل ودار في بلدتين او اكثر ولم يكن من نية اهله الخروج منها وان كان هو ينتقل من اهل الى اهل ( في السنة حتى انه لو خرج مسافرا من بلدة فيها اهله ودخل في اي بلدة من البلاد التي فيها اهله فيصير مقيما من غير نية الاقامة ) وجاء في المادة 20 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ( في مصر ) ان الموطن الاصلي هو ( البد الذي يقطنه الشخص على وجه يعتبر مقيما فيه عادة ) ويتفرع على ذلك ان الزوجة المسلمة يجوز ان يكون لها موطن اخر مستقل عن موطن الزوجية اذ ليس للزوج ان يجبرها على الانتقال فيما يجاوز مسافة القصر سواء اكان الانتقال من مصر الى مصر او من مصر الى اية قرية او العكس ( م 208) من الاحكام الشرعية في الاحوال الشخصية غير ان المادة 33 من قانون حقوق العائلة الاردني رقم 92/1951 , تضمنت انه تجبر الزوجة بعد قبض المهر المعجل على الاقامة في مسكن زوجها الشرعي والانتقال معه الى اية جهة ارادها الزوج , واذا لم يكن ثمة مانع , وانه يعتبر مانعا قصد الاضرار والايذاء لها من ازوج , او ان يكون الزوج غير مامون عليها , وقد اخذ كل من القانون المدني المصري والسوري والعراقي والمشروع الاردني بفكرة امكان تعدد مكان الاقامة .
وكذا التقنين المدني الالماني بخلاف القانون الانجليزي والقانون الفرنسي فكلاهما يجعل لكل شخص موطنا ولا يجعل له اكثر من موطن واحد ( تراجع الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري , ج/1 ص/341 وما بعدها ) .
وعلى هذا يوجد الى جانب الموطن الذي يعينه الشخص باختياره من جراء اقامته المعتادة فيه ثلاثة انواع من الموطن .
اولا : موطن اعمال يكون مقصورا على ناحية معينة من نواحي نشاطه فالمكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة او صناعة او حرفة يعتبر بالنسبة الى الغير موطنا له فيما يتعلق بادارة اعمال هذه التجارة او الصناعة او الحرفة وكذلك القاصر اذا بلغ خمس عشرة سنة ولم يمنع من مباشرة بعض اعمال الادارة يجوز ان يتخذ موطنا بالنسبة لهذه الاعمال دون غيرها يكون غير موطن وليه او وصيه , وفي ايراد النص على هذا النحو كل التيسير على المتعاملين فضلا عما فيه من مطابقة للواقع .
ثانيــا : موطن قانوني ينسبه القانون للشخص ولو لم يقم عادة كما هو الامر بالنسبة الى القاصر والمحجور عليه والمفقود فان القانون يجعل من موطن وليه او وصيه او القيم عليه او وكيله موطنا له . وفي هذه الحدود يحتفظ المشروع لفكرة الموطن بنصيب من طابعها الحكمي ورعاية لمصلحة القصر والمحجورين بوجه عام .
ثالثــا : موطن مختار يتخذه الشخص لتنفيذ عمل قانوني معين كما اذا اختار موطنا له مكتب محاميه وكما يختار الدائن المرتهن موطنا في دائرة محكمة العقار عند قيد الرهن وكما اذا اشترى شخص ارضا بعيدة عن موطنه فيتفق معه البائع على ان يكون له موطن قريب من الارض بالنسبة لهذا البيع , ولا يثبت هذا الاتفاق الا بالكتابة , ويكون الموطن في هذه الحالة مقصورا على الاعمال المتعلقة بتنفيذ البيع كاستيفاء اقساط الثمن ومطالبة المشتري بسائر التزاماته ومقاضاته بشان البيع واتخاذ اجراءات التنفيذ الجبري , وهذا ما لم يقصر الموطن المختار صراحة على بعض هذه الاعمال دون الاخرى وغني عن البيان ان فكرة الموطن المختار تتمشى مع التصوير الحكمي والتصوير الواقعي للموطن على حد سواء .
ويتبين مما تقدم ان الشخص قد يكون له موطنه المعتاد والى جانبه موطن لاعمال حرفته وموطن حكمي في حالة الحجر والغيبة وموطن مختار لعمل قانوني معين .
وهاتان المادتان تطابقان المادتين 40 و 41 مصري و 42 و43 سوري ومشروع اردني و 42 و 44 عراقي .
بمقتضى المادة 1616 من المجلة يكون الاولياء والاوصياء لفاقدي الاهلية مدعين او مدعى عليهم بالنيابة عنهم ولذلك يكون وطن هؤلاء هو وطن اولئك , وبما ان الذي بلغ خمس عشرة سنة يعتبر بالغا بمقتضى المادة 987 من المجلة ويصح منه بعض التصرفات فيعتبر موطنه الخاص بالنسبة لتلك التصرفات الجائزة منه , وهي تقابل المادة 42 مصري و 44 سوري ومشروع اردني و 43 عراقي .
بنيت هذه المادة على ان استعمال الناس وعرفهم حجة يجب العمل بها وتطبيقها بمقتضى المادة 37 من المجلة وان مصلحة الجمهور تقتضي العمل بذلك والتصرف على الرغبة منوط بالمصلحة بمقتضى المادة 58 من المجلة .
وهي تطابق المادة 43 مصري و 45 سوري ومشروع اردني وعراقي .
سن المشروع المبادئ الرئيسية في الاهلية باعتبار ان اهلية الاداء هي احدى خصائص الشخص الطبيعي , واقتصر على ان يشير في المواد التالية اشارة سريعة الى الادوار التي يمر بها الانسان , فهو الى السابعة فاقد التمييز فيكون معدوم الاهلية وهو من السابعة الى الخامسة عشرة ناقص التمييز فتكون له اهلية ناقصة .
فاذا ب لغ سن الرشد وهي ثماني عشرة سنة شمسية كاملة متمتعا بقواه العقلية استكمل التمييز فالاهلية , كل هذا اذا لم يصب بعاهة كالغفلة والسفه والعته والجنون فيفقد التمييز ويفقد معه الاهلية , ويتبين من ذلك ان الاهلية تتمشى مع التمييز , توجد بوجوده وتنعدم بانعدامه .
وهي تقابل المادة 44 مصري وتطابق المادة 46 سوري ومشروع اردني والفقرة الاولى من المادة 46 عراقي .
تتناول هاتان المادتان حكم من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد , ومن بلغ سن الرشد سفيها او ذا غفلة فقضتا بان كلا منهم يكون ناقص الاهلية وقد رؤي دفعا للبس ان تختتم المادة بعبارة ( وفقا لما يقرره القانون ) اذ بهذه العبارة لا يعتبر السفيه او ذو الغفلة من ناقصي الاهلية الا في الحالات وبالاجراءات التي يقررها القانون .
وهذه العبارة اوسع من القول بان ( كل من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد وكل من بلغ سن الرشد وحجر عليه لسفه او غفلة يكون ناقص الاهلية )) اذ من الاحوال ما قد تكون فيها تصرفات السفيه او ذى الغفلة قابلة للابطال او باطلة ولو قبل قرار الحجر فبالعبارة التي ختمت بها المادة لا يعتبر السفيه او ذو الغفلة من ناقصي الاهلية الا في الحالات وبالاجراءات التي يقررها القانون .
وهما تطابقان المادتين 45 و 46 مصري و 47 و 48 سوري ومشروع اردني . ?
بعد ان حدد المشروع الشخصية على النحو المتقدم وعين خصائصها تولى حمايتها الحماية الواجبة ضد نفس الشخص وضد الغير .
فقد حمى المشروع الشخص ضد نفسه بان حرم عليه ان ينزل عن اهلية الوجوب او اهلية الاداء فان قواعد هذين النوعين من الاهلية تعتبر من النظام العام لا تجوز مخالفتها او تعديلها , وكالاهلية الحرية الشخصية , فلا يجوز لشخص ان ينزل عن حريته ولا ان يقيدها الا بالقدر الذي يتعارض مع النظام العام والاداب , فليس له ان يلتزم التزاما ابديا ولا يقيد حريته في العمل كأن يتعهد بالا يباشر حرفة معينة طول حياته .
وحمى المشروع الشخص ضد الغير اذا تعدى على أي حق من الحقوق اللازمة للشخصية كالتعدي على حرية الشخص او سلامة جسمه او سمعته الادبية او حرمة موطنه فاذا وقع تعد من الغير على شئ من ذلك كان للشخص ان يطلب وقف هذا التعدي والتعويض عن الضرر , ويعتبر تعديا يستوجب الوقف والتعويض ان يتعدى الغير على اسم الشخص فينازعه في استعماله دون مبرر او ان ينتحل هذا الاسم على نحو يلحق الضرر بصاحبه و وقد يتحول الاسم الشخصي الى اسم تجاري له قيمة مالية وهذا ايضا يحميه القانون .
وهي تطابق المواد من 47- 51 مصري والمواد من 49- 53 سوري ومشروع اردني وتوافق المادة 41 والفقرة (2) من المادة 46 عراقي .
2. الاشخاص الحكمية (الاعتبارية) :
نظرة عامة :
ان التقنينات الحديثة تتضمن نصوصا عامة في شأن الاشخاص الاعتبارية وبوجه خاص في شأن الجمعيات والمؤسسات فهل الفقه الاسلامي يعرف الشخصية المعنوية
الظاهر من كلام الحنفية انه لا الذمة ولا اهلية الوجوب تثبتان عندهم لما لا حياة له كالمسجد والمدرسة والمستشفى والوقف وبيت المال وما الى ذلك من الجهات والمنشآت فلا تكون هذه اهلا لان تملك ولا ان تكون لها حقوق وعليها واجبات بل قد صرحوا احيانا فقالوا : ان الوقف لا ذمة له وبنوا على هذا النظر عدم صحة الهبة لهذه المنشآت كالمسجد والمستشفى بخلاف الوصية لها فقد اجازوها على انها وصية بالانفاق عليها فكانت من قبيل الايصاء بالصدقة لا من قبيل التمليك لها . ومثال ذلك ان يوصي انسان بهذا المال لينفق في عمارة هذا المسجد او في مصالح هذا المستشفى وهكذا ، ويعتبر ذلك كقيام شخص بالانفاق على مسجد او على مستشفى في حال حياته . ومرجع كل ذلك الى الاحتساب لله تعالى والتصدق لا الى تمليك المستشفى او المسجد شيئا ومن هذا قيل ان الحنفية لا يقولون بالشخصية المعنوية كشخصية الشركات والمنشآت والحكومات والمصالح وما اشبه ذلك .
ولكنا مع هذا نرى في كتبهم انهم كثيرا ما يقررون لهذه الجهات احكاما تقتضي ان لها حقوقا قبل الناس يقوم بطلبها من له الولاية او النظر عليها ، وان للناس حقوقا قبلها يطالبون بها من له الولاية عليها شأنها في ذلك شأن الصبي غير المميز وما في حكمه . فنرى او الولي عليها كثيرا ما يبيع لها كبيعه لثمرات الاعيان الموقوفة عليها ، وكثيرا ما يشتري لها كذلك كشرائه للبذور اللازمة لزراعة ارضها وادوات فلاحتها وقد يستدين لها فيكون الدين مطلوبا من نماء الاعيان الموقوفة عليها وقد ينفق عليها من ماله فيرجع في مالها وهكذا فالوقف مثلا يقوم الناظر عليه بتأجير اعيانه المعدة لذلك فاذا انتفع المستأجر اصبح مدينا بالاجرة لجهة الوقف لا للناظر ولا للمستحقين ، اما انه غير مدين للناظر فلانه لو عزل لم يكن له حق مطالبة المستأجر بما في ذمته من الاجرة وانما ينتقل حق المطالبة الى من حل محله ، ولو كان الدين له لبقي له حق المطالبة بعد عزله .
واما انه غير مدين للمستحقين فلانه لا يجوز لهم مطالبة المستأجر بها ، ولو كانت دينا لهم لطالبوا بها . وكذلك قد يحتاج الوقف الى عمارة فيحجز الناظر من غلاته ما يفي بالعمارة فما يحجزه ليس ملكا له ولا ملكا للمستحقين وانما هو من حق جهة الوقف ، وليس لذلك معنى الا انه مملوك لها . وبهذا يظهر ان الوقف تكون له حقوق يطالب بها الناظر عليه ، وكذلك قد يقوم الناظر بالانفاق من ماله في عمارة اعيان الوقف فيكون ما ينفقه حقا له قبل الوقف يرجع بها في غلته عند تحصيلها ، وقد يشتري له ما يحتاج اليه نسيئة باذن القاضي فيطالب الناظر بدفع الثمن من غلة الوقف ، واذا عزل صح ان يطالب بذلك بعد عزله من حل محله في النظر . واذا صح ايضا ان يطالب بذلك بعد عزله فذلك لانه كالوكيل ترجع حقوق العقد اليه فيدفع الثمن على ان يرجع به على من حل محله في النظر ولكن في مال الوقف ، وقد جاء في تنقيح الحامدية من باب الوقف عند اخره ( اذا اشترى القيم على المسجد واعيانه حصيرا له بالنسيئة ، ثم عزل واقيم مقامه آخر في النظر على ذلك ، كان لبائع الحصير مطالبة الناظر الجديد بثمنها) وكذلك نجد كثيرا من احكام بيت المال والمنشآت ما يظهر ان المرجع فيه الى مالها من حقوق يجب ان تصل اليها وما يطلب من حقوق تجب لغيرها قبلها والا فيكف يدار مستشفى مثلا وقفه مالكه ووقف على ادارته اعيانا اليس يحتاج في ادارته الى اطباء وصيادلة وممرضين ومستخدمين وكل هؤلاء يستحقون الاجر على اعمالهم قبل المستشفى واعيانه وان شئت قلت : في غلة تلك الاعيان ثم اليس يحتاج كذلك الى ان يشترى له كثيرا من الاثاث والادوات العقاقير الطبية ، فيكون لبائعها ان يطالب بثمنها ، وعندئذ لا يطالب الا الناظر باعتباره وليا على هذا المستشفى ومع كل هذا فقد يعالج في المستشفى كثير من الموسرين باجر فتستحق جهة المستشفى عليهم بذلك الاجر ويطالبون بادائه ويدفعونه لجهة المستشفى فيكون من امواله الا من اموال الناظر عليه ومثل ذلك كثير .
كل ذلك يقضي بثبوت الذمة لجهات لا حياة فيها .
ولعل ذلك ما دعا الشافعية والمالكية الى ان يجعلوا هذه الجهات اهلا للتملك فأثبتوا لها بذلك الذمة اذ لا يملك الا من كان له ذمة واهلية . ففي اسنى المطالب على روض الطالب للشيخ زكريا الانصاري الشافعي (2 : 365) ما نصه : (ولو كان للمسجد شقص من ارض مشتركة مملوكة له بشراء او هبة ليصرف في عمارته ثم باع شريكه نصيبه في تلك الارض فللقيم على المسجد ان يشفع ويأخذ حصة الشريك بالشفعة ان رأى ذلك مصلحة . كما لو كان لبيت المال شريك في ارض فباع شريكه نصيبه فيها فللامام الاخذ بالشفعة ان رأه مصلحة ومثل ذلك في نهاية المحتاج للرملي الشافعي .
وفي منح الجليل للشيخ عليش الماليك (4 : 114) (سئل ابن زرب عمن تصدق او وهب لمسجد بعينه ، هل يجبر على اخراجها وانفاذها (يريد الهبة او الصدقة) فقال : يجبر كمتصدق على رجل بعينه . وقال احمد وابن عبد الملك : يؤمر ولا يجبر يريد لان الانتفاع ليس للمسجد وانما هو لجماعة الناس ، فهي كصدقة على غير معين ) .
وفيه ايضا (3 : 584) وللسلطان باعتباره ناظر بيت المال ان يأخذ له بالشفعة اذا كان له شخص بسبب ميراث مثلا عندما يبيع الشرك) .
فالمسجد يشتري له فيكون مالكا وكذلك يوهب له فيكون مالكا ويؤخذ له بالشفعة فيملك بها ، وكذلك بيت المال وليس لهذا مرجع الا بثبوت الذمة لهما ولا مثالهما قياسا عليها .
(يراجع في ذلك وفي مناقشة الحنفية استاذنا الشيخ علي الخفيف ، احكام المعاملات الشرعية ، الطبعة الثالثة سنة 1947م صفحة 274 - 276) . هذا وقد نص الدستور الاردني على ان (للاردنيين الحق في تأليف الجمعيات والاحزاب السياسية على ان تكون غايتها مشروعة ووسائلها سليمة وذات نظم لا تخالف احكام الدستور ، وينظم القانون طريقة تأليف الجمعيات والاحزاب السياسية ومراقبة مواردها) (م 16 - 2 و 3 من الدستور) . كما نص على انه يحق للجماعات تأسيس مدارسها والقيام عليها لتعليم افرادها على ان تراعي الاحكام العامة المنصوص عليها في القانون وتخضع لرقابة الحكومة في برامجها وتوجيهها (م 19 من الدستور) . (وتراجع ايضا المادة 108 و 109 من الدستور) .
فالجمعيات قد اعترف بها وكذلك المؤسسات والحاجة تدعو الى تنظيم كل ، كي تقوم على قواعد مستقرة تكفل تحقيق الاغراض التي رصدت على خدمتها . وقد اقتصر المشروع على بيان الاشخاص الحكمية ، في المادة 50 ، وما يتمتع به الشخص الحكمي من حقوق في المادة 51 والنص في المادة 52 على ان الاشخاص الحكمية تخضع لاحكام القوانين الخاصة دون الدخول في تفصيلات احكام الجمعيات والمؤسسات ، اعتمادا على ذكرها في تلك القوانين .المذكرة الايضاحية :
عرض المشروع في هذه المادة لبيان الاشخاص الاعتبارية التي يعترف لها القانون الاردني بهذه الصفة , وقد رؤي ان هذا البيان ضروري لارشاد القضاء الى ضابط عام يحول بينه وبين لتوسع في الاعتراف بالشخصية الاعتبارية لجماعات لا تدخل في انواع الاشخاص التي ذكرها , مع ملاحظة ما التزمه المشروع من عموم في التعبير يجعله يتسع لجميع صور الاشخاص الاعتبارية القائمة الان في المملكة الاردنية وليس ما يمنع من تدخل المشرع فيما بعد الاعتراف بصور اخرى من صور الاشخاص المعنوية اذا اقتضت المصلحة ذلك. ولهذا ادرجت الفقرة رقم (6) من المادة 50 في عداد الاشخاص المعنوية كل مجموعة من الاشخاص او الاموال يمنحها القانون شخصية اعتبارية , وعلى هذا النحو لا يقصر النص على بيان ما يوجد من الاشخاص الاعتبارية في المملكة الاردنية في الوقت الحاضر و وانما يتناول ما قد يقضي التطور الى وجود في المستقبل .
على ان الاعتراف بالشخصية القانونية للهيئات ونحوها التي لا يتناولها النص بذاتها لابد فيه من نص خاص , وتستهل الفقرة الاولى بيان الاشخاص الاعتبارية العامة الخاضعة لقانون العام بذكر الدولة والبلديات بالشروط التي يحددها القانون وتضيف اليها المؤسسات العامة وغيرها من المنشآت التي يمنحها القانون شخصية قانونية .
وتتناول الفقرة الثانية الهيئات والطوائف الدينية التي تعترف لها الدولة بالشخصية الاعتبارية .
وتدخل الفقرة الثالثة الوقف بين الاشخاص الاعتبارية , وتذكر الفقرة الرابعة الشركات المدنية والتجارية ويدخل فيها الجمعيات التعاونية التي تتكون وفقا للقانون الخاص بها متى قصد منها الى تحصيل الربح , وتذكر الفقرة الخامسة الجمعيات والمؤسسات المنشأ وفقا للقانون وتضيف الفقرة السادسة نصا عاما يفتح الباب لادخال مجموعات منالاشخاص او الاموال تثبت لها الشخصية الاعتبارية بمقتضى نص ي القانون على ما تقدم .
وهي تطابق المادة 54 سوري ومشروع اردني وتقابل المادة 47 عراقي و 52 مصري .
عني المشروع في هذه المادة بابراز فكرة الشخص المعنوي بوصفها فكرة عامة لا تقتصر على حدود الشركات والجمعيات والمؤسسات بل يتناول اثرها نطاق القانون باسره يستوي في ذلك ما يكون منه خاصا او عاما , وقد رؤي ان خير تعريف للشخص المعنوي انما يكون بعرض خصائصه الذاتية وهي خصائص يستعان بها للتفريق بين مجموعات الاشخاص او الاموال التي توجد في حكم الواقع ونظيرها من المجموعات التي يعترف بها القانون بكيانها ويثبت لها صلاحية وجوب لها وعليها , في الحدود اللازمة لمباشرة نشاطها فيكون شانها في هذه الحدود شأن الاشخاص الطبيعيين .
وهي تطابق المادة 53 مصري والمادة 55 سوري ومشروع اردني وتقابل المادة 48 عراقي .
رؤي من المصلحة الاحالة في احكام وتفصيلات الاشخاص الحكمية على القوانين الخاصة بها .
وهي تقابل المواد 56 – 82 من المشروع الاردني والمواد من 50 – 60 عراقي .
وضع المشروع في هذه المواد اساس التفرقة بين الاشياء والاموال فبين ان الشيء غير المال ، فالشيء قد يكون مالا وقد لا يكون مالا . فاذا امكن حيازته والانتفاع به انتفاعا عاديا فهو مال ، سواء اكان محرزا ومنتفعا به فعلا ام غير محرز ولا منتفع به ، ولكن من الممكن ان يتحقق فيه ذلك كالمباح من الاشياء مثل الطير في الجو والصيد في الفلاة اذ من الممكن ان يحاز هذا وذاك وينتفع به . اما اذا لم تمكن حيازته وان انتفع به كروائح الاشياء او امكن حيازته دون امكان الانتفاع به انتفاعا عاديا كحبة من قمح فليس بمال . وعلى هذا فالخمر والخنزير والمنخنقة والموقوذة تعد اموالا لامكان حيازتها والانتفاع بها .
ولما كان الشيء قد يكون ماديا وقد يكون معنويا وقد كثرت الاشياء المعنوية وتمولها الناس وتعارف الناس ذلك تعارفا لم يعد مجال للشك فيه ولا لانكاره فقد حرص المشروع نزولا على ما جرى عليه العرف ، من اعتبار كثير من الاشياء المعنوية ، كالالحان والاسماء التجارية والعلامات التجارية اموالا بالنص على ان الحيازة قد تكون مادية وقد تكون معنوية ، فحيازة الاشياء المادية تكون بحيازتها ماديا ، وحيازة الاشياء المعنوية تكون بحيازتها معنويا ، وحيازتها معنويا تكون بصدورها عن صاحبها ونسبتها اليه ، فالعمل الادبي والفني والاسم التجاري والعلامة التجارية اشياء معنوية لا تكون حيازتها الا معنوية وذلك بصدورها عن صاحبها ونسبتها اليه ، وكما يحوز الشخص اسمه باطلاقه عليه كذلك يحوز لحنه ورسمه وفكرته بصدورها عنه ونسبتها اليه فتلك هي الوسيلة لحيازة الاشياء المعنوية ، وهي بخلاف حيازة نسخة من الكتاب او الاسطوانة فهذه شيء مادي وحيازتها مادية وهي بخلاف نفس الفكر الذي تضمنه الكتاب واللحن الذي حوته الاسطوانة .
كما حرص المشروع على ان يبين ان امكان الحيازة لا يكون فقط بحيازة الشيء نفسه وانما يكون ايضا بحيازة اصله وعلى هذا فالمنافع اموال لامكان حيازتها بحيازة اصلها فمن حاز دارا حاز منفعتها تبعا وهذا هو مذهب الشافعية والمالكية والحنابلة اما الحنفية فلم يعتبروا المنافع مالا لانها وان امكن الانتفاع بها لا يمكن حيازتها لانها اعراض تتجدد بتجدد اوقاتها . وقد استثنى الحنفية هذا الحكم الموقوف ومال اليتيم والاعيان المعدة للاستغلال ، والعين تعتبر معدة للاستغلال اذا اوجدها مالكها او تملكها لهذا الغرض كدار يبنيها ليؤجرها او سيارة يشتريها لذلك ، وكذلك تعتبر معدة للاستغلال اذا اجرها مالكها ثلاث سنين متوالية او اعلن في الناس انه قد اعدها للاستغلال ويبطل اعداد العين للاستغلال بموت مالكها وببيعه اياها كما يتبين من المادة 417 من المجلة وشرحها لعلي حيدر (وابن عابدين ، رد المحتار ج5 كتاب الاجارة طبعة الحلبي) ولا شك ان الاستثناء الذي اورده الحنفية هو نتيجة شعورهم بما في رأيهم من مجافاة ، لما يجب لليتيم وما في حكمه من اصلاح ولذلك اتجه المشروع الى الاخذ برأي الشافعية والمالكية والحنابلة من ان المنافع اموال ليعم الاصلاح جميع الناس ولم يات في كتاب الله ولا سنة رسوله بأن المنفعة ليست مالا . وقد اتسع بهذا الاعتبار التعريف فشمل الحق ان اريد به منفعة هي مال وبعبارة اخرى ان تعلق بمال كحق المستأجر في العين التي استأجرها وحق المرور وحق المسيل . اما اذا تعلق الحق بغير مال كحق الحضانة وحق الزوج في الاستمتاع بزوجته فليس بمال وهو ما ذهب اليه غير الحنفية . فالمشروع - توسعة على الناس - لم يذهب مذهب الحنفية في اعتبار الحقوق ليست مالا لعدم امكان حيازتها ايضا سواء اتعلقت بمال ام لم تتعلق بمال .
ويتبين مما تقدم ان الحيازة قد تكون مباشرة وقد تكون غير مباشرة والمباشرة تقع على الشيء نفسه وتكون مادية اذا كان الشيء ماديا وتكون معنوية اذا كان الشيء معنويا وغير المباشرة لا تقع على الشيء نفسه وانما تقع على اصل الشيء ، كحيازة المنفعة ، تكون بحيازة اصل المنفعة اي مصدرها .
ويلاحظ ان الفقهاء انفسهم اعتبروا الحيازة بيد شخص آخر كحيازة الوكيل والمودع .
يراجع ابن عابدين ، رد المحتار ، ج4 ص 3 والمادتان 125 و 126 من المجلة والمادة الاولى من مرشد الحيران .
وهي تقابل المواد 81 مصري و 83 سوري ومشروع اردني و 61 عراقي .
تبين هذه المادة المثلي والقيمي من الاموال فالمثلي هو المال الذي يقدر عادة بالوزن او بالكيل او بالعد فتتماثل اجزاؤه عندما يكون مكيلا او موزونا وآحاده عندما يكون معدودا مع ملاحظة وجوده كذلك في الاسواق فان لم يوجد في الاسواق فليس بمثلي وانما يعتبر قيميا حتى يوجد في الاسواق ولا تأثير لوجوده عند الناس في بيوتهم لاجل استهلاكهم .
والقيمي هو ما لا يقدر من الاموال بكيل ولا بوزن ولا عد او كان كذلك ولكن تتفاوت آحاده الى درجة تتغير معها قيمها .
ويلاحظ ان التماثل وعدم التماثل يختلف باختلاف الزمان والظروف فقديما كانت الاقمشة تعتبر قيمية لاختلافها في النسيج والخيوط اختلافا تتفاوت به قيمها نتيجة غزلها ونسجها بالايدي اما الان وقد اصبح كل ذلك بالآلات الميكانيكية التي لا تنتج الا متماثلا في جميع الصفات فالواجب الان عدها من المثليات كما يعد الان من المثليات كل ما توجده الصناعة الحاضرة من المصنوعات المتماثلة في المادة ، والصنعة والقدر والصفة كالنقود الذهبية والفضية والنحاسية والبرنزية واواني الطعام والشراب والورق والكتب المطبوعة والكراسات وغير ذلك من المتماثلات الموجودة في الاسواق لان التناظر هو التماثل المؤدي الى عدم الاختلاف في القيمة بين الاجزاء المتساوية في الوزن او في الكيل او بين الاحاد المتماثلة في الحجم مع الوجود في الاسواق وذلك كله متحقق في هذه الاشياء وفي كثير خلافها على اكمل وجه حتى انه يفوق في ذلك البر والشعير والتمر مما عده الفقهاء مثلها .
والنقود من المثليات ولكنها تمتاز عن غيرها من المثليات بانها تكون دائما اثمانا ومعايير لغيرها من الاموال فاذا كنت في عقد معاوضة كانت ثمنا ولا تتعين بالتعيين ولو اشير اليها بخلاف غيرها من المثليات فانها تتعين اذا اشير اليها او نص على مكانها . وقد ذهب المالكية الى ان النقد لا يتعين بالتعيين وان المعاملة تقع به على الذمم على الرغم من تعيين النقد عندها وانه اذا غصب غاصب دينارا معينا فله ان يعطي مالكه غيره وعللوا ذلك بأنه ليس في النقد خصوصيات تتعلق بها اغراض صحيحة للناس فسقط لذلك اعتبارها في نظر الشارع اذ لا يعتبر الا ما له غرض صحيح (القرافي ، الفروق وتهذيبها ج2 صفحة 133 و 151) وتظهر اهمية ذلك فيما يأتي :
1. المثلي يثبت دينا في الذمة اذا عين بأوصافه بخلاف القيمي فانه لا يثبت في الغالب دينا في الذمة ولكن يتعين بالاشارة اليه او ما يقوم مقامها فيصح القرض في المثليات ولا يصح في القيميات (الكاساني ، 7 : 395 ومادة 798 - 799 مرشد الحيران) .
2. المثلي يضمن عند التعدي بمثله لا بقيمته لوجود مثله . اما القيمي فيضمن بقيمته وهذا لان المقصود من الضمان الجبر والعوض . وذلك يكون على اتمه بأداء المثل لان فيه العوض عن التالف من ناحيتين : صورته وماليته ، فاذا انعدم المثل اكتفي بالقيمة لان فيها العوض عنه من اهم ناحيته وهي المالية . تراجع المواد 145 - 146 من المجلة و 399 من مرشد الحيران .
وهي تقابل المواد 85 مصري و 88 سوري ومشروع اردني و 64 عراقي .
عرض المشروع في هذه المادة لتقسيم الاشياء الى قابلة للاستهلاك وغير قابلة له .
والاشياء القابلة للاستهلاك هي التي تهلك بمجرد استعمالها مرة واحدة او بعبارة اخرى هي التي ينحصر استعمالها ، بحسب ما اعدت له ، في استهلاكها ، استهلاكا ماديا او قانونيا ، ويعتبر انفاق النقود وبيع العروض المعدة للبيع استهلاكا قانونيا لها .
وما عدا ذلك من اشياء فهو غير قابل للاستهلاك . والعبرة في ذلك بالاستعمال الذي اعد له الشيء فالثمار والنقود يكون الغرض منها عادة اكلها او انفاقها . ولكنها اذا اعدت للعرض في معرض او عدة معارض على التوالي تكون غير قابلة للاستهلاك .
ويلاحظ وجوب عدم الخلط بين الاشياء المثلية والاشياء القابلة للاستهلاك فليس كل مثلي قابلا للاستهلاك وليس كل قيمي غير قابل للاستهلاك فالنقود المعدة للعرض مثلية ولكنها غير قابلة للاستهلاك ، والتحف الفنية الاصلية قيمية ولكنها تعتبر قابلة للاستهلاك اذا اعدت للبيع .
ومما تظهر فيه فائدة هذا التقسيم وجوب ان يكون الشيء المستعار مما يمكن الانتفاع به دون استهلاكه فان لم يمكن لا تصح اعارته لان حكم العقد ثبت في المنفعة لا في العين ، وعلى هذا تخرج اعارة الدراهم والدنانير انها تكون قرضا لا اعارة لان الاعارة لما كانت تمليك المنفعة او اباحة المنفعة على اختلاف الاصلين ولا يمكن الانتفاع الا باستهلاكها ولا سبيل الى ذلك الا بالتصرف في العين لا في المنفعة ولا يمكن تصحيحها اعارة حقيقية فتصحح قرضا مجازا لوجود معنى الاعارة فيه حتى لو استعار حليا ليتجمل به صح لانه يمكن الانتفاع به من غير استهلاك بالتجمل فأمكن العمل بالحقيقة فلا ضرورة الى الحمل على المجاز وكذا اعارة كل ما لا يمكن الانتفاع به الا باستهلاكه كالميكلات والموزونات يكون قرضا لا اعارة لما ذكرنا ان محل حكم الاعارة المنفعة لا العين الا اذا كان ملحقا بالمنفعة عرفا وعادة فكان له حكم المنفعة (الكساني البدائع ج6 ص 214 - 215) , انظر المادة 774 من مرشد الحيران ونصها : (يشترط لصحة العارية قابلية المستعار للانتفاع به مع بقاء عينه) وفي القرض تكون العين من الاعيان المثلية التي تستهلك بالانتفاع بها وفي م 796 من مرشد الحيران .
وتطابق المادة 84 مصري و 87 سوري ومشروع اردني .
تتناول هاتان المادتان تقسيم الاشياء التي يصح ان تكون محلا لحقوق مالية الى اشياء ثابتة (عقارات) واشياء منقولة . ولم تتعرضا لتقسيم الاموال العامة من هذه الناحية بل تناولتها هذه المادة التالية :
وعرف النص العقار بانه كل شيء له مستقر ثابت بحيث لا يمكن نقله دون تغيير هيئته وينطبق ذلك على كل شيء حائز لصفة الاستقرار سواء اكان ذلك من اصل خلقته ام بصنع صانع . ولا يعتبر الشيء ذا مستقر ثابت الا اذا كان لا يمكن نقله وتحويله فالاكشاك التي يمكن حلها واقامتها في مكان اخر لا تعتبر اشياء ثابتة . وقد اشترط التقنين المصري في المادة 82 - 1 (وكذا السوري والعراقي والمشروع الاردني) ان لا يمكن نقلها بدون تلفها فاذا لم يمكن نقلها دون تلف فانها تعتبر ثابتة حتى لو كانت معدة لتبقى مدة قصيرة واشترط المشروع ان لا يترتب على نقلها وتحويلها تغيير هيئتها اخذا بالمذهب المالكي ففي هذا المذهب ، المنقول ما امكن نقله مع بقاء هيئته ، وغير ذلك العقار ، على خلاف المذهب الحنفي ففيه العقار ما لا يمكن نقله وتحويله عن مكانه والمنقول ما يمكن نقله وتحويله عن مكانه سواء ابقي مع ذلك التحويل على هيئته وصورته ام تغيرت به هيئته ام تغيرت به هيئته وصورته وفيه ايضا العقار هو الارض وحدها وغيرها منقول والشجر والبناء والقناطر الملتصقة بالارض منقول لامكان نقلها وان تغيرت صورتها اذ به يصبح البناء انقاضا والشجر اخشابا او احطابا والقناطر قضبانا . اما في المذهب المالكي الذي اخذ به المشروع فالارض وما اتصل بها من بناء وشجر عقار (الدسوقي على الدردير جزء (3 : 479) لان البناء والشجر لا يمكن نقلهما دون تغيير هيئتهما .
وقد اكتفي المشروع بتعريف الشيء الثابت واعتبار كل ما عداه منقولا وقد كان في وسعه ان يعرف كلا من العقار والمنقول تعريفا مباشرا ولكنه خشي ان يقصر كلا التعريفين عن شمول جميع الاشياء فاكتفى بتعريف العقار وترك تعريف المنقول يستنبط من طريق الاستبعاد . وكان في الوسع ان يعرف المشروع المنقول تعريفا مباشرا بانه ما امكن نقله مع بقاء هيئته وان يترك تعريف العقار يستنبط بطريق غير مباشر ولكنه اثر تعريف العقار نظرا لما للعقارات من الاعتبار خاص لا تزال اثاره باقية ، واذن فالعقار هو مالا يمكن نقله وتحويله من مكانه دون تغيير هيئته كالارض وما اتصل بها من بناء وشجر والمنقول ما يمكن نقله وتحويله عن مكانه مع بقاء هيئته وصورته كالحيوان والعروض والذهب والفضة والمكيلات والموزونات .
وفائدة هذا التقسيم تظهر في بيان احكام كل من المنقول والعقار عند ارادة تطبيقها وفيما يلي اهمها :
1. الشفعة : لا تثبت في المبيع الا اذا كان عقارا ، فلا شفعة في المنقول اذا بيع استقلالا .
2. اذا بيع العقار جاز لمشتريه ان يتصرف فيه ببيعه مثلا قبل ان يتسلمه من البائع عند الشيخين (ابي حنيفة وابي يوسف) واذا بيع المنقول لم يجز لمشتريه ان يبيعه قبل ان يتسلمه عند ائمتنا الثلاثة . (ابي حنيفة وابي يوسف ومحمد ابن الحسن) .
3. يجوز للوصي على الصغار ان يبيع منقولهم متى راى المصلحة في ذلك وليس له ان يبيع عقارهم الا اذا وجد لذلك مسوغ شرعي كبيعه لايفاء دين او لرغبة فيه بضعف قيمته او لزيادة نفقاته على غلاته او نحو ذلك مما هو مفصل في موضعه .
4. في حال بيع اموال المدين المحجور عليه بسبب الدين لاجل وفاء دينه ، يبدأ اولا ببيع المنقول ، فان لم يف ثمنه بالدين ببيع العقار لما في ذلك من مصلحة المدين .
5. لا يثبت حق ارتفاق على مال منقول . وانما يختص ذلك بالعقار .
6. العقار يصح وقفه عند الحنفية والمنقول لا يصح وقفه عندهم الا في احوال ثلاث :
أ . ان يرد بصحة وقفه اثر كما في وقف الخيل والسلاح .
ب. ان يجري العرف وقفه كما في وقف الكتب .
ج. ان يكون تابعا للعقار ، كأن يقف ضيعة بما فيها من اشجار ومبان وحيوان .
ومرجع ذلك عندهم الى ما للوقف من صفة الدوام ولاجلها اختص بالعقار لانه دائم بخلاف المنقول لانه غير دائم .
ومن العلماء من ذهب الى جواز وقف المنقول مطلقا وبرأيهم صدر قانون الوقف في مصر اذ نص في المادة الثامنة منه على جواز وقف العقار والمنقول على السواء .
- وقد رؤي في المشروع الاخذ بما نص عليه في الفقرة الثانية من المادة (82) من التقنين المصري (وما يقابلها في السوري والمشروع الاردني والعراقي) من استثناء المنقولات التي يضعها المالك في عقار يملكه رصدا على خدمة العقار او استغلاله فاعتبرها عقارات وهي المعروفة في الفقه بأنها العقارات بالتخصيص وقد اقتضى المشروع في ذلك التقنين المصري فلم يقصرها على الآلات اللازمة اي الضرورية للزراعة وللمصانع بل نص عليها في صيغة عامة تجعلها تشمل كل منقول يضعه مالكه في عقار مملوك له ويخصصه اما لخدمة العقار كالتماثيل التي توضع على قواعد مثبتة واما لاستغلاله كالآلات الزراعية والصناعية ومفروشات الفنادق والرفوف والخزائن والمقاعد المخصصة لاستغلال المحال التجارية ... الخ ولا يشترط ان يكون المنقول لازما اي ضروريا لخدمة العقار او استغلاله بل يكفي تخصيصه لهذه الخدمة او الاستغلال ولو لم تكن هناك ضرورة تقتضي ذلك .
اما اذا وضع المنقول لخدمة شخص مالكه لا لخدمة العقار فان ذلك لا يجعله عقارا بالتخصيص ولا يشترط ان يكون التخصيص بصفة دائمة فان ذلك لا يجعله عقارا بل يكفي الا يكون عارضا . ومتى انقطع التخصيص زالت عن المنقول صفة العقار .
ولم ير المشروع ان يجعل اثر الحاق صفة العقار بالتخصيص مقصورا على عدم جواز الحجز على المنقول الذي تلحق به هذه الصفة بل رأى ان تكون فكرة العقار بالتخصيص اكثر مرونة واوسع نطاقا من هذا حتى تظهر نتائجها في البيع والقسمة والوصية وغير ذلك ايضا . وقد رأت اللجنة الاخذ بالصيغة المشار اليها انسجاما مع المشروع الاردني وهو اقرب الى تعريف المجلة في المادتين (128 و 129) وشرحهما لعلي حيدر والمادتين (2 و 3) من مرشد الحيران .
وهاتان المادتان توافقان المادة (82) مصري و (84) سوري ومشروع اردني و (62 و 63) عراقي .
?تناولت هذه المادة الاموال العامة وقد اشترط فيها شرطان .
اولا : ان يكون المال ، عقارا كان او منقولا ، مملوكا للدولة او للاشخاص المعنوية العامة .
ثانيا : ان يكون هذا المال مخصصا لمنفعة عامة بالفعل او بمقتضى قانون او نظام فوضعت بذلك تعريفا عاما تعين بمقتضاه الاموال العامة . وقد اخذ المشروع في هذا التعريف بمعيار التخصيص لمنفعة عامة وهو المعيار الذي يأخذ به الرأي الراجح في الفقه والقضاء .
وقد بينت المادة حكم الاموال العامة هو خروجها عن التعامل ورتب على ذلك عدم جواز التصرف فيها او الحجز عليها او تملكها بالتقادم . ولكن ذلك لا يمنع الدولة او غيرها من الاشخاص المعنوية العامة من الترخيص اداريا لبعض الافراد باستعمال بعض الاموال العامة التابعة لها استعمالا محدودا بحسب ما تسمح به طبيعتها .
وقد اعتمد في حكم المادة بعد تعديلها على المادة 1675 من المجلة وشرحها لعلي حيدر وهي تقابل بالمادة 90 سوري ومشروع اردني و 87 مصري و 71 عراقي .
?هذه المادة تقرر المبدأ العام وهو ان من استعمل حقه استعمالا مشروعا (او جائزا) لم يضمن ما ينشأ عن هذا الاستعمال من ضرر وهذا المبدأ يجد سنده في القاعدة المقررة في الفقه الاسلامي من ان (الجواز الشرعي ينافي الضمان) (م 91 من المجلة) .
وهي تطابق المادة 6 عراقي وتقابل المادة 4 مصري و 3 سوري ومشروع اردني .
?هذه القاعدة مأخوذة من حديث شريف لفظه لا ضرر ولا ضرار وهو نص المادة (19) من المجلة وايضا فان معنى الضرر هو الاضرار واما الضرار فهو مقابلة الضرر بضرر مثله ، والضرر ظلم يجب ازالته وذلك بمقتضى المادة (20) من المجلة .
هذه المادة توافق المادة (33) من المجلة والمقصود منها ان اضطرار الانسان لاستعمال مال غيره او حقه لا يبطل حق ذلك الغير في مطالبته بالاجرة او التعويض كما يتبين في شرح المادة لعلي حيدر .
هذه المادة تقابل المادة 30 من المجلة والقصد منها انه اذا تعارضت مفسدة ومصلحة يقدم دفع المفسدة على المصلحة كأن الشارع اعتنى بالممنوعات اكثر من عنايته بالمأمورات ، انظر شرح المادة لعلي حيدر صفحة 37 جزء /1 .
هذه المادة اخذ حكمها من المادتين 26 و 27 من المجلة ولذلك يدفع الضرر العام بتحمل الضرر الخاص رعاية للمصلحة كما انه اذا وجد ضرران يزال الضرر الاشد بالضرر الاخف رعاية للمصلحة العامة ايضا ، انظر شرح المادتين لعلي حيدر في الصفحة 36 و 37 ج/1 .
تتناول هذه المادة حالة اساءة استعمال الحق وقد عرف فقهاء الاسلام هذه الحالة منذ القديم وشرعوا لها الاحكام ثم لحق بهم الغربيون نتيجة تطور في المشاعر والافكار التي اوحى بها التقدم الاجتماعي في الغرب ذلك ان فكرتهم الفردية القديمة التي برزت في نهاية القرن الثامن عشر قد تضاءلت امام فكرتهم الحديثة التي تهدف الى اعتبار الحق انما منح لخدمة الافراد تحقيقا لغرض اجتماعي فهو بذلك يمثل وظيفة اجتماعية حقة وبناء على هذه الفكرة قالوا انه اذا انحرف استعمال الحق عن مقصده كان ذلك موجبا للجزاء .
ومبدأ اساءة استعمال الحق ليس مقصورا على الحقوق الناشئة عن الالتزامات بل يمتد الى الحقوق العينية والى روابط الاحوال الشخصية والى القانون التجاري وقانون المرافعات بل يشمل القانون العام ايضا اذ يمكن القول بان هناك اساءة استعمال حق الحريات او حق الاجتماعات وهلم جرا ، لذلك كان حريا بالمشروع ان يحل النص الخاص باساءة استعمال الحق مكانا بارزا بين النصوص التمهيدية حتى ينبسط على جميع نواحي القانون بفروعه المختلفة ، ولا يكون مجرد تطبيق لفكرة العمل غير المشروع المحصورة في نظرية الحق الشخصي وقد اقرت الشريعة الاسلامية ذلك على انه بوصفها نظرية عامة وعني الفقه الاسلامي بصياغتها صياغة تضارع ان لم تفق في دقتها واحكامها احدث ما اسفرت عنه مذاهب المحدثين من فقهاء الغرب وازاء ذلك حرص المشروع على ان يأخذ بلب القواعد التي استقرت في الفقه الاسلامي في هذا المجال مثل (لا ضرر ولا ضرار) و (الضرر يزال) و (الضرر لا يزال بمثله) (والضرر الاشد يزال بالضرر الاخف) و (درء المفاسد اولى من جلب المنافع) .
وقد تفادى المشروع الصيغ العامة كالتعسف والاساءة بسبب غموضها وخلوها من الدقة واستمد من الفقه الاسلامي وما وضعه من قواعد تقدم بعضها الضوابط الثلاثة التي اشتمل عليها النص وتفصيل الضوابط على هذا النحو يهيىء للقاضي عناصر نافعة للاسترشاد .
واول هذه الضوابط هو استعمال الحق دون ان يقصد من ذلك سوى الاضرار بالغير وهو معيار ذاتي استقر الفقه الاسلامي (وكذا الفقه الغربي والقضاء) على الاخذ به وقد اخذ به التقنين الالماني في المادة (226) منه ، والجوهري في هذا الشأن هو توافر نية الاضرار ، ولو افضى استعمال الحق الى تحصيل منفعة لصاحبه ، ويراعى ان هذه النية تستخلص من انتفاء كل مصلحة من استعمال الحق استعمالا يلحق الضرر بالغير متى كان صاحب الحق على بينة من ذلك .
والضابط الثاني استعمال الحق ابتغاء تحقيق مصلحة قليلة الاهمية لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها ، والمعيار في هذه الحالة مادي ولكنه كثيرا ما يتخذ قرينة على توافر نية الاضرار بالغير ، والفقه الاسلامي اساس هذا المعيار ومروره في ذلك الفقه والقضاء في مصر والدول الغربية على السواء .
والضابط الثالث استعمال الحق استعمالا يرمي الى تحقيق مصلحة غير مشروعة وتعبير المشروع في هذا المقام خير من نص بعض التقنينات على صرف الحق عن الوجهة التي شرع من اجلها ، ولا تكون المصلحة غير مشروعة اذا كان تحقيقها يخالف حكما من احكام القانون فحسب وانما يلحق بها هذا الوصف ايضا اذا كان تحقيقها يتعارض من النظام العام او الآداب . واذا كان المعيار في هذه الحالة ماديا في ظاهره فان النية كثيرا ما تكون هي النافية لصفة المشروعية عن المصلحة وابرز تطبيقات هذا المعيار يعرض بمناسبة اساءة الحكومة لسلطاتها كفصل الموظفين ارضاء لغرض شخصي او لشهوة حزبية .
ويلاحظ ان الحكم في هذه المادة انما يتعلق بالحق لا بالرخصة فالاساءة ترد على استعمال الحقوق وحدها ، اما الرخص فلا حاجة الى فكرة الاساءة في ترتيب مسئولية من يباشرها عن الضرر الذي يلحق الغير من جراء ذلك ، لان احكام المسئولية المدنية تتكفل بذلك على خير وجه . ويقصد بالحق في هذا الصدد كل مكنة تثبت لشخص من الاشخاص على سبيل التخصيص والافراد كحق الشخص في ملكية عين من الاعيان او حقه في اقتضاء دين من الديون ، او حقه في طلاق زوجته .اما ما عدا ذلك من المكنات التي يعترف بها القانون للناس كافة دون ان تكون محلا للاختصاص الحاجز فرخص واباحات كالحريات العامة وما اليها .
وعلى هذا النحو وضع المشرع قاعدة لمباشرة الحقوق استنادا الى ما استقر من المبادىء في الشريعة الاسلامية المتفقة مع ما انتهى اليه الفقه الحديث في نظرية اساءة استعمال الحق . وبذلك اتيح للمشروع ان يمكن للنزعة الاخلاقية والنزعات الاجتماعية الحديثه وان يساير التشريع والفقه في العصر الحاضر بأخذه بمبادىء الفقه الاسلامي . وهذه المادة تتعلق باساءة استعمال الحق ويراجع في ذلك شرح المادة (91) من المجلة لعلي حيدر والمادة تقابل المادة (5) مصري و (6) سوري ومشروع اردني و (8) عراقي .
?تراجع المادتان (125 و 126 ) من المجلة وشرحهما لعلي حيدر والمادتان ( 4 و 5 ) من مرشد الحيران وقد اوضحت هذه المواد تقسيم الحق الى شخصي او عيني او معنوي ويراجع في ذلك ايضا المذكرة الايضاحية للمواد ( 53 و 54 و 55 ) السابقة وتقابل المادة (70) من هذا المشروع المادة (85) من مشروع القانون المدني الاردني .
شرعت ادلة الاثبات لحماية الحقوق بصفة عامة فالحق يتجرد من قوته اذا لم يقم دليل على ثبوته ، ولذا يتعين اقامة الدليل على كل واقعة قانونية يدعى بها متى نوزع فيها او انكرها المدعى عليه وقد اختلفت التشريعات في وضع احكام الاثبات فالبعض ضمنها قانون المرافعات والبعض قمسها بين التقنين المدني وتقنين المرافعات وافرد له البعض تشريعا مستقلا ( التشريعات الاتجليزية والاميريكة ) وقد اخذ كل من التشريع المصري والسوري ثم المشروع الاردني بمبدا تخصيص مستقل لجميع احكام الاثبات ( القانون رقم 30 لسنة 1952 ) .
وقد ارتاى المشروع المقترح وهو يستند اساسا الى الشريعة الاسلامية تقنين القواعد الموضوعية في اثبات الحق بعد بيان مصادرة بوصفها قواعد كلية تتصل بموضوع الادلة التي يستند اليها الفقة الالسلامي وهي الادلة التي جرت المحاكم الاردنية على تطبيقها مع الاحتفاظ لقانون البينات ولقواعد الاثبات في قانون اصول المحاكمات الحقوقية بالنسبة للمحاكم النظامية ، وللاحكام الفقهية الاخرى ولقواعد الاثبات في قانون اصول المحاكمات الشرعية بالنسبة للمحاكم الشرعية بمكانها على الا تتعارض مع القواعد الواردة في هذا القانون .
وقد تضمن النص للمادة 72 ادلة الاثبات وانواعها وهي الكتابة والاقرار والشهود والقرائن واليمين والمعاينة والخبرة وهو نص يتفق والادلة الفقهية مع اضافة المعاينة والخبرة لاستكمال وسائل الاثبات طبقا لما ورد في جميع القوانين الحديثة .
وقد تناول المشروع المقترح المواد التي تضمنت قواعد كلية في الفقه وتتفق مع الاسس المتفق عليها في تاصيل الدليل الشرعي على ثبوت الحق او نفيه وذلك ببيان الاصل والظاهر وخلاف الظاهر والاقرار والبينة وتعديها وذلك لكي يشمل جميع القواعد التي يتطلبها اثبات الحقوق على الوجه المبين في كل قانون وتنص المادة (73) على ان الاصل براءة الذمة اي ان الاصل ان تكون ذمة كل شخص غير مشغولة بحق اخر لانه يولد وذمته بريئة ثم تشغل بالمعاملات التي يجريها كل فيما بعد وكل من يدعي خلاف هذا الاصل عليه ان يقدم الدليل على ما يدعيه وفي المادة (77) من المجلة ان البينة تطلب من كل من يدعي خلاف الاصل وهي قاعدة مصدرها كتاب الاشباه والنظائر لابن نجيم والذمة في اصطلاح علماء الاصول وصف يصور به الانسان اهلا لما له وما عليه ، والقول بان براءة الذمة اصل يقصد به ذات الانسان فاذا ترتب في ذمته حق للغير كان هو ذاته المدعى به وعلى من يدعي هذا الحق ان يثبته وعلى المدين به ان ينفيه قد تضمنت المادة (74) ان اليقين لا يزول بالشك وانما يزول بيقين مثله وهو نص ماخوذ من قاعدة ما ثبت بيقين لا يرتفع بالشك وما يثبت بيقين لا يرتفع الا بيقين والاصل بقاء ما كان على على ما كان الا اذا قام دليل على خلافه وبقاء الحال على حاله هو الاستصحاب اي استصحاب الماضي بالحال او الحال بالماضي وهو حجة دافعة لا مثبتة وقد قررت ذلك المادة (75 ) .
وقد نصت المادة (76) على ان الظاهر يصلح حجة للدفع لا للاستحقاق وهي ماخوذة من كتاب الاشباه والنظائر لابن نجيم صفحة ( 104 ) .
وقد تناولت المواد الاخرى احكام البينات فاوضحت المادة (77) ان البينة على من ادعى واليمين على من انكر وهو نص الحديث الشريف وجاء في شرح المجلة على النص جزء (1) صفحة (66) انه من المعلوم عقلا ان كمل خبر يحتمل الصدق والكذب فالادعاء المجرد لا يخرج عن كونه خبرا فاذا لم تدعمه بينة فلا مرجح لاحد الاحتمالين ، والحكم الشرعي انه متى اثبت المدعي استحقاقه للمدعى به استحقه واذا عجز المدعي عن اثبات حقه يحلف المدعى عليه المنكر اليمين .
ومن المقرر ان الاصل يؤيده ظاهر الحال فلا يحتاج لتأييد اخر وخلاف الظاهر يتأرجح بين الصدق والكذب فيحتاج الى مرجح وهي البينة ولذا نص في المادة (78) على ان البينة لاثبات خلاف الظاهر وخلاف الاصل كالموجود بالصفات العارضة واشتغال الذمة واضافة الحوادث الى ابعد اوقاتها . ومن امثلة ذلك اذا ادعى شخص انه باع مالا لاخر عندما كان صبيا ولما كان البيع غير نافذ فانه مطالب برده فأجاب المدعى عليه بانه كان بالغا عند اتمام البيع والبيع نافذ ولما كان البلوغ عارضا وهو خلاف الاصل تطلب البينة من مدعي البلوغ . كما يتبين من مراجعة المادة (77) من المجلة وشرحها لعلي حيدر . وتضمنت المادة (79) ان البينة حجة متعدية اي انها تتجاوز الى الغير اي غير المدعى عليه اما الاقرار فهو قاصر على من اقر وهو ملزم له ذلك لان حجة البينة القضاء من المحاكم وله الولاية العامة فلا تقتصر الحجة على المحكوم عليه وتتجاوز الى كل من له مساس بالدعوى اما الاقرار فهو يستند الى ادعاء المقر ومن ثم فهو مقصور عليه ولا يمس حق غيره .
ونصت المادة (80) على قاعدة عامة في الشهادة وهي رفضها اذا كان الغرض منها جر مغنم للشاهد او دفع مغرم عنه اذ يجب ان تنصب الشهادة على وقائع النزاع دون اقحام ما يتصل منها بشخص الشاهد ، وللمحكمة ان تستبعد من شهادته كل ما بعد عن وقائع النزاع كما ان اليمين متقبل ممن يؤديها تبرئة لنفسه لا الزاما لغيره كأداة الدين او وفاء الالتزام ايا ما كان نوعه كما ذكر في المادة (82) .
اما النص الخاص في المادة (81) بالاعتداد باشارات الاخرس المعهودة في الاخذ بشهادته او بيمينه فلا يعني اطراح دليل الكتابة اذا كان الاخرس يعرفها فهي اقوى في الايضاح عما يريد اما الاشارات فقد يتفاوت فهم مؤداها بين شخص واخر ما لم تكن معهودة من الاخرس بصفة يقينة في الافصاح عما يريد ان يدلي به ويتم تحقيق هذا اليقين من اقاربه او اصدقائه وجيرانه ويجب ان يكونوا عدولا استيفاء للثقة في شهادتهم .
وقد رؤي تغطية احكام اليمين بما ذكر في المادة (83) من المشروع وهي قاعدة عامة في الاثبات عملا بالمادة 1746 من المجلة والموافقة للمادة (54) من قانون البينات الاردني رقم 20 لسنة 1952.
وفي اداء الشهادة يقبل قول المترجم مطلقا والمترجم هو من ينقل لغة الى اخرى ويرى الشيخان قبول قول المترجم الواحد اما محمد فذهب الى انه يجب ان يكون عدد المترجمين لا يقل عن نصاب الشهادة الا ان قول الشيخين هو الراجح . (شرح المجلة جزء 1 صفحة 63 و64) على ان النص المقترح في المادة (84) يضمن قيدا هاما في اداء الترجمة باعتبارها صورة من صور الشهادة وهو ان يؤدي المترجم يمينا قبل قيامه بالترجمة على ان يقوم بعمله بأمانة وصدق وذلك تأكيدا للثقة في عمله ولم تقيد المادة اليمين بكونه امام القاضي ، لان المترجم قد يحلف اليمين امام غير القاضي كما هو واقع فعلا . اما المادة (85) فقد تضمنت حكما هاما من شأنه ان يؤكد للحكم الصادر حجيته فاذا وقع تناقض في الادلة فانها تبطل ولكن لو حكم القاضي قبل ان يتبين بطلانها فلا اثر لذلك في حكمه بل يظل الحكم قائما ولمن اصابه ضرر ان يرجع على من شهد او من قدم الدليل بالضمان . اما المادة (86) فقد تضمنت احالة على القوانين الخاصة حتى تشمل قانون احكام اصول المحاكمات الشرعية كما تشمل قانون اصول المحاكمات الحقوقية .
نطرة عامة على الاصل في العقود :
اختلف الفقهاء المسلمون في مسألة العقود ، هل الاصل فيها الاباحة او الخطر .
وقد عرض الخلاف ابن تيمية في فتاويه فقال : ان فروع هذه المسألة كثيرة جدا والذي يمكن ضبطه منها قولان :
احدهما : ان الاصل في العقود والشروط فيها ونحو ذلك الحظر الا ما ورد الشرع باجازته فهذا قول اهل الظاهر ، وكثير من اصول الحنفيه تنبني على هذا وكثير من اصول الشافعي واصول طائفة من اصحاب مالك واحمد فان احمد قد يعلل احيانا بطلان العقد بكونه لم يرد به اثر ولا قياس ، كما قاله في احدى الروايتين في وقف الانسان على نفسه ، كذلك طائفة من اصحابه قد يعللون فساد الشروط بأنها تخالف مقتضى العقد ويقولون ما خالف مقتضى العقد فهو باطل . اما اهل الظاهر فلم يصححوا لا عقدا ولا شرطا الا ما ثبت جوازه بنص او اجماع واذا لم يثبت جوازه ابطلوه واستصحبوا الحكم الذي قبله وطردوا ذلك طردا اجاريا ، ولكن خرجوا في كثير الى اقوال ينكرها عليهم غيرهم .
واما ابو حنيفة فأصوله تقتضي انه لا يصحح في العقود شرط يخالف مقتضاها المطلق وانما يصحح الشرط في المعقود عليه اذا كان العقد مما يمكن فسخه ... وانما صحح ابو حنيفة خيار الثلاث للاثر وهو عنده موضع استحسان .والشافعي يوافقه على ان كل شرط خالف مقتضى العقد فهو باطل لكنه يستثني مواضع الدليل الخاص فلا يجوز شرط الخيار اكثر من ثلاث ولا استثناء منفعة المبيع ونحو ذلك .
وطائفة من اصحاب احمد يوافقون الشافعي على معاني هذه الاصول لكنهم يستثنون اكثر مما يستثنيه الشافعي كالخيار اكثر من ثلاث ... وذلك ان نصوص احمد تقتضي انه جوز من الشروط في العقود اكثر مما جوزه الشافعي فقد يوافقونه في الاصل ويستثنون للمعارض اكثر مما استثنى ، كما قد يوافق هو ابا حنيفة ويستثني اكثر مما يستثني للمعارض .
وهؤلاء الفرق الثلاثة يخالفون اهل الظاهر ويتوسعون في الشروط اكثر منهم لقولهم بالقياس والمعاني وآثار الصحابة رضي الله عنهم ولما قد يفهمونه من معاني النصوص التي ينفردون بها عن اهل الظاهر ويتوسعون في الشروط اكثر منهم .
والقول الثاني : ان الاصل في العقود والشروط الجواز والصحة ولا يحرم ويبطل منها الا مادل على تحريمه وابطاله نص او قياس عند من يقول به . واصول احمد رضي الله عنه المنصوص عنها اكثرها تجري على هذا القول . ومالك قريب منه ، لكن احمد اكثر تصحيحا للشروط ، فليس في الفقهاء الاربعة اكثر تصحيحا للشروط منه . وعامة ما يصححه احمد من العقود والشروط فيها تنبيه بدليل خاص اثر او قياس ، لكنه لا يجعل حجة الاولين مانعا من الصحة ولا يعارض ذلك بكونه شرطا ليس من مقتضى العقد او لم يرد به نص وكأن قد بلغه في العقود والشروط من الاثار عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة ما لم يجده عند غيره من الائمة فقال بذلك وبما في معناه قياسا عليه ، وما اعتمده غيره في ابطال الشروط من نص فقد يضعفه او يضعف دلالته ، وكذلك قد يضعف ما اعتمده في قياس . وقد يعتمد طائفة من اصحاب احمد عمومات الكتاب والسنة التي سنذكرها في تصحيح الشروط كمسألة الخيار اكثر من ثلاث ...
وقال ابن تيمية ، هذا القول هو الصحيح بدلالة الكتاب والسنة والاجماع والاعتبار مع الاستصحاب والدليل النافي .
(ابن تيمية ، الفتاوى ، 3 : 323 وما بعدها . وابن القيم اعلام الموقعين ، 1 : 299 . وابن حزم ، الاحكام ، 5 : 6 وما بعدها وخصوصا 12 - 14 . والمحلي ج/9 : البند 1447 صفحة 403 - 423 وما بعدهما . وابن الهمام ، التحرير ، 4 : 68 . والغزالي ، المستصفي ، 1 : 93 ، والشاطبي الموافقات ، 1 : 190 وما بعدها ، 214 وما بعدها . والمغني والشرح الكبير ، 4 : 285 وما بعدها . والكاساني ، 5 : 176 . والحطاب علي خليل ، 3 : 446 . والمجموع للنووي ، 9 : 374) .
وقد نشأت على مر العصور عقود لم تكن موجودة من قبل وان كانت متفرعة من عقود معروفة ومن ذلك عقد الحكر وعقد الاجارتين في الاموال الموقوفة وكذا بيع الوفاء والمرابحة والتولية والوضيعة وهي انواع من انواع البيع وشركة التقبل وشركة الوجوه وهي صور من الشركة وعقد الاستجرار الذي هو من قبيل ما يسمى اليوم باسم (الحساب الجاري) .
ويؤيد القول بالاباحة والصحة ما (روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال (المسلمون عند شروطهم) وظاهرة يقتضي لزوم الوفاء بكل شرط الا ما خص بدليل لانه يقتضي ان يكون كل مسلم عند شرطه ، وانما يكون كذلك اذا لزمه الوفاء به .. وهذا لان الاصل ان تصرف الانسان يقع على الوجه الذي اوقعه اذا كان اهلا للتصرف والمحل قابلا وله ولاية عليه) (الكاساني ، 5 : 259) .
وعلى ذلك فما ذكره الفقهاء من العقود انما هي العقود التي غلبت في التعامل بين الناس في زمانهم فاذا جدت عقود اخرى توافرت فيها الشروط المقرة فقها ، كانت عقودا مشروعة . وعلى هذه السياسة جرى التقنين المدني العراقي الحالي فقد عقدت المادة (74) منه انواع العقود تبعا لمحلها كما وردت في نصوص مرشد الحيران ثم اعقب ذلك نص عام هو المادة (75) وعبارته :(يصح ان يرد العقد على اي شيء آخر لا يكون الالتزام به ممنوعا بالقانون او مخالفا للنظام العام او الآداب) .
وقد رؤي الاخذ في المشروع بأوسع المذاهب في هذا الصدد وهو المذهب الحنبلي توسعة على الناس في معاملاتهم واريد بيان هذا الاصل في وضوح تام بالمادة التالية :
المذكرة الايضاحية :
اعتمد في هذا التعريف على المادة (103) من المجلة وشرحها لعلي حيدر وما ورد في اول عقد البيع من رد المحتار جزء /4 صفحة 1-20 والمادة (262) من مرشد الحيران .
اريد في هذه المادة بيان ما يصح ان يرد العقد عليه ومنها يتبين ان العقد لا يرد فقط على الاعيان المادية بل يرد ايضا على الاموال المعنوية كحق الملكية الادبية والفنية والصناعية وقد تقدم انها مال ولا يرد على الاعيان فقط بل يرد على منافعها ايضا وقد تقدم انها مال وحرصا من المشروع على الا يفوت شيء رؤي – احتياطا النص على انه يصح ان يرد العقد على أي شيء آخر أي سواء أكان عينا ام منفعة ماديا ام معنويا ، لم يحرم التعامل فيه بنص في القانون او لمخالفته للنظام العام والاداب .
ولم ير المشروع حاجة لبيان ما جاء في مرشد الحيران وفي القانون المدني العراقي من تفصيل ان العقد يصح ان يرد على الاعيان منقولة كانت او عقارا لتمليكها بعوض بيعا او بغير عوض هبة ولحفظها وديعة كما ولاستهلاكها بالانتفاع بها قرضا ، وعلى منافع الاعيان للانتفاع بها بعوض اجارة او بغير عوض اعارة لان هذا يدخل في عموم العبارة ، كما رؤي عدم الحاجة الى افراد جواز ورود العقد على أي شيء آخر بمادة مستقلة كما فعل القانون العراقي في المادة (75) منه ويكفي جعلها فقرة اخيرة في نفس المادة وخصوصا بعد تقرير مبدأ حرية الارادة في انشاء العقود .
وقد رؤي في المشرع زيادة في البيان ذكر ان الاعيان التي يصح ان يرد العقد عليها قد تكون مادية وقد تكون معنوية ابرازا لجواز وروده على الحقوق المعنوية وهو ما خلا منه القانون العراقي اكتفاء بنص المادة 75 منه التي اجازت ان يرد العقد على أي شيء آخر لا يكون الالتزام به ممنوعا بالقانون او مخالفا للنظام العام او للاداب . ويعتمد ايضا في هذه المادة على المواد من 263-266 من مرشد الحيران ولا مقابل لها في القوانين المصرية والسورية والمشروع الاردني .
اريد بهذا النص تقرير المبدأ الاساسي الذي يقضي بان القواعد المتعلقة بالعقود بوجه عام تسري على العقود المسماة كالبيع والاجارة والشركة وغني عن البيان ان بعض الاحكام الخاصة بهذه العقود قد ينطوي على استثناء من القواعد العامة ولكن الاصل هو تطبيق القواعد العامة على العقود جميعا دون تفريق بين العقود المسماة وغير المسماة ، ما لم يرد نص خاص بشان المستثنى . وقد اعتمد في ذلك على ما ورد في البدائع جزء / 5 صفحة 259 و 282 ولا مقابل لها في القانون السوري والمشروع الاردني .
?الفرع الاول
1. انعقاد العقد
نظرة عامة :
التعبير عن الارادة : ترتكز نظرية العمل القانوني في هذا المشروع على الارادة الظاهرة اي على التعبير عن الارادة لا على الارادة الباطنة فالعقد لا يتم بمجرد توافق الارادتين ولكن عند تبادل التعبير عن ارادتين متطابقتين ثم تناول المشروع صيغ التعبير عن الارادة وهو على اية حال لا يشترط فيه شكل خاص ما لم يقرر القانون اوضاعا معينة لانعقاد العقد .
ثم تكلم على خيار الموجب في الرجوع عن الايجاب وخيار الموجه اليه الايجاب في القبول او الرفض وخيار المجلس وعلى تكرار الايجاب والتزام بايجابه اذا حدد ميعادا للقبول .
الايجاب والقبول : يتم العقد بالايجاب والقبول ولابد ان يكونا متطابقين على انه في حالة الاتفاق على المسائل الجوهرية فان العقد يتم ويتولى القاضي امر البت في المسائل التفصيلية التي ارجىء الاتفاق عليها . وهذا من شأنه ان يوسع من سلطة القاضي ، فلا تكون مهمته مقصورة على تفسير ارادة المتعاقدين ، بل هو قد يستكمل ما نقص منها ، وفيما بين الغائبين سلك المشروع مسلك الفقه الحنفي الذي يجعل العقد يتم بمجرد القبول ، وعرض لحكم التعاقد بالتليفون ، اما القبول فقد عرض المشروع لبعض صوره فاعتبر السكوت قبولا في بعض الفروض وعلق القبول في العقد الذي يتم من طريق المزايدة على رسو المزاد واخيرا عرض المشروع لعقد الاذعان حيث يكون القبول مقصورا على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولا يقبل مناقشة فيها ، وبهذا النص يكون المشروع قد اعتبر تسليم العاقد ضربا من ضروب القبول ، ومع ذلك فقد وضع المشروع قاعدة خاصة لتفسير هذه العقود افرد لها نصا خاصا روعي فيه ما هو ملحوظ في اذعان العاقد من معنى التسليم كما خول القاضي تعديله .
حالات خاصة في ابرام العقود : وضع المشروع احكاما للوعد بالتعاقد وجعله صحيحا متى تعينت المسائل الاساسية في التعاقد والمدة التي يتم فيها وللقاضي ان يصدر حكما يقوم مقام العقد الموعود به عند عدم الوفاء بالوعد واذا كان هناك عربون قد دفع عند ابرام العقد فانه يكون لاحد الطرفين ان يستقل بنقض العقد الا اذا اتفق على الا يكون له خيار العدول .
نظرية النيابة : رسم المشروع القواعد الاساسية لنظرية عامة في النيابة في التعاقد اخذا من الفقه الاسلامي وقد رؤي الاكتفاء في هذا الشأن بايراد نصوص يتسع عمومها لضروب النيابة جميعا ، اتفاقية كانت او قانونية ، اما القواعد الخاصة بالنيابة الاتفاقية وحدها فقد وردت بصدد عقد الوكالة وقد اختص المشروع هذا العقد بطائفة من القواعد لها دون شك منزلتها من النظرية العامة في النيابة ولكنه آثر ان يجمعها في صعيد واحد تجنبا من التكرار . وعلى ذلك اقتصر الامر في الاحكام العامة على بيان آثار النيابة على وجه الاجمال وايراده القاعدة الخاصة بتعاقد الشخص مع نفسه ويكمل هذه الاحكام ما ورد في عقد الوكالة من نصوص .
ويراعى ان الاحكام الخاصة بالنيابة في التعاقد التي تضمنها المشروع اقتباسا من الفقه الاسلامي مع عدم التقيد بمذهب معين تضاهي ان لم تفق اكثر التقنينات تقدما . (يراجع في بيان ذلك : السنهوري ، مصادر الحق ج/5 ص 196 - 312 وخصوصا صفحة 306 - 312) .
المذكرة الايضاحية :
يعرف الفقهاء العقد بانه ( ارتباط الايجاب بالقبول على وجه يثبت اثره في المعقود عليه ) والانعقاد بانه ( تعلق كلام احد العاقدين بالاخر شرعا على وجه يظهر اثره في المحل ) ( البابرتي ، العناية من اول كتاب البيع ج/6 ص 247 . والمادة 262 من مرشد الحيران و 103 -104 و 167 من المجلة وشرحها لعلي حيدر ).
وقد تجنب المشروع ايراد تعريف للعقد واكتفى ببيان متى ينعقد العقد فذلك هو الذي يهم المشرع والقاضي اما التعريف فمن وظيفة الفقه فنص على ان العقد ينعقد بمجرد ارتباط الايجاب بالقبول وطبيعي ان الارتباط المقصود هنا هو الارتباط الذي يتم وفق ما امر به الشارع أي الذي تتوافر فيه الشروط التي يشترطها الشارع .
وقد اضاف المشروع الى تعريف الفقهاء ( مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من اوضاع معينة لانعقاد العقد ) نزولا على ما قد يقرره القانون في بعض العقود من اشتراط القبض او اشتراط التسجيل لانعقاد العقد ومع ان العقد ليس الا ارتباط الايجاب بالقبول على وجه شرعي أي ليس غيره فقد اثر المشروع ان يكون النص على ما هو عليه نزولا على الاعتبارات العملية اذ الذي يهم المتعاملين والقاضي هو متى ينعقد العقد بصرف النظر عما اذا كان العقد هو نفس الايجاب والقبول او اثرهما .
وظاهر من تعريف الفقهاء ايثار مذهب الارادة الظاهرة على الباطنة فالعقد ينعقد بالايجاب والقبول أي بالارادة المعلنة من الطرفين بموافقتهما على العقد وليس بنفس الارادتين .
ويلاحظ ان المقصود بالعقد هو الذي يتوافر فيه ايجاب وقبول لا ايجاب فقط أي الذي تتوافر فيه ارادتان لا ارادة واحدة مع انه قد يطلق على لسان الفقهاء مقصودا به الاثنان معا : ما يتم بايجاب وقبول وما يتم بايجاب فقط اي ما يتم بارادتين كالبيع وما يتم بارادة واحدة كالطلاق فللعقد معنى عام يتناول ما يتم بارادتين وما يتم بارادة واحدة ومعنى خاص مقصور على ما يتم بايجاب وقبول فقط والعقد بمعناه العام المتقدم اضيق من ( التصرف ) اذ التصرف قد يكون قوليا يتم بارادتين او بارادة واحدة وقد يكون فعليا كالغصب والاتلاف .
وتقابل المادة 73 عراقي و 89 مصري و 92 سوري ومشروع اردني .
اخذ المشروع بما قال به جمهور الفقهاء من ان الاساس في صيغة العقد ان تكون دالة في عرف المتعاقدين على ارادتيهما انشاء العقد دلالة بينة غير محتملة لمعنى اخر كالمساومة او العدة او ما اشبه ذلك ، يستوي بعد ذلك ان تكون باللفظ او بالكتابة او بالاشارة او بالفعل فقد قال مالك ان البيع يقع بما يعتقده الناس بيعا وقال احمد بن حنبل ان البيع ما يعده الناس في عرفهم بيعا ، وكالبيع غيره في هذا الصدد.
وفي هذه المادة تناول المشروع حالة التعبير عن الايجاب والقبول باللفظ فقرر بان المرجع في ذلك هو العرف فاي لفظ جرى به العرف لانشاء العقد يصح للتعبير عن الايجاب او القبول ، سواء اكان بلغه عربية ام بلغة اخرى يفهمها المتعاقدان ، لا يشترط في ذلك لفظ معين ولا تركيب خاص . وياخذ المشروع براي الحنفية في التسوية في ذلك بين العقود جميعها حتى عقد الزواج مخالفا ما ذهب اليه بعض الحنابلة والمالكية والشافعية من استثناء عقد الزواج واشتراط ان يستعمل العاقدان فيه لفظي نكحت وزوجت وما اشتق من مادتهما اذا كانا يحسنان العربية لان الشارع لم يستعمل هذين اللفظين في عقد النكاح ( او الزواج) الا لافادتهما المعنى المطلوب . فاي لفظ يدل على معناهما يغني عنهما ولذا لم يقيد بهما اتفاقا من لا يعرف العربية .
ونص على ان ما يصدر اولا فهو الايجاب وما يصدر ثانيا فهو القبول اخذا براي الحنفية مخالفا راي المالكية والحنابلة من ان الايجاب ما صدر من المملك وان تأخر والقبول ما صدر من المتملك وان تقدم .
وقضت الفقرة الثانية بان العقد ينعقد بصيغة الماضي مطلقا لان هذه الصيغة تدل على انشاء العقد وتحققه فعلا اذ هذه الصيغة وان كانت للماضي وضعا لكنها جعلت ايجابا للحال في عرف اهل الفقه والشرع ، والعرف قاض على الوضع . اما صيغة الحال فهي وان كان الصحيح انها للحال الا انه يحتاج الى النية لانه غلب استعمال هذه الصيغة للمستقبل اما حقيقة او مجازا فوقعت الحاجة الى التعيين فاذا وجدت نية العقد وانتفت ارادة المساومة والوعد والاستفهام ينعقد بها العقد .
وفي صيغة الامر اخذ المشروع براي مالك والشافعي ورواية عن احمد انه ينعقد بها العقد متى دل فعل على ارادة العاقد به انشاء العقد دلالة ليست محلا لاحتمال الشك في عرف المتعاقدين وطرق مخاطبتهم ولم ياخذ براي الحنفية من انه ينعقد بها العقد .
وبذا تستوي صيغة الحال وصيغة الامر في انه ينعقد بهما العقد اذا توافرت النية اما الماضي فلا يحتاج الى البحث عن النية لانها بطبيعة وضعها في عرف اللغة والشرع لفظ يتمحض للحال .
( يراجع في ذلك عند الحنفية : الكاساني ، 5: 133 - 134 ، وابن الهمام 5: 74-75 والهندية 3-4 والزيلعي ،4:4 وعند المالكية : المدونه الكبرى 51:10 والحطاب علي خليل 4: 229 -230و 232 والدسوقي علي الدردير 3:3 -4 وعند الشافعية : الشيرازي ، المهذب 1 : 257 وعند الحنابلة : ابن قدامة المغني 4: 3-4 والشعراني 2: 72 -73 ).
وقد اعتمد في هذه المادة على المواد 168- 170 و 172 من المجلة و 345 من مرشد الحيران وهي تقابل المادة 77 عراقي وليس لها مقابل في المشروع الاردني .
?القانون الحديث يجيز الوعد بالبيع وبالشراء وفي جوازه فوائد عملية لا تخفى فهناك ظروف تحمل الموعود له بالبيع مثلا ان يقف البت في الشراء حتى يتبين امره وهو في الوقت ذاته لا يامن ان يعدل الطرف الاخر عن الصفقة اذا لم يستوثق منه بوعد يقيده. ففي مثل هذه الحالة لا سبيل للموعود له على الواعد الا ان يتقيد هذا الاخير بوعد يصدر منه يلزمه بانفاذ البيع في المستقبل اذا اظهر الموعود له رغبته في الشراء والوعد بالبيع في هذا الفرض يكون عقدا ملزما لجانب واحد هو الواعد ولا يلتزم الموعود له بشيء ما بل ليس عليه ان ياتي باي عمل ايجابي لينقضي اثر العقد اذا لم ير الشراء كما يجب ان يفعل في بيع التجربة وفي البيع بخيار الشرط وفي البيع على سوم النظر .
فالقانون الحديث يجيز اذن وضعا تقتضيه ضرورات التعامل وهذا الوضع لا تجيزه المجلة ومرشد الحيران كما يتبين ذلك من الرجوع الى نصوص المجلة ومرشد الحيران . وبالرجوع الى المذاهب الاخرى يتبين ان الجمهور ( ومنهم الحنيفة واهل الظاهر ) على ان الوفاء الوعد غير لازم قضاء فليس للموعود مطالبة الواعد قضاء بالوفاء به . وقال ابن شبرمة الوعد كلة لازم ويقضي به على الواعد ويجبر .
وفي المذهب المالكي : الوفاء بالعدة مطلوب بلا خلاف ولكن هل يجب القضاء بها : اختلف على اربعة اقوال : فقيل ، يقضى بها مطلقا ، وقيل : لا يقضى بها مطلقا ، وقيل يقضي بها ان كانت على سبب وان لم يدخل الموعود بسبب العدة في شيئ كقولك : اريد ان اتزوج او ان اشتري كذا كذا ( فقال : نعم ثم بدا له قبل يتزوج او ان يشتري فان ذلك يلزمه ويقضي عليه به ، فان لم لم يترك الامر الذي وعدك عليه وكذا لو لم تسأله وقال لك هو من نفسه ( انا اسلفك كذا او اهب لك كذا لتقضي دينك او لتتزوج ) او نحو ذلك فان ذلك يلزمه ويقضي به عليه . اما ان كانت على غير سبب فلا ، كما اذا قلت ، اسلفني كذا ، ولم تذكر سببا او ( اعرني دابتك او بقرك ) ولم تذكر سفرا ولا حاجة ، فقال : نعم ( ثم بدا له او قال هو من نفسه ) انا اسلفك كذا او ( اهب لك كذا ) ولم يذكر سببا ثم بدا له . والرابع يقضى به ان كانت على سبب وداخل الموعود بسبب العدة في شيئ - وهذا هو المشهور من الاقوال ( ابن حزم، المحلى 8: 277 والحطاب ، الالتزامات فتاوى عليش ، 1: 212 وما بعدها. واحمد ابراهيم العقود والشروط والخيارات مجلة القانون والاقتصاد السنة الرابعة صفحة 646- 647 . والتزام التبرعات السنة الثالثة ، العدد الاول صفحة 66 وما بعدها ، وعلي الخفيف التصرفات الانفرادية صفحة 194 -198) .
وقد رؤي الاخذ بقول من ذهب الى ان الوعد ملزم توسعة على الناس في المعاملات .
وهي تطابق المادة (78) من القانون العراقي وتخالف المادة (171) من المجلة .
تناولت هذه المادة طرق التعبير الاخرى عن الارادة غير اللفظ فيجوز ان يكون الايجاب او القبول او هما معا بالمكاتبة بشرط ان تكون مستبينة كالكتابة على الورق اما ان كانت غير مستبينة كالكتابة في الهواء او على الماء فلا اعتداد بها والمستبينة هي التي تبقى صورتها بعد الانتهاء منها .
وكذا الاشارة عند المالكية يستوي ذلك عندهم الاخرس وغير الاخرس ( الحطاب 4: 229 ) وقد صرح المالكية بان العقد ينعقد بما يدل على الرضا عرفا سواء دل عليه لغة او لم يدل كالقول والكتابة ، والاشارة والمعاطاة ولم تتقيد الاشارة بان تكون من الاخرس ( الدسوقي على الشرح الكبير 3:3 والصاوي على الشرح الصغير 2: 3) على خلاف الخنفية فعندهم الاشارة لا تعني اذا كان العاقد قادرا على الكلام ، فان كان اخرس فيجوز ان يتعاقد باشارته المفهومة سواء اكان خرسه اصليا منذ الميلاد او كان عارضا ودام حتى وقع اليأس من كلامه ( الكاساني 5: 135 ) وسواء كان قادرا على الكتابة ام غير قادر على الكتابة ( ابن نجيم الاشياء والنظائر صفحة 188).
وكذا المبادلة الفعلية الدالة على التراضي ينعقد بها العقد عند الحنيفة ( الكاساني 5: 134).
والمالكية ( الحطاب 4: 228 والدردير الشرح الكبير 3:3 والحنابلة ( المغني 4:4 ) على خلاف الشافعية ( الشيرازى 1: 257).
وكذا يكون الايجاب او القبول باتخاذ اي مسلك اخر يدل على الرضا وهو ما يستنتج من كتب الفقه الاسلامي ( السرخسي 12 : 150 والكاساني 5: 270 والزيلعي 4: 4 وابن عابدين 4: 9 والحطاب 4: 228 والمغني 4:4 وعلي الخفيف احكام المعاملات الشرعية صفحة 225- 226 ).
وقد رؤي ان المادة في عجزها الاخير تغني عن ايراد نص الفقرة الاخيرة من المادة 90 مصري والمادة 93 من المشروع الاردني ، وهو ( يجوز ان يكون التعبير عن الارادة ضمنيا اذا لم ينص القانون او يتفق الطرفان على ان يكون صريحا ) وعن ايراد مثل ما نص عليه في المجلة (م 178) من انه ( تكفي موافقة القبول للايجاب ضمنا ).
وقد اعتمد ايضا على المواد 168 و 173 و 175 من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمواد من 345- 347 من مرشد الحيران والمبسوط 12 : 108 - 109 والبدائع 5: 133 - 135 وبداية المجتهد 2: 141 والمغني 4: 4 -5 والزرقاني 5: 4 فيما يتعلق بقبول الاشارة من الاخرس وهي توافق المادة 79 من القانون العراقي .
بعد ان بين المشروع في المادة السابقة ما يكون ايجابا او قبولا انتقل الى تطبيق من تطبيقات الحكم الوارد فيها في المادة التي نحن بصددها الان فنص في الفقرة الاولى منها على ان عرض البضائع مع بيان ثمنها يعتبر ايجابا نهائيا اما النشر والاعلان وبيان الاسعار الجاري التعامل بها وكل بيان اخر متعلق بعروض او بطلبات موجهة للجمهور او للافراد فعند الشك لا يعتبر ايجابا وانما يكون دعوة الى التفاوض ويخلص من ذلك انه اذا لم يكن هناك شك من الملابسات ان المقصود هو ايجاب كان ايجابا . وقد اعتمد على النباني : خاشية على الزرقاني ج/ 5 ص /5 - 6 وهي تطابق المادة 80 عراقي .
السكوت مظهر سلبي محض للتعبير عن الارادة فالساكت لا يعبر بطريق ايجابي عن اية ارادة لذلك قيل ( لا ينسب الى ساكت قول ) ( م67 من المجلة ) ويصدق هذا في العقد على الايجاب اذ الايجاب لا يمكن استخلاصه من محض السكوت اما القبول فيجوز استخلاصه من الظروف الملابسة ولذلك اكملت العبارة السابقة بعبارة ( ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان ( المادة 67 من المجلة ) وقد اورد ابن نجيم في الاشباه والنظائر صفحة (78) والسيوطي في الاشباه والنظائر صفحة ( 97 - 98) القاعدة السالفة وما يرد عليها من استثناءات .
وقد رؤي في المشروع الاخذ استنادا الى ما يستخلص من عبارات ابن نجيم والسيوطي بما اخذ به التقنين العراقي من اعتبار السكوت قبولا اذا اقترانت به ملابسات تجعل دلالته تنصرف الى الرضا وخصوصا في الحالتين الاتيتين :
اولا : اذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الايجاب بهذا التعامل.
ويدخل في ذلك سكوت المالك عند قبض الموهوب له او المتصدق عليه وسكوت احد المتبايعين في بيع التلجئة وسكوت المشتري بالخيار حين راى العبد يبيع ويشتري وسكوت البائع الذي له حق حبس المبيع حين راى المشتري قبض المبيع وسكوت الراهن عند قبض المرتهن العين المرهونة .
ثاينا : اذا تمحض الايجاب لمنفعة من وجه اليه . ويدخل في ذلك سكوت المتصدق عليه وسكوت المفوض وسكوت الوقوف عليه .
ويمكن ان يكون من هذا القبيل سكوت المشتري بعد ان تسلم البضائع التي اشتراها فيعتبر قبولا لما في قائمة الثمن من شروط وذلك متى كان قد اطلع على هذه القائمة عند التسليم ( تراجع المذكرة الايضاحية للمادة 98 من القانون المدني المصري وكانت 142 من المشروع التمهيدي و 100 من المشروع النهائي مجموعة الاعمال التحضيرية ج/2 صفحة 60 -64 ، والملابس هنا فرع ملابس اعم ، هو ان يكون في وضع بحيث لو لم يكون راضيا لما سكت عن التصريح بالرفض فيعتبر سكوته رضا .
ويدخل في ذلك سكوت البكر عند الزواج فهي تتحرج من اظهار الرضاء لا من التصريح بالرفض بخلاف الثيب فهي لا تتحرج في الحالتين ويدخل في ذلك ايضا سكوت الشفيع حين علم بالبيع ودلالة السكوت هنا الرفض لا القبول . ويدخل في ذلك اخيرا سكوت المولى حين راى عبده يبيع ويشتري وسكوت القن ، وسكوت الزوج عند الولادة وسكوت المولى عند ولادة ام الولد والسكوت قبل البيع عند الاخبار بالعيب والسكوت عند بيع الزوجة او القريب عقارا وسكوت شريك العنان . وقس على ذلك سائر الحالات التي ورد ذكرها في النصوص .
وينبغي التفرقة بين التعبير الضمني عن الارادة وبين مجرد السكوت فالتعبير الضمني وضع ايجابي اما السكوت فهو مجرد وضع سلبي . وقد يكون التعبير الضمني بحسب الاحوال ايجابا او قبولا ام السكوت فمن الممتنع على وجه الاطلاق ان يتضمن ايجابا وانما يجوز في بعض فروض استثنائية ان يعتبر قبولا وقد افترض المشروع ان السكوت يعتبر قبولا في حالتين :
احدهما - قيام تعامل سابق بين المتعاقدين لجريان عرف التجارة على ذلك .
والثاني - خاص بتمحض الايجاب لمنفعة من وجه اليه لطبيعة التعامل الخاصة .
ويراعى في هذه القيود ان انقضاء الميعاد المعقول او المناسب هو الذي يحدد وقت تحقق السكوت النهائي الذي يعدل القبول ويكون له حكمه وفي هذا الوقت يتم العقد اما فيما يتعلق بمكان الانعقاد فيعتبر التعاقد قد تم في المكان الذي يوجد فيه الموجه اليه الايجاب عند انقضاء الميعاد المناسب اذ يعتبر ان القبول قد صدر عندئذ في هذا المكان (هذا على اساس الاخذ بنظرية اعلان القبول) .
وكان النص في المشروع التمهيدي المصري (142) يورد حالة ثالثة وهي : ويكون كذلك سكوت المشتري بعد ان يتسلم البضائع التي اشتراها قبولا لما ورد في الفاتورة من شروط (وقد جرى نقاش طويل حول هذه العبارة في لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ واقترح ان يضاف الى هذه العبارة عبارة (متى كان قد اطلع عليها عند التسلم) وثارت المناقشة واختلفت الآراء ورؤي في النهاية حذف كل العبارة التي تتضمن هذه الحالة وذلك باعتبار هذا الجزء المحذوف من الاحوال العامة التي يشتمل عليها القانون المدني وجاء في تقرير اللجنة انه تقرر حذف هذه العبارة لانها تواجه تطبيقا يحسن ان يترك فيه التقدير للقضاء في كل حالة بخصوصها .
وهي تقابل المادة 81 عراقي والمادة 98 - 1 مصري و 99 - 2 سوري ومشروع اردني .
في هذه المادة يقرر المشروع اخذا بالمذهب الحنفي ان الايجاب يظل قائما الى اخر المجلس ولكن للموجب العدول عنه ما لم يكن قد قبله الموجه اليه . فاذا قبله الموجه اليه لم يكن للموجب الرجوع , اما قبل القبول فاللموجب الرجوع وكذا يسقط الايجاب اذا صدر من الموجب او الموجه اليه الايجاب قول او فعل يدل على الاعراض .
واذا سقط الايجاب برجوع الموجب قبل القبول او باعراض احد المتعاقدين قولا او فعلا قبل القبول فلا عبرة بالقبول بعد ذلك , فالايجاب يظل قائما الى اخر المجلس , ولمن وجه الايجاب ان يعدل عنه ما لم يكن قد قبله الموجه اليه ولمن وجه له الايجاب ان يقبل ما دام المجلس قائما ولم يعدل الموجب ولم يصدر منه ما يدل على الاعراض قولا او فعلا فاذا رفض او صدر منه ما يدل على الاعراض قولا او فعلا سقط الايجاب فلا يصح قبوله بعد ذلك .
اما المذهب الشافعي فيوجب ان يكون القبول فورا ثم يثبت لكل من المتعاقدين خيار المجلس , فابو حنيفة يجيز تراخي القبول الى نهاية المجلس وللموجب الرجوع في الايجاب ما دام المجلس قائما ولم يصدر قبول وللمخاطب بالايجاب خيار القبول طيلة قيام المجلس ولكن متى صدر القبول لزم العقد فلا يثبت خيار المجلس لاي من المتعاقدين .
اما مالك فيرى جواز تراخي القبول الى نهاية المجلس وليس للموجب الرجوع في ايجابه ومتى صدر القبول لزم العقد من الجانبين ولا يثبت خيار المجلس , واحمد يجيز للموجه اليه الايجاب التراخي في القبول الى اخر المجلس ( كالحنفية ) ويعطي للمتعاقدين خيار المجلس كالشافعية .
والقانون المدني المصري يوجب في الاصل صدور القبول فورا اذا صدر الايجاب في مجلس العقد ولم يعين ميعاد للقبول والا تحلل الموجب من ايجابه ولكنه اخذا بحكم المذهب الحنفي ينص على ان العقد يتم ولو لم يحصل القبول في الوقت اذا صدر القبول ان ينقض مجلس العقد ولم يكن قد صدر ما يفيد عدول الموجب ايجابه في الفترة التي تقع بين الايجاب والقبول .
وقد اعتمد على المواد من 182 – 184 من المجلة .
وهي تقابل المواد 94 مصري و 95 سوري ومشروع اردني و 82 عراقي .
الظاهر من المذهب الحنفي ان الموجب اذا قيد نفسه بوقت محدد بان اوجب وقال " انني على ايجابي هذا مدة ثلاثة ايام او نحوه لا يلزمه هذا التوقيت وينتهي ايجابه بانتهاء المجلس وكانه لم يوقت لانه متبرع بهذا التوقيت فلا يلزمه بخلاف ما اذا قيد الموجب نفسه لمدة تنتهي قبل انتهاء المجلس فان انتهاءها يعد اعراضا عن الايجاب فيبطل , وذهب المالكية ان الموجب اذا قيد نفسه بمدة تقيد بها ولم ينته ايجابه بانتهاء المجلس كما يتقيد كذلك بما يجري به العرف اذا جرى على تقييد الموجب بمدة معينة ( راجع الحطاب 4 : 33 و 241 ) وعلى هذا اذا قال الموجب انا ملزم بايجابي عشرة ايام مثلا التزم بذلك , وصح للطرف الثاني القبول في اثنائها ما دام لم يصدر من الموجب قبل ذلك ما يعد عدولا منه على الايجاب والا بطل ( الرهوني ج/ 5 صفحة 19 وعلي الخفيف المعاملات صفحة 205 الهامش ).
فالموجب اذا حدد ميعادا للقبول ظل مرتبطا بايجابه في خلال الميعاد المحدد للقبول سواء في ذلك ان يصدر الايجاب لغائب او لحاضر فاذا انقضى الميعاد ولم يصدر القبول فلا يصبح الايجاب غير لازم فحسب , بعد ان فقد ما توافر له من قوة الالزام , بل هو يسقط سقوطا تاما , وهذا هو التفسير المعقول لنية الموجب , فهو يقصد الا يبقى ايجابه قائما ، الا في خلال المدة المحددة ما دام قد لجا الى التحديد وقد يتصور بقاء الايجاب قائما بعد انقضاء الميعاد , ولو انه يصبح غير لازم , ولكن مثل هذا النظر يصعب تمشيه مع ما يغلب في حقيقة نية الموجب , ويراعى ان القول بسقوط الايجاب عند انقضاء الميعاد , يستتبع جواز اعتبار القبول المتاخر بمثابة ايجاب جديد , كما سيأتي في مذكرة المادة 99 .
وغني عن البيان ان الايجاب الملزم يتميز في كيانه عن الوعد بالتعاقد , فالاول ارادة منفردة , والثاني اتفاق ارادتين , ويكون تحديد الميعاد في غالب الاحيان صريحا ولكنه قد يقع احيانا ان يستفاد هذا التحديد من العرف او ضمنيا , من ظروف التعامل او طبيعته , فاذا عرض مالك آلة ان يبيعها تحت شرط التجربة , فمن الميسور ان يستفاد من ذلك انه يقصد الارتباط بايجابه طوال المدة اللازمة للتجربة , وعند النزاع في تحديد الميعاد يترك التقدير للقاضي , وتختلف هذه الصورة عن صورة الايجاب الموجه الى الغائب بغير تحديد صريح او ضمني لميعاد ما , وقد عالجها المشروع بعد فقضى بان يبقى الموجب ملتزما بايجابه الى الوقت الذي يتسع لوصول قبول يكون قد صدر في وقت مناسب وبالطريقة المعتادة .
وقد اعتمد في المادة 97 المشار اليها على المادة 185 من المجلة وشرحها لعلي حيدر واما المادة 98 فقد تضمنت وعدا بالالتزام , المدة المبينة بالايجاب وهو ملزم للاسباب الموضحة في المادة 92 من هذا المشروع وتلك الاسباب تعتبر اسبابا للمادة 98 المذكورة .
وهما مقابلتان للفقرة الاولى من المادة 94 قانون سوري ومشروع اردني وللمواد 83 و 84 عراقي و 93 مصري .
?يشترط ان يتوافق الايجاب والقبول على معنى واحد فيصدر القبول موافقا للايجاب سواء اكانت موافقته للايجاب حقيقية ام ضمنية فاذا كان القبول مقيدا بوصف او شرط لم يصدر به الايجاب لا يتم به العقد . فليس للموجه اليه الايجاب تبعيض الثمن او المثمن وتفريقهما ( تراجع المواد من 177 الى 180 من المجلة ) والمفهوم ان يكون هذا التقييد بحيث يقتضي تكليفا للموجب لم يكلف به نفسه ولم يلتزمه في ايجابه , كان يقول شخص لاخر " بعتك هذا المنزل بعشرة الاف دينار ) فيقول الاخر ( قبلت نصفه بستة الاف دينار ) فان القبول لا يكون موافقا للايجاب , اما في التبرع كالهبة فالامر يحتاج الى نظر , ذلك ان الواهب اذا قال وهبتك هاتين السيارتين فقال الموهوب له قبلت هذه فقط او قال الواهب وهبتك مائة دينار فقال الموهوب له قبلت خمسين فقط فالمفهوم ان العقد يتم في المقبول بذلك , وان الموافقة الضمنية متحققة لان من يهب ويتبرع بالمائة لا يضره ان يقتصر تبرعه على خمسين , وبهذا اخذ الشافعية في الوصية ( نهاية المحتاج 6: 66) وكذا الحنفية في الوصية ايضا فاذا اوصى شخص لاثنين فقبل احدهما او لواحد فقبل ما اوصى له به تملك القابل في الصورة الاولى وتملك ما قبله الموصى له في الصورة الثانية ورد الباقي الى الورثة ولا يبعد ان يكون ذلك رايهم ايضا في الهبة ( علي الخفيف , احكام المعاملات الشرعية الهامش صفحة 203 ) .
ويجوز ان يكون القبول غير المطابق للايجاب بمثابة ايجاب فيؤدي عند قبوله الى قيام عقد يتم بالقبول غير المطابق الذي اصبح ايجابا وبقبوله .
ولكن يلاحظ ان للقبول غير المطابق للايجاب اثرا قانونيا مباشرا فهو يعتبر رفضا للايجاب الاول ويستتبع بذلك سقوط هذا الايجاب وهو من هذا الوجه لا يختلف عن مجرد الرفض البسيط او الايجاب المعارض وليس يقصد من انزال القبول المتاخر او المعدل منزلة الايجاب الجديد الا اقامة قرينة بسيطة على قصد العاقد فاذا ثبت ان صدر عنه القبول لم يكن ليبديه لو علم بسقوط الاول سقطت دلالة القرينة , والواقع ان القبول الذي لا يقصد به الا مجرد القبول يقترن في اغلب الاحيان بما يفيد تعليق انعقاد العقد على شرط بقاء الايجاب قائما فمتى ثبت وجود التعليق اصبح القبول كان لم يكن وامتنع اعتباره ايجابا جديدا .
ويضيف الفقهاء لينعقد العقد الى شرط مطابقة القبول للايجاب شرطا آخر هو الا يتغير المحل ما بين الايجاب والقبول فلو باع عصيرا فكسب المشتري حتى تخمر ثم تخلل ثم قبل لم ينعقد العقد ذلك ان الايجاب والقبول قد توافقا على بيع عصير والمبيع قبل تمام العقد قد اصبح خلا فلا يتم العقد في الخل لانه لم يكن محل التراضي ولا في العصير لانه غير موجود (الهندية 3 : 8 والخانيه 2 : 131 وابن عابدين 4 : 29) وهذا شرط مفترض لا يحتاج الى نص .
وقد اعتمد في هذه المادة على المواد من 177 - 180 من المجلة والفقرة الاولى منها توافق المادة 85 عراقي والفقرة الثانية منها تقابل المادة 96 مصري و 97 سوري ومشروع اردني .
تعالج هذه المادة حالة قبول من وجه الية الايجاب للمسائل الجوهرية فيه وفي هذه الحالة يتولى القاضي امر الفصل في المسائل التفصيلية التي ارجئ الاتفاق عليها ما لم يتراض العاقدان بشأنها . وعلى هذا النحو يتسع نطاق مهمة القاضي فلا يقتصر على تفسير ارادة العاقدين بل يستكمل ما نقص منها .
وهذه الاحكام لا تعدو ان تكون مجرد تفسير لارادة المتعاقدين فاذا تعارض هذا التفسير مع ما اراده المتعاقدين بان اشترطا صراحة او ضمنا ان لا ينعقد العقد عند عدم الاتفاق على المسائل التي احتفظ بها وجب احترام هذه الارادة ولا يتم العقد ما لم يحصل الاتفاق على تلك المسائل . ويراعى ان المشروع قد جعل من ( طبيعة المعاملة ) عنصرا من عناصر التوجيه التي يسترشد بها القاضي في اكمال العقد .
ويلاحظ ان الفقرة الثانية تتناول حالة ما اذا اتفق الطرفان على المسائل الجوهرية واستبقيا مسائل تفصيلية يتفقان عليها فيما بعد ولم يشترطا ان العقد يكون غير منعقد عند عدم الاتفاق على هذا المسائل التفصيلية . وهي حالة غير حالة الاتفاق على بعض المسائل الجوهرية دون البعض الاخر من هذه المسائل الجوهرية ففي هذه الحالة الاخيرة لا ينعقد العقد وهي الحالة التي تناولتها الفقرة الاولى من نفس المادة .
ويلاحظ ايضا ان المشروع لم يشترط كي ينعقد العقد الاتفاق على كل المسائل الجوهرية وكل المسائل التفصيلية بل اشترط الاتفاق على كل المسائل الجوهرية فاذا حصل الاتفاق على بعضها دون بعض لا ينعقد العقد واذا حصل الاتفاق على كل المسائل الجوهرية وحصل خلاف في المسائل التفصيلية بينهما فان العقد لا ينعقد ايضا اما اذا حصل الاتفاق على المسائل الجوهرية ولم يتعرض للمسائل التفصيلية فهذه تتناول صورتين الاولى ان يتفقا على انه ان لم يحصل اتفاق على المسائل التفصيلية فان العقد لا ينعقد ففي هذه الصورة لا ينعقد العقد والثانية لم يتفقا على ذلك ففي هذه الحالة ينعقد العقد ويكمل القاضي العقد على ما سبق . ويعتمد في هذه المادة على المادتين 43 و44 من المجلة وشرحهما لعلي حيدر .
وهي توافق المادة 86 عراقي والفقرة الثانية توافق المادة 95 مصري والمادة 96 سوري ومشروع اردني .
تتضمن التشريعات المختلفة احكاما متباينة بشأن تعيين زمان التعاقد بالمراسلة ومكانه وقد اخذ المشروع براي الفقه الحنفي في ان العقد يتم باعلان القبول ( الكاساني 5: 137 -138 والمجلة م 173 ومرشد الحيران م 346 وابن عابدين 4: 10 -11 ).
وبديهي ان هذا الحكم لا يسري حيث تنصرف نية المتعاقدين الى مخالفته صراحة او ضمنا او حيث يقضي القانون بالعدول عنه الى حكم اخر . وقد اخذ القانون المدني المصري والعراقي بمذهب العلم بالقبول وعلل ذلك بان مذهب العلم هو اقرب المذاهب الى رعاية مصلحة الموجب ذلك ان الموجب هو الذي يبتدئ التعاقد فهو الذي يحدد مضمونه ويعين شروطه ، فمن الطبيعي والحال هذه ان يتولى تحديد زمان التعاقد ومكانه ومن العدل اذا لم يفعل ان تكون الارادة المفروضة مطابقة لمصلحته عند عدم الاتفاق على ما يخالف ذلك . وبعد فمذهب العلم ( هو الذي يستقيم دون غيره مع المبدأ القاضي بان التعبير عن الارادة لا ينتج اثره الا اذا وصل الى من وجه اليه على نحو يتوفر مع امكان العلم بمضمونه ، ومؤدى ذلك ان القبول بوصفه تعبيرا عن الارادة لا يصبح نهائيا الا في الوقت الذي يستطيع فيه الموجب ان يعلم به ولا يعتبر التعاقد تاما الا في هذا الوقت ) .
وقد ساير القانون المدني المصري منطقه الذي تقدم فنص في المادة 91 انه ( ينتج التعبير عن الارادة اثره في الوقت الذي يتصل فيه بعلم من وجه اليه ، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك ) ثم نص في المادة 92 انه ( اذا مات من صدر منه التعبير عن الارادة او فقد اهليته قبل ان ينتج التعبير اثره فان ذلك لا يمنع من ترتيب هذا الاثر عند اتصال التعبير بعلم من وجه اليه هذا ما لم يتبين العكس من التعبير او من طبيعة التعامل ) وقد خلا القانون المدني السوري والمشروع الاردني من هذين النصين الاخيرين .
وليس من شك في ان اعلان القبول هو انسب الاراء في المسائل التجارية ( تراجع مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ج/2 صفحة 54).
ولا يثير التعاقد بالتليفون او باية وسيلة مماثلة صعوبة الا فيما يتعلق بتعيين مكان انعقاد العقد . فشأنه من هذه الناحية شان التعاقد بين الغائبين الذين تفرقهم شقة المكان ولذلك تسري عليه احكام المادة السابقة الخاصة بتعيين مكان التعاقد بين الغائبين ويعتبر التعاقد بالتلفون قد تم في المكان الذي صدر فيه القبول ما لم يتفق على خلاف ذلك.
اما فيما يتعلق بزمان انعقاد العقد فالتعاقد بالتليفون لا يفترق عن التعاقد بين الحاضرين فيعتبر التعاقد بالتليفون تاما ، في الوقت الذي يعلن فيه من وجه اليه الايجاب قبوله .
ويترتب على اعطاء التعاقد بالتليفون حكم التعاقد ما بين الحاضرين فيما يتعلق بزمان انعقاد العقد ان الايجاب اذا وجه دون تحديد ميعاد لقبوله ولم يصدر القبول في المجلس سقط الايجاب . وقد رؤي صياغة المادتين بالشكل المشار اليه لان ذلك يتفق مع احكام الفقه الاسلامي وما ذكره السنهوري في كتابه مصادر الالتزام ج/1 ص 252 وهما تقابلان المواد 98 سوري ومشروع اردني ، و 88 عراقي و 140 مصري .
ينطبق هذا النص على جميع عقود المزايدات وبوجه خاص على البيوع والايجارات التي تجري بطريق المزايدة ، فافتتاح المزايدة على الثمن ليس الا دعوة للتقدم بالعطاءات ، والتقدم هو الايجاب . اما القبول فلا يتم الا برسو المزاد فيكون المشروع قد خالف بذلك من يرى من رجال القانون في افتتاح المزايدة على الثمن ايجابا وفي التقدم بالعطاء قبولا .
ويراعى ان العطاء الذي تلحق به صفة القبول وفقا لحكم النص يسقط بعطاء يزيد عليه حتى لو كان هذا العطاء باطلا كما اذا صدر من شخص لا يجوز له التعاقد في الصفقة المطروحة في المزاد كقاض يتقدم بعطاء في مزاد لبيع عين متنازع عليها ويقع نظر النزاع في اختصاصه او موقوفا كما اذا صدر من قاصر ، بل ولو رفض فيما بعد .
ويسقط كذلك اذا اقفل المزاد دون ان يرسو على احد ، وليس في ذلك الا تطبيق القواعد العامة ، فما دام التقدم بالعطاء هو الايجاب فهو يسقط اذا لم يصادفه القبول قبل انقضاء الميعاد المحدد ، ام الميعاد في هذا الفرض فيحدد من دلالة ظروف الحال ومن نية المتعاقدين الضمنية وهو ينقضي بلا شك عند التقدم بعطاء اكبر او باقفال المزاد دون ان يرسو على احد .
وهذا هو الحكم في القانون وكذا في الفقه الاسلامي في ( بيع من يزيد) ( انظر الكاساني 232 - 233)( والزيلعي 4 : 67 ) ( ابن الهام ، 5: 239 -241 ، والهندية 3: 210- 211 وابن عابدين 4: 182 والمهذب للشيرازي 1: 291 والشرح الكبير على المقنع 4: 42- 43 والحطاب 4: 237 وفيه ( واما بيع المزايدة فقال ابن رشيد في رسم القطعان من سماع اصبغ من كتاب الجعل والاجارة : الحكم فيه ان كل من زاد في السلعة لزمته زاد فيها ان اراد صاحبها ان يمضيها له ما لم يسترد سلعته فيبيع بعدها اخرى او يمسكها حتى ينقضي مجلس المناداة ....الخ) وبداية المجتهد 2: 139).
ويلاحظ ان من تقدم بعطاء يعتبر عطاؤه ايجابا وهو هنا ايجاب ملزم لان ظروف الحال تدل على ان من تقدم بعطاء اراد ان يتقيد به ولا يرجع عنه ويبقى مقيدا بعطائه الى ان يسقط هذا العطاء بعطاء ازيد على الوجه الذي تقوم او حتى تنتهي جلسة المزاد دون ان يرسي عليه المزاد اما اذا ارسي عليه المزاد في الجلسة فقد تم البيع على ما ذكر .
كما يلاحظ انه يتحتم ارساء المزاد على من يتقدم باكبر عطاء وان كان هذا هو المفروض ما لم يشترط خلافه فقد يشترط صاحب السلعة ان من حقه الا يرسى المزاد حتى على من يتقدم باكبر عطاء لان هذا العطاء لا يجزئه في السلعة . وهي تقابل المواد 99 مصري و 100 سوري ومشروع اردني و 89 عراقي .
من حق عقود الاذعان ، وهي ثمرة التطور الاقتصادي في العهد الحاضر ان يفرد لها مكان في تقنين يتطلع الى مسايرة التقدم الاجتماعي الذي اسفرت عنه الظروف الاقتصادية وقد بلغ من امر هذه العقود ان اصبحت في راي بعض فقهاء القانون سمة بارزة من سمات التطوير العميق الذي اصاب النظرية التقليدية للعقد وقد اكتفى المشروع بذكر هذه العقود واعتبر تسليم العاقد بالشروط المقررة فيها ضربا من ضروب القبول ، فثمة قبول حقيقي تتوافر به حقيقة التعاقد ومع ذلك فليس ينبغي عند تفسير هذه العقود اغفال ما هو ملحوظ في اذعان العاقد ، فهو اقرب الى معنى التسليم منه الى معنى المشيئة ويقتضي هذا وضع قاعدة خاصة لتفسير هذه العقود تختلف عن القواعد التي تسري على عقود التراضي وقد افرد المشروع لهذه القاعدة نصا خاصا بين النصوص المتعلقة بتنفيذ العقود وتفسيرها .
وتتميز عقود الاذعان عن غيرها بسمات ثلاث : اولها تعلق العقد بسلع او مرافق تعتبر من الضروريات الاولى بالنسبة للمستهلكين او المنتفعين .
والثاني : احتكار هذه السلع او المرافق ، احتكارا قانونية او فعليا او قيام منافسة محدودة النطاق بشأنها . والثالث - توجيه عرض الانتفاع بهذه السلع او المرافق الى الجمهور بشروط متماثلة على وجه الدوام بالنسبة الى كل فئة منها .
وعلى هذا النحو يعتبر من قبيل عقود الاذعان تلك العقود التي يعقدها الافراد مع شركات الكهرباء والغاز والمياه والسكك الحديدية ، او مع مصالح البريد والتلفونات والتلغرافات او مع شركات التأمين .
ولا ينتظر ان نجد في الفقه الاسلامي ما نراه في الفقه الغربي الحديث في صدد عقود الاذعان ، فان النظم الاقتصادية قد تطورت تطورا كبيرا واصبحنا في النظم الاقتصادية الحاضرة نعرف شركات الاحتكار للمرافق العامة وللسلع الضرورية ونعرف منها شركات الغاز والنور والكهرباء والمواصلات والنقل والتأمين والمصانع الكبرى التي تحتكر العمل والعمال وغير ذلك . ثم لا ننسى ان فكرة عقد الاذعان في الفقه الغربي لم تنبثق الا منذ عهد قريب .
ولكن الجوهري في كل ذلك هو ، كما تقدم ، الا يحتكر الشخص سلعة ضرورية فيغلي من سعرها ويبيعها للناس على ما يريد ، فتذعن الناس لارادته وترضخ للسعر الذي يفرضه لحاجتها الشديدة الى هذه السلعة وذلك ايا كان النظام الاقتصادي القائم . وفي الشريعة الاسلامية نجد الاسس العامة التي تمنع الاحتكار وتضرب على ايدي المحتكرين وترفع الضرر عن الناس من جراء ما يدعوه الان في الفقه الغربي بعقود الاذعان .
كرهت او حرمت الشريعة الاسلامية الاحتكار بوجه عام وتعقبته في صورتين من صوره التي كانت مألوفة وقت ذاك : في بيع متلقى السلع وفي بيع الحاضر للبادي الكاساني ، 5: 232 و 233 والى روح احكام الاحتكار وبيع متلقى السلع وبيع الحاضر للبادي ارجع الاستاذ المغفور له السنهوري احكام عقد الاذعان في الفقه الاسلامي ويقال ايضا ان القاضي قد يناط به في عقود الاذعان رفع الظلم عن المذعن في تعاقد لم يكن فيه كامل الحرية مع حاجته الشديدة الى السلعة موضوع العقد ( السنهوري مصادر الحق 2: 80 وما بعدها ).
هذا ويلاحظ انه رؤي عدم ايراد تعريف لعقد الاذعان تجنبا للتعريفات في نصوص التقنين ما امكن والاكتفاء بايراد الحكم في معرض بيان صور خاصة للقبول وسياتي ايضا الكلام على عقود الاذعان في مجال اعطاء القاضي سلطة التعديل في الشروط التعسفية التي قد يتضمنها العقد او الاعفاء منها وفقا للعدالة وفي مجال التفسير بالنص على انه لا يجوز تفسير العبارات الغامضة فيه تفسيرا ضارا بمصلحة الطرف المذعن .
وهي تطابق المادة 100 مصري و 101 سوري ومشروع اردني وتوافق المادة 167 -1 عراقي .
يتناول النص حكم الوعد بالتعاقد سواء فيما يتعلق بالعقود الملزمة للجانبين والعقود الملزمة لجانب واحد . ويشترط لصحة مثل هذا الاتفاق التمهيدي تحديد المسائل الاساسية في التعاقد والمدة التي يتم فيها اما فيما يتعلق بالشكل فلا يشترط وضع خاص الا اذا كان القانون يعلق صحة العقد المقصور ابرامه على وجوب استيفاء شكل معين ، ففي هذه الحالة ينسحب الحكم الخاص باشتراط الشكل على الاتفاق التمهيدي نفسه ، والمقصود بالشكل الرسمية في عرف الفقه والقضاء فمثلا اذا كان عقد الهبة لا يتم الا اذا عمل رسميا طبقا للاوضاع المقررة له فالوعد بالهبة لا يصلح الا اذا عمل رسميا ايضا ويوجه هذا النظر الى ان اغفال هذا الاحتياط يعين على الافلات من قيود الشكل الذي يفرضه القانون ما دام ان الوعد قد يؤدي الى اتمام التعاقد المراد عقده . فيما اذا حكم القضاء بذلك ويكفي لبلوغ هذه الغاية ان يعدل المتعاقدان عن ابرام العقد المقصود الافلات من القيود الخاصة بشكله ، ويعمدا الى عقد اتفاق تمهيدي او وعد باتمام هذا العقد ، لا يستوفى فيه الشكل المفروض ، ثم يستصدرا حكما يقرر اتمام التعاقد بينهما ، وبذلك يتاح لهما ان يصلا من طريق غير مباشر الى عدم مراعاة القيود المتقدم ذكرها .
ومع ذلك فالوعد بابرام عقد رسمي لا يكون خلوا من اي اثر قانوني اذا لم يستوف ركن الرسمية فاذا صح ان مثل هذا الوعد لا يؤدي الى اتمام التعاقد المقصود فعلا فهو بذاته تعاقد كامل يرتب التزامات شخصية طبقا لمبدا سلطان الارادة . وهو بهذه المثابة قد ينتهي عند المطالبة بالتنفيذ الى اتمام عقد الرهن او على الاقل الى قيام دعوى بالتعويض بل والى سقوط اجل القرض الذي يراد ترتيب الرهن لضمان الوفاء به .
ويراجع فيما يختص بالتزام بالوعد في الفقه الاسلامي المادة (92) من هذا المشروع ومذكرتها الايضاحية والمادة تطابق المادة 101 مصري و 102 سوري ومشروع اردني وتوافق المادة 91 عراقي .
هذه المادة لا تعرض للحالة التي فيها يوجد عقد يسمى خطا بالعقد الابتدائي وهو في الواقع عقد نهائي وانما تعرض لحالة ما اذا وجد عقد ابتدائي بالمعنى الصحيح يتلوه عقد نهائي لا سيما اذا كان العقد من العقود الشكلية كالرهن الرسمي فمتى وجد وعد برهن رسمي مثلا وكان هذا الوعد قد استوفى الشروط الشكلية جاز اذا لم ينفذ الواعد وعده ان يجبر على ذلك قضاء ويقوم الحكم مقام العقد النهائي .
وهي تطابق المادة 102 مصري و103 سوري ومشروع اردني .
اجاز فريق من الفقهاء المسلمين العربون في البيع وفي الاجارة معا منهم الحنابلة وبعض المالكية . وصورة العربون عندهم ان يشتري السلعة ويدفع الى البائع درهما او اكثر على انه ان اخذ السلعة احتسب به من الثمن وان لم يأخذها فهو للبائع ( الشرح الكبير 4: 58 -59 والدردير والدسوقي عليه ، 3: 63 والخرشي 5: 78 والحطاب 54: 369 -370 ورؤي انه لا فرق بين هذه الصورة وصورة ما اذا كان البائع هو الذي له الخيار في ان يعدل عن البيع فيرد العربون الذي قبضه ومعه مثله . كما رؤي انه اذا جاز ان يكون الخيار في بيع العربون للبائع او للمشتري جاز ايضا ان يكون الخيار لكل من البائع والمشتري . وهذا ما اخذ به المشروع وقد اختلفت التقنينات العربية في دلالة العربون عند الشك هل هي للبتات ام لجواز العدول فذهب التقنين المصري والسوري والمشروع الاردني الى انه لجواز العدول وذهب التقنين العراقي الى ان دفع العربون دليل على البتات لا على انه جزاء للعدول عن العقد . ويبدو ان مرد الامر في ذلك الى العرف والعادة وقد اختار المشروع نزولا على العادة والعرف في الاردن ان يكون العربون عند الشك لجواز العدول ، وغني عن البيان ان كلتا الدلالتين قابلة لاثبات العكس باثبات الحكم المقصود من العربون عكس الدلالة المفروضه .
وينبغي التفرقة بين فروض عدة : فاذا اتفق المتعاقدان على خيار العدول جاز لكل منهما ان يستقل بنقض العقد فان عدل من دفع العربون وجب عليه تركه وان عدل من قبضه رده ومثله . على ان خيار العدول هذا لا يفترض بل يجب الاتفاق عليه صراحة .
اما اذا لم يتفق المتعاقدان على خيار فلا يجوز لايهما ان يستقل بالعدول عن العقد ما لم يقض العرف ذلك ويجب رد العربون اذا اتفق الطرفان على الالغاء او الاقالة او فسخ العقد بخطئهما او وقع الفسخ لاستحالة التنفيذ بسبب ظروف لا دخل لهما فيها . على ان لكل من المتعاقدين في غير هذه الاحوال ان يطلب تنفيذ العقد .
وفي حالة التخلف الاختياري عن الوفاء ، ويكون للعاقد الاخر ان يختار بين التنفيذ الجبري وبين الفسخ مع اقتضاء العربون بان يحتفظ بالعربون الذي قبضه بان يطالب برد ما دفعه ومثله - ولو لم يلحق به ضرر من جراء ذلك ويكون لاشتراط العربون في هذه الحالة شأن الشرط الجزائي ولكنه يفترق عنه من حيث عدم جواز التخفيض او الالغاء فهو يستحق ولو انتقى الضرر على وجه الاطلاق اما اذا كان الضرر الواقع يجاوز مقدار العربون فتجوز المطالبة بتعويض اكبر وفقا للمبادئ العامة . فالالتزام بدفع قيمة العربون المترتب في ذمة الطرف الذي عدل عن العقد ليس تعويضا عن الضرر الذي اصاب الطرف الاخر من جراء العدول بل هو نزول عند ارادة المتعاقدين فقد جعلا العربون مقابلا لحق العدول .
وفي حالة تنفيذ الالتزام اختياريا يخصم العربون من قيمة ما تعهد به فاذا استحال حسمه وجب رده الى من اداه .
وهي تطابق المادة 103 مصري و 104 سوري ومشروع اردني وتقابل المادة 92 عراقي .
اعتمد في هذه المواد على المادة 1449 من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمادة 278 من مرشد الحيران وليس لها مقابل في المشروع الاردني .
1. الاحكام الواردة في هذه المادة ليست سوى تطبيقات لنظرية النيابة القانونية.
فما دامت ارادة النائب هي التي تنشط لابرام العقد بجميع ما يلابسها من ظروف فيجب ان يناط الحكم على صحة التعاقد بهذه الارادة وحدها دون ارادة الاصيل .
و على هذا النحو يكون للعيوب التي تلحق ارادة النائب اثرها في التعاقد فاذا انتزع رضاه بالاكراه ، او صدر بتأثير غلط او تدليس كان العقد موقوفا على اجازة الاصيل رغم ان ارادة الاصيل براء من شوائب العيب ما فيما يتعلق بالظروف التي تؤثر في الاثار القانونية للتعاقد فيجب ايضا ان يكون مرجع الحكم عليها شخص النائب لا شخص الاصيل ، وعلى ذلك يجوز ان يطعن بدعوى عدم نفاذ التصرف في حقه في بيع صادر من مدين معسر ، وتواطا مع نائب المشتري ولو ان الاصيل ظل بمعزل عن هذا التواطؤ .
2. وعلى نقيض ما تقدم يعتد في الحكم على الاهلية بشخص الاصيل دون النائب فاذا كان الاصيل اهلا للتعاقد بالاصالة صح تعاقد النائب عنه ولو لم يكن هذا النائب كامل الاهلية وقد يكون مصدر النيابة في الصورة الاخيرة وكالة فما دام النائب غير اهل لعقدها كان عقد الوكالة وحده موقوفا على اجازة الولي .
فالفقه الحنفي يجيز ان يكون الوكيل صبيا ما دام مميزا قد بلغ السابعة من عمره على الاقل فلا يشترط فيه الرشد ولا البلوغ ولا عدم الحجر ، وعلى ذلك لا يصح لانسان ان يوكل مجنونا وقد نص في المادة (1458) من المجلة انه ( يشترط ان يكون الوكيل عاقلا وميزا ولا يشترط ان يكون بالغا فيصح ان يكون الصبي المميز وكيلا وان لم يكن مأذونا ...) ولكن يشترط في الموكل ان يكون مالكا لما وكل فيه لانه لا يملك غيره ما لا يملك ، فكل ما يجوز للانسان ان يباشره لنفسه من التصرف يجوز له ان يوكل فيه غيره الا استيفاء القصاص فلا يجوز التوكيل فيه لاحتمال ان تأخذ وليه رحمة عند حضوره فيعفو . وعلى ذلك فلا يصح من المجنون توكيل لانه لا يملك تصرفا ويصح من الصبي المميز فيما يملكه فينفذ توكيله غيره اذا كان في تصرف نافع ويتوقف على اجازة وليه او وصية اذا كان في تصرف متردد بين النفع والضرر.
والوكيل خلاف الرسول فالرسول ينقل عبارة المرسل الى المرسل اليه فهو لا يتصرف برايه ووزنه ، وانما الراي والوزن للمرسل، اما الوكيل فانما يعمل برايه ووزنه فيساوم ويرى المصلحة فيقدم عليها فاذا تصرف تصرف بارادته وعبارته ولذا لا يضيف العبارة الى موكله بل الى نفسه .
( يراجع في الفقه الاسلامي : الكاساني ، 6: 19 وما بعدها والزيلعي ، 4: 256 وما بعدها ) . وهي تطابق المادة 104 مصري و 105 سوري ومشروع اردني وليس لها مقابل في القانون العراقي .
1. اذا كان شخص النائب هو الواجب الاعتداد به فيما يتعلق باتمام العقد فعلى النقيض من ذلك ينبغي ان يرجع الى شخص الاصيل وحده ، عند تعيين مصير اثاره ، فالاصيل دون النائب هو الذي يعتبر طرفا في التعاقد واليه تنصرف جميع اثاره فيكسب مباشره كل ما ينشأ عنه من حقوق ويقع على عاتقه كل ما يترتب من التزامات .
2. ومع ذلك فينبغي التفرقة بين صور مختلفة . فالقاعدة التي تقدمت الاشارة اليها تنطبق حيث يتعاقد النائب باسم الاصيل . وهي تنطبق كذلك حيث يتعاقد النائب باسمه الشخصي رغم حقيقة نيابته ، متى كان من تعاقد معه يعلم او كان ينبغي ان يعلم بوجود النيابة او كان يستوي عنده ان يتعامل مع الاصيل او نائبه وهذا الحكم الذي يقول به الفقة الاسلامي اخذ به تقنين الالتزامات السويسري والقانون المدني . اما القواعد الخاصة بالاسم المستعار او التسخير وهي التي تقضي بانصراف اثار العقد الى النائب او المسخر فلا تنطبق الا اذا كان من يتعامل مع هذا النائب يجهل وجود النيابة او كان لا يستوى عنده التعامل معه او مع من فوضه .
والاصل في المذهب الشافعي والحنبلي ان حكم العقد وحقوقه جميعا ترجع الى الموكل سواء اضاف الوكيل العقد الى نفسه او الى الموكل وفي المذهب الخنفي والمالكي تفصيل مجملة ان حكم العقد يرجع الى الاصيل ان اضيف العقد الى الاصيل والى الوكيل ان اضيف الى العقد الى الوكيل . يراجع في المذاهب الشافعي : نهاية المحتاج ، 5: 48 وما بعدها ومغنى المحتاج 2: 225 وما بعدها والمهذب ، 1 : 353 وما بعدها .
وفي المذهب الحنبلي : المغني 5: 92 وما بعدها .
وفي المذهب المالكي : الدردير والدسوقي عليه ، 3: 382 وما بعدها والخرشي 6: 81 وما بعدها .
وفي المذهب الخنفي : الزيلعي ، 4: 256 وما بعدها ، والكاساني 6: 33 وما بعدها والبحر ، 7: 147 وما بعدها وتكملة ابن عابدين 1: 220 وما بعدها وتكلمة فتح القدير ، 6: 18 وما بعدها ).
والمواد 1460 و 1461 من المجلة وشرحها لعلي حيدر و 279 - 281 من مرشد الحيران . والسنهوري ، ومصادر الحق ، 5: 219-312 ) وهي توافق المادة 105 مصري و 106 سوري ومشروع اردني .
تراجع المذكرة الايضاحية للمادة السابقة .
وتنص المادة (106) من القانون المدني المصري و ( 107) من القانون المدني السوري ومن المشروع الاردني انه ( اذا لم يعلن العاقد وقت ابرام العقد انه يتعاقد بصفته نائبا فان اثر العقد لا يضاف الى الاصيل دائنا او مدينا ، الا اذا كان من المفروض حتما ان من تعاقد معه النائب يعلم بوجود النيابة ، او كان يستوي عنده ان يتعامل مع الاصيل او النائب) وجاء في الاعمال التحضيرية لهذه المادة ان هذه المادة لا نظير لها في القانون الفرنسي وانما جرت احكام القضاء على ذلك ، وفي احكام الشريعة الاسلامية تطبيقات لهذه المادة واشير الى المادة ( 1590، 1593 ) من المجلة كما جاء فيها ان الجزء الاول من المادة يتضمن القاعدة العامة والجزء الثاني استثناء من القاعدة العامة السابقة اذ ما هو الا تطبيق لنظرية التسخير وقد اقترح حذف هذه المادة لانها تتضمن قواعد عامة يحسن تركها لتقدير القاضي ولكن رد على ذلك بانه كثيرا ما يقع في العمل اشكالات تحكمها هذه المادة ويكفي فيها استقرار المعاملات فحكمها لازم .
وقد اخذ في هذه المادة بحكم المذهب المالكي الذي يصرف حقوق العقد الى الوكيل دون الموكل الا اذا صرح الوكيل بالبراءة منها او اذا علم العاقد الاخير بوجود الوكالة .
( يراجع السنهوري ، مصادر الحق ، ج5 ص 310- 312) .
ويعتمد في ذلك على المواد ( 1461 و 1590 و 1593) من المجلة وشرحها لعلي حيدر ، 279- 281 من مرشد الحيران .
وهي تقابل المواد ( 106) مصري و (107) سوري ومشروع اردني .
قد تنقضي النيابة دون ان يعلم النائب بذلك ، كما اذا كان يجهل موت الاصيل والغاء التوكيل فاذا تعاقد في هاتين الحالتين مع شخص حسن النية لا يعلم بانقضاء النيابة ، كان تعاقده هذا ملزما للاصيل وخلفائه ، وقد قصد من تقرير هذا الحكم الى توفير ما ينبغي للمعاملات من اسباب الثقة والاستقرار .
( تراجع من المجلة المواد من 1521 الى 1530 من مرشد الحيران المواد 970 الى 974 ) . وتقابل هذه المادة ( 107 ) مصري و ( 108) سوري ومشروع اردني .
?1. يتصور ان يتعاقد الشخص مع نفسه في حالتين . فقد يكون الشخص طرفا في التعاقد لحساب نفسه من ناحية ، ومتعاقدا بالنيابة عن الطرف الاخر من ناحية اخرى ، وبذلك يتحقق التعارض بين مصالحه الشخصية ومصالح الاصيل . وقد يتعاقد الشخص بصفته نائبا عن الطرفين في ان واحد . وغني عن البيان ان مصلحة الاصيل لا تتيسر لها ضمانات الحماية الواجبة في كلتا الحالتين .
وفي الصورة الاولى ( اذا كان اصيلا عن نفسه ونائبا عن غيره ) فالمذهب الحنفي لا يجيز تعاقده ولو مع الاذن . اما في المذهبين المالكي والحنبلي فيجوز مع اذن الموكل وفي مذهب الشافعي روايتان احدهما ان العقد لا يجوز حتى مع الاذن والاخرى انه يجوز بالاذن . وفي الصورة الثانية فالظاهر في المذهب الحنفي انه لا يجوز وفي المذهب المالكي يبدو ان التعاقد جائز باذن كل من الموكلين . وفي المذهب الشافعي لا يصح وفي المذهب الحنبلي يجوز .
( السرخسي ، المبسوط ، 19: 32 . والخرشي ، 6: 77 - 78. والشيرازي ، المهذب : 1: 352 وابن قدامه ، المغني ، 5: 107 - 108 ) .
ولكن يجوز على سبيل الاستثناء ان يتعاقد الشخص مع نفسه في حالتين :
اولاهما ان يبيع الاب او الجد مال الصغير من نفسه او يبيع ماله من الصغير ولو بغبن يسير اذا كان حسن التدبير او مستور الحال وان كان سيء التدبير فتشترط الخيرية . و ( ثانيتهما ) ان يبيع الوصي المختار من الاب او الجد مال الصغير من نفسه او يبيع ماله من الصغير وذلك اذا كان فيه نفع ظاهر للصغير.
( الكاساني 4: 135-136 والحطاب 5: 69 - 71 والمهذب 1: 330 و المغني 5: 112- 113).
2. ويجوز ان تقضي بعض نصوص التشريع او بعض قواعد التجارة بصحة تعاقد الشخص مع نفسه فمن ذلك اباحة تعامل الولي مع ولده وفقا لاحكام الشريعة الاسلامية واباحة تعامل الوكيل بالعمولة باسم طرفي ، التعاقد وفقا لقواعد القانون التجاري . وراجع المواد (363-365) من مرشد الحيران وهي تطابق المواد (108 ) مصري و( 109) سوري ومشروع اردني .
3. شروط العقد :
اولا :أ. اهلية التعاقد :
نظرة عامة :
للعقد في الفقه الاسلامي - بعد توافر الركن - شروط لانعقاده وشروط لصحته ، وشروط لنفاذه ، وشروط للزومه . وهذه الشروط مع تدرج مكانتها واثرها في مرحلة انعقاد العقد تتركز غالبا في الاهلية اولا وفي الرضا والاختيار ثانيا . وقد رؤي معالجة كل من هذين الموضوعين جملة مع بيان مرتبة كل ، اما افراز انواع هذه الشروط وتجميع افراد كل نوع منها على حدة فقد ترك شأنه للفقه ليبين على حدة شروط الانعقاد وشروط الصحة وشروط النفاذ وشروط اللزوم .
واهلية التعاقد : اكتفي في اهلية التعاقد بالنص على اعتبار الشخص اهلا للتعاقد ، ما لم يقرر القانون عدم اهليته . وعلى القواعد الموضوعية الاساسية لا سيما ما تعلق منها بتحديد ما يكون لانعدام الاهلية او نقصها من اثر في صحة الرضاء . اما التفصيلات فموضعها القوانين الخاصة بذلك .
وقد رؤي اقتباس نص المادة (119) من القانون المدني المصري و (120 - سوري ومشروع اردني ) وهي الخاصة بعدم منع القاصر من الطعن في العقد اذا كان قد لجأ الى طرق احتيالية ليخفي قصره مع عدم اخلال ذلك بالزامه بالتعويض جزاء على ارتكابه عملا غير مشروع . ويلاحظ ان النصوص الخاصة بالاهلية في القانون المدني المصري والسوري والمشروع الاردني مأخوذة من الفقه الاسلامي .
المذكرة الايضاحية :
الاصل في الشخص توافر الاهلية اما عدم الاهلية فيجب ان يقرر بمقتضى نص في القانون . ويتفرع على ذلك قيام قرينة على توافر الاهلية من شأنها القاء عبء الاثبات على عاتق من يتمسك بعدم الاهلية : وقد احيل فيما تقدم الى قوانين الاحوال الشخصية فيما يتعلق بالاحكام الموضوعية الخاصة بالاهلية بيد انه تحسن الاشارة الى ان الاهلية مناطها التمييز فحيث يوجد التمييز تتوافر الاهلية ، بل وتكون كاملة او ناقصة تبعا لما اذا كان التمييز كاملا او ناقصا وتهيمن هذه القاعدة الاساسية على جميع الاحكام الخاصة بالاهلية وهي تطابق المادة (109) مصري و(110) سوري ومشروع اردني وتوافق المادة (93 عراقي ) .
اعتمد في المادة (117) على المادة (966) من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمادة (269) من مرشد الحيران .
وهي تطابق المادة (110) مصري و(111) سوري ومشروع اردني و(96) عراقي . اما المادة (118) فقد اعتمد فيها على المادة (967) من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمادة (270) من مرشد الحيران .
وهي تطابق المادة ( 97) عراقي وتختلف مع المادة (111) مصري و(112) سوري ومشروع اردني في ان التصرفات الدائرة بين النفع والضرر اذا صدرت من الصبي المميز كانت في المشروع موقوفة على الاجازة اما في القانون المصري ( وكذا السوري والمشروع الاردني ) فانها تكون قابلة للابطال . وفرق بين الوقف والقابلية للابطال فالعقد الموقوف صحيح ولكنه غير نافذ ويظل موقوفا نفاذه على الاجازة فان اجيز نفذ وان لم يجز بطل واما العقد القابل للابطال - في القانون - فهو عقد صحيح ونافذ الا انه جائز ابطاله واذا ابطل اعتبر كان لم يكن .
اعتمد في هذه المادة على المادة (968) من المجلة وشرحها لعلي حيدر .
وتطابق المادة 98 من القانون العراقي وتقابل المادة (112) مصري والمادة (113) سوري ومشروع اردني .
اعتمد في هذه المادة على المادة (972) من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمادة (272) من مرشد الحيران .
وتطابق المادة (99) من القانون العراقي .
?اعتمد في هذه المادة على المادة (973) من المجلة وشرحها لعلي حيدر وتوافق المادة (100) من القانون العراقي .
اعتمد في هذه المادة على المادة ( 975 ) من المجلة وشرحها لعلي حيدر .
وتطابق المادة ( 101) من القانون العراقي .
اعتمد في هذه المادة على المادة ( 974 ) من المجلة وشرحها لعلي حيدر .
وتطابق المادة ( 102 ) من القانون العراقي .
اعتمد في هذه المادة على المادتين ( 282 و 283 ) من مرشد الحيران وعلى شرح المادة ( 974 ) من المجلة لعلي حيدر ص 625 جزء ( 2) .
وتطابق المادة ( 103 ) من القانون العراقي .
اعتمد في هاتين المادتين على ما ورد في الدر المختار ورد المحتار في باب الوصي من صفحة 447- 455 الجزء الخامس والمادة ( 284 ) من مرشد الحيران .
وتطابقان المادة ( 105 ) من القانون العراقي .
اعتمد في هذه المادة على المواد ( 946 و 957 و 958 و 961 و 962 ) من المجلة وشرحها لعلي حيدر ويؤيدها المادتان ( 94 و 95 ) من القانون العراقي وتقابل المادة ( 113 ) مصري و ( 114 ) سوري ومشروع اردني .
اعتمد في هذه المادة على المواد ( 978 و 979 و 980 ) من المجلة وشرحها لعلي حيدر .
وتطابق المادتان ( 107 و 108 ) من القانون العراقي وتقابل المادة ( 114 ) مصري و ( 115 ) سوري ومشروع اردني .
اعتمد في هاتين المادتين على المواد ( 990 و 991 و 993 و 994 ) من المجلة وشرحها لعلي حيدر وما جاء في كتاب الحجر من الدر المختار ورد المحتار الجزء الخامس الصفحة من 89 -97 وعلى المادة ( 273 ) من مرشد الحيران .
وتقابلان المادتين ( 115 و 116 ) مصري و ( 116 و 117 ) سوري ومشروع اردني والمادتين ( 109 و 110) عراقي .
اعتمد في هذه المادة على الاحكام الفقهية المتعلقة بالولاية والوصاية والقوامة والمبينة في احكام الوصي من رد المحتار ومن الاحكام الشرعية في الاحوال الشخصية لزيد بك الابياني .
وتطابق المادة ( 111) عراقي .
ان نظرية المساعدة القضائية نظرية جديدة وهي تقرر للاشخاص ذوي العاهات الجسمانية منعا من وقوعهم في خطر التصرفات وهذه المساعدة ليست نوعا من انواع الحجر لنقص في الاهلية بل هي نوع من الحماية للعمي الصم ونحوهم ويلاحظ ان المساعد القضائي تحدد ماموريته في القرار الذي يصدر من المحكمة باقامته وهي تقابل المادة ( 104 ) من القانون العراقي والفقرة الاولى من المادة ( 118 ) سوري ومشروع اردني .
اعتمد في هذه المادة على ما ذكر في احكام الوصي من رد المحتار ( ج/5 ) المشار اليها في المواد السابقة وما ذكر في باب الوصي من شرح الاحكام الشرعية في الاحوال الشخصية وعلى المادة ( 284 ) من مرششد الحيران .
وهي توافق المادة ( 118 ) مصري و ( 119 ) سوري ومشروع اردني .
يجوز لناقص الاهلية سواء اكان لقصر ام غيره الا يجيز العقد الذي يكون طرفا فيه ولو صرح انه غير ناقص الاهلية فليس يحول مجرد التصريح بذلك دون عدم الاجازة ما دام لم يقترن بطرق احتيالية , اذ ان من واجب كل عاقد ان يتثبت من اهلية من يتعاقد معه , ثم ان حماية ناقص الاهلية تصبح حماية وهمية اذا جعل من مجرد التصريح بعدم نقص الاهلية حائلا دون عدم الاجازة .
- اما اذا اقترن التصريح بعدم نقصان الاهلية بطرق احتيالية فيكون ناقص الاهلية قد ارتكب عملا غير مشروع يرتب مسؤوليته قبل العاقد الاخر متى كان حسن النية .
- وقد رؤي التسوية في ذلك بين القاصر وغيره من ناقصي الاهلية لتساويهم جميعا في الحكمة من هذا النص ,
وهي تقابل المادة ( 199 ) مصري و ( 120 ) سوري ومشروع اردني .
ب. عيوب الرضا :
نظرة عامة : لا يكفي توافر الاهلية بل يجب ان تسلم للشخص ارادته . وهنا يعرض الفقهاء للرضا والاختيار ويتفرع على ذلك الكلام على الاكراه والتغرير والغبن والغلط فيفرق الحنفية بين الرضا والاختيار فيجعلون الرضا منصرفا الى حكم العقد اما الاختيار فينصرف الى العبارة في حين ان المالكية والشافعية والحنابلة يجعلونها شيئا واحدا هو ارادة انشاء العقد بالعبارة الدالة عليه طلبا لاثارة عن رغبة فيها والتغرير هو التدليس . ويعرض المشروع للاكراه اولا ثم للتغرير والغبن ثم للغلط .
المذكرة الايضاحية :
اعتمد في هذه المواد على المادتين ( 948 و949 ) من المجلة وشرحهما لعلي حيدر وعلى المواد ( 286 و 288 ) من مرشد الحيران وهي تقابل المادة ( 128 ) سوري ومشروع اردني وتوافق المادة ( 112) من القانون العراقي .
وكما يقع الاكراه من احد المتعاقدين على الاخر فانه قد يقع من الغير فاذا وقع الاكراه من الغير مستوفيا لشروطه مفسدا للتصرف كالاكراه الواقع من احد المتعاقدين وتلحق به الاجازة , ويغالي المذهب المالكي في الاعتداء بالاكراه حتى لو تهيأ مصادفة , ولا يشترط في الاعتدادية ان يكون المتعاقد الاخير عالما بالاكراه , وهذا ما يسمى في البيع بيع المضغوط فعند مالك الاكراه يكون على البيع نفسه او على دفع مال ظلما فيضطر المكره ان يبيع متاعه لدفع هذا المال فلا يكون هذا البيع لازما حتى لو لم يكن المشتري عالما بالاكراه الواقع على البائع ( الحطاب والمواق 4: 248 - 250 والدسوقي 3 : 6 والخرشي 5 : 10 والنسولي 2 : 76 ولم ير الاخذ بذلك في المشروع لما فيه من مغالاة تؤدي الى الاضرار باستقرار التعامل .
كما يجوز ان يقع الاكراه بالتهديد بالحاق الاذى بشخص اخر ليس طرفا في العقد ولكن التهديد بالحاق الاذى به من شانه ان يحدث الرهبة التي تحمل على اتيان العقد المقصود كان يهدد شخص بخطف ابنه ان لم يات تصرفا ما .
الاكراه لا يكون الا اذا كان القصد منه الوصول الى غرض غير مشروع فاذا كان القصد منه الوصول الى غرض مشروع فان الاكراه لا يتحقق فاكراه الشخص على اداء الحق الذي عليه لا يكون اكراها معتبرا ولا يؤثر في التصرف الذي يؤدى به الحق ويكون الاكراه هنا اكراها بحق او جبرا شرعيا من صور الجبر الشرعي جبر القاضي المدين على بيع متاعه للغرماء , وجبر من عليه الخراج على بيع ماله لاداء الخراج وجبر من له دار تلاصق الجامع او الطريق على بيعها اذا احتيج الى توسعتهما بها وجبر عمال السلطان على بيع اموالهم لرد ما جمعوه من الناس ظلما ( الخرشي 5 : 9 والحطاب والموافق 4 : 52 والتلويح 2 : 196 - 197 والسرخسي , المبسوط 24: 101 و 144 وابن عابدين 5: 134 , 135 ) .
ويشترط ان يبعث الاكراه رهبة في نفس المتعاقد تحمله على التعاقد ويعرف ذلك بمعيارين : احدهما مادي والاخر نفسي اما المادي فهو ان يكون المكره بالوسيلة التي اختارها للاكراه قادرا على تحقيق ما اوعد به فيستند الاكراه بذلك الى ركن من الواقع يجعل دعوى من وقع عليه الاكراه دعوى معقولة قائمة على اساس , واما الفسي فهي ان يقع في اكثر من وقع عليه الاكراه وقوع ما هدد به هذه هي الرهبة التي تنبعث في نفسه فتحمله على التعاقد ( السرخسي , المبسوط 24 : 39 و 50- 51 والكاساني 7: 176 . والمادة 1003 و 1004 من المجلة والمادة 289 من مرشد الحيران .
فيجب ان يكون الاكراه ولو كان غير ملجئ معدما للرضا دون الاختيار ( عند من يفرق بينهما ) وتقدير ذلك امر يتوقف على حالة الشخص الذي يقع عليه الاكراه فضعيف الجسم لا يحتمل ما يحتمله القوي ثم هناك علاقة وثيقة ما بين الوسيلة التي تستعمل للاكراه والعمل الذي يراد الاكراه على اتيانه اذ يجب ان يناسب هذا العمل مع تلك الوسيلة , والاكراه لا يتحقق الا اذا كان الانسان يدفع عن نفسه ما هو اعظم مما يقدم عليه , فلو هدد شخص بالضرب سوطا او سوطين او بالحبس مدة قصيرة لاجباره على امضاء التزام باهظ لوجب ان يحتمل هذا الضغط الهين ويمتنع عن امضاء الالتزام الباهظ اذ لا تناسب بين الاثنين وهذا ما لم يكن ضعيف الجسم الى حد انه لا يحتمل هذا الالم الخفيف ( انظر السرخسي , المبسوط 24 : 43 - 44 و 50 - 52 و 68 و 151 و 154 ورد المحتار 5: 123 وتكملة فتح القدير 7: 294 ) .
والاكراه يتحقق من السلطان وغير السلطان فكل متغلب يقدر على تنفيذ ما هدد به ويحدث في النفس الرهبة التي يحقق بها الاكراه , سلطانا كان او لصا - وهذا هو قول الصاحبين ويذهب ابو حنيفة الى ان الاكراه لا يتحقق الا من السطان لما ان المنعة له والقدرة لا تتحقق بدون المنعة ولو صدر الاكراه من غيره امكن ان يفزع من وقع عليه الاكراه الى السلطان , والفتوى على قول الصاحبين ( الخانية 3: 483 وتكملة فتح القدير 7: 292 - 293 والكاساني 7 : 176 ) .
وقد اشترط في المادة 1005 من المجلة و 290 من مرشد الحيران ان يفعل المكره المكره عليه في حضور المجبر او من يتعلق به ليكون الاكراه معتبرا واما اذا فعله في غياب المجبر او من يتعلق به فلا يعتبر لانه يكون قد فعله طوعا بعد زوال الاكراه ولكن يبدو ان هذا انما يكون اذا اعتقد المكره ان غياب المجبر قد ابعد عنه الخطر ذلك ان العبرة بحلول الرهبة في نفس المكره فاذا وقعت الرهبة في نفسه وبقيت حتى غياب المجبر كان الاكراه متحققا ، واذا لم تقع الرهبة في نفسه فان الاكراه لا يتحقق حتى مع حضور المجبر فالمعيار هنا نفسي ، ففي المبسوط للسرخسي 4 : 50 " ولو ان هؤلاء اللصوص قالوا شيئا من ذلك للرجل ، والرجل لا يرى انهم يقدمون عليه لم يسعه الاقدام على المحرم لان المعتبر خوف التلف , ولا يصير خائفا من التلف اذا كان يعلم انهم لا يقدمون عليه وان هددوه به ) وقال كاشف الغطاء من ائمة الجعفرية ( 3: 177-178 ) (سواء فعل ذلك بحضور المكره المتوعد او بغيابه فان الحضور والغياب ليس له اي اثر بعد تحقق تلك الشروط فلا وجه لما في المادة 1005 من المجلة , فانه لو اكره احد اخر على بيع داره ولو بكتاب او رسول تحقق الاكراه واي اثر للحضور اذا كان الخوف حاصلا مع الغياب ) .
وهاتان المادتان تقابلان المادتين 113 و 114 من القانون العراقي كما تقابلان المادة 128 من القانون السوري والمشروع الاردني .
?الاكراه هو حمل الغير على ما لا يرضاه ( فتح الغفار 3 : 119 ) وفي مبسوط السرخسي ( 24: 38- 39 ) ( الاكراه اسم لفعل يفعله المرء بغيره فينتفي به رضاه او يفسد به اختياره من غير ان ينعدم به الاهلية في حق المكره او يسقط عنه الخطاب ... وذلك لا ينعدم اصل العقد والاختيار بالاكراه وكيف ينعدم ذلك وانما طلب منه ان يختار اهون الامرين عليه " فالاكراه يعدم الرضا ويبقي الاختيار اذ الانسان يبقى مختارا لاخف الضررين دون ان يكون راضيا بايهما , والاختيار هو القصد الى مقدور متردد بين الوجود والعدم بترجيح احد جانبيه على الاخر فان استقل الفاعل في قصده فاختيار صحيح والا ففاسد . والرضا يكون منعدما دائما مع الاكراه اما الاختيار فيكون فاسدا في الاكراه الملجىء وهو الاكراه الذي يهدد بفوات النفس او ما هو في معناها كالعضو ويبقى صحيحا في الاكراه غير الملجئ وهو الاكراه بالقيد والمواد او بالحبس مدة طويلة او بالضرب الذي لا يخشى منه على النفس او العضو ( انظر فتح الغفار 3 : 119 وانظر ايضا التلويح على التوضيح 2 : 196 و 285- 286 من مرشد الحيران و 1006 - 1007 من المجلة ) .
ويفرق الفقهاء المسلمون في الاكراه بين التصرفات القولية والتصرفات الفعلية ففي الاولى يستوي ان يكون الاكراه ملجئا او غير ملجئ وفي الثانية لا اثر الا للاكراه الملجئ كما سياتي بعد , وفي التصرفات القولية يفرقون بين التصرفات الانشائية كالبيع وبين التصرفات الاخبارية كالاقرار , وفي الانشائية يفرق الحنفية بين التصرفات التي لا تحتمل الفسخ كالزواج والطلاق وبين التي تحتمل الفسخ كالبيع والهبة ويقولون ان الاولى جائزة مع الاكراه ولا اثر له في انعقادها وصحتها ونفاذها ولزومها اما الثانية فللاكراه اثر فيها سيتبين فيما بعد اما المالكية والشافعية والحنابلة فلا يفرقون بين هذه وتلك ويجعلون للاكراه اثرا في النوعين معا . وفي الاخبارية تستوي كل هذه المذاهب في ان للاكراه اثرا فيها .
فالخلاصة ان في المذاهب المتقدمة للاكراه اثرا في التصرف القولي سواء اكان انشاء ام اخبارا , الا الحنفية فقالوا ان الاكراه لا اثر له من حيث الانعقاد والصحة والنفاذ واللزوم في التصرفات الانشائية التي لا تحتمل الفسخ كالزواج والطلاق وفيما عدا هذه فاللاكراه اثر في هذا المجال .
وبراي المالكية والشافعية والحنابلة اخذ المشروع فسوى في اعتبار ان للاكراه اثرا بين التصرفات القولية جميعا سواء اكانت انشائية ام اخبارية وسواء في الانشائية اكانت تحتمل الفسخ ام لا تحتمله .
ويراعى ايضا ان الحنفية يفرقون بين الرضا والاختيار فيجعلون الرضا هو الرغبة في حكم العقد واثاره اما الاختيار فهو في اصدار العبارة فالمكره على انشاء العقد عندهم غير راض ولكنه مختار في حين ان غيرهم يسوون بين الرضا والاختيار فالمكره على انشاء العقد عندهم غير راض ولا محتار ويبني الحنفية على هذا التفرقة في حكم الاكراه بين العقود التي تحتمل الفسخ والتي لا تحتمل الفسخ .
ويقسم الفقهاء الاكراه الى ملجئ ( او تام ) وغير ملجئ ( او ناقص ) فالاكراه الملجئ هو ما اعدم الرضا وافسد الاختيار , وغير الملجئ ما اعدم الرضى ولكنه لم يفسد الاختيار , ولكنهم يقصرون اثر هذه التفرقة على التصرفات الفعلية فيقولون ان في التصرفات القولية تتاثر بالاكراه مطلقا فيستوي الاكراه الملجئ وغير الملجىء بالنسبة اليها اما التصرفات الفعلية فلا يؤثر فيها الا الاكراه الملجىء اما غير الملجىء فلا يؤثر فيها . والكلام هنا في العقود وهي تصرفات قولية حيث يستوي الاكراه الملجئ وغير الملجىء - لذا وردت عبارة " الاكراه" مطلقة لتشمل الملجىء وغير الملجىء ولم ير حاجة لبيان ذلك في النص كما في المجلة ( م1006- و 1007 ) وفي مرشد الحيران ( م286 و 291 و 292 ) وفي التقنين العراقي ( م112 - 2 و 3 و م 115 ) .
وقد قيد الاكراه في النص بان يكون معتبرا ذلك ان هناك شروطا للاكراه اذا توافرت كان للاكراه اثر اما اذا لم تتوافر فلا يكون له اثر اي لا يكون معتبرا وهذه الشروط سترد فيما يلي :
اما عن اثر الاكراه في العقد فقد ذهب الشافعية الى ان الاكراه يبطل العقد وذهب المالكية الى انه يجعل العقد غير لازم واختلف الحنفية فيما بينهم ( في التصرات التي يؤثر فيها الاكراه وهي التصرفات الانشائية التي تحتمل الفسخ ) فذهب زفر الى ان العقد يكون موقوف نفاذه على اجازة المكره .
وذهب ابو حنيفة وصاحباه الى ان الاكراه يفسد العقد الا ان بيع المكره وهو فاسد - يختلف عن سائر البياعات الفاسدة من ثلاثة وجوه هي :
1. البياعات الفاسدة - لا تلحقها الاجازة لان فسادها لحق الشرع من حرمة الربا ونحوه فلا يزول برضا العبد وفي بيع المكره الفساد لحق العبد وهو عدم رضاه فيزول باجازته ورضاه .
2. في البيع الفاسد - اذا باع المشتري المبيع من ثالث يزول الفساد اما في بيع المكره فلا يزول الفساد وللبائع المكره ان يسترد العين ولو تداولتها الايدي.
3 . في البيع الفاسد - يستطيع المشتري الفسخ ولو قبض المبيع اما في بيع المكره اذا قبض المشتري غير المكره المبيع لزم البيع من جانبه فلا يستطيع الفسخ .
وظاهر ان هذه الفروق الثلاثة بين بيع المكره والبيع الفاسد تقرب بيع المكره من البيع الموقوف وتبعده عن البيع الفاسد .
وقد رؤي في المشروع عدم الاخذ براي الشافعي وهو بطلان عقد المكره لوجود الاختيار وعدم الاخذ برأي المالكية لانعدام الرضا ( او بعبارة رجال القانون في زماننا لاختلال الرضا ) وعدم الاخذ براي ابي حنيفة وصاحبيه للفروق الثلاثة المتقدمة والاخذ براي زفر في القول بان العقد موقوف ولا ضير من ذلك فالامر الى المكره بعد زوال الاكراه ان شاء انفاذه اجازه ووان لم يشأ انفاذه لم يجزه . وتراجع المادة 296 من مرشد الحيران وايضا فان عقد زواج المكره لا يصح حسب القول المختار فقها والمعمول به في الاردن , لذلك اختيرت تلك الصيغة وهي مطابقة لحكم المادة 1006 من المجلة ومقابله للمادة 115 من القانون العراقي .
الاصل انه لا يكفي لتحقق الاكراه مجرد الشوكة والنفوذ الادبي فالشوكة التي للزوج على زوجته وما تنطوي عليه من احتمال ان يطلقها او يتزوج عليها ليست في ذاتها اكراها ( الخانية 3 : 487 ) ولكن اذا استغل الزوج هذه الشوكة للوصول الى غرض غير مشروع وبخاصة اذا قرن ذلك بتخويف وتهديد كان هذا اكراها مؤثرا في التصرف الصادر من الزوجة ( رد المحتار 5: 134 ) .
وهي توافق حكم المادة 294 من مرشد الحيران ويراجع ما جاء في بحث الاكراه في شرح المجلة لعلي حيدر ج 2 ص 654 - 658 وهي تقابل المادة 116 من القانون العراقي .
2. التغرير والغبن :
بين المشروع في هذه المادة القاعدة العامة في الغبن والتغرير (او التدليس) والقاعدة العامة انهما وان اثرا في رضاء العاقد لان رضاه في الحالتين مبني على ظن خاطىء الا ان هذا الظن الخاطىء اذا كان نتيجة غرور فصاحبه هو المسئول عنه ، لانه نتيجة عدم احتياطه فلا يترتب عليه في العقود اي اثر ذلك لان انقياد المغرور لمن غره وخدعه لم يكن الا بعد نظر منه فيما اتخذ معه من وسائل الخداع والتدليس ووزن لنتائجها اعقبهما الرضا والاختيار والاطمئنان وهذا اقصى ما يعطى للعاقد من حرية وارادة ، فاذا اخطأ فتلك طبيعة الانسان واي الناس لا يخطىء ، وليس من اغراض التشريع ان يحول بين كل مخطىء وبين خطئه واذن فيجب ان يسلم تصرفه اقرارا للمعاملات واحتراما للتعاقد واعتدالا بالرأي وان ظهر انه اخطأ ولكن هناك حالات يرى فيها المشروع التدخل حماية للجانب الضعيف اختلفت في شرعة المساواة اذا وجد للتدخل مبرر من العدالة او المصلحة العامة في حالة حصول الغبن وسترد هذه الحالات في المواد التالية (يراجع علي حيدر على المادة 356 من المجلة وما بعدها) .
والقاعدة في الفقه الاسلامي هي ما قدمنا ، اما في التقنينات المدنية فالحكم مختلف . ففي القانون المدني المصري (وكذا السوري والمشروع الاردني) التدليس من حيث المبدأ سبب لجواز ابطال العقد , ومرد التدليس فيه هو ما يولده في ذهن العاقد من (غلط) يدفع به الى التعاقد بمعنى ان ما يشوب الرضا من عيب بسببه يرجع الى الغلط لا الى الحيلة وقد برر المشروع المصري اقامة نظرية مستقلة للتدليس الى مزيتين عمليتين اولاهما ان التدليس ايسر اثباتا من الغلط وثانيهما انه يخول للمغرور حق مطالبة من صدر منه التدليس بالتعويض فضلا عن التمسك بالبطلان .
ولكن حتى يتوافر التدليس لا بد من توافر شروط ، وهذه الشروط تختلف باختلاف ما اذا صدر من احد العاقدين او ما اذا صدر من غيرهما فاذا صدر من احد المتعاقدين او من نائبه فيشترط ان ينطوي على حيل وان تكون هذه الحيل في الجسامة بحيث لولاها لما ابرم الطرف الثاني العقد (م 125 مصري) اما اذا صدر التدليس عن غير المتعاقدين وطلب المتعاقد المدلس عليه ابطال العقد فيشترط ان يثبت ان المتعاقد الاخر كان يعلم او كان من المفروض حتما ان يعلم بهذا التدليس (م126 مصري) ويلاحظ ان التدليس من الغير قد اختلفت التقنينات في حكمه فمنها ما ذهب الى عدم ترتيب البطلان عليه (م 116 مدني فرنسي) ومنها ما يجعل في حكم التدليس الصادر من المتعاقدين من حيث ترتيب البطلان (م 1261 من التقنين الاسباني و 969 من التقنين الارجنتيني) ومنها ما يتوسط فيشترط لاعتباره عيبا من عيوب الرضا ان يثبت من ضلل به ان الطرف الاخر كان يعلم به او كان في استطاعته ان يعلم به وقت ابرام العقد وفي هذا تطبيق خاص لنظرية الخطأ في تكوين العقد التي اخذ بها فيما يتعلق بالغلط (م 21 من المشروع الفرنسي والايطالي والمادة 52/56 من التقنين التونسي والمراكشي) فاذا لم يعلم العاقد الاخر بالتدليس او لم يكن في مقدوره ان يعلم به فلا سبيل للعاقد المدلس عليه للانتصاف سوى دعوى المطالبة بالتعويض وقد اختار القانون المدني المصري (والسوري والمشروع الاردني) مذهب الفريق الثالث فنص في المادة 126 انه (اذا صدر التدليس من غير المتعاقدين فليس للمتعاقد المدلس عليه ان يطلب ابطال العقد ما لم يثبت ان المتعاقد الاخر كان يعلم او كان من المفروض حتما ان يعلم بهذا التدليس ) .ويلاحظ ان اثر التدليس في العقد هو انه كالغلط يجيز ابطال العقد باعتباره اوجد خللا في الرضا وقد سلك القانون المدني العراقي مسلكا يمكن اجماله فيما يأتي :
فيما يتعلق بالتدليس مع الغبن :
1. اذا صدر التدليس من غير المتعاقدين وترتب عليه غبن فاحش كان العقد موقوفا على اجازة العاقد الاخر (م120).
2. اذا صدر التدليس من غير المتعاقدين فلا يتوقف العقد الا اذا ثبت للعاقد المغبون ان العاقد الاخر كان يعلم او كان من السهل عليه ان يعلم بهذا التغرير وقت ابرام العقد (م 121) والظاهر اشتراط حصول غبن فاحش .3. اذا لم يصب العاقد المغرور الا غبن يسير او اصابه غبن فاحش وكان التغرير لا يعلم به العاقد الاخر ولم يكن من السهل عليه ان يعلم به او كان الشيء قد استهلك قبل العلم بالغبن او هلك او حدث فيه عيب او تغيير جوهري فيكون العقد نافذا ويكون للعاقد المغرور الرجوع بالتعويض (م123) .
فيما يتعلق بالغبن :
1. مجرد الغبن غير المصحوب بتغرير لا يمنع من نفاذ العقد .
2. اذا كان الغبن فاحشا وكان المغبون محجورا او كان المال الذي حصل فيه الغبن مال الدولة او الوقف فان العقد يكون باطلا .
3. لا يجوز الطعن بالغبن في عقد تم بطريق المزايدة .
4. اذا كان احد المتعاقدين قد استغلت حاجته او طيشه اوهواه او عدم خبرته او ضعف ادراكه فلحقه من تعاقده غبن فاحش جاز له في خلال سنة من وقت العقد ان يطلب رفع الغبن عنه الى الحد المعقول (الفرض ان العقد معاوضة) فاذا كان التصرف الذي صدر منه تبرعا جاز له في هذه المدة ان ينقضه .
وظاهر ان القانون المدني العراقي جعل الجزاء عموما هو وقف نفاذ العقد (وهو في هذا يختلف عن القانون المدني المصري الذي يجعل الجزاء القابلية للابطال وعن الفقه الاسلامي الذي يجعل الجزاء عدم اللزوم) وجعله البطلان في حالة الغبن الفاحش اذا اصاب مال المحجوز او الدولة او الوقف وهو رأي في المذهب الحنفي على خلاف القانون المدني المصري وجعله في حالة استغلال الحاجة او الطيش رفع الغبن الى الحد المعقول في المعاوضات وجواز النقض في التبرعات . والمذهب الحنفي يتفق مع المادة 546 من مرشد الحيران .
المذكرة الايضاحية :
?اعتمد في هذه المادة على المادة 164 من المجلة وشرحها لعلي حيدر.
اختير ان تكون صيغة المادة بهذا الشكل حتى يتبين ان التدليس هو التغرير بنوعيه الايجابي ، والسلبي ، كما يتبين من نص المادتين 126 و 127 من القانون السوري والمادة 125 من القانون المصري وتقابل الفقرة 2 من المادة 126 من المشروع الاردني وتراجع ايضا المذكرة الايضاحية للمادة التالية :
ذهب احمد ومالك والشافعي الى ان التدليس اما ان يكون بكتمان العيب في المعقود عليه فيكون للمغرور خيار العيب واما بفعل شيء يزيد في قيمة المبيع عن البيع فيكون للمغرور خيار الفسخ للغرر ، وليس للمغرور خيار الفسخ في غير ذلك (الشرح الكبير ج. 4 ص 80 و 91 والدسوقي على الشرح الكبير 3 : 115 وما بعدها . ونهاية المحتاج 4 : 69 - 70 وما بعدها والمهذب ، 1 : 282 وما بعدها .
وذهب الحنفية في قول مفتى به ان الغبن الفاحش ان يكون نتيجة غرور وقع على احد العاقدين من الاخر او ممن يعمل له كالدلال فللمغبون المغرور حق فسخ العقد لسوء نية العاقد الاخر وتضليله والا لم يكن له هذا الحق (م257) من المجلة) وقال شارحها علي حيدر (اذا غرر اجنبي احد المتبايعين فليس للمغبون خيار) .
وفي المادة 545 من مرشد الحيران لا يرد بالغبن الفاحش الا اذا غرر احد المتعاقدين الاخر الخ ....
وعلى ذلك فلا عبرة في العقد بالتغرير الذي يقع من اجنبي عن العقد بمجموع هذه الاراء اخذ المشروع .
الغبن اما يسير واما فاحش وقد اختلف في بيان كل على عدة اقوال منها ما ذهبت اليه المجلة في المادة 165 من ان (الغبن الفاحش غبن على قدر نصف العشر في العروض والعشر في الحيوانات والخمس في العقار او زيادة ) ومنها ما ذهب اليه مرشد الحيران في المادة 545 - 3 من ان (الغبن الفاحش في العقار وغيره هو مالا يدخل تحت تقويم المقومين) . وعليه الفتوى وقد اثر المشروع الاخذ به لمرونته ويسره (انظر الكاساني 6 : 30) .
اذا اقدم انسان على عقد معاوضة فغبن فيه فان كان الغبن يسيرا فلا تأثير له في العقد لان الغبن اليسير قلما يخلو منه عقد ولانه كذلك غبن محتمل ومن العسير الاحتراز منه وقد جرت عادة الناس باغفاله الا انه استثنى من ذلك حالتان :
بيع المدين المحجور عليه بسبب دينه المستغرق لماله فانه لا يغتفر فيه الغبن مطلقا فيتوقف على اجازة الدائنين او تكملة الثمن الى القيمة فان اجاز الدائنون او كمل المشتري ثمن المثل نفذ البيع والا بطل .
بيع المريض مرض الموت اذا كان مدينا بدين مستغرق ، فحكمه كما سبق واذن يكون مرض الموت كالحجر للدين غير ان توقف بيعه لا يظهر الا بموته ليتحقق ان المرض مرض الموت كما تقدم .
(رسالة ابن عابدين في الفسخ بالغبن ، رسالة ابن عابدين 2 : 74) .
ان التغرير يفسد القصد والارادة ولذلك فان وقوع هذا التغرير من غير المتعاقدين وكان المتعاقد غير المغرور يعلم به يجعل ذلك مساويا لصدوره منه . لهذا وضعت المادة على هذا الاساس وتراجع ايضا النظرة العامة لفعل التغرير والغبن في هذا الباب والمادة تقابل 127 من المشروع الاردني .
الغبن الفاحش اذا كان في اموال المحجور عليهم كالصغير والسفيه والمجنون او في اموال بيت المال او في اموال الوقف اثر في العقد اتفاقا لان تصرف من له الولاية على هذه الاموال فيها منوط بالنظر والمصلحة وليس هذا التصرف من المصلحة في شيء . ولكن اختلف في الاثر هل هو البطلان ام الفساد ذهب رأي الى البطلان لانه لا مجيز له عند مباشرته واخر الى الفساد لصدور التصرف من اهله في محله ، وهذا هو الراجح لاتفاقه مع القواعد العامة لانه عقد منهي عنه ، لوصف عرض له وهو الغبن الضار بالمدعى عليه وبناء على ذلك اذا باع الوصي مال الصغير بغبن فاحش او اجر داره بغبن فاحش او اجر ناظر الوقف دار الوقف بغبن فاحش كان العقد فاسدا .
انظر شرح علي حيدر على المادة 356 من المجلة وتراجع ايضا المادتان 300 و 546 من مرشد الحيران والمادة تقابل الفقرة 2 من المادة 124 من القانون العراقي .
اعتمد في هذه المادة على المواد من 547 - 549 من مرشد الحيران .
3. الغلط :
نظرة عامة :
يعرف الغلط عادة بأنه حالة تقوم بالنفس تحمل على توهم غير الواقع بأن تكون هناك واقعة غير صحيحة يتوهم الانسان صحتها او واقعة صحيحة يتوهم عدم صحتها .
فالغلط شيء نفسي ذاتي ولما كان الفقه الاسلامي ذا نزعة موضوعية واضحة فقد استعصى على الغلط ان يجد له فيه مكانا موحدا يلم شعثه ويجمع شتاته ، فانتشرت نظرية الغلط في جوانبه متفرقة مبعثرة بين خيار الوصف وخيار العيب وخيار الرؤية وقد يبدو لاول وهلة ان هذه مسائل مستقلة بعضها عن بعض ولا صلة فيما بينها ولكن الحقيقة انها جميعا تربطها اوثق الصلات بنظرية الغلط . وقد اهتم الفقهاء باستقرار التعامل وانضباطه بقدر ما اتجهوا الى احترام الارادة الحقيقية للمتعاقدين . فنظرية الغلط في الفقه الاسلامي ، فوق انها مبعثرة يتنازعها عاملان متعارضان : استقرار التعامل ، واحترام الارادة الحقيقية . ومن ثم كانت المعايير السائدة فيها هي معايير موضوعية يجري في خلالها تيار الارادة الحقيقية يشق طريقه وسط هذه المعايير .
(يراجع السنهوري ، مصادر الحق 3 : 111) .
المذكرة الايضاحية :
القاعدة العامة المستنبطة من فروع الفقهاء ان الاعتداد في العقود بالعبارة لا بالنية ، وان النية اذا لم يقم عليها الدليل في الصيغة لا اعتداد بها . وعلى ذلك فالغلط اذا كان باطنيا فقط لا يترتب عليه حكم . اما اذا كان ظاهريا فانه يؤثر في العقد .
(الحطاب 4 : 466 - 467 والدسوقي 3 : 141 والخرشي 5 : 152 والمواق 2 : 63 وزكريا الانصاري وشرح البهجة 2 : 455 والمراجع المشار اليها فيما بعد) .
ويكون الغلط باطنيا اذا استقل به احد المتعاقدين فلم يكشف للعاقد الاخر عن ارادته الحقيقية فلم يعلم الاخر بهذا الغلط ويظل الغلط مستترا مستكنا في ضمير العاقد والذي وقع في الغلط فلا يكون له اثر .
ويكون الغلط ظاهريا اذا كشف العاقد عن ارادته او كانت هذه الارادة مكشوفة فظهر بذلك غلطه فيكون له اثر ، والارادة تنكشف اما بأن يصرح بها العاقد او باستخلاصها دلالة من الملابسات وظروف الحال او ضرورة من طبائع الاشياء .
فالطريقة الاولى : هي كشف العاقد الصريح عن الارادة وذلك بأن يعين العاقد للعاقد الاخر الشيء المعقود عليه تعيينا نافيا للجهالة وان يذكر له جميع الاوصاف التي يشتمل عليها الشيء بحيث لو فات وصف منها لرغب عن التعاقد . وفي البيع على البرنامج (عند المالكية) يكشف العاقد عن ارادته الحقيقية في شأن المبيع بأن تذكر اوصافه في دفتر مكتوب فيشتريه المشتري على هذه الاوصاف ، فالبائع والمشتري قد اتفقا صريحا على اوصاف المبيع وهي الاوصاف المكتوبة في البرنامج - فاذا رضى المشتري بالبيع ثم وجده على غير هذه الاوصاف كان رضاؤه مشوبا بغلط ووجب الاعتداد بهذا الغلط لان المشتري قد كشف عن ارادته الحقيقية للبائع بشرائه على هذه الاوصاف (السرخسي ، المبسوط 13 : 12 - 13. والزيلعي 4 : 52 - 53 وابن نجيم الاشباه صفحة 189 والدسوقي 3 : 24 - 25 . والصاوي 2 - 11 - 13) .
والطريقة الثانية : هي استخلاص الارادة ضمنا من الملابسات والظروف وفي هذه الحالة يكون في استطاعة العاقد الاخر ان يعلم بالارادة الحقيقية فيعلم بالغلط فمن اشترى عبدا شهرته انه خباز او كاتب فوجده المشتري على غير ذلك كان الخيار ولم لم يصرح في العقد بالوصف المرغوب فيه اذ هو مفهوم ضمنا من الملابسات وظروف الحال والعرف له اعتبار في استخلاص ما اذا كان الوصف مرغوبا فيه (ابن نجيم ، البحر 6 : 25 - 26) وقد تستخلص ارادة المتعاقدين من ظروف المكان فمن باع حجرا في سوق الجواهر دل على انه يبيع جوهرة فان لم تكن كذلك كان للمشتري ردها وان لم يشترط صراحة في العقد (الحطاب 64 : 466 - 467) .
والطريقة الثالثة : هي استخلاص الارادة ضرورة من طبائع الاشياء اذ قد تستخلص الارادة دلالة ، ومن صور ذلك اتجاه الارادة الى خلو الشيء من العيب اذ طبيعة الاشياء ان يكون الشيء سليما فاذا ظهر في المبيع عيب كان للمشتري خيار العيب ويصفه صاحب البدائع (5 : 273) بأنه (خيار ثابت بالشروط دلالة) ويشترط فيه جهل المشتري بوجود العيب عند العقد والقبض فان كان عالما به عند احدهما فلا خيار له (الكاساني 5 : 274 و 276 و 282 و 291 . وفتح القدير 5 : 151 و 183) .
وقد رؤي النص بصراحة على العرف من باب المزيد في الايضاح .
وهي تقابل المادة 120 مصري و 121 سوري ومشروع اردني و 119 عراقي .
اذا وقع الغلط في ركن العقد (او ماهيته) او في شرط من شروط الانعقاد او في المحل لم ينعقد العقد وذلك لعدم موافقة القبول للايجاب ومن امثلة ذلك :
1. الغلط في الايجاب والقبول او في ماهية العقد مثاله ان يصدر ايجاب من احد العاقدين بقصد انشاء عقد معين فأخطأ الاخر في فهمه واعتقد ان المراد انشاء عقد اخر وقبل على هذا الاساس فلا ينعقد اي من العقدين ، كان يعطي انسان لاخر مائة دينار ويقول له : (انفقها على نفسك) يريد بذلك اقراضه اياها فيقبلها الاخر على انها هبة وقد يكون مرجع هذا اللبس الى ان حديثا جرى بينهما في شأن الهبة والقرض واللفظ صالح للمعنيين فالقبول لم يطابق الايجاب فلا ينعقد لا عقد القرض ولا عقد الهبة .
2. الغلط في شرط من شروط الانعقاد كان يتعاقد الورثة في تركة مع شخص على اعتقاد انه موصى له بحصة شائعة فيها على قسمتها بينهم جميعا ثم يتبين ان الوصية باطلة فالقسمة باطلة لوقوع غلط في شرط من شروط انعقادها وهو ان تتم القسمة بين الشركاء في مال مشترك بينهم وقد وقع غلط اذا تبين ان التركة ليست مشتركة بينهم وبين من تعاقدوا معه على قسمتها (علي الخفيف ، صفحة 372) .
3. الغلط في ذات محل العقد كان يشتري شخص سوارا على انه من ذهب ثم يتبين انه من نحاس موه بالذهب فالغلط يكون في ذات محل العقد ، فلا ينعقد العقد لان محل العقد الذي تم التعاقد عليه وهو ما وصف في الصيغة معدوم .
وقد قرر الحنفية قاعدة ملخصها انه اذا اجتمعت تسمية المحل والاشارة اليه في العقد وكان المشار اليه جنسا اخر غير جنس المسمى الموصوف فان العبرة حينئذ بالتسمية فيكون المحل هو المسمى في الصيغة دون المشار اليه عند التعاقد . وان جمعها جنس واحد كانت العبرة بالاشارة وكان المحل هو المشار اليه دون المسمى في الصيغة فكان الاعتماد على التسمية عند اختلاف الجنس لعدم امكان الجمع بين المسمى والمشار اليه واستحالة العمل بالوصف والاشارة جميعا اذ لا يمكن ان يقال ان المسمى في العقد هو المشار اليه لاختلافهما جنسا ، اما اذا اتحدا جنسا فانه يمكن الجمع بينهما حينئذ بأن يجعل المسمى هو المشار اليه وان ما جاء في الصيغة من اوصاف غير متحققه فيه قد ذكر على سبيل الترغيب فقط فاذا فاتت هذه الاوصاف ترتب على فواتها حق طلب فسخ العقد لفوات الوصف . والمراد بالمتحدين جنسا ما تقاربا في المنافع والقيمة اما ما تباعدت منافعهما فهما جنسان وان اتحدا نوعا فالعبد والامة جنسان لتباعد الانتفاع بهما اذ العبد يطلب للخدمة الخارجية والامة تطلب للخدمة المنزلية والاستمتاع وكذلك اذا تقاربا في المنافع ولكن تفاوتت قيمتهما تفاوتا فاحشا فانهما يعتبران كذلك جنسين كالدارين اذا اختلفا بناء ووصفا لاختلافهما في القيمة اختلافا بينا . اما الذكر والانثى من الحيوان فجنسهما واحد لتقاربهما منفعة وقيمة وبناء على ذلك اذا قال انسان لاخر : زوجتك موكلتي فاطمة هذه واشار الى موكلته وكانت تسمى باسم اخر وقبل الثاني الزواج صح العقد على المشار اليها لانها والمسماة في العقد من جنس واحد (الاشباه والنظائر وحاشية الحموي صفحة 200 من الفن الثالث) .
فاذا وقع الغلط في جنس الشيء بأن اعتقد احد العاقدين ان المعقود عليه من جنس معين فاذا به من جنس اخر فان هذا الغلط يمنع من انعقاد العقد مثل ان يبيع ياقوتا فاذا هو زجاج .
وكذا اذا اتحد الجنس ولكن تفاحش التفاوت بين حقيقة المعقود عليه وما اراده العاقد كأن باع دارا من اجر فاذا هي من لبن ، فهنا تفاحش التفاوت فيكون في حكم اختلاف الجنس او هما جنسان مختلفان في المعنى ، فالتحقا بمختلفي الجنس في الحقيقة وهذا ايضا يمنع انعقاد العقد (وذهب فريق في الصورتين الى القول بفساد العقد وهو اختيار الكرخي) .
والقائلون بالبطلان يعتبرون البيع وقع على المعدوم وبيع المعدوم باطل . والقائلون بالفساد يعللون قولهم بأن الغلط يأتي من تسمية جنس والاشارة الى غيره ومن باع شيئا سماه واشار الى غيره ، يصير كأنه باع شيئا بشرط ان يسلم غيره وذلك فاسد .
(السرخسي ، المبسوط 13 : 12 - 13 . والكاساني 5 : 139 - 140 . والزيلعي 4 : 53 وابن الهمام ، فتح القدير ، 5 : 206 والخانية 2 : 134 وكذلك المادة 301 من مرشد الحيران و 208 من المجلة وشرحها لعلي حيدر وهي تقابل م 117 - 1 من القانون العراقي والمادة 122 سوري ومشروع اردني) .
في هذه المادة يعالج المشروع حالة الغلط لا في المحل وانما في صفة مرغوبة في المحل وكذا في شخص المتعاقد الاخر او في صفة مرغوبة فيه ويجعل الجزاء هو عدم اللزوم بحيث يكون للعاقد الذي وقع في الغلط الحق في فسخ العقد .
فاذا اتحد الجنس مع تفاوت المنفعة تفاوتا غير فاحش ففي هذه الحالة يفوت وصف مرغوب فيه فينعقد العقد صحيحا نافذا ولكنه غير لازم حيث يثبت فيه خيار الوصف كما اذا باع ياقوتا احمر فاذا هو اصفر (الكاساني 5 : 140) والهندية 3 : 140 – 141) . وابن الهمام ، فتح القدير 5 : 201) ويلاحظ ان فوات الوصف المرغوب فيه في الفقه الاسلامي تستغرقه الصفة الجوهرية في القانون المدني المصري (م 120 و 121) دون ان تقف عنده فكل وصف مرغوب فيه يمكن ان يندرج تحت الصفة الجوهرية ولكن الصفة الجوهرية تتسع لاكثر من الوصف المرغوب فيه وتمتد في بعض تطبيقاتها الى الغلط في جنس الشيء او في المنفعة التي تتفاوت تفاوتا فاحشا .
واذا حصل الغلط في الشخص حيث تكون شخصيته محل اعتبار فانه يترتب عليه اثر اذ يكون للطرف الاخر الذي وقع في الغلط حق فسخ العقد ومن امثلة هذه العقود والتصرفات الوصية والاخذ بالشفعة والوكالة واجارة الظئر .
ففي الشفعة اذا تنازل عن طلب الشفعة لما عرف ان المشتري فلان ثم تبين له ان المشتري شخص آخر كان تنازله عن الشفعة ، وهو تصرف قانوني مشوبا بالغلط في ذاتية الشخص فيبقى حق الشفعة للشفيع (م 145 من مرشد الحيران والسرخسي ، المبسوط 14 : 101) ، وابن نجيم ، البحر 8: 114 والدسوقي علي الدردير 3 : 487 . والخرشي 6 : 173) .
وفي الوكالة اذا وقع غلط لا في ذاتية الشخص بل في صفته فأن الغلط يكون قد وقع في صفة مرغوبة وهي اهليته لتحمل حقوق العقد وكان للغير الذي تعامل مع الوكيل ووقع في هذا الغلط الخيار ان شاء فسخ العقد وان شاء امضاه وهذا على قول ابي يوسف (الكاساني 6 : 34) وعن ابي يوسف انه ان كان عالما فلا خيار له فاما ان كان جاهلا فله الخيار ان شاء فسخ العقد وان شاء امضاه .. وجه ظاهر الرواية ان الجهل بالحجر (أي يكون الوكيل صبيا محجورا) ليس بعذر لانه يمكنه الوصول اليه . فالجهل تقصير من جهته فلا يعذر ويعتبر عالما ولو علم بالحجر حقيقة لما ثبت له الخيار ، كذا هذا (تكملة فتح القدير 6 : 15 – 16) .
وفي اجارة الظئر ان فات وصف مرغوب في الظئر وصلح هذا عذرا يثبت لمستأجر الظئر خيار الفسخ . ومن الاوصاف المرغوب فيها عند الظئر ان يكون لبنها صالحا لتغذية الطفل والا تكون حمقاء سيئة الخلق والا تكون سارقة يخشى منها على المتاع والا تكون فاجرة بينا فجورها .
(السرخسي ، المبسوط 15 : 119 و 121 و 122 والزيلعي 5 : 128 وابن نجيم البحر 8 : 22 – 23) .
فالغلط في الشخص او في صفة مرغوبة فيه حيث يكون ذلك محل اعتبار يثبت خيار الفسخ شأنه في ذلك شأن الغلط في الشيء ويقول الفقهاء تارة ان الفسخ لفوات وصف مرغوب فيه ، وطورا ان الفسخ للعذر ، على ان الواضح في جميع هذه الاحوال ان الفسخ يقوم في اساسه على وقوع غلط في الشخص .
والتسمية في المرابحة والتولية وصف مرغوب فيه كوصف السلامة فيتخير بفواته اذ ان انعدام الخيانة وصف مرغوب فيه (فتح القدير 5 : 256) .
وفي هذا النوع من الغلط اختلف الرأي :
فالحنفية وكثير من غيرهم فرقوا بين الرضا بانشاء العقد وبين الرضا بأوصاف المحل فالاول يترتب على فواته فساد العقد كما في عقد المكره والهازل ، والثاني لا يترتب على فواته يترتب بفوات هذه الاوصاف - عدم الرضا بانشاء العقد فان من يشتري لحما على انه من خروف راض بانشاء العقد وطالب لآثاره وكل ما هناك انه عندما يظهر ان ما ورد عليه العقد لحم شاة يتبين ان العقد الذي انشأه العاقدان انما انشآه في محل غير مرغوب فيه فيجعل العقد صحيحا في ذاته لتحقق الرضا بانشائه ويجعل لمن اصابه الضرر بفوات الوصف حق طلب فسخه بخيار فوات الوصف.
وانما يكون هذا الحق عند الحنفية اذا كان العقد مما يقبل الفسخ كعقود المعاوضات المالية وما الحق بها ، اما ما يصح مع الاكراه فان العقد فيه يلزم ولا يظهر لفوات الوصف اثر الا في المهر اذا ما كان الوصف شرطا في العقد كأن يتزوج انسان امرأة على انها بكر فيظهر انها ثيب ففي مثل هذه الاحوال اذا كان شرط الوصف من قبل الزوج كما في هذا المثال وكان المهر المسمى اكثر من مهر المثل لم يلزم الزوج حينئذ الا بمهر المثل فقط دون ما زاد عليه . وان كان الشرط من قبل الزوجة وكان المسمى اقل من مهر المثل ففات الوصف الزم الزوج بمهر المثل وذلك كأن تتزوجه على ان يكون عالما فيظهر انه جاهل .
فالحنفية يذهبون الى انه ان حدث الغلط في اوصاف المحل فان كان في عقد يقبل الفسخ كان العقد صحيحا غير لازم بالنسبة الى من وقع الغلط في ناحيته كأن يشتري هذه البقرة الحلوب فاذا هي غير حلوب وكأن يشتري هذا الاناء المصنوع في بلد كذا فاذا هو مصنوع في بلد آخر فيكون للمشتري الخيار ان شاء انفذ العقد وامضاه وان شاء فسخه ، وان كان في عقد لا يقبل الفسخ كالزواج لم يكن لمن حصل الغلط في ناحيته حق الفسخ عند الحنفية كأن يتزوج هذه الفتاة البكر فاذا هي ثيب . وذهب احمد الى انه لا فرق بين عقد وآخر في ان فوات الوصف المشترط لا يترتب عليه بطلان العقد ولا فساده ولكن يكون لمن وقع في الغلط الحق في فسخ العقد سواء اكان عقد بيع ام عقد زواج وعلى هذا اذا اشترى شخص هذه البقرة على انها حلوب ، او تزوج انسان هذه المرأة على انها بكر فوجد البقرة غير حلوب والمرأة ثيبا كان العقدان صحيحين عند احمد وكان لكل من المشتري والزوج حق الفسخ .
والقانون يخالف الفقه الاسلامي من ناحيتين :
الاولى : انه يعتد بالخطأ الباطني متى امكن المخطيء ان يقيم الدليل على وجوده وعلى ان من تعاقد معه كان واقعا ايضا في ذلك الخطأ او انه كان على علم به ولم ينبهه اليه او كان يستطيع ان يعلمه ولكنه لم يعن بذلك وتكفي القرائن في اثبات كل ذلك .
اما في الفقه الاسلامي فليس للغلط الباطني اعتبار مهما كانت حاله ومهما امكن اثباته.
الثانية : الخطأ المعتد به في التشريع الوضعي هو الخطأ الجوهري ويكون كذلك اذا كان هو الدافع او الدافع الرئيسي الى التعاقد ولولاه ما اقدم على العقد . والحكم عند توافره هو انه يجعل العقد قابلا للابطال وفي الفقه الاسلامي هو الغلط في امر مرغوب وحكمه ان يكون العقد غير لازم .
وتراجع المواد (301 و 342) من مرشد الحيران و 310 من المجلة وشرحها لعلي حيدر وهي تقابل المواد (117 و 118) عراقي و (122) سوري ومشروع اردني .
الجهل بالقانون يصلح عذرا اذا لم يصحب الجهل تقصير . فمن جهل القانون وكان مقصرا في هذا الجهل حوسب على جهله ولم يعتد بخطئه في القانون . ومن جهل القانون ولم يكن مقصرا في هذا الجهل عذر لجهله واعتد بخطئه راجع ابي نجيم في فتح الغفار 3 : 105 - 106 . والاشباه والنظائر 167- 168 والبغدادي مجمع الضمانات صفحة 454 والكاساني 5 : 151 .
فالاصل ان الجهل بالقانون لا يكون عذرا الا اذا قامت ملابسات خاصة تنفي تهمة التقصير المفروضة في جانب من يجهل القانون واذا كان هناك شيء من التساهل في الحدود فلان الحدود تدرأ بالشبهات .
وفي القانون ، يكون للغلط في القانون اذا توافرت شروطه ، نفس الاثر الذي للغلط في الواقع وقاعدة انه لا يعذر احد بجهله بالقانون مجالها القانون الجنائي اما في القانون المدني فللغلط في القانون حكم الغلط في الواقع من حيث ترتيب البطلان النسبي ما لم يقض القانون بغير ذلك ومن امثلة ما يقضى فيه القانون بغير ذلك الاعتراف القضائي والصلح فالغلط غير موجب للبطلان فيهما . ومن امثلة الغلط في القانون ان يشتري شخص نصف منقول فيطالبه مالك النصف الآخر بالشفعة فيسلم له اعتقادا منه ان الشفعة جائزة في المنقول ثم يتبين له ان لا شفعة في المنقول فتطبيقا لحكم هذه المادة يكون له ان يسترد ما سلمه بالشفعة عند من لا يرى الشفعة في المنقول .
وهي تقابل المادة (122) مصري والمادة (123) سوري ومشروع اردني .
يواجه هذا النص حكم الغلط المادي كالخطأ في الكتابة او في الحساب وهو غلط غير مرغوب فلا يؤثر في العقد وانما يجب تصحيحه ويسري هذا الحكم على العقود بوجه عام وعلى عقد الصلح بوجه خاص .
وهي تقابل المادة (123) مصري و(124) سوري ومشروع اردني و( 120) عراقي .
ابيح لمن وقع في الغلط ان يفسخ العقد لفوات امر مرغوب وهو بذاته مرجع حدوده فمتى كان من المحقق ان العاقد قد اراد ان يبرم عقدا فمن الواجب ان يلتزم بهذا العقد بصرف النظر عن الغلط ما دام ان العاقد الاخر قد اظهر استعداده لتنفيذه وعلى ذلك يظل من يشتري شيئا معتقدا خطأ ان له قيمة اثرية مرتبطا بعد البيع اذا عرض البائع استعداده لان يسلمه نفس الشيء الذي انصرفت نيته الى شرائه ويقارب هذا الوضع ما يتبع في تحويل العقود كما سيأتي بيانه .
وقد اخذ المشروع هذا النص عن التقنين المصري .
وقد بدا النص بصيغة عامة على عدم جواز التمسك بالغلط على وجه يتعارض مع ما يقتضيه حسن النية وهو بهذا يقرر مبدأ عاما ويهييء بهذا نطاقا ارحب لاعمال الاحكام المتعلقة بحسن النية فيتجاوز بذلك حدود الخصوصيات .
وهو حكم يتفق مع ما يأمر به الاسلام من العدل والاحسان وينهى عن البغي وهو بعد مسألة متروكة لتقدير القاضي . وهي تقابل المواد (124) مصري و(125) سوري ومشروع اردني .?
ثانيا : المحل والسبب :
أ . المحل :
نظرة عامة :
1. بعد بيان التراضي شرع في بيان المحل والمقصد .
اما المحل فهو المعقود عليه اي ما يقع عليه التعاقد وما تتعلق به احكامه وآثاره . ويبحث معه الشرط لاتصاله به في الغالب والشرط عند الاصوليين قسمان :
شرط شرعي او حقيقي وهو ما جعله الشارع مكملا لامر شرعي لا يتحقق الا بوجوده ، كالطهارة للصلاة ومرور الحول في الزكاة .
وشرط جعلي وهو ما يضعه الناس في معاملاتهم ويجعلون تحقيق عقودهم موقوفا عليه وهذا ما يسمى بالتعليق على الشرط او يقرنونه بالعقد دون ان يجعلوا تحقق العقد موقوفا على تحققه .
والمقصود هنا هو الشرط الجعلي المقترن به العقد .
واما المقصد فالمراد به المقصود من العقد او السبب في اصطلاح رجال القانون .
لان السبب في اصطلاح رجال الاصول والفقه المسلمين هو ما يرتب الشارع عليه حكما يتحقق بتحققه وينتفي بانتفائه وهو هنا العقد فالعقد سبب لحكمه وما يترتب عليه من آثار . فالمراد بالمقصد مقصود العاقدين من العقد .
2. وقد تناول المشروع المحل في المواد (157) وما بعدها فاشترط وجود المحل (م 157) وبين انه يشترط فيه ان يكون مالا متقوما عينا او منفعة او اي حق مالي آخر او عملا او امتناعا عن عمل (م 158) وانه يشترط فيه الا يكون مستحيلا (م159) وانه يجوز في المعاوضات المالية ان يرد على المعدوم وقت العقد ما لم يكن فيه غرر (م160) وفي المعاوضات المالية يشترط ان يكون معينا تعيينا نافيا للجهالة الفاحشة (م 161) وان يكون قابلا لحكم العقد (م163) .
3. وتناول الشرط الذي يقترن به العقد في (المادة 164).
4. ثم تناول المقصد في المادة (165) فاشترط ان يكون في العقد منفعة مشروعة للعاقدين وان يكون مقصودا شرعا .
5. وفي المادة (166) تناول القبض .
وهي تقابل المواد 124 مصري و 125 سوري ومشروع اردني .
المذكرة الايضاحية :
المعقود عليه هو ما يظهر فيه اثر العقد وحكمه وهو المال المبيع في عقد البيع والمنفعة في عقد الاجارة وعمل المزارع في الارض في عقد المزارعة والعين المرهونة في عقد الرهن وهكذا فاذا تبين ان المحل كان موجودا ثم هلك قبل العقد كان باطلا لانعدام المحل . وستأتي فيما يلي الشروط التي يجب توافرها في المحل .
وقد اعتمد في هذه المادة على المادتين (267و 302) من مرشد الحيران وهي تقابل المادة (126) من القانون العراقي.
1. يشترط في التصرفات التي ترد على المال ان يكون المحل مالا متقوما فلا يجوز التعامل في غير المال ولا في المال غير المتقوم ومثال الاول الحر والميتة حتف انفها ومثال الثاني الخمر والخنزير في حق المسلم .
2. ويجوز ان يكون هذا المال عينا او منفعة او حقا ماليا اخر كما يصح ان يكون عملا او امتناعا عن عمل.
وتراجع المذكرة الايضاحية للمواد (53 و54 و 55 ) من هذا المشروع والمواد (263 و266 و302) من مرشد الحيران وهي تقابل المادة (126) عراقي .
1. اذا كان المحل مستحيلا في ذاته اي مستحيلا استحالة مطلقة وقت العقد فالمحل غير موجود في الواقع ولا يكون للعقد نصيب من الوجود اما اذا كان ممكنا وقت العقد وصار مستحيلا بعد ذلك فان العقد ينعقد ثم ينفسخ اي يكون المجال مجال الفسخ لا البطلان فتطبق قواعد الفسخ لا البطلان .
2. هذا اذا كانت الاستحالة مطلقة اما اذا كانت الاستحالة نسبية اي مقصورة على المتعاقد وحده فلا تكون هذه الاستحالة سببا في عدم انعقاد العقد بل يكون العقد منعقدا لان المحل ممكن في ذاته . وينص القانون العراقي في هذه الحالة (م127 -2) على ان المدين يلزم بالتعويض في هذه الحالة لعدم وفائه بتعهده وكذا القانون المصري في المادة (215) منه والسوري والمشروع الاردني المادة (216).
( تراجع مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ، ج2 ، ص 212- 214) اما في الفقه الحنفي فان العقد يكون موقوفا نفاذه .
قال صاحب البدائع (5: 147- 148) ومنها ( من شرائط الانعقاد ) ان يكون ( اي المبيع ) مقدور التسليم عند العقد فان كان معجوز التسليم عنده لا ينعقد وان كان مملوكا له كالبيع الابق في جواب ظاهر الروايات حتى لو ظهر يحتاج الى تجديد الايجاب والقبول .... بخلاف بيع المغصوب من غير الغاصب : انه ينعقد موقوفا على التسليم حتى لو سلم ينفذ : لان هناك المالك قادر على التسليم بقدرة السلطان والقاضي وجماعة المسلمين الا انه لم ينفذ للحال لقيام يد الغاصب صورة فاذا سلم زال المانع فينفذ بخلاف الابق لانه معجوز التسليم على الاطلاق اذ لا تصل اليه يد احد لما انه لا يعرف مكانه ..... (وانظر السرخسي المبسوط ، 12: 194).
( ويراجع باب المحكوم عليه او المحكوم فيه من كتب الاصول ، ومنها الامدي ،ج1، ص 191 وما بعدها والغزالي المستصفي ، ج1 ص 86 وما بعدها ) . وهي تقابل المادة (132) مصري و( 133) سوري ومشروع اردني و(127) عراقي .
1. نص في المادة 304 من مرشد الحيران انه ( لا يصح ان يكون الشيء المعدوم الذي سيوجد في المستقبل محلا للعقد المتقدم ذكره ( عقد المعاوضات المالية) من الجانبين الا في السلم بشرائطه ) وهذا هو مذهب الحنفية فهم يشترطون في محل العقد ان يكون موجودا فالمعدوم لا يصح ان يكون عندهم محلا للعقد الا على طريق الاستثناء كعقد الاجارة والسلم والاستصناع ولكن يلاحظ ان كثرة العقود المستثناة من هذا الاصل تقوم مانعا من اعتباره اصلا او شرطا .
وذهب ابن القيم الى ما يتلخص في انه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله ما يفيد ان العقد على المعدوم غير جائز وما ورد في السنة من النهي عن بيع بعض الاشياء المعدومة كقوله عليه السلام :( لا تبع ما ليس عندك) فليست العلة فيه العدم وانما هو الغرر بسبب عدم القدرة على التسليم كبيع البعير الشارد ، فاذا انتفت العلة لم يوجد الحكم ، الا ترى ان الشارع قد اجاز الاجازة والمساقاة وبيع الثمر قبل بدو صلاحه لعدم الغرر في ذلك ، ولم يجز بيع البعير الشارد وان كان موجودا لوجود الغرر في بيعه ، كما لم يجز اجارة دابة لا يقدر المؤجر على تسليمها وهذا حكم سائر عقود المعاوضات بخلاف الوصية فانها تبرع محض فلا غرر اذا ما تعلقت بموصى به معدوم ( ابن القيم ، اعلام الموقعين ، 1: 357- 361).
2. والمقصود بالغرر عدم القدرة على التسليم كما يتبين من عبارة ابن القيم المتقدمة او الذي لا يدري هل يحصل ام لا ( الفروق ، 3: 265- 266).
3. وقد نص في المادة ( 129-1) عراقي انه ( يجوز ان يكون محل الالتزام معدوما وقت التعاقد اذا كان ممكن الحصول في المستقبل وعين تعيينا نافيا للجهالة والغرر ) ولم ير بعد حاجة الى ايراد عبارة ( اذا كان ممكن الحصول في المستقبل وعين تعيينا نافيا للجهالة والغرر بعد اشتراط انتفاء الغرر ولان وجوب بيان المحل بيانا نافيا للجهالة سيرد النص عليه في المادة التالية (161).
4. والفقرة الثانية توافق الفقرة الثانية من المادة 129 عراقي و 131 مصري و132 سوري واردني وقد رؤي الاخذ بها لما في التعامل في تركه انسان على قيد الحياة من غرر ومنافاة للنظام العام ولو كان برضاه .
5. فيجب كقاعدة عامة ان يكون المحل موجودا وقت التعاقد فاذا كان قد وجد ولكنه هلك من قبل ، فلا ينعقد العقد الانعدام المحل . وينطبق نفس الحكم من باب اولى اذا كان المحل لم يوجد اصلا ، ولا يمكن وجوده في المستقبل .
6. فاذا كان المحل غير موجود اصلا وقت التعاقد به ولكنه سيوجد فيما بعد فهذا هو الشيء المستقبل وقد قصد بالفقرة الاولى ازالة كل شك يكتسب حكم الاشياء المستقبلة فقرر صلاحيتها لان تكون محلا ما لم يكن هناك غرر .
7. ويرد على قاعدة جواز التعامل في الاشياء المستقبلة استثناء يتعلق بالتركات المستقبلة ، اذ حظر التعامل فيها بضروب التصرفات عموما كالبيع والمقايضة والشركة والصلح والتنازل وما الى ذلك برضا صاحبها لعدم مشروعية المحل باعتبار ان المضاربة على الموت تتعارض مع الاداب . ويستثنى من ذلك بعض التصرفات كالوصية والوقف .
8. ويلاحظ ان اشتراط انتفاء الغرر انما هو مقصور على المعاوضات المالية اما التبرعات فلا يشترط فيها انتفاء الغرر ، اذ الغرر لا يؤثر فيها لانه لا ضرر على من يتلقى التبرع من الغرر مهما كثر لانه لم يبذل شيئا يخشى ضياعه من جراء الغرر .
( يراجع نصوص اقوال الفقهاء في هذا الصدد في : السنهوري ، مصادر الحق ، ج3 ص13 - 58).
1. اتفق الفقهاء على وجوب ان يكون المحل معلوما للعاقدين علما يمنع من الخداع والغرر ولا يفضي الى المنازعة اذا كان العقد من عقود المعاوضات المالية .
فاذا كان المعقود عليه في هذه العقود مجهولا جهالة يتعذر معها تعيينه او تقديره او كان مترددا بين حالين محتملين يوجد في احداهما ولا يوجد في الاخرى لم يصح العقد . وعلى هذا لا يصح بيع شاة من هذا القطيع ولا استئجار منزل ليسكن فيه دون ان يبين لذلك وقتا ، لان ذلك يؤدي الى النزاع في تعيين المبيع او النزاع في مدة الانتفاع بالمنزل . كذلك لا يصح بيع بعير ضال في الصحراء اذا كان غير معلوم المكان او غير مقدور التسليم لان ذلك يؤدي الى الغرر عند عدم العثور عليه .
2. والجهالة المانعة من صحة العقود هي الجهالة الفاحشة وهي الناشئة عن تجهيل جنس المحل كان يبيعه دابة من الدواب . دون ان يبين جنسها او يبيعه جميع ماله في هذه الدار من الدواب والثياب والاثاث والمشتري لا يعلم ما فيها وكذا الناشئة عن التفاوت الفاحش بين قيم مايتناوله المبيع المجهول من الافراد كان يبيعه دارا من دوره التي له في مدينة كذا بالف دينار لان هذا النوع من الجهالة هو الذي يؤدي الى الغرر والنزاع .
واما الجهالة اليسيرة وهي التي لا يكون معها تفاوت فاحش في القيم ويكون الجنس معها معلوما فلا تمنع صلاحية المحل للعقد لتساهل الناس في امرها ، بحيث اصبحت لا تؤدي الى نزاع كان يبيعه ، في هذا الصندوق من الثياب او ما في هذا المخزن من القمح او ان يبيعه مائة برتقالة من هذا النوع .
والمدار على العرف وعلى ان الجهالة لا تؤدي الى نزاع فان كان الامر كذلك لم تمنع صحة العقد والا منعت.
3. واما عقود التبرعات فقد اغتفر فيها من انواع الجهالة ما لم يغتفر في عقود المعاوضات لامتناع المنازعة في التبرعات . ولذا تصح وصية انسان بجزء من ماله من غير بيان مقدار ذلك الجزء ويكون البيان الى الورثة .
( يراجع الكاساني ، البدائع ، 5: 156 وما بعدها ، والزيلعي ، 4: 5-6 والحطاب ، 4: 296 - 301 والشيرازي ، المهذب ، 1: 263 -266 والشرح الكبير ، 4: 29 - 39 ) . والمواد من 200- 204 من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمادة (303) من مرشد الحيران .
وهي تقابل المواد 128 عراقي و133 مصري و134 سوري ومشروع اردني .
?اذا كان محل التصرف او مقابله مبلغا من النقود فكثرة تقلبات سعر القطع تجعل لتعيين السعر الذي يجب الوفاء على اساسه اهمية خاصة عند اختلاف هذا السعر في وقت الوفاء عنه في وقت نشوء التصرف .
والمسألة اقتصادية متغيرة رؤي ترك احكامها لقانون خاص والاكتفاء بالنص المذكور .
( تراجع مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ، ج2ص 218 - 221). ويراجع ايضا المادتان (241و 242). من المجلة وشرحمها لعلي حيدر وهي تقابل المواد 134 مصري و 135 سوري ومشروع اردني .
?1. يشترط في المعقود عليه ان يكون قابلا لحكم العقد فان لم يقبل حكمه لم يصلح ان يكون محلا له وكان العقد باطلا . وقد يكون مرجع عدم قبول المحل لحكم العقد ما ورد عن الشارع من نهي في ذلك لحكمة راعاها كالمحافظة على الاداب العامة ، او على الاخلاق والحرمات ، او على اموال الناس وعدم اكلها بالباطل او على الصلات الاجتماعية ، كما في بيع الميتة حتف انفها وكما في بيع الخمر والخنزير لمسلم ، وكما في استئجار المسلم اخر لحمل خمر اليه ليشربها وكما في تزوج رجل بأصله او فرعه .
وقد يكون مرجع ذلك الى ان حكم العقد يتنافى مع ما خصص له ذلك المحل من اغراض عامة وذلك كالمساجد والانهار والقناطر مما خصص للمنافع العامة فعقود التمليك اذا وردت على هذه المحال وهي مخصصة لهذه الاغراض لا تنعقد ، لعدم قبولها لحكمها ، اذ لا تقبل ان تملك لاحد المنافاة ذلك لما خصصت له من اغراض عامة .
قد يكون المرجع الى علاقة المتعاقدين به وان كلا منهما لا يملك فيه ما يملكه للآخر ، وليس اولى به منه وذلك كما في التعاقد على تمليك الاشياء المباحة كأن يبيع انسان آخر ما لا يملك من الطير في الهواء فمثل هذا التعاقد لا يتم لانه ورد على محل غير قابل لحكمه ، اذ حكمه نقل الملكية ، ولا ملكية لاحد في هذه الاشياء حتى يلتزم بنقلها الى غيره ( تراجع مما تقدم (م 158 ) ).
2. والفقرتان الثانية والثالثة تطبيق للفقرة الاولى . فلا يجوز ان يكون المحل متعارضا مع تحريم الشارع او مخالفا للنظام العام او للاداب .
3. وفكرة النظام العام والاداب فكرة مرنة جدا . وقد رئي ان يفرد لها مكان في نصوص المشروع لتظل منفذا رئيسيا تجد منه التيارات الاجتماعية والاخلاقية سبيلها الى النظام القانوني لتبث فيه ما يعوزه من عناصر الجدة والحياة بيد انه يخلق بالقاضي ان يتحرز من احلال ارائه الخاصة في العدل الاجتماعي محل ذلك التيار الجامع للنظام العام او الاداب . فالواجب يقتضيه ان يطبق مذهبا عاما تدين به الجماعة باسرها لا مذهبا فرديا خاصا . ويراجع المادتان (267و 203) من مرشد الحيران وهي تقابل المادتين (126و 130) عراقي والمادة (136) سوري ومشروع اردني .
اختلف الفقهاء في الشرط :
فمذهب اهل الظاهر هو ان الشرط اما صحيح واما باطل فالشرط الصحيح ما ورد به النص او حصل الاجماع على جوازه كاشتراط الرهن في البيع الى اجل مسمى ، والشرط الباطل هو ما لم يرد به نص ولا حصل عليه اجماع وهو مبطل للعقد ان اقترن به ، فان لم يقترن ، فلا اثر له فيه ( ابن حزم ، المحلي 8: البند 1445 ، ص 412 وما بعدها ).
ومذهب الحنفية فيه تفصيل :
1. فان شرط المتعاقدان شرطا يقتضيه العقد كان اشترى بشرط ان يسلم البائع المبيع فالعقد جائز .
2. وان شرطا شرطا لا يقتضيه العقد ولكن ورد الشرع بجوازه كالاجل والخيار ، رخصة وتيسيرا ، فانه لا يفسد العقد استحسانا لانه لما ورد الشرع به دل على انه من باب المصلحة دون المفسدة والقياس وان يفسد لكونه شرطا مخالفا لموجب العقد وقد اخذ الحنفية بالاستحسان .
3. وان شرطا شرطا لا يقتضيه العقد ولم يرد به الشرع ايضا لكنه يلائم العقد ويوافقه نحو ان يشتري شيئا بشرط ان يعطى للبائع كفيلا بالثمن فان لم يكن الكفيل معلوما كان البيع فاسدا لان هذه جهالة تفضي الى منازعة مانعة من التسليم والتسلم وان كان معلوما فالقياس ان لا يجوز البيع وبه اخذ زفر ، والاستحسان يجوز وهو قول علماء الحنفية وهو الصحيح لان الكفالة ( وكذا الرهن ) شرعت توثيقا للدين فيكون الشرط بمنزلة اشتراط الجودة في الثمن فيكون شرطا مقررا لما يقتضيه العقد معنى .
4. وان شرطا شرطا لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ولاحدهما فيه منفعة الا انه متعارف جاز استحسانا والقياس ان لا يجوز وهو قول زفر ولكن ابا حنيفة وابا يوسف ومحمدا اخذوا بالاستحسان لتعارف الناس كما في الاستصناع .
5. ولو شرطا شرطا لا يقتضيه العقد ولا يلائمه ولا يتعارفه الناس وفيه منفعة لاحد العاقدين كان اشترى حنطة على ان يطحنها البائع فالبيع فاسد .
وهذا كله مذهب الحنفية :
وقال ابن ابي ليلى : العقد جائز والشرط باطل .
وقال ابن شبرمة العقد جائز والشرط جائز.
وصحح السمرقندي قول الحنفية لان اشتراط المنفعة الزائدة في عقد المعارضة لاحد العاقدين من باب الربا او شبهة الربا وانها ملحقة بحقيقة الربا في باب البيع احتياطا .
وهذا في عقود المعاوضات المالية اما في المعاوضات غير المالية كالنكاح والخلع وفي التبرعات كالهبة فان الشرط يفسد ويظل العقد صحيحا لان الربا لا يتصور في هذه العقود .
6. ولو شرطا شرطا فيه ضرر لاحد العاقدين بان باع ثوبا بشرط ان لا يبيعه ولا يهبه ، ذكر في المزارعة الكبيرة ما يدل على ان العقد بهذا الشرط لا يفسد والشرط باطل لانه ليس لاحد المتعاملين فيه منفعة وروي عن ابي يوسف ان العقد بمثل هذا الشرط فاسد . والصحيح هو الاول ( السمرقندي ، التحفة ، 2 : 69 وما بعدها ، والكاساني ، 5: 168 وما بعدها ).
ومذهب المالكية فيه تفصيل ايضا ذلك ان الشروط عندهم ثلاثة اقسام :
1. الشرط الذي يناقض المقصود من العقد وهو فاسد مفسد للعقد ومثاله ان يبيع على ان لا يبيع المشتري المبيع عموما الا من نفر قليل او لا يهب او لا يخرج من البلد .
2. الشرط الذي يقتضيه العقد وهو صحيح كشرط تسليم المبيع .
3. شرط لا يقتضيه العقد ولا ينافيه وهو من مصلحته وهو جائز لازم بالشرط ساقط بدونه مثل ان يبيعه السلعة على رهن او كفيل او الى اجل معلوم وليس في ذلك فساد ولا كراهية لان ذلك كله مما يعود على البيع بمصلحته ولا معارض له من جهة الشرع .
( الخرشي على خليل ، الطبعة الثانية الاميرية ، 5: 8- 82).
ومذهب الشافعية على التفصيل الاتي :
1. ان كان شرطا يقتضيه العقد كالتسليم صح .
2. ان كان شرطا لا يقتضيه العقد ولكن فيه مصلحة كالخيار والاجل لم يبطل لان الشرع ورد به ولان الحاجة تدعو اليه فلا يفسد العقد ويلزم الوفاء بالشرط .
3. ان شرط ما سوى ذلك من الشروط التي تنافي مقتضى العقد بان باع دارا بشرط ان يسكنها مدة بطل العقد لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه نهى عن بيع وشرط .
( الشيرازى المهذب ، طبعة الحلبي 1: 268 وما بعدها والنووي ، المجموع 9/ 363 وما بعدها ).
ومذهب الحنابلة ان الشروط تنقسم الى اربعة اقسام :
1. ما هو من مقتضى العقد كاشتراط التسليم في البيع فهذا وجوده كعدمه لا يفيد حكما ولا يؤثر في العقد .
2. ما تتعلق به مصلحة العاقدين كالاجل والخيار فهذا شرط جائز يلزم الوفاء به .
وقالوا : ولا نعلم في صحة هذين القسمين خلافا .
3. ما ليس من مقتضاه ولا من مصلحته ولا ينافي مقتضاه وهو نوعان :
أ. اشتراط منفعة البائع في البيع ( اي العاقد في المعقود عليه ) وهذا قد مضى ذكره .
ب. اشتراط عقد في عقد نحو ان يبيعه شيئا بشرط ان يبيعه شيئا اخر - فهذا شرط فاسد يفسد به البيع .
4. اشترط ما ينافي مقتضى البيع وهو على ضربين :
1. اشتراط ما بني على التغليب مثل ان يشترط البائع على المشتري عتق العبد - فهل يصح على روايتين : احداهما يصح ... وهو مذهب مالك وظاهر مذهب الشافعي .
والثانية الشرط فاسد وهو مذهب ابي حنيفة . اذا حكمنا بفساده فحكمه حكم سائر الشروط الفاسدة وان حكمنا بصحته فاعتقه المشتري فقد وفى بما شرط عليه وان لم يعتقه ففي احد الوجهين يجبر وفي الاخر لا يجبر .
ب. ان يشترط غير العتق مثل ان يشترط ان لا يبيع ولا يهب فهذه وما اشبهها شروط فاسدة وهل يفسد البيع على روايتين . احداهما - وهو المنصوص عن احمد ان البيع صحيح والثانية - ان البيع فاسد وهو مذهب ابي حنيفة والشافعي . وان حكمنا بصحة البيع فللبائع الرجوع بما نقصه الشرط من الثمن .
وان حكمنا بفساد العقد لم يحصل به ملك سواء اتصل به القبض او لم يتصل ولا ينفذ تصرف المشتري فيه ببيع ولا هبة ولا عتق ولا غيره .
( المغني الشرح الكبير 4: 48 وما بعدها و 285 وما بعدها ) وبالمذهب الخنفي اخذ في الفقرة الاولى من هذه المادة 164.
وفي الفقرة الثانية من المادة نص على جواز الشرط الذي فيه نفع لاحد العاقدين او للغير ما لم يمنعه الشارع او يخالف النظام العام او الاداب وفي هذه الحالة اي اذا منعه الشارع او خالف النظام العام او الاداب يلغو الشرط ويصح العقد اخذا براي ابن ابي ليلى وبراي الحنفية في المعاوضات المالية . اما ما ورد في عجز الفقرة الثانية فقد اعتمد فيه على ما ورد في المادتين 2و3 من المجلة وشرحهما لعلي حيدر وهو موافق لما ورد في القانون المدني العراقي مادة 131- 2 ويوافق حكم المادة التالية.
انظر اقوال المذاهب المختلفة في ذلك للسنهوري ، مصادر الحق ج 3ص 112 وما بعدها ، وانظر المادتين 321 و 322 من مرشد الحيران .
تقدم ان المراد بالمقصد هنا ما يعرف في القانون بالسبب وهو الباعث الدافع الى التعاقد . وقد رؤي تفضيل كلمة المقصد ( على السبب ) لان للسبب في اصول الفقه وفي الفقة الاسلامي معنى اخر غير المراد به عند رجال القانون فرفعا للبس رؤي استعمال كلمة ( مقصد ) على ان يكون المراد بها ما يراد بالسبب عند رجال القانون . وبعد بيان ذلك يستوي التعبير بكلمة ( السبب ) او ( المقصد ).
ويتنازع السبب عاملان متعارضان احدهما استقرار التعامل مما يؤدي الى الاعتداد بالتعبير عن الارادة لا بالارادة ذاتها اي بالارادة الظاهرة دون الارادة الباطنة فلا يقام وزن كبير للسبب . وثانيهما العوامل الادبية والخلقية والدينية مما يجعل محلا للاعتداد بالباعث الذي تقاس به شرف النوايا وطهارتها ونجد احد هذين العاملين يتغلب في بعض المذاهب والاخر هو الغالب في المذاهب الاخرى ففي المذهب الحنفي والشافعي تختفي نظرية السبب تحت ستار من صيغة العقد والتعبير عن الارادة ويختلط السبب بالمحل فلا يعتد بالسبب اي الباعث على التعاقد الا حيث يتضمنه التعبير عن الارادة فان لم يتضمنه التعبير عن الارادة لم يعتد به وهو مسلك الفقه الالماني .
وفي المذهب المالكي والحنبلي تظهر العوامل الادبية والخلقية والدينية فيعتد بالباعث ولو لم يتضمنه التعبير عن الارادة اي ولو لم يذكر في العقد ويكون العقد صحيحا او باطلا تبعا لما اذا كان هذا الباعث مشروعا او غير مشروع وهو ما ذهب اليه الفقه اللاتيني .
ففي الفقه الحنفي والشافعي يعتد بالسبب اي الباعث اذا تضمنته صيغة العقد او التعبير عن الارادة فلا تجوز اجازة الاماء للزنا ( الكاساني 4: 19) ولو اشترى قمرية على انها تصوت او طيرا على انه يجىء من مكان بعيد او كبشا على انه نطاح او ديكا على انه مقاتل فالبيع فاسد عند ابي حنيفة رحمه الله وهو احدى الروايتين عن محمد رحمه الله ..... لان هذه صفات يتلهى بها عادة والتلهي محظور ، فكان هذا شرطا محظور فيوجب فساد البيع .... ولو اشترى جارية على انها مغنية على سبيل الرغبة فيها فالبيع فاسد لان التغنية صفة محظور لكونها لهوا فشرطها في البيع يوجب فساده ولو اشترى جارية على انها مغنية على وجه اظهار العيب جاز البيع لان هذا بيع بشرط البراءة عن هذا العيب فصار كما لو باعها بشرط البراءة عن عيب اخر فان وجدها لا تغني لا خيار له لان الغناء في الجواري عيب فصار كما لو اشترى على انه معيب فوجده سليما ( الكاساني 5: 169 وانظر الزيلعي 5: 125 ) وفي الخانية ( رجل استأجر فحلا لينزيه لا يجوز ذلك ولا اجر فيه ، وكذا النائحة والمغنية وان استأجر المسلم ذميا ليبيع له خمرا او ميتا او دما لا يجوز ... ولو استاجر رجلا لينحت له اصناما او ليزخرف له بيتا بالتماثيل فلا اجر له ، كما لو استأجر نائحة او مغنية ( الخانية 2: 322) .
ويلاحظ ان السبب متميز عن المحل فقد يكون المحل مشروعا في ذاته ولكن السبب يكون غير مشروع فاذا كان السبب ظاهرا في صيغة العقد فانه يعتد به ويكون العقد باطلا من ناحية السبب لا المحل ومن امثلة ذلك اجارة الشخص على القيام بعمل واجب عليه لا يجوز ففي جامع الفصولين ( 1 : 248) او الاجارة على عمل يجب عليه لم تجز " وفي القدوري ص 96 " ان استاجرها وهي زوجته او معتدته لترضع ولدها لم يجز لان الارضاع مستحق عليها ديانة ( انظر الزيلعي3 : 62 - 63 والخانية 2 : 322 ) .
اما اذا لم تتضمن صيغة العقد السبب بمعنى الباعث فلا يعتد به ويكون العقد صحيحا مستقلا عن السبب .
ففي الام ( 3: 65) ( اصل ما اذهب اليه ان كل عقد كان صحيحا في الظاهر لم ابطله بتهمة ولا بعادة بين المتبايعين واجزته بصحة الظاهر واكره لهما النية اذا كانت النية لو اظهرت كانت تفسد البيع . كما اكره للرجل ان يشتري السيف على ان يقتل به ولا يحرم على بائعه ان يبيعه ممن يراه انه يقتل به ظلما لانه قد لا يقتل به ولا افسد عليه هذا البيع وكما اكره للرجل ان يبيع العنب ممن يراه انه يعصر خمرا ولا افسد عليه البيع اذا باعه اياه لانه باعه حلالا وقد يمكن الا يجعله خمرا ابدا وفي صاحب السيف الا يقتل به احدا ابدا ).
وفي مختصر البلعاوي ( صفحة 28) من كان له عصير فلا باس عليه بيعه وليس عليه ان يقصد بذلك الى من يأمنه ان يتخذه خمرا دون ان يخاف ذلك عليه لان العصير حلال فبيعه حلال كبيع ما سواه من الاشياء الحلال مما ليس على بائعها الكشف عما يفعله المشتري فيها ( وانظر الكاساني 4: 176و 189و 190 . والخانية 2: 322 وما بعدها والزيلعي ص 124 وما بعدها ).
اما الفقه الحنبلي والفقه المالكي فيعتد بالباعث سواء ذكر في العقد او لم يذكر ما دام انه معلوم من الطرف الاخر فان كان الباعث مشروعا فالعقد صحيح وان كان غير مشروع فلا يصح العقد - قال ابن القيم في اعلام الموقعين 3: 96 - 98 هل الاعتبار بظواهر الالفاظ والعقود وان ظهرت المقاصد والنيات بخلافها ام للقصود والنيات تأثير يوجب الالتفات اليها ومراعاة جانبها وقد تضافرت ادلة الشرع قواعده على ان القصود في العقود معتبرة انها تؤثر في صحة العقد وفساده وفي حله وحرمته بل ابلغ من ذلك وهي انها تؤثر في الفعل الذي ليس بعقد تحليلا وتحريما فيصير حلالا تارة وحراما تارة باختلاف النية والقصد كما يصير صحيحا تارة وفاسدا تارة باختلافها .
وهذا كالذبح فان الحيوان يحل اذا ذبح لاجل الاكل ويحرم اذا ذبح لغير الله .... وكذلك الرجل يشتري الجارية ينوي ان تكون لموكله فتحرم على المشتري وينوي انها له فتحل له وصورة الفعل والعقد واحدة وانما اختلفت النية والقصد .... وكذلك عصر العنب بنية ان يكون بينة ان يكون خمرا معصية ملعون فاعله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصره بنية ان يكون خلا او دبسا جائز وصورة الفعل واحدة . وكذلك السلاح يبيعه الرجل لمن يعرف انه يقتل به مسلما حرام باطل لما فيه من الاعانة على الاثم والعدوان واذا باعه لمن يعرف انه يجاهد به في سبيل الله فهو طاعة وقربة . وفي الحطاب (4: 267) ( بيع العنب لمن يعصره خمرا وبيع ثياب الحرير ممن يلبسها غير جائز ) وكذا بيع ارض بقصد بناء كنيسة او بيع خشب بقصد صنع صليب او شراء عبد بقصد ان يكون مغنيا لا يجوز ( انظر الحطاب 4: 267 وما بعدها . والمدونة الكبرى 11: 62 وما بعدها وانظر الشعراني ، الميزان الكبرى 2: 74 وما بعدها والقواعد لابن رجب صفحة 321- 322).
ويقترب من المذهب الحنبلي فيما نحن بصدده الزيدية ( انظر المنتزع المختار 3: 19 - 20 ) والجعفرية ( انظر مفتاح الكرامة 4: 37) واهل الظاهر ( المحلي 9: 29-30) وفي الاخير :( ولا يحل بيع شيء ممن يوقن انه يعصى الله به او فيه وهو مفسوخ ابدا ، كبيع كل شيء ينبذ او - يعصر ممن يوقن انه يعمله خمرا وكبيع الدراهم الردئية ممن يوقن انه يدلس بها وكبيع الغلمان ممن يوقن انه يفسق بهم او يخصيهم وكبيع المملوك ممن يوقن انه يسئ ملكيته او كبيع السلاح او الخيل ممن يوقن انه يعدو بها على المسلمين ، او كبيع الحرير ممن يوقن انه يلبسه ...)
وبراي الحنابلة ومن حذا حذوهم اخذ المشروع فاشترط ان يكون للعقد سبب او مقصد وان يكون هذا السبب ( المقصد ) له مشروعا اي يقره الشارع فاذا قصد به منفعة غير مشروعة لم يصح العقد والحنابلة يفرقون بين الفاسد والباطل ويترتب على الاخذ برايهم ان يكون العقد باطلا اذا فقد المقصد المشروع . والمقصود - بالسبب الغاية او الغرض المباشر المقصود في العقد اي الذي دفع المتعاقدين الى عقده .
ويشترط ان يكون السبب ( المقصد ) موجودا ومستمرا حتى يتم تنفيذ العقد فمن استأجر مرضعة لولده فمات الولد او استغني عن الرضاعة ففي هذه الحالة يصبح السبب غير قائم وتكون النتيجة انفساخ العقد وانتهاء لزوال سببه ( الكاساني 4: 222 - 223 . والزيلعي 3: 62- 63 ومجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية 5: 224 وما بعدها ).
ومن تطبيقات ذلك ما ذكره ابن رجب من ان الزوجة اذا وهبت مهرها لزوجها كان لها الرجوع في الهبة اذا طلقها لزوال سببها وهو طلب استدامة الزواج بينهما وقد زال كما نص عليه الامام احمد في بعض ما روي عنه ( ابن رجب ) القواعد صفحة 321- 322) .
كما يشترط ان يكون السبب مشروعا فان لم يكن كذلك لا يصح العقد وان كان المحل مباحا شرعا ، من امثلة ذلك بيع عصير العنب ممن يعلم البائع انه سيتخذه خمرا ، وبيع السلاح لمن يقطع به الطريق او لاهل الفتنة وبيع ادوات القمار ، وتأجير دار لمن يعدها للدعارة فكل هذه العقود غير صحيحة في راي جمع كثير من الفقهاء لعدم شرعية السبب الذي يقصده المشتري ( انظر المحلى 9: 29- 30 والحطاب 4: 263 وما بعدها ).
وفيما يتعلق باثبات السبب فثمة قاعدتان اساسيتان :
اولاهما : افتراض توافر السبب المشروع ولو اغفل ذكره في العقد الى ان يقوم الدليل على خلاف ذلك حملا لحال المتعاملين على الصلاح ويكون عبء اثبات عدم وجود السبب او عدم مشروعيته على عاتق من يدعي ذلك .
وثانيهما : افتراض مطابقة السبب المذكور في العقد للحقيقة الى ان يقام الدليل على صوريته فاذا اقيم هذا الدليل وجب على الطرف الاخر اثبات توافر سبب حقيقي تلحق به صفة المشروعية .
ويلاحظ ان الوارد في الفقرة الثانية هو في الواقع قرينة قانونية يجوز اثبات عكسها وعلى ذلك يجوز اثبات العكس بالبينة سواء اريد اثبات ان السبب غير مشروع او ان السبب لا وجود له . وتراجع المادتان 267و 305 من مرشد الحيران وهي تقابل المواد 132 عراقي و136 و 137 مصري و137 و138 سوري ومشروع اردني .
ثالثا: العقد الصحيح والباطل والفاسد :
نظرة عامة
بعد ان تناول المشروع ركن العقد وشروط الانعقاد وشروط الصحة وشروط النفاذ وشرط اللزوم شرع في بيان اثر توافرها وعدم توافرها .
ويترتب على توافر الركن وشرائط الانعقاد ان يكون العقد منعقدا وعلى تخلفها كلها او بعضها ان يكون العقد باطلا .
ويترتب على توافر شروط الصحة ان يكون العقد صحيحا وعلى تخلفها كلها او بعضها رغم توافر الركن وشروط الانعقاد ان يكون العقد فاسدا .
ويترتب على توافر شروط النفاذ ان يكون العقد نافذا وعلى تخلفها كلها او بعضها – رغم توافر الركن وشروط الانعقاد وشروط الصحة – ان يكون العقد موقوفا .
ويترتب على توافر شرط اللزوم ان يكون العقد لازما وعلى تخلفه رغم توافر الركن وشروط الانعقاد وشروط الصحة وشروط النفاذ – ان يكون العقد غير لازم .
فالعقد اذن في مرحلة الانعقاد :
اما ان يكون باطلا او منعقدا .
والمنعقد اما ان يكون صحيحا او فاسدا .
والصحيح اما ان يكون نافذا او غير نافذ .
والنافذ اما ان يكون لازما او غير لازم .
هذه هي مراتب الانعقاد في الفقه الحنفي وهي اكثر منها في القانون المدني المصري (والسوري والمشروع الاردني) .
فالعقد الباطل في الفقه الحنفي يقابله في القانون المدني المصري العقد الباطل .
والعقد الفاسد في الفقه الحنفي ليس له مقابل في القانون .
والعقد الموقوف في الفقه الحنفي يقابله في القانون العقد القابل للابطال فهو اقرب شبها به وان كان يقصر دونه .
والعقد غير اللازم نظيره في القانون (المدني المصري) العقود غير اللازمة والعقد القابل للابطال .
وقد ارتقت نظرية البطلان في الفقه الاسلامي عنها في القانون من حيث :
هذا التدرج المحكم في مراتب البطلان فمن عقد باطل الى عقد فاسد الى عقد موقوف الى عقد غير لازم .
في حين انه لا يوجد في القانون الا العقد الصحيح والعقد الباطل اما العقد القابل للابطال فهو صحيح حتى يبطل .
في ابتداع فكرة العقد الفاسد وهو ما لا مقابل له في القانون .
في التصوير الفني للعقد الموقوف وهو ارقى في الصياغة الفنية مما يقابله في القانون من العقد القابل للابطال .
في التدرج الدقيق في اثر الخيارات من منع انعقاد العقد في حق الحكم في خيار الشرط الى منع تمامه في خيار الرؤية الى منع لزومه في خيار العيب . وهي في ذلك تلبس كل حالة الثوب الذي يلائمها : فتارة يكون الرجوع في العقد بارادة منفردة ، وطورا يكون بالتراضي او بالتقاضي ، وطورا يجوز الاسقاط مقصودا وطورا لا يجوز ، وتارة ينتقل الخيار بالميراث وطورا لا ينتقل .
كل ذلك على ما سيأتي بيانه (يراجع في بيان ذلك السنهوري مصادر الحق في الفقه ج/3 ص 288 - 318) .
ويتميز الفقه الحنفي عن بعض المذاهب الفقهية الاسلامية الاخرى ببعض هذه المراتب فهو يتميز بمرتبة العقد الفاسد ، ففي المذهب المالكي والشافعي والحنبلي : الفاسد والباطل سواء بخلاف المذهب الحنفي ، فالفساد فيه مرتبة غير مرتبة البطلان ولهذا - التمييز ما بين مرتبة البطلان ومرتبة الفساد مبرره المنطقي والعملي مع ملاحظة انه لا فارق بين فاسد عقد النكاح وباطله من حيث الاثر عند الحنفية .
اما مبرره المنطقي فلان التمييز بين العقد الباطل والعقد الفاسد يقوم على التمييز بين اصل العقد ووصفه ، واصل العقد هو الركن وشرائطه واما اوصاف العقد فيرجع اغلبها الى المحل ، والمنطقي ان يكون الجزاء عند تخلف الاصل اشد من الجزاء عند تخلف الوصف مع وجود الاصل ، وهذا ما ذهب اليه الفقه الحنفي اذ جعل الجزاء في الاول البطلان وفي الثاني الفساد وبذا تكون السلسلة ذات حلقات منطقية ثلاث هي : ما كان غير مشروع لا بأصله ولا بوصفه فهو الباطل وما كان مشروعا بأصله دون وصفه فهو الفاسد وما كان مشروعا بأصله ووصفه فهو الصحيح .
واما مبرره العملي فهو الاقلال من حالات بطلان العقد وفتح الباب لتصحيح العقد ، ذلك ان العقد الفاسد وان كان الواجب رفعه للفساد ولا يسقط حق الفسخ بالاسقاط الا انه قابل للتصحيح وذلك بازالة سبب الفساد ، فاذا كان سبب الفساد الشرط الفاسد فاسقطه من جعل له او الجهالة الفاحشة فأزيلت ، صح العقد ، واذا كان رجال القانون يلجأون الى كل باب يصححون به العقد بقدر الامكان كانتقاص العقد او تحويله فأولى الا نغلق بابا يقوم على قواعد راسخة من المنطق والحاجات العملية من شأنه ان يترك مجالا لتصحيح عقد قام اصله واختل وصفه .
وفي ذلك يقول السنهوري : (ولا شك في ان تفريق الحنفية بين اصل العقد ووصفه والتمييز تبعا لذلك بين العقد الباطل والعقد الفاسد ، صناعة فقهية محكمة قد انفردوا بها) (السنهوري ، مصادر الحق ج/4 صفحة 186 و 298 - 304) .
ويتميز الفقه الحنفي عن الفقه الشافعي وعن القانون بمرتبة العقد الموقوف فالعقد الموقوف في الفقه الشافعي عقد باطل . والعقد الموقوف يقابله في القانون العقد القابل للابطال والفقه الاسلامي في صياغته للعقد الموقوف اكثر احكاما واسد منطقا من القانون (يراجع السنهوري ، مصادر الحق ج/4 صفحة 290 - 294 و 304 - 307) .
المذكرة الايضاحية :
العقد الصحيح ينعقد في الحال سببا لحكمه فترتب عليه اثاره بمجرد انعقاده ، فلا تتأجل ، سواء أكان مطلقا ام مقترنا بشرط وذلك ما لم يكن معلقا بشرط او مضافا الى زمن مستقبل ، وما لم يكن غير نافذ بان كان موقوفا .
انظر المادة 311 من مرشد الحيران والمادة 108 من المجلة وشرحها لعلي حيدر وتقابل المادة 133 عراقي .
يمكن ارجاع العناصر الجوهرية في العقد الى جهات ثلاث :
اولا : صيغة العقد او التعبير عن الارادة ويتم ذلك بايجاب وقبول متطابقين في مجلس العقد وهذا التعبير عن الارادة هو ركن العقد بل هو الركن الوحيد كما يقول صاحب البدائع .
وينطوي هذا الركن على عنصرين :
1. تطابق الايجاب والقبول اي التراضي .
2. اتحاد مجلس العقد .
يضاف الى ذلك القبض في بعض العقود والشكل في بعض .
ثانيا : العاقدان : والتعبير عن الارادة يفترض بطبيعة الحال شخصا يصدر عنه هذا التعبير . ولا يعتد بالتعبير الا اذا صدر عن تمييز اي عن عقل فالطفل غير المميز والمجنون والمعتوه والمريض والسكران الى حد فقد التمييز وغيرهم ممن عدموا التمييز لا يعتد بتعبيرهم واذا صدر من احدهم تعبير عن الارادة فهذا التعبير لا وجود له شرعا مهما يكن له من وجود من حيث الواقع .
والعقد يفترض حتما وجود عاقدين احدهما يصدر منه الايجاب والاخر يصدر منه القبول فالعقد لا يتم بارادة منفردة بل بارادتين متطابقتين .
ومن ثم يمكن ان نستخلص من هذه الجهة الثانية عنصرين اخرين للعقد هما :
1. التفرد . و2. العقل اي التمييز .
ثالثا : المعقود عليه او محل العقد . ويشترط فيه : 1. ان يكون موجودا او ممكنا اي مقدور التسليم . و2. ان يكون معينا او قابلا للتعين .3. ان يكون صالحا للتعامل فيه اي مالا متقوما مملوكا .
فاذا توافرات للعقد هذه العناصر السبعة وهي : 1. مطابقة القبول للايجاب . و2. اتحاد مجلس العقد .3و. تعدد العاقد .و4. العقل او التمييز . و 5. محل مقدور التسليم . و6. محل معين او قابل للتعين . و7. محل صالح للتعامل فيه اي مال متقوم مملوك يضاف اليها ان يقصد بالعقد منفعة مشروعة او (السبب المشروع ) وان يتحقق القبض او الشكل اذا لزم هذا او ذاك للانعقاد فان العقد يكون قد اجتمع له ركنه وشرائطه اما اذا تخلف عنصر منها فان العقد لا ينعقد ويكون باطلا .
والعقد الباطل لا وجود له من حيث الصورة فقط فليس له وجود شرعي ومن ثم فهو عدم والعدم لا ينتج اثرا فالعقد الباطل لا حكم له اصلا لان الحكم للموجود ولا وجود لهذا العقد الا من حيث الصورة ( الكاساني 5: 305) . ففي البيع الباطل لا يملك المبيع ولو بالقبض وفي الاجارة الباطلة لا يجب الاجر كما اذا استأجر احد الشريكين شريكه لحمل طعام مشترك وفي الرهن لا يتعلق به الضمان ولا يملك الحبس للمدين كما لو رهن شيئا باجر نائحة او مغنية ( ابن نجيم الاشباه والنظائر صفحة 185).
ويترتب على ما تقدم ان احد العاقدين لا يملك جبر الاخر على تنفيذه . واذا نفذ العاقد باختياره سواء اعلم بالبطلان ام لم يعلم به كان له ان يسترد ما سلمه تنفيذا للعقد ( انظر الخانية على هامش الهندية 2: 233).
ولكن قد يترتب على العقد الباطل اثر لا كتصرف شرعي ولكن كواقعة مادية .
فاذا قبض المشتري في البيع الباطل المبيع وهلك في يده كان مضمونا عليه في احد الرأيين عند الحنفية ( الكاساني 5: 305 وابن الهمام فتح القدير 5: 187 - 188 وابن عابدين ، رد المحتار 4: 163 وابن نجيم . البحر 6: 72 والزيلعي 4: 44 وكذا في مذهب مالك ( الحطاب 4: 38 والخرشي 5: 85- 93 ) . والزواج الباطل ( وهو والفاسد سيان عند الحنفية ) اذا اقترن بالدخول على الزوجة . تترتب عليه اثار كواقعة مادية كدرء الحد وثبوت النسب ووجوب العدة والمهر ( الكاساني 5: 335).
ولكل ذي مصلحة ان يتمسك بالبطلان فلكل من العاقدين يتمسك به ضد المتعاقد الاخر فلا ينفذه ، وضد الغير كالشفيع . ولغيرهما كذلك فالمرتهن له ان يتمسك ببطلان البيع الصادر من الراهن للعين المرهونة وللمستأجر ان يتمسك ببطلان البيع الصادر من المؤجر للعين المؤجرة . وكذا ورثتهما فاذا مات من صدر منه بيع باطل دخلت العين المبيعة في تركته وجاز لورثته ان يتمسكو ببطلان البيع . بل يجوز للقاضي ان يقضي ببطلان العقد من تلقاء نفسه ولو لم يطلب ذلك احد .
والعقد الباطل لا تلحقه الاجازة لان لاجازة لا ترد على المعدوم وكل ما يمكن عمله هو ان يعاد العقد من جديد والفرق واضح بين اجازة العقد وعمل العقد من جديد .
وقد رؤي النص على عدم سماع دعوى البطلان اذا مضت خمس عشرة سنة على العقد استقرارا للمعاملات وقد رؤي في تحديد هذه المدة اتساقها مع التقادم الطويل المكسب للملكية . واذا كان القانون المدني المصري في المادة 141 ( والسوري والمشروع الاردني في المادة 142) نص على انه ( تسقط دعوى البطلان بمضي خمس عشرة سنة من وقت العقد ) فانه قد رؤي في المشروع ان يكون النص على عدم سماع الدعوى لا على ( سقوط ) دعوى البطلان . عملا بالمادتين 1660 و 1801 من المجلة وشرحها لعلي حيدر. وتراجع ايضا المادة 110 من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمادة 313 من مرشد الحيران .
تناولت هذه المادة مسالة ( انتقاص العقد ) بتعبير رجال القانون وهي تضم صورتين :
اولاهما : صورة ما اذا بطل العقد في شق منه وصح في شق ، فهل يبطل العقد في الشقين ام يصح في الصحيح ويبطل في الباطل .
والاخرى - صورة ما اذا كان العقد موقوفا في شق منه ونافذا في شق منه فهل يقف في الشقين جميعا ام ينفذ في النافذ ويقف في الشق الموقوف على الاجازة فان اجيز نفذ الكل وان لم يجز بطل في الشق الموقوف فقط .
مثال الصورة الاولى ان يبيع شخص بعقد واحد حرا وعبدا او شاة ذكية واخرى ميتة .ومثال الصورة الثانية ان يبيع شخص اخر بعقد واحد عبدا يملكه وعبدا لا يملكه او يبيع احد الشريكين كل الدار المشتركة بينهما دون ان يكون نائبا عن الاخر في بيع نصيبه .
في المذهب الحنفي تفصيل :
ففي الصورة الاولى خلاف بين ابي حنيفة وصاحبيه : فعند ابي حنيفة يبطل العقد فيهما مطلقا وعند الصاحبين : ان بين ثمن كل واحد منهما جاز في الشق الصحيح والا فلا . لابي حنيفة ان الصفقة متحدة فلا يمكن وصفها بالصحة والفساد فتبطل وهذا لان الحر والميتة لا يدخلان في العقد , لعدم شرطه وهو المالية و فيكون قبول العقد في الحر والميتة شرطا لجواز العقد في العبد والذكية فيبطل , وعندهما اذا بين ثمن كل واحد منهما صار صفقتين فيتقدر الفساد بقدر المفسد بخلاف ما اذا لم يسم لكل واحد ثمنا لانه يبقى بيعا بالحصة ابتداء وهو لا يجوز .
وفي الصورة الثانية خلاف بين ابي حنيفة وصاحبيه من ناحية وزفر من ناحية اخرى فعند زفر لا يصح لان محل العقد المجموع , ولا يتصور ذلك لانتقاء المحلية في شق منه , وقد جعل قبول العقد فيه شرطا لصحة العقد في الشق الاخر , فيفسد كما هو الشان في الصورة الاولى وعندهم العقد فيما يخص ملكه نافذ , وفيما يخص ملك الغير موقوف .
والفرق بين الصورتين عند ابي حنيفة مطلقا , وعند صاحبيه اذا لم يفصل الثمن , انه في الصورة الثانية يدخل الشق الذي وقف العقد فيه في العقد ثم ينقض في حقه فينقسم الثمن عليهما حالة البقاء وهو غير مفسد اما في الصورة الاولى فلا يدخل الشق الذي بطل العقد فيه , في العقد اصلا فلو اجيز البيع فيما ضم اليه لكان بيعا بالحصة ابتداء فلا يجوز لجهالة الثمن عند العقد ( الزيعلي 4: 60 - 61 والسرخسي المبسوط 13: 3- 5 وابن نجيم البحر 6: 90 - 91 والهندية 3: 131- 133 ) .
وفي المذاهب الاخرى تفصيل وخلاف مع جواز مبدا الانتقاص .
تراجع في المذهب الملكي : ابن جزى , القوانين الفقهية 260 وفي المذهب الشافعي , الشيرازي , المهذب 1: 269 والغزالي , والوجيز 1: 140 وفي المذهب الحنبلي , المغني 4: 291 - 293 . ومصادر الحق 4: 151 - 157 ) .وقد رؤي الاخذ في المشروع براي الصاحبين سواء في حالة بطلان شق من العقد وتوقف النفاذ في شق منه .
وراي الصاحبين يوافق في الصورة الاولى صورة بطلان العقد في شق منه , راي الامام ابي حنيفة اذا لم يبين العوض لكل شق , ويخالفه اذا بين عوض كل شق حيث يرى الامام ان العقد كله يبطل , ويريان انه يصح في هذا الشق بقسطه من الثمن وفي الصورة الثانية صورة توقف النفاذ في شطر من العقد , يوافق رايهما راي الامام ويخالف راي زفر على ما تقدم .
وفي القانون المدني المصري نص في المادة 143 انه ( اذا كان العقد في شق منه باطلا او قابلا للابطال , فهذا الشق وحده هو الذي يبطل , الا اذا تبين ان العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلا او قابلا للابطال فيبطل العقد كله ) ( المادة 144 من القانون المدني السوري ومن المشروع الاردني ) وتطبيقا لذلك : قسمة اعيان بعضها موقوف ووبعضها مملوك تقع باطلة فيما يتعلق بالموقوف وتبقى صحيحة فيما يتعلق بالمملوك , وهذا ما لم يثبت من يطعن في القسمة كلها انها ما كانت لتتم في المملوك دون الموقوف .
فنظرية انتقاص العقد - كما يسميها رجال القانون- معروفة في الفقه الاسلامي ولكن المعيار فيه موضوعي بخلاف المعيار في القانون فهو ذاتي ذلك انه في القانون نبحث في نية المتعاقدين لنعرف هل كانا يريدان ان يتم العقد بغير الشق الذي وقع باطلا او كانا لا يريدان ذلك . ففي الحالة الاولى ينتقص العقد , وفي الحالة الثانية يبطل العقد كله , فالمسالة اذن مردها الى نية العاقدين وهذا معيار ذاتي , اما الفقه الاسلامي فالمعيار فيه موضوعي وهو بيان العوض لكل شطر او عدم بيانه سواء كان شق العقد الذي يراد انتقاصه باطلا او موقوفا على ما تقدم ( وكذا في حالة الفساد على ما نص عليه في العقد الفاسد ) .
وقد نص في القانون المدني العراقي في المادة 139 انه ( اذا كان العقد في شق منه باطلا فهذا الشق وحده هو الذي يبطل , اما الباقي من العقد فيظل صحيحا باعتباره عقدا مستقلا الا اذا تبين ان العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلا ) فقصر الحكم على حالة البطلان مخالفا في ذلك حكم القانون المصري الذي شمل حالتي البطلان والقابلية للابطال لانه ليس في القانون العراقي ( العقد القابل للابطال ) .
ووافق القانون المصري وخالف الفقه الحنفي اذ جعل المعيار ذاتيا وهو نية العاقدين .
ج. العقد الفاسد :
نظرة عامة
يعرف الفقه الحنفي الى جوار ركن العقد وشرائط انعقاده ، اوصاف العقد فاذا وجدت هذه الاوصاف - بعد الركن وشرائط الانعقاد - كان العقد صحيحا .
واذا - اختلت هذه الاوصاف كلها او بعضها - رغم توافر الركن وشرائط الانعقاد - فسد العقد ولا يوجد في القانون ما يقابل العقد الفاسد لعدم وجود مبرره .
واسباب الفساد كثيرة منها : الغرر في اوسع معانيه ، والربا وشبهة الربا واقتران العقد بشرط فاسد والضرر في تسليم المعقود عليه ، والاكراه عند الامام وصاحبيه .
وقد عمل الفقهاء على التخفيف من اثار الفساد بصناعة فقهية رائعة وذلك عن طريق :
1. ابتداع فكرة العقد الفاسد ذاتها .
2. جعل العقد الفاسد ينتج اثارا هامة لحماية الغير وحماية العاقد نفسه بل وتصحيح العقد ذاته بازالة المفسد .
3. ظهور تيار يزيد في ابعاد العقد الفاسد عن العقد الباطل وفيما يلي بيان هذه الطرق الثلاث .
1. ابتداع فكرة العقد الفاسد ذاتها : انفرد الفقه الحنفي بفكرة العقد الفاسد ، اذا اراد في الواقع ان يعزل جملة من الاسباب عن ان تكون اسبابا لبطلان العقد فهو بتمييزه بين الاصل والوصف جمع تحت الوصف الغرر والربا والشرط الفاسد وعزلها عن اصل العقد وجعل حكمها غير حكم الاركان والشرائط ، فميز بذلك بين ما عده اصلا في العقد اذ جعل اي خلل فيه يصيب العقد بالبطلان وبين ما عده وصفا فأنزله منزلة اقل شأنا من منزلة الاصل ، بعد ذلك اضعف الاثر الذي يترتب على الغرر والربا والشرط الفاسد تحت ستار العقد الفاسد .
والمذاهب الاخرى لم تتابع الفقه الحنفي في التمييز بين العقد الفاسد والعقد الباطل بل خلطت بين النوعين فأصبح الغرر والربا والشرط كلها اسبابا لبطلان العقد ولا يتميز في البطلان عقد باشره مجنون وعقد اقترن بشرط نافع لاحد العاقدين الا ان المذهب المالكي وان لم يميز بين العقد الفاسد والباطل فانه ميز في البيع بين العقد المحرم والمكروه فالمحرم اذا فات مضى بالقيمة والمكروه اذا فات انقلب صحيحا وربما انقلب صحيحا بالقبض لخفة الكراهة فيه (بداية المجتهد 2 : 161) .
2. العقد الفاسد في المذهب الحنفي لا ينتج في الاصل اثرا وانه مستحق الفسخ وان الملك الذي يفيده البيع الفاسد بالقبض ملك مستحق الفسخ ومضمون بالقيمة لا بالمسمى ولا يفيد الا انطلاق التصرف دون الانتفاع بعين المملوك ، بالرغم من ذلك كله يقوم العقد الفاسد بدور هام في حماية الغير وفي حماية العاقد نفسه .
فهو بعيد عن ان يكون عقدا باطلا لا اثر له والمشتري الذي يشوب سند ملكيته غرر او ربا او شرط فاسد ليس كالمشتري الذي يشوب سند ملكيته عيب في اصل العقد كأن يكون محل العقد غير مال او مالا غير متقوم او ان يكون العاقد فاقد التمييز فهذه الاسباب ترجع الى اصل العقد وهي اخطر بكثير من الاسباب التي ترجع الى وصف العقد من غرر او ربا او شرط فاسد .
فالعقد الفاسد يحمي الغير اذ المشتري بعقد فاسد اذا تصرف في العين المشتراة بعد قبضها كان الغير الذي تصرف له المشتري آمنا ان تسترد العين من يده وفي هذا حماية كبيرة للغير لا سيما عندما لا تكون هناك وسائل للاعلان تنبه الغير الذي يعامل المشتري بعقد فاسد الى فساد عقده على كثرة اسباب الفساد وتنوعها وقد اقتضت الصياغة الفقهية لتحقق هذا الغرض افتراض ملكية تنتقل الى المشتري بعقد فاسد ولكنها ملكية لا تبيح للمشتري ان ينتفع بعين المملوك بل هي ملكية الغرض منها تصحيح التصرف الذي يصدر من المشتري الى الغير فتنتقل الى المشتري من ملكية صحيحة تمنع استرداد العين من تحت يده وذلك بفضل هذه الملكية (الخبيثة) التي انتقلت من البائع الى المشتري بعقد فاسد .
والعقد الفاسد يحمي العاقد نفسه فهو يحمي المشتري اذا زاد المبيع في ذلك بعد قبضه زيادة غير معزولة من المبيع ولكنها متصلة به فيمتنع على البائع حق الفسخ . وكذا اذا غير المشتري من صورة المبيع تغييرا يخرجه عن صورته الاولى ففي هاتين والحالتين تستقر ملكية المشتري وتصبح ملكية باتة غير مهددة بالفسخ ولو انها انتقلت اليه بعقد فاسد . هذا الى انه اذا ازيل منه المفسد انقلب صحيحا وانتج اثره لا كواقعة مادية بل كتصرف شرعي .
وهناك تيار آخر في الفقه الحنفي لا يكتفي بما تقدم بل يرمي الى التأكيد من قوة العقد ويبعد العقد الفاسد عن الباطل ويجعل المشتري بعقد فاسد لا يملك التصرف في العين فحسب بعد قبضها بل يملك العين نفسها بالقبض كما يملك التصرف فيها واذا كان لا يحل له الانتفاع بعين المملوك فسبب ذلك هو ان الانتفاع به اعراض عن الرد وهو واجب شرعا (الزيلعي 4 : 62 وابن نجيم ، البحر 6 : 92 - 93) فهذا التيار الآخر يزيد في ابعاد العقد الفاسد عن العقد الباطل ويقربه من الصحيح من حيث افادة المالك فهو يجعل العقد الفاسد يفيد ملكا كاملا ينتفع به المالك ولكنه يجعل هذا الانتفاع محرما او مكروها ومرجع التحريم او الكراهة في الغالب اسباب دينية : وهو يتخفف من الفساد عن طريق الانتقاص من اثارها وعن طريق التقريب بين العقد الفاسد والعقد الصحيح النافذ فكلاهما نافذ يفيد الملك الكامل وعن طريق جعل العقد الفاسد اقرب الى العقد المكروه منه الى العقد الباطل واعتبار ان اسباب الفساد هي اسباب دينية فتوجب الكراهة ولا توجب البطلان .
(السنهوري ، مصادر الحق 4 : 298 - 304)
المذكرة الايضاحية :
العقد الفاسد مرتبة من مراتب البطلان لا يعرفها الا الفقه الحنفي والزيدي , اما المذاهب الثلاثة الاخرى ( والامامية ) فلا تميز بين العقد الفاسد والعقد الباطل , فكلاهما عقد باطل تدعوه تارة بالباطل وطورا بالفساد .
والفقه الحنفي بين التمييز بين البطلان والفساد على الوجه الاتي :
ان العناصر السبعة يضاف اليها المقصد وهو ما يسمى في القانون ( بالسبب ) والقبض او الشكل التي تقدم ذكرها مطلوبة لانعقاد العقد ولكنها لا تكفي لصحته بل يجب ان تضاف الى هذه العناصر اوصاف معينة وجودها ضرورة لصحة العقد .
اما تطابق الايجاب والقبول واتحاد مجلس العقد وعنصر التعدد فهي عناصر كاملة بذاتها وليست في حاجة الى وصف يكملها .
اما عنصر التمييز الذي يقوم عليه التراضي فيجب ان يكمله وصف لازم لصحة العقد او نفاذه ( على الخلاف ) هو خلو الرضا من الاكراه بقيت العناصر الثلاثة التي ترجع الى محل العقد وهي :
1. ان يكون المحل موجودا مقدور التسليم وهذا العنصر في حاجة كي يكمل الى وصفين .
- فالوجود يجب الا يدخله الغرر والعقد الذي ينطوي على غرر يكون فاسدا .
- والقدرة على التسليم يكملها ان تكون هذه القدرة من غير ضرر فان كان المحل مقدور التسليم ولكن في تسليمه ضرر انعقد العقد فاسدا للضرر الذي يترتب على التسليم .
2. ان يكون المحل معينا او قابلا للتعيين وهذا العنصر ايضا في حاجة الى وصف يكمله هو نفس الوصف الذي يكمل وجود المحل وهو انتفاء الغرر فيجب ان يكون المحل خاليا من الغرر في وجوده وفي تعيينه .
3. ان يكون المحل صالحا للتعامل فيه وهذا العنصر في حاجة الى وصفين يكملانه هما .
- ان يكون المحل خاليا من الشرط الفاسد .
- ان يكون خاليا من الربا .
فالاسباب التي تجعل العقد فاسدا في المذهب الحنفي بالرغم من انعقاده خمسة هي 1. الاكراه ( على راي وقد اخذ المشروع براي زفر انه يوقف نفاذ العقد ) .2. الغرر 3. الضرر الذي يصحب التسليم 4. الشرط الفاسد 5. الربا.
وهذه الاسباب تجعل العقد باطلا في المذاهب الاخرى .
3. والعقد الفاسد وان كان منعقدا الا انه عقد منهي عنه والاصل فيه انه لا ينتج اثرا ومن ثم لا تلحقه الاجازة ويجوز لكل من المتعاقدين ان يتمسك بفسخه بل يجب فسخه .ولا يحتاج الفسخ الى قضاء القاضي . ويكفي ان يقول احد العاقدين فسخت او نقضت او رددت او اية عبارة في هذا المعنى فينفسخ العقد وليس من الضروري ان يكون الفسخ بالقول فاي فعل يدل على نية الفسخ يكفي كما لو استأجر المشتري المبيع من البائع او باع البائع المبيع من مشتري اخر .
وكل ما يشترط لصحة الفسخ عند ابي حنيفة ومحمد ان يكون بمحضر من العاقد الاخر . اما عند ابي يوسف فالفسخ جائز حتى في غيبة العاقد الاخر . والسبب في ان الفسخ يتم دون حاجة الى قضاء به ان العقد الفاسد انما استحق الفسخ حقا لله عز وجل لما في الفسخ من رفع الفساد حق الله تعالى على الخلوص فيظهر في حق الكل , فكان فسخا في حق الناس كافة , فلا تقف صحته على القضاء ولا على الرضا ( الكاساني 300:5 ).وقد رؤي في المشروع الاخذ بالمقصود من راي ابي حنيفة ومحمد وهو اعلام الطرف الاخر بالفسخ كي يكون على بينة من الامر .
واذا مات احد العاقدين , كان لورثته حق الفسخ مكانه لان الثابت للوارث عين ما كان للمورث . وانما هو خلفه قائم مقامه, ويفسخ البائع في مواجهة ورثة المشتري كما يفسخ المشتري في مواجهة ورثة البائع .
هذا قبل التنفيذ اما بعد التنفيذ , كالقبض باذن البائع في البيع الفاسد فيجب التمييز بين حالتين : اما ان يكون الفساد راجعا الى البدل واما ان يكون راجعا الى غير البدل مما هو ليس في صلب العقد كشرط فاسد .
فان كان راجعا الى البدل كالبيع بالخمر والخنزير كان لكل من العاقدين حق الفسخ كما كان ذلك لهما قبل القبض , لان الفساد الراجع الى البلد . بتعبير الكاساني - فساد في صلب العقد , الا ترى انه لا يمكن تصحيحه بخلاف هذا المفسد لما انه لا قوام للعقد الا بالبلدين فكان الفساد قويا فيؤثر في صلب العقد بسلب اللزوم عنه , فيظهر عدم اللزوم في حقهما جميعا ( الكاساني 5: 300 ) .
وان كان راجعا الى شرط فاسد , قد اختلف الراي :
فراي يذهب الى ان كلا من العاقدين يملك حق الفسخ ايضا كما في الحالة الاولى : وراي اخر يذهب الى ان صاحب المنفعة في الشرط وحده هو الذي يملك الفسخ , فان اسقط شرطه زال سبب الفساد وانقلب العقد صحيحا ولا يملك الطرف الاخر حق فسخ العقد .
وقيل القول الاول قول ابي حنيفة وابي يوسف رحمهما الله والقول الثاني قول محمد رحمه اللله ( الكاساني 5: 300 ) .
ويخلص مما تقدم في حق العاقدين في فسخ العقد الفاسد انه اذا كان الفساد في صلب العقد كان لكل من العاقدين فسخه قبل القبض وبعده . اما اذا كان الفساد لشرط فاسد : فقبل القبض يكون لكل من العاقدين فسخه الا اذا زال المفسد بتراضيهما وبعد القبض يستقل بالفسخ من له منفعة في الشرط على قول محمد واما على قول ابي حنيفة وابي يوسف فلكل من العاقدين حق الفسخ الى ان ينزل صاحب الشرط عن شرطه , قال في فتح القدير ( 5: 231 ) ( اذا كان الفساد في صلب العقد .. فيملك كل فسخه , وان كان الفساد بشرط زائد , كالبيع على ان يقرضه ونحوه او الى اجل مجهول , فلكل واحد يملك فسخه قبل القبض , واما بعدالقبض فيستقل من له منفعة الشرط والاجل بالفسخ كالبائع في صورة الاقراض والمشتري في الاجل بحضرة الاخر دون من عليه عند محمد وعندهما لكل منهما حق الفسخ لانه مستحق حقا للشرع فانتفى اللزوم عن العقد ) وانظر ايضا الفتاوي الخانية 2 : 167 ) .وقد رؤي في المشروع الاخذ براي من يجعل الفسخ لكل من العاقدين .
3 . ولا يجوز لاي من العاقدين النزول عن حق الفسخ لان العقد الفاسد لا ترد عليه الاجازة كما تقدم فاذا اسقط عاقد حقه في الفسخ او اجاز العقد صراحة او ضمنا , فانه يستطيع بالرغم من ذلك ان يفسخ العقد , ولا يعتد لا باسقاطه حقه في الفسخ ولا باجازته للعقد . وفي ذلك يقول الكاساني 5 : 301 : ( الفسخ في البيع الفاسد لا يبطل بصريح الابطال والاسقاط , بان يقول ابطلت واسقطت او اوجبت البيع او الزمته , لان وجوب الفسخ ثبت حقا لله تعالى دفعا للفساد لله تعالى خالصا لا يقدر العبد على اسقاطه مقصودا ) .
واذا كان العقد الفاسد يستحق الفسخ فانه يستحقه لغيره لا لعينه حتى لو امكن دفع الفساد بدون فسخ العقد لا يفسخ وينقلب صحيحا , مثل ذلك ان يكون الفساد لجهالة الاصل , فاما ان يعينه العاقدان قبل انفضاض مجلس العقد اي قبل ان يتمكن الفساد واما ان يسقطاه اصلا بعد انفضاض مجلس العقد وتمكن الفساد , فيزول المفسد في الحالتين وبنقلب العقد صحيحا , وكذلك يجوز تصحيح العقود الربوية بازالة الربا عنها . وتصحيح العقود المقترنة بشروط فاسدة باسقاط هذه الشروط , كذلك ببيع ما في تسليمه ضرر اذا نزعه البائع او قطعه وسلمه الى المشتري قبل ان يفسخ المشتري البيع انقلب العقد صحيحا واجبر المشتري على الاخذ لان المانع قد زال , هذا اذا كان التصحيح حكما كما هو الامر في الامثلة السابقة اما اذا كان الفساد راجعا الى البدل نفسه بان كان الثمن مثلا خمرا او خنزيرا فقد تمكن الفساد في صلب العقد ويبقي العقد فاسدا غير قابل للتصحيح ولو باتفاق العاقدين .
4. ولا يترتب على العقد الفاسد اثر الا ما يرتبه القانون , فلا يجبر العاقد على التنفيذ فاذا كان العقد الفاسد بيعا فان المشتري لا يستطيع اجبار البائع على تسليم المبيع ولكن البائع يستطيع باختياره واذنه ان يجعل المشتري يقبض المبيع قبضا صحيحا .
ويجب ان يكون التنفيذ باذن العاقد الاخر , فاذا كان العقد بيعا فلا يصح القبض بغير اذنه , بان ينهي المشتري القبض او بان يقبض المشتري المبيع بغير محضر منه ودون اذنه فان لم ينهه ولا اذن له في القبض صريحا فقبض المشتري المبيع بحضرة البائع فهناك راي يذهب الى ان قبض المشتري المبيع بحضرة البائع دون ان ينهاه عن القبض يكون اذنا دلالة فيعتد بالقبض . والراي المشهور انه لا بد من الاذن الصريح والا كان القبض غير صحيح ( الكاساني 5: 304 - 305 ) .
ولا يشترط اذن البائع اذا قبض المشتري المبيع في مجلس العقد ولم يمنعه البائع من قبضه لان البيع تسليط منه على القبض , فاذا قبضه بحضرته قبل الافتراق ولم ينهه كان بحكم التسليط السابق ( الخانية 2 : 169 . وفتح القدير , 5: 230 والزيلعي 4: 61 والبحر 6: 92 ) .
ولا يترتب على العقد الفاسد اثر قبل القبض فالبيع الفاسد مثلا لا يترتب عليه اثر قبل القبض , فاذا حصل القبض باذن البائع ثبت الملك للمشتري في المبيع في الجملة ولكنه ملك من نوع خاص فهو ليس ملكا مطلقا كالملك الذي يفيده العقد الصحيح بل هو ملك يستحق الفسخ , ومضمون بالقيمة لا بالمسمى , ويفيد انطلاق التصرف دون الانتفاع بعين المملوك اما التصرف الذي فيه انتفاع بعين المملوك , كاكل الطعام ولبس الثوب وركوب الدابة وسكنى الدار والاستمتاع بالجارية , فلا يحل .
وفي بعض نصوص الفقه الحنفي ما يؤكد ان المشتري بعقد فاسد يملك العين بعد القبض كما يملك التصرف فيها وفي بعضها ما يبرر ان المشتري بعد القبض انما يملك التصرف دون العين وان الملك الذي ينتقل اليه بالقبض هو ملك خبيث لا يفيد اطلاق الانتفاع بعين المملوك .
( انظر ابن نجيم , البحر الرائق 6: 92 - 93 ) ( والكاساني 5: 304 ) .
والملك الذي ينتقل الى المشتري بالقبض هو ملك من نوع خاص اذ انه مستحق الفسخ مضمون بالقيمة لا يفيد حل الانتفاع بعين المملوك ولكنه يفيد في امرين :
اولهما : اذا تصرف المشتري في المبيع المقبوض بعقد فاسد ببيع او هبة او صدقة بطل حق الفسخ وانتقل الملك المشتري الثاني او للموهوب او المتصدق عليه ولا يستطيع البائع ان يسترد المبيع من تحت يد احد من هؤلاء كما كان يستطيع استرداده من المشتري ولكنه لا يرجع على المشتري بالثمن بل بالقيمة ( يراجع الكاساني 5: 300 - 302 وابن نجيم , البحر 6: 93 - 95 ) .
وثانيهما : اذا تغير المبيع المقبوض في بيع فاسد بالزيادة او النقص او في الصورة فتارة يمنع الفسخ وتارة لا يمنع على تفصيل ليس هنا محله .
( فتح القدير 5: 231 و 235 - 236 : والزيلعي 4: 62 والبحر 6: 93 و 96 والكاساني 5: 302 - 304 ) وتراجع المادة 109 من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمادة 312 من مرشد الحيران .
رابعا : العقد الموقوف والعقد غير اللازم :
نظرة عامة :
1. كي يتم الربط بين العاقد من جهة وصيغة العقد ومحله من جهة اخرى يجب ان يكون للعاقد ولايتان : احداهما - الولاية على محل العقد الآخر الولاية على نوع التصرف . والاولى تتحقق بان يثبت للعاقد حق الملك في هذا المحل او النيابة عن المالك والا يتعلق بالمحل حق للغير كأن يكون مرهونا او مستأجرا . فغير المالك - اي الفضولي - ليست له الولاية على محل العقد ، ومالك العين المرهونة او المستأجرة ليست له ولاية كاملة على محل العقد لتعلق حق المرتهن او المستأجرة به .
والولاية الثانية - تتحقق باستكمال العاقد القدر الواجب من التمييز لنوع التصرف الذي يباشره ، ذلك ان من التصرفات ما يكفي فيه مجرد التمييز ومنها ما لا يكفي فيه مجرد التمييز بل يجب فيه بلوغ سن الرشد .
فاذا تخلفت احدى الولايتين كان العقد موقوفا اي غير نافذ رغم انه صحيح فالعقد الموقوف عقد انعقد وصح لتوافر ركنه وشروط انعقاده وصحته ولكن تنقصه احدى الولايتين : الولاية على محل العقد او الولاية على نوع التصرف .
2. ويذهب الى القول بالعقد الموقوف ، الحنفية والمالكية ورواية عن احمد ابن حنبل ، وفي المذهب الحنفي رأي يذهب الى ان العقد الموقوف من قسم العقد غير الصحيح ولكن الراجح انه من الصحيح (انظر ابن نجيم ، البحر 6 : 7) .
وينكر العقد الموقوف ويعتبره باطلا المذهب الشافعي والرواية الاخرى في المذهب الحنبلي ففيهما العقد الموقوف والفاسد والباطل سواء ، بناء على ان الملك والاهلية من عناصر الانعقاد لا من عناصر النفاذ . وقد اخذ المشروع برأي الحنفية والمالكية وبالرواية الموافقة لهما عند الحنابلة .
3. ومعنى ان التصرف موقوف انه لا ينتج اثره قبل الاجازة فان اجيز نفذ وان لم يجز بطل . فمعنى وقف العقد الا يترتب على انشائه اي اثر من اثاره على الرغم من انه صحيح ومعنى النفاذ ان يستتبع العقد اثاره .
فالتصرف في فترة وقفه لا يكون له وجود مادي فحسب بل يكون له وجود قانوني لانه انعقد صحيحا ، ولكن هذا الوجود القانوني لا تترتب عليه اثاره فهو من هذه الناحية يقارب العقد الباطل ولكنه يفارقه في ان الاثار موقوفة لا منعدمة وهي على خطر النفاذ او الزوال فان اجيز نفذ وتميز عن التصرف الباطل تمييزا كبيرا اذا اصبح تصرفا نافذ الاثر ، وان تخلفت الاجازة انعدم واختلط بالتصرف الباطل فاصبح باطلا مثله .
4. وحالات العقد الموقوف كثيرة متعددة حتى قيل ان عددها وصل الى ثمان وثلاثين حالة ولكن عند التحقيق يتبين ان كثيرا من هذه الحالات لا يكون الموقوف فيها النفاذ بل الانعقاد او الصحة او اللزوم والمقصود هنا هو الموقوف النفاذ .
(يراجع في ذلك : العقد الموقوف ، مقال منشور في مجلة القانون والاقتصاد ، العدد الاول والثاني من السنة الخامسة والعشرين صفحة 122 - 128 والسنهوري ، مصادر الحق جزء /4 ص/137 - 140) .
5. والعقد الموقوف في الفقه الاسلامي يقابله في القانون العقد القابل للابطال (م 110 - 130) مصري ، فكلاهما يواجه نفس الحالات الولاية على التصرف ، والولاية على المحل اي عقد ناقص الاهلية والتصرف ملك الغير .
والقانون المصري يواجه عيوب الارادة بالعقد القابل للابطال ويواجهها الفقه الاسلامي بالعقد الموقوف او بالعقد غير اللازم .
فعقد ناقص الاهلية وبيع الفضولي او بيع ملك الغير موقوف في الفقه الاسلامي وقابل للابطال في القانون والعقد الموقوف صورة عكسية من العقد القابل للابطال اذ العقد الموقوف باطل حتى ينفذ بالاجازة اما العقد القابل للابطال فهو نافذ حتى يبطل بعدم الاجازة .
وعند المفاضلة يتبين ان الفقه الاسلامي في التجائه لفكرة العقد الموقوف ارقى من القانون المصري اذ في الحالتين : حالة نقص الاهلية وحالة بيع الفضولي ، القول بوقف العقد حتى يجاز اولى من القول بالنفاذ حتى يبطل . وقال السنهوري (مصادر الحق 4 : 306) : ان الاولى بهذا الفقه (الفقه الغربي) ان يستعير من الفقه الاسلامي فكرة العقد الموقوف فيجعل العقد المشوب بالغلط او التدليس او الاكراه موقوفا لا قابلا للابطال .
وهناك سبب آخر لرجحان العقد الموقوف على العقد القابل للابطال بخصوص بيع ملك الغير او تصرف الفضولي اذ الفقه الاسلامي عالج حكمه بفكرة العقد الموقوف سواء بالنسبة للمالك او للفضولي . اما في القانون فانه جعله قابلا للابطال بالنسبة للفضولي واحتاج الى فكرة عدم سريان التصرف بالنسبة للمالك (م 466 - 468) مصري و 434 - 436 سوري و 433 - 435 مشروع اردني ) .
فالفقه الغربي احتاج للفكرتين معا : فكرة القابلية للابطال وفكرة عدم السريان بالنسبة للمالك ، فبيع ملك الغير في القانون قابل للابطال لصالح الفضولي فهو يملك ابطاله واجازته وفي الحالتين لا يسري في حق المالك الحقيقي الا اذا اجازه المالك الحقيقي وفي هذا خروج على الصيغة القانونية نفسها فان المعهود في العقد القابل للابطال ان الذي يبطل ويجيز هو وحده العاقد الذي تقرر البطلان لمصلحته ، وهنا يملك غير العاقد اجازة العقد فيصح في حق المشتري نفسه ، ومن ثم كان حكم بيع ملك الغير ولا يزال مشكلة تحير الباحثين في الفقه الغربي ولو استعار الفقه الغربي من الفقه الاسلامي فكرة العقد الموقوف وواجبه بها بيع ملك الغير لافاد كثيرا في ذلك فيكون العقد موقوفا لا في حق المشترى وحده ولا في حق البائع وحده بل ايضا في حق المالك ولكانت اجازة العقد تقتصر على المالك فلا يملك المشتري اجازته ، وكل هذه احكام اكثر ملائمة لحالة العقد وهي احكام تستمد من نظام العقد الموقوف ولا تستمد من نظام العقد القابل للابطال .
6. وقد عرض المشروع لحالات الوقف ولمن تكون الاجازة وكيفيتها وشروطها واثرها واثر رفضها وقد رؤي عدم مجاراة التقنين المدني العراقي في ايراد بعض التفصيل هنا كحكم هلاك المعقود عليه في حالة بيع المكره ونحوه والفضولي (م 134 - و 135 عراقي) ايثار الترك ذلك لمواضعه من العقود المختلفة .
المذكرة الايضاحية :
1. قال الكاساني ( 5: 148 و 155 ) انه يشترط لنفاذ العقد الملك او الولاية وان لا يكون في المبيع حق لغير البائع وقال في الفتاوى الهندية ( 3 : 3 ) ان شرائط النفاذ نوعان : احداهما الملك او الولاية والثاني ان لا يكون في المبيع حق لغير البائع فان كان لا ينفذ كالمرهون والمستأجر .
2. وباستقراء التصرفات الموقوفة يتبين انها اما تصرفات في مال الغير او تصرفات في مال النفس وفي التصرفات في مال الغير اما ان يكون المتصرف لا يملك ولاية التصرف اصلا واما ان يملكها ولكنه خالف الحدود المرسومة له وهذا الخلاف اما ان يكون من حيث الاشخاص او من حيث الموضوع في التصرفات في مال النفس , اما ان يكون المتصرف ناقص الاهلية او شاب ارادته اكراه على راي زفر واما ان يكون كاملها ولكن تعلق بالمال المتصرف فيه حق الغير .
فبالنسبة لمال الغير :
اما ان المتصرف لا يملك التصرف اصلا واما انه يملكه ولمن خرج عن الحدود المرسومة له .
أ . تصرف من لا يملك التصرف اصلا : لا يملك التصرف اصلا الفضولي والمرتد على خلاف فيه .
1. الفضولي : اذا تصرف الشخص في مال غيره بدون ولاية له يكون العقد غير نافذ وهذا هو الفضولي , فالفضولي هو من يتصرف بدون اذن شرعي في حق غيره ( التنوير 4: 141 , والبحر 6: 160 ) والفرض انه يتصرف في مال غيره لحساب صاحبه لا لحساب نفسه والا كان غاصبا وتصرفاته موقوفة بالشروط الاتية :
- ان يكون ما صدر عن الفضولي تصرفا شرعيا .- الا يجد التصرف نفاذا في حق العاقد نفسه لان الاجازة تلحق الموقوف لا النافذ وعلى هذا يخرج الشراء للغير اذ ينفذ للمشتري ( الفضولي ) بشرط ان يضاف الشراء اليه وان يكون المشتري ( الفضولي ) من اهل لزوم العهدة كما سياتي في موضعه .
- ان يكون التصرف مما يقبل الاجازة فان لم يكن مما يقبل - بان كان باطلا مثلا فانه لا ينعقد موقوفا كأن يهب شخص مال يتيم .
- ان يكون للتصرف مجيز عند التصرف بمعنى ان يوجد من له ولاية التصرف من مالك او ولي او وصي ولو لم يجز بعد بالفعل فان لم يوجد مجيز فان العقد يكون باطلا لا تلحقه اجازة .
ومن صور تصرفات الفضولي :
- بيع مال الغير .
- اجازة الشيْ المملوك للغير .ويلاحظ ان الفضولي في الفقه الاسلامي يختلف عنه في القانون ففي القانون , الفضولي هو من يقوم بحاجة ضرورية عاجلة لرب العمل تفضلا منه فيرجع عليه بما انفق في ذلك , اما الفضولي في الفقه الاسلامي فهو من يتدخل في شئون الغير دون توكيل او نيابة وليس من اللازم ان يقوم بحاجة ضرورية عاجلة .
2 . المرتد : في تصرفاته عند ابي حنيفة موقوفة ولكنها عند الصاحبين صحيحة نافذة كما لو صدرت من المسلم .
ب. مخالفة من يملك التصرف نيابة عن غيره للحدود المرسومة له :
1. من حيث الاشخاص : بيع احد الوكيلين او الوصيين او الناظرين بحضرة الاخر فانه يتوقف على اجازته وان كان بغيبته فباطل وبيع وكيل الوكيل بلا اذن فانه موقوف على اجازة الوكيل الاول .
2. من حيث الموضوع : شراء الوكيل نصف عبد وكل في شرائه كله فانه موقوف فان اشتري الباقي قبل الخصومة نفذ على الموكل .
وبالنسبة لمال النفس :
يكون موقوفا من هذا النوع :
1. تصرف ناقص الاهلية : اذا كان تصرفا دائرا بين النفع والضرر كالبيع والاجارة .
2. تصرف من عيبت ارادته باكراه على قول زفر .
3. التصرف فيا تعلق به حق الغير كبيع المرهون والمستاجر والارض المعطاة مزارعة وبيع المريض لوارثه .
- ويمكن رد حالات العقد الموقوف الى احد سببين ، سبب يتعلق بالاهلية وسبب يتعلق بالمحل.
اما السبب الذي يتعلق بالاهلية فيتمثل في الصبي المميز ويندرج تحته المعتوه المميز والسفيه , وذو الغفلة وكذلك المكره في قول زفر من حيث ان ارادته ناقصة كارادة ناقص الاهلية والفرض انه يتصرف في ماله هو .واما السبب الثاني الذي يتعلق بالمحل فيتمثل في الفضولي ويندرج تحته : البائع اذا باع مرة اخرى من غير مشتريه , والغاصب , والمرتد , والنائب , ووكيل النائب اذا جاوز الحدود المرسومة للنيابة , ومالك العين المرهونة , او العين المؤجرة , او العين المعطاة مزارعة اذا كان البذر من قبل العامل , والمريض مرض الموت اذا باع لوارثه , ووصي الميت اذا باع للوارث والوارث اذا باع لمورثه المريض , الورثة اذا باعوا التركة المستغرقة .
ويلاحظ ان الاكراه يجعل التصرف في الفقه الاسلامي يتدرج في مذاهبه على جميع المراتب من البطلان الى عدم اللزوم : فهو يبطله عند الحنابلة وعند الشافعي ( والباطل والفاسد والموقوف عنده سواء ) .
وهو يفسده عند ابي حنيفة وصاحبيه .
ويقف نفاذه عند زفر .
ويجعله غير لازم عند مالك ( اسوة بالغلط او التدليس والغبن ) وفي راي عند الحنابلة .
وعند الحنيفة يختلف بيع المكره عن البيع الفاسد ويوافق البيع الموقوف فيما يلي :
1. الاجازة ترد على عقد المكره بعد زوال الاكراه قبل القبض وبعده فينقلب صحيحا لان الفساد فيه لحق البائع لا لحق الشرع بخلاف العقد الفاسد لغير الاكراه فلا ترد عليه الاجازة اصلا لان الفساد لحق الشرع .
2. في عقد المكره ليس للعاقد غير المكره الفسخ , اما في العقد الفاسد لغير الاكراه فلكل من العاقدين الفسخ حتى بعد القبض , ولا ينقطع حق الفسخ الا بتصرف المشتري او بتغير المبيع .
3. في عقد المكره اذا تصرف المشتري في المبيع تصرفا قابلا للفسخ كالبيع لم ينقطع حق البائع في الفسخ واذا ما فسخ استرد المبيع من اي يد , مهما تداولته الايدي بخلاف بيع المكره فاذا تصرف المشتري في المبيع انقطع حق البائع في الفسخ .
ويتفق بيع المكره مع البيع الفاسد ويختلف عن البيع الموقوف فيما يلي :
1. في بيع المكره يجوز لكل من البائع والمشتري فسخ البيع قبل القبض .وفي البيع الموقوف لا يملك احد فسخه الا في حالات معينة ولكن يملك من توقف البيع لمصلحته ان يجيزه فينفذ فان لم تلحقه الاجازة بطل دون فسخ .
2. في بيع المكره اذا تصرف المشتري بعد القبض تصرفا غير قابل للفسخ كما لو كان المبيع عبدا فاعتقه فان حق البائع في الفسخ ينقطع ويرجع على المشتري بالمثل او بالقيمة , اما اذا كان الاعتاق قبل القبض لم ينقطع حق البائع في الفسخ فان فسخ سقط البيع والاعتاق وان اجاز بقي البيع وسقط الاعتاق لان استناد الاجازة هنا مقتصر .
وفي البيع الموقوف لمصلحة البائع اذا تصرف المشتري ولو تصرفا غير قابل للفسخ فان حق البائع في عدم اجازة هذا البيع لا ينقطع فاذا لم يجز سقط البيع والاعتاق معا واذا اجاز نفذ البيع والاعتاق معا ورجع على المشتري بالثمن المسمى لا بالقيمة او بالمثل كما كان يرجع في بيع المكره على ما مر .
وقد رؤي الاخذ في المشروع براي زفر في عقد المكره : انه موقوف - للاحكام المتقدمة التي تقربه من العقد الموقوف وتبعده عن العقد الفاسد .
ومن المفيد ان نورد فيما يلي قول السنهوري والاولى الاخذ براي زفر واعتبار بيع المكره موقوفا لا فاسدا ... بل ان الاولى هو الاخذ بمذهب مالك ويقول في مذهب احمد بن حنبل واعتبار بيع المكره بيعا نافذا غير لازم حتى يستوي في الجزاء عيوب الارادة جميعا : الغلط والتدليس والاكراه والاستغلال , فهذه العيوب كلها من طبيعة واحدة فالاولى ان يتوحد فيها الجزاء وان كان الوقف كجزاء لعيوب الارادة افضل من عدم اللزوم ( السنهوري مصادر الحق ج / 4 صفحة 192 - 193 ) .
وقد بين المشروع حالات العقد الموقوف في المادة ( 172 ) ورؤي من باب الاحاطة ان يضاف الى هذه الحالات حالة ما اذا ورد في القانون نص خاص يجعل العقد عموما او عقدا ما موقوف النفاذ في حالة اخرى غير الواردة في المادة ( 172 ) .
وتراجع المواد من ( 111- 113 و 365 و 368 ) من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمواد "( 310 و 355 و 428 ) من مرشد الحيران , وهي تقابل المواد ( 97 و115 و 121 و 134 و 135 و 136 و 723 و 725 ) من القانون العراقي .
1. تتناول هذه المادة من يكون له حق اجازة التصرف الموقوف فتنص على انه تكون الاجازة :
أ . للمالك اي في حالة عقد الفضولي .
ب . لمن تعلق له حق بالمتصرف فيه وسياتي بيان ذلك .
ج. للولي او الوصي او ناقص الاهلية نفسه بعد اكتمال اهليته .
د. للمكره بعد زوال الاكراه .
هـ . لمن يجعل له القانون ذلك .
وقد روعي في هذا الترتيب حالات الوقف الواردة في المادة السابقة .
وبناء على ان الاجازة تكون لمن تعلق له حق بالمتصرف فيه , في حالة ما اذا تعلق بالمال المتصرف فيه حق للغير , تكون الاجازة :
للمرتهن في حالة بيع المرهون ، ذلك ان بيع المرهون ينعقد صحيحا موقوفا على اجازة المرتهن , فاذا اجاز نفذ البيع في حق الجميع البائع والمشتري والمرتهن وان لم يجز : فراي يذهب الى ان البيع يسقط حتى لو افتك الراهن الرهن . والراي الاصح هو ان البيع لا يتوقف الا في حق المرتهن فاذا افتك الرهن نفذ البيع في حق البائع والمشتري ( السرخسي , المبسوط , 13 : 11 ) واذا باع الراهن العين المرهونة للمرتهن نفسه ، نفذ البيع بداهة والمرتهن دون حاجة الى اجازة 0 تراجع الهندية 3 : 110- 111 ) .
للمستاجر في بيع الماجور , ذلك لان الشيء المستاجر متعلق به حق المستاجر , كالمرهون تعلق به حق المرتهن . فبيع الشيء المستاجر كبيع المرهون ينعقد صحيحا موقوفا على اجازة المستاجر , فاذا اجاز المستاجر البيع نفذ في حق الجميع وانفسخت الاجارة ووجب المستاجر تسليم العين للمشتري , ولكن له حق حبسها حتى يسترد ما عجله من الاجرة , واذا لم يجز المستاجر البيع فالبيع لا يتوقف الا في حقه فاذا انقضت الاجارة نفذ البيع ووجب تسليم العين الى المشتري , واذا باع المؤجر العين للمستاجر نفسه نفذ البيع في حقهما دون حاجة الى الاجازة كما في بيع المرهون فجملة الاحكام التي في بيع المرهون تسري ايضا في بيع المستاجر والفروق بين البيعين محل خلاف ( يراجع ابن عابدين 4 : 213 . والبحر 6: 149 - 150. والخانية 2: 177 والهندية 3: 110 ) .
للورثة في حالة الوصية فيما زاد على الثلث بالنسبة لغير الوارث وفي الكل بالنسبة للوارث وكذا في حالة بيع المريض مرض الموت اذ بيع المريض مرض الموت حكمه عند الحنابلة حكم الوصية لا ينفذ في المقدار المحابي الا في ثلث التركة ولغير الوارث , اما اذا صدر البيع لوارث مهما كانت قيمة المقدار المحابي , او اصدر لغير الوارث وزادت قيمة المقدار المحابي به على ثلث التركة فالبيع للوارث , وكذلك لغير الوارث فيما زاد على الثلث ينعقد صحيحا موقوفا على اجازة الورثة , فان اجازوه نفذ في حق الجميع ، والا بطل البيع للوارث , وبطل فيما زاد على الثلث لغير الوارث , والاصل في ذلك ان التركة يتعلق بها حق الورثة , ولا من موت المورث فحسب , بل ايضا من بدء مرضه الاخير وهو مرض الموت , ذلك ان المورث اذا تصرف في مرض موته فهو انما يوصي ويكون لتصرفه حكم الوصية , فتكون تصرفات المريض مرض الموت موقوفة على اجازة الورثة الذين تعلق حقهم بالتركة , كما توقف بيع المرهون على اجازة المرتهن , وبيع الماجور على اجازة المستاجر .
والورثة يتعلق حقهم بثلثي التركة اذا كان التصرف لغير وارث , ويتعلق بكل التركة اذا كان التصرف لوارث وفي مصر سوى قانون الوصية بين الوارث وغير الوارث , فلا يتعلق حق الورثة في الحالتين الا بثلثي التركة , ومن ثم جاز التصرف فيما لا يزيد على ثلث التركة للوارث ولو بغير اجازة سائر الورثة .
3. واما عن فسخ التصرف وهل يجوز واذا جاز فلمن ففي الامر تفصيل وخلاف يوجزان فيما يلي :
- فتصرف ناقص الاهلية : وليس قابلا للفسخ لا يجوز فسخه ولا الرجوع فيه لا من المشتري ولا من ناقص الاهلية بل على هذين ان يتربصا اجازة الولي : فان اجاز نفذ وام لم يجز بطل .
- وتصرف الفضولي قابل للفسخ من جهة العاقد الاخر ( المشتري في بيع الفضولي ) ومن جهة الفضولي نفسه , ومن ثم يكون للفضولي فسخ البيع الصادر منه حتى لو اجاز المالك بعد ذلك لا ينفذ لزوال العقد الموقوف وانما كان له الفسخ ليدفع الحقوق عن نفسه فانه بعد الاجازة يصير كالوكيل فترجع حقوق العقد اليه فيطالب بالتسليم ويخاصم بالعيب وفي ذلك ضرر فله دفعة عن نفسه قبل ثبوته , وللمشتري فسخ البيع قبل الاجازة تحرزا من لزوم العقد ( البدائع 5: 151 . وفتح القدير 5: 312 والبحر 6: 148 ) .
وفي مذهب مالك , بيع الفضولي لازم من جهة الفضولي ، ومن جهة المشتري غير لازم من جهة المالك ,اي ليس للفضولي ولا للمشتري الفسخ وللمالك الاجازة او عدم الاجازة .
- وفي بيع المرهون ليس للراهن فسخ البيع الذي صدر منه للمشتري اما المشتري فله خيار الفسخ ان لم يعلم بالاجارة عند ابي يوسف , اما عند ابي حنيفة ومحمد فله خيار الفسخ وان علم بالرهن وهذا هو الصحيح وعليه الفتوى فيكون تاويل هذا الراي الاخير ان المشتري وقد علم بالرهن اشترى على ان يفتك البائع العين المرهونة من مرتهنها ويسلمها اليه فاذا لم يفعل فسخ المشتري البيع ( الهندية 3: 110- 111 ) والحطاب 4: 469 . والخرشي 5: 17 . والمغني 4: 363 ) .
- وفي بيع المستاجر ليس للمؤجر فسخ البيع الذي صدر منه للمشتري اما المشتري فله خيار الفسخ ان لم يعلم بالاجارة عند ابي يوسف , وعند ابي حنيفة ومحمد له خيار الفسخ وان علم بالاجارة وذلك على النحو الذي تقدم في بيع المرهون .
وجملة الاحكام التي في بيع المرهون تسري ايضا في بيع المستاجر والفروق بين البيعين محل خلاف ( يراجع ابن عابدين 4: 213 وايضا الخانية 2: 177 . والهندية 3: 110 ) .
لذلك رؤي ان يكون النص ان لا يكون لاحد حق الفسخ الا من خوله القانون هذا الحق , ومحل ذلك كل العقد , بعدا بالاحكام عن التفصيلات , ( وتراجع المادتان 368 و378 من المجلة وشرحهما لعلي حيدر والمادتان 310 و 428 من مرشد الحيران وهي تقابل المادتين 134 و 135 من القانون العراقي ) .
1. الاجازة قد تكون بالفعل او بالقول : ومثال الاجازة بالفعل ( فسمي بيع الفضولي ) تسليم المالك المبيع للمشتري او اخذه الثمن منه .
والاجازة بالقول تكون لفظ يدل عليها ، كقول المالك في بيع الفضولي : اجزت البيع او رضيت به ، او قبلته او اي لفظ يدل على هذا المعنى .( الخانية 2: 174 وجامع الفصولين 1: 315- 316 ).
2. والاجازة قد تكون صريحة او ضمنية : فالصريحة كما تقدم ان يقول للمالك مثلا في بيع الفضولي : اجزت البيع والضمنية كهبة المالك الثمن للمشتري او التصدق به عليه ( البحر 6: 148).
3. واذا سكت المالك لا يجيز البيع ولا يرده ، فليس هناك وقت معين اذا انقضى يعتبر التصرف بانقضائه مجازا او غير مجاز ، فيبقى التصرف موقوفا حتى يعلن من له الاجازة اجازته او عدم اجازته .
وفي مذهب مالك اذا باع الفضولي بحضرة المالك وسكت هذا اعتبر سكوته اجازة ، وان باع بغير حضرته وبلغه فسكت عاما من وقت علمة اعتبر سكوته اجازة .
وفي المذهب ايضا يطالب المالك المجيز الفضولي بالثمن ما لم يمض عام فان مضى وهو ساكت سقط حقه - هذا ان بيع بحضرته ، وان بيع بغير حضرته ما لم تمض مدة الحيازة عشرة اعوام .
( الدسوقي 12:3 . والصاوي 2: 7. والحطاب 4: 269 - 272 . والخرشي 5: 17- 18 والبهجة في شرح التحفة 2 :68- 75 ).
وقد نص القانون المدني العراقي في المادة 136 /2 - ويجب ان يستعمل خيار الاجازة او النقض خلال ثلاثة اشهر فاذا لم يصدر في هذه المدة ما يدل على الرغبة في نقض العقد اعتبر نافذا 30 - ويبدا سريان المدة اذا كان سبب التوقف نقص الاهلية من الوقت الذي يزول فيه هذا السبب او من الوقت الذي يعلم فيه الولي بصدور العقد واذا كان سبب التوقف الاكراه او الغلط او التغرير فمن الوقت الذي يرتفع فيه الاكراه او يتبين فيه الغلط او ينكشف فيه التغرير . واذا كان سبب التوقف انعدام الولاية على المعقود عليه فمن اليوم الذي يعلم فيه المالك بصدور العقد .
والنص العراقي يجد له من حيث المبدا سندا في مذهب مالك على ما تقدم الا انه عمم الحكم على المالك وغير المالك ممن يتوقف نفاذ العقد على اجازته وحدد المدة بثلاثة اشهر بحيث اذا لم ينقض العقد في هذه المدة اعتبر نافذا . وقد برر السنهوري هذا المسلك بالرغبة في استقرار التعامل ( السنهوري ، مصادر الحق 4: 307 و 316- 318).
وقد رؤي في المشروع : الاخذ بالمذهب المالكي من حيث المبدا مع عدم تحديد مدة وترك الامر للقاضي يستنتج الرضا من السكوت حسب واقع الدعوى وفقا لاعراف الناس كما هو المقرر ، حتى في المذهب الحنفي ، من ان ( السكوت في معرض الحاجة بيان و( العادة محكمة ) و( واستعمال الناس حجة يجب العمل بها ) و( م 67و 36 و 37 من المجلة ).
وذكر الخير الرملي انه نقل عن المحيط انه اذا اشترى سلعة من فضولي وقبض المشتري المبيع بحضرة صاحب السلعة ، فسكت ، يكون رضا . ( جامع الفصولين 1: 231).
يجب لصحة الاجازة توافر الشروط الاتية :
1. قيام الاطراف الثلاثة وقت صدور الاجازة : كالبائع والمشتري والمالك ( في بيع الفضولي ) فلو مات احدهم قبل صدور الاجازة من المالك ، لم تصح الاجازة ، ولا تقوم الورثة مقام من مات . جاء في فتح التقدير (5: 312- 313) ( ولو هلك المالك لاينفذ باجازة الوارث ... وهو بخلاف القسمة عند ابي حنيفة وابي يوسف فان القسمة الموقوفة على اجازة الغائب الكبير جازت باجازة ورثته بعد موته استحسانا لانه لا فائدة في نقض القسمة ثم الاعادة وقول محمد القسمة مبادلة كالبيع ، فلا تجوز باجازة ورثته وهو القياس ، والاستحسان مقدم ).
2. قيام محل التصرف فلو هلك المبيع مثلا قبل اجازة المالك لم تصح الاجازةفان كان قد هلك في يد المالك هلك عليه ، وان هلك بعد التسليم الى المشتري فالمالك بالخيار : ان شاء ضمن الفضولي وان شاء ضمن المشتري .
3. قيام البدل لو كان عينا ( بفرض ان هناك بدلا) كالعوض في المقايضة مثلا .
4. ان يكون للتصرف مجيز وقت صدوره ووقت الاجازة ذلك ان التصرف اذا لم يكن له مجيز وقت صدوره لم تتصور اجازته فورا عقب صدوره ، واجازته في المستقبل قد تحدث وقد لا تحدث ، فان حدثت كان الانعقاد مفيدا ، وان لم تحدث لم يكن مفيدا ، فلا ينعقد التصرف مع الشك في حصول الفائدة ، اخذ بقاعدة ان ما يكن ثابتا بيقين لا يثبت مع الشك ، فاذا لم ينعقد التصرف لا تلحقه الاجازة لان - الاجازة للمنعقد . اما اذا كان للتصرف مجيز وقت صدوره ، امكن تصور الاجازة في الحال عقب صدوره .
فكان الانعقاد مفيدا فتنعقد وتلحقه الاجازة فاذ صدر من ناقص الاهلية تصرف لا يملكه وليه كان التصرف باطلا فلا تلحقه الاجازة ( وقد يكون المجيز وقت صدور الاجازة غير المجيز وقت صدور التصرف فيكون هناك ولي يملك الاجازة وقت صدور التصرف ثم لا يكون هو المجيز بل يجيز التصرف ناقص الاهلية عند استكماله اهليته . لكن اذا اعلن الولي عدم اجازته للتصرف ، لم تصح الاجازة بعد ذلك من المتصرف نفسه بعد استكمال اهليته ( الكاساني 5: 149- 150).
ونرى من ذلك انه يشترط لصحة الاجازة قيام كل عناصر التصرف بالعاقدين والمحل والمجيز وقت صدور الاجازة ووقت صدور التصرف اما انها تكون قائمة وقت صدور الاجازة فلأن الاجازة لها حكم الانشاء من وجه ، ولا يتحقق الانشاء بدون العاقدين والمعقود عليه ، لذلك كان قيامها شرطا للحوق الاجازة ( الكاساني 5: 151).
واما انها تكون قائمة وقت صدور التصرف فيبدو ان السبب في ذلك يرجع الى فكرة استناد الاجازة الى وقت صدور التصرف فما دام العقد اذا اجيز ينفذ من وقت صدوره وجب ان تكون عناصر النفاذ قائمة في هذا الوقت .
فاذا وهب الفضولي مال البالغ او تصدق به او اعتق عبده ، انعقد التصرف موقوفا على الاجازة ، لان البالغ يملك هذه التصرفات بنفسه فكان لها مجيز وقت صدورها فتتوقف على اجازة المالك . اما اذا كان المالك صبيا او محجورا ليس من اهل هذه التصرفات ، لم يكن للتصرف مجيز وقت صدوره فلا ينعقد ومن ثم لا تلحقه الاجازة .
وقد نص القانون المدني العراقي في المادة (136) منه انه ( يشترط في صحة الاجازة وجود من يملكها وقت صدور العقد ولا يشترط قيام العاقدين او المالك الاصلي او المعقود عليه وقت الاجازة ) وهو ما يخالف احكام المذهب الحنفي المتقدمة . وفي تبرير ذلك يقول السنهوري ( غلبت مقتضيات الصناعة الفقهية عند تحديد شروط الاجازة فقد راينا انه يجب لصحة الاجازة في الفقه قيام الاطراف الثلاثة وقيام المبيع وقت صدور التصرف ووقت صدور الاجازة ، ذلك لان الاجازة في الفقه الاسلامي لها حكم الاستناد من وجه ومن ثم وجب توافر الشرط وقت صدور التصرف وهو الوقت الذي تستند اليه الاجازة ، ولها حكم الانشاء من وجه ومن ثم وجب ايضا توافر الشرط وقت صدورها ففي هذا الوقت بدأ وجودها . ولكن هذه النظرة الصناعية المحضة نظرة ضيقة فهي لا تسمح باجازة العقد لو مات احد الاطراف الثلاثة وحل ورثته محله ولا تسمح باجازة العقد بعد هلاك المحل . وقد تدعو الحاجة الى اجازة العقد بعد موت احد الاطراف الثلاثة او بعد هلاك المحل فتقف الصناعة الفقهية دون ذلك من غير مبرر وكان الاولى ان يجعل للاجازة حكم الاستناد دون حكم الانشاء . فيكتفي باشتراط قيام الاطراف الثلاثة وقيام المحل وقت صدور التصرف دون وقت صدور الاجازة ) ( مصادر الحق 4: 308).
وقد رؤي في المشروع التزام الاحكام الفقهية .( وتراجع المواد 378و 447من المجلة وشرحهما لعلي حيدر والمادة 359 من مرشد الحيران ).
تتناول هذه المادة اثر الاجازة ورفض الاجازة :
1. فاذا وجدت الاجازة مستجمعة لشرائطها على النحو الذي تقدم نفذ البيع وصار الفضولي بمنزلة الوكيل ، اذ الاجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة وتطبق احكام الوكالة .
2. اما اذا رد المالك العقد واعلن عدم اجازته له فان العقد يسقط ولا يستطيع المالك اجازته بعد رده ففي البيع في هذه الحالة اذا كان المبيع قد سلم الى المشتري وهلك وجب ان يرد قيمته الى المالك لان يده يد ضمان كما تقدم واذا كان المشتري قد سلم الثمن الى الفضولي وهلك في يده هلك امانة ولا يرجع المشتري عليه بشيء على تفصيل جاء في البحر على الوجه الاتي : ولو لم يجز المالك وهلك الثمن في يد الفضولي اختلف المشايخ في رجوع المشتري عليه بمثله والاصح ان المشتري ان علم انه فضولي وقت الاداء لا رجوع له والا رجع عليه ، كذا في القنية ، وصرح الشارح بانه امانة في يده فلا ضمان عليه اذا هلك ، سواء هلك قبل الاجازة او بعدها ( البحر 6: 147- 148).
3. وقد رؤي عدم مجاراة القانون المدني العراقي في ايراد بعض التفصيلات هنا والاكتفاء ببيان ان الفضولي بالاجازة يصير وكيلا دون بيان ما يتفرع على ذلك من احكام تفصيلية ترد في مواضعها .(و تراجع المواد 377 و 378 و393 و590 و746 و967 من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمواد 271 و273 و275 و310 و358 و 393 و 396 و 428 و1000 من مرشد الحيران وهي تقابل المادتين 134 و 135 من القانون العراقي ).
اذا اجتمعت للعقد عناصر الانعقاد والصحة والنفاذ ، فصدر العقد من اهله في محل قابل لحكمه ، وكان العاقد له الولاية على محل العقد والاهلية الواجبة للتصرف الذي يباشره ، فقد انعقد العقد صحيحا نافذا ، فانتج الاثار التي تترتب عليه .
والاصل ان العقد الذي ينعقد صحيحا نافذا لا يجوز لاحد العاقدين ان يرجع فيه بارادته المنفردة ، ولكن هناك عقود تقبل بطبيعتها ان يرجع فيها احد العاقدين دون توقف على ارادة العاقد الاخر ، كالوكالة والشركة والهبة والوديعة والعارية والرهن والكفالة . وهناك عقود يكون فيها لاحد العاقدين خيار الرجوع ومنها خيار الغلط وخيار الوصف وخيار التدليس وخيار الغبن وخيار تفرق الصفقة . ومنها ايضا خيار الشرط وخيار التعيين وخيار الرؤية وخيار العيب فاذا ثبت خيار منها لاحد العاقدين استطاع بارادته المنفردة ان يرجع في العقد .
فاذا كان العقد قابلا لان يرجع فيه احد العاقدين بارادته وحده دون توقف على رضاء العاقد الاخر ، اما لان طبيعته تقتضي ذلك واما لان فيه خيارا من الخيارات التي اشرنا اليها ، فهذا عقد نافذ غير لازم : هو عقد نافذ لانه انعقد صحيحا منتجا لجميع اثاره ، ثم هو عقد غير لازم لان احد العاقدين يستطيع وحده ان يستقل بفسخه فهو غير لازم له .
اما اذا استوفى لعقد يضا شرائط اللزوم من طبيعة تستعصي على الفسخ بارادة منفردة ، وخلو من الخيارات المختلفة - فقد انعقد صحيحا نافذا لازما ، فينتج جميع الاثار التي تترتب عليه ، ويلزم كلا من العاقدين بحيث لا يجوز الرجوع فيه الا باتفاقهما معا على التقايل منه ، وهذه هي المرتبة العليا من الصحة والقوة في العقود .
اما السبب الاول لعدم اللزوم وهو طبيعة العقد فسيتناولها المشروع في كل عقد على حدة.
( وتراجع المواد 114 و 115 و 300 - 360 و 367 و 376 من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمواد 277 و 306 و 329 - 342 من مرشد الحيران ).
تتناول هذه المادة جواز خيار الشرط ، ولمن والى اي مدة
1. والمقصود بخيار الشرط الخيار الذي يشترطه احد العاقدين او كلاهما ويكون بموجبه لمن له الخيار الحق في نقض العقد في خلال المدة المعينة ، فان لم ينقضه رسخ . فالعقد الذي فيه خيار الشرط عقد غير لازم من جانب من له الخيار ، اذ يجوز له الرجوع فيه .
2. وقد شرع خيار الشرط على خلاف القياس ، اذ القياس ان المعاوضات لا تحتمل التعليق على الشرط وخيار الشرط من شأنه ان يعلق العقد ، بحديث رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ولحاجة التعامل اليه للتأمل والتروي ، ومن اجل ذلك يسمى في الفقه المالكي بخيار التروي . والحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحيان بن منقذ وكان يغبن في البياعات لمأمومة اصابت راسه : ( اذا ما بايعت فقل لا خلابة ولي الخيار ثلاثة ايام ) وما روى في حديث ابن عمر :( البيعان بالخيار ما لم يفترقا الا بيع الخيار ) . السرخسي ، المبسوط 13: 40- 41 . فتح القدير 5: 110).وقد منعه الثوري وابن ابي شبرمة ، وطائفة من اهل الظاهر وعمدتهم انه غرر وان الاصل هو اللزوم في البيع الا ان يقوم دليل على جواز البيع على الخيار من كتاب الله او سنة ثابتة او اجماع . قالو وحديث حيان اما انه ليس بصحيح واما انه خالص لما شكا اليه صلى الله عليه وسلم انه يخدع في البيوع ، واما حديث ابن عمر وقوله فيه ( الا بيع الخيار ) فقد فسر المعنى المراد بهذا اللفظ وهو ما ورد فيه من لفظ اخر وهو : ان يقول احدهما لصاحبه ( اختر) .
( ابن رشد ، بداية المجتهد 2: 172 وابن حزم ، المحلى 9: المسألة 1421 ص 328 وما بعدها).
3. وهذا الخيار يشترط في العقد ذاته او في اتفاق لاحق للعقد فلو قال احد المتبايعين بعد البيع ولو بأيام ( جعلتك بالخيار ثلاثة ايام ) صح بالاجماع ( فتح القدير 5: 111 ) وظاهر انه لا بد من تراضي الطرفين عليه اما ان اشترط وقت العقد فالرضا متحقق لدخول الشرط في العقد ، واما ان اشترط بعد العقد فلا بد من رضا الطرف الاخر عليه والا لم يعتبر .
4. ويرد خيار الشرط في العقود للازمة التي تحتمل الفسخ كالبيع والاجارة قبل بدء مدتها والصلح والمساقاة والمزارعة وقسمة القيميات المتحدة والمختلفة جنسا والصلح عن مال والرهن والكفالة والحوالة والابراء والوقف والاقالة والخلع وفي ترك الشفعة بعد الطلبين الاولين ( م 330 من مرشد الحيران) ولا يصح في النكاح والطلاق والصرف والسلم والاقرار والوكالة والهبة والوصية ( م 331 من مرشد الحيران ).
ويظهر ان عدم صحة خيار الشرط في النكاح والطلاق لان هذين تصرفان لا يحتملان الفسخ فلا يحتملان التعليق على شرط وفي الصرف والسلم انهما لا يتمان الا بالقبض فيلزمان به ولا يحتملان بعد ذلك ، وفي الاقرار ان طبيعته لا تحتمل التعليق وفي الوكالة والهبة والوصية انها تصرفات غير لازمة من الاصل فلا حاجة فيها لخيار الشرط .
5. وقد يشترط الخيار احد المتعاقدين او كلاهما ، لنفسه او لاجنبي .
واذا اشترط لاجنبي اعتبر وكيلا عن العاقد ويكون الخيار ثابتا للعاقد وللاجنبي معا وهو الاستحسان وفي القياس لا يجوز وهو قول زفر. وعلى الاستحسان ايهما اجاز جاز وايهما نقض انتقض ولو اجاز احدهما وفسخ الاخر يعتبر السابق لوجوده في زمان لا يزاحمه فيه غيره ولو خرج الكلامان منهما معا يعتبر تصرف العاقد في رواية وتصرف الفاسخ في اخرى ، وجه الاول ان تصرف العاقد اقوى لان النائب يستفيد الولاية منه ووجه الثاني ان الفسخ اقوى لان المجاز يلحقه الفسخ والمفسوخ لا تلحقه الاجازة .
( الهداية وفتح القدير 5: 126- 128) .
6. وقد يجعل البائع لنفسه خيار النقد ، فيشترط انه ان لم ينقذ الثمن في خلال مدة معينة هي المدة الجائزة للخيار فلا بيع . الخيار على هذا الوجه ليس موضوعا للتروي ولكن لفسخ البيع عند عدم دفع الثمن في مدة معينة ولكن قد يقبض البائع الثمن ومع ذلك يشترط ان له الخيار فاذا اختار فسخ البيع رد الثمن والخيار على هذا الوجه هو خيار شرط للتروي ( فتح القدير 5: 114).
7. اما مدة الخيار فقد اختلف فيها :
فعند ابي يوسف ومحمد واحمد بن حنبل يجوز الاتفاق على اية مدة ولو طالت .
وعند مالك تتقدر مدة الخيار بتقدير الحاجة نظرا لتفاوت المبيعات ففي اختيار الثوب يكفي اليوم واليومان وفي الدار قد تصل مدة الخيار الى الشهر ونحوه .
وعند ابي حنيفة وزفر والشافعي لا يجوز ان تزيد مدة الخيار على ثلاثة ايام في جميع الاحوال .
8. فاذا لم تحدد مدة اصلا ، او شرط الخيار ابدا ، او متى شاء ، او الى مدة مجهولة كقدوم زيد او نزول مطر او مشاورة انسان .
فعند مالك يصح العقد ويحدد القاضي المدة المألوفة في العادة لاختيار مثل المبيع .
وعند ابي يوسف ومحمد والشافعي واحمد يفسد العقد .وعند ابي حنيفة اذا استعمل الخيار في الثلاثة الايام صح العقد وان انقضت الثلاثة الايام دون استعمال حق الخيار فسد العقد .
( ابن رشد ، بداية المجتهد 2: 172 والمغني 4: 65 وما بعدها ).
وقد رؤى الاخذ براي ابي يوسف ومحمد واحمد بن حنبل في ترك الامر للمتعاقدين يتفقان على المدة التي يريانها كافية وبراي مالك في حالة عدم تحديد العاقدين للمدة بان يقوم القاضي بتحديد المدة المألوفة في العادة .
(و تراجع المادة 300 من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمواد من 329- 332 من مرشد الحيران ).
يمر العقد المقترن بخيار الشرط بمرحلتين :
احداهما: اثناء مدة الخيار وقبل استعماله .
وثانيتهما: بعد انقضاء مدة الخيار او بعد استعماله .
وقد تناولت هذه المادة المرحلة الاولى اما المرحلة الثانية فستتناولها المادة التالية .
ففي اثناء مدة الخيار وقبل استعماله هي المرحلة الاولى يختلف الحكم اذا كان العقد بيعا مثلا بين ما اذا كان الخيار للمشتري او للبائع ، اولهما معا .
فاذا كان الخيار للمشتري : فلا يخرج الثمن من ملكه ، لان الخيار يمنع انعقاد العقد في حق الحكم في حقه . ويخرج المبيع من ملك البائع ، وهل يدخل في ملك المشتري عند ابي حنيفة لا يدخل وعندهما يدخل .
وان كان الخيار للبائع : فلا يخرج المبيع من ملكه ويخرج الثمن من ملك المشتري ولكن هل يدخل في ملك البائع عند ابي حنيفة لا يدخل وعندهما يدخل .
وان كان الخيار للبائع والمشتري معا : لا يخرج المبيع من ملك البائع ولا يخرج الثمن من ملك المشتري لان العقد لم ينعقد في حق الحكم في حق كل منهما .
( الكاساني 5: 264- 266 . وفتح القدير 5: 115- 118 ).
( وتراجع المادتان 308 و 309 من المجلة وشرحهما لعلي حيدر والمادة 333 من مرشد الحيران ).
تعرض هذه المادة لاستعمال صاحب الخيار خياره وبيان مصير العقد بعد ان بينت المادة السابقة حكمه اثناء مدة الخيار قبل استعمال الخيار فمن له حق الخيار، البائع او المشتري او الاجنبي في البيع مثلا ، يجوز له فسخ العقد ويجوز له امضاؤه .
فاذا امضى العقد فقد زال حق الخيار ولزم العقد واستند ذلك باثر رجعي الى وقت نشوء العقد .
اذا فسخ العقد انفسخ العقد واعتبر كان لم يكن .
( وتراجع المادة 301 من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمادتان 334 - 335 من مرشد الحيران ).
بعد ان تناولت المادة السابقة الحالة البسيطة حالة ما اذا كان الخيار لواحد فقط من المتعاقدين ، تناولت هذه المادة حالة ما اذا كان الخيار لكل من المتعاقدين . هنا ترد عدة فروض :
1. فقط يختار الاثنان الاجازة .
2. وقد يختار الاثنان الفسخ .
3. وقد يختار احدهما الاجازة والاخر الفسخ .وفي الفرض الاخير تعرض عدة صور : فقد يتعاصر الفسخ والاجازة وقد يتلاحقان وفي . وفي صورة التلاحق قد يسبق الاجازة الفسخ وقد يسبق الفسخ الاجازة .
4. وقد يختار احدهما الفسخ او الاجازة ولا يختار الاخر شيئا بعد وما تزال مدة الخيار قائمة .
اما الفرضان الاولان فامرهما يسير : يلزم العقد في حالة اجازتهما وينفسخ العقد في حالة فسخهما، كما لو كان الخيار لاحدهما - لذلك لم تعرض هذه المادة لهما لان حكمهما يؤخذ من المادة السابقة .
اما الفرض الثالث بكل صورة فقد تناوله صدر المادة الحالية فتقضي بانه اذا اختار احدهما الفسخ انفسخ العقد ولو اجازه الاخر وتعميم الحكم يجعله يشمل ما اذا كانت الاجازة سابقة او لاحقه او معاصرة للفسخ (م 336 من مرشد الحيران ).
وعجز المادة يتناول صورة ما اذا اختار احدهما الاجازة ولم يعلن الاخر عن ارادته : يبقى له خياره ما دامت المدة قائمة فان اختار الاجازة لزم العقد ايضا بالنسبة له ، وان اختار الفسخ انفسخ العقد.وهذه هي احدى الصورتين من الفرض الرابع اما الصورة الاخرى من الفرض الرابع وهي حالة ما اذا اختار احدهما الفسخ ولم يختر الاخر بعد فلم تتناولها المادة صراحة لانه في هذه الحالة يكون العقد قد انفسخ للفسخ فلا ترد عليه اجازة ويترتب على ذلك سقوط خيار الاخر اذ علام يرد بعد انفساخ العقد بالفسخ من الاول .
تراجع المادة (307 ) من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمادة (336) من مرشد الحيران .
تتناول هذه المادة كيفية الفسخ او الاجازة فتقضي بأن ايهما :الفسخ او الاجازة يحصل :
1. اما بالفعل كتسليم البائع - وهو صاحب الخيار - المبيع للمشتري او ان يدفع المشتري وهو صاحب الخيار الثمن او طلبه الشفعة في دار مجاورة للمبيع فهذا يدل على الاجازة وكعرض البائع ، وهو صاحب الخيار ، المبيع للبيع فهذا يدل على الفسخ .
2. واما بالقول كقوله فسخت العقد او اسقطته وكقوله اجزت العقد او اوجبته او اسقطت الخيار ، واي لفظ يؤدي المعنى المقصود يفي اذ لا يشترط لفظ معين .
وقد يكون ذلك صراحة او دلالة .
واذا مضت مدة الخيار دون ان يفسخ العقد صاحب الخيار ودون ان يمضي العقد ، اعتبر عدم الفسخ ، الى انقضاء المدة ، امضاء للعقد .
وتراجع المواد من (302 - 305) من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمواد (334 و 335 و 337) من مرشد الحيران .
تتناول هذه المادة صحة الفسخ والاجازة .
وقد قضت بانه يشترط كي يقع الفسخ صحيحا ان يختار في المدة المحددة للخيار ، لانه لو مضت المدة دون اختيار لزم العقد كما سبق في المادة (181) ولا يلزم التراضي ولا حكم القاضي . ولكن يشترط اذا كان بالقول ان يكون بحضور الطرف الاخر اي بعمله عند ابي حنيفة ومحمد ، اما عند ابي يوسف والشافعي فلا يشترط - قال في المهذب (1: 259): ( ومن ثبت له الخيار فله ان يفسخ في محضر من صاحبه وفي غيبته لانه رفع عقد جعل الى اختياره فجاز في حضوره وغيبته كالطلاق ، وفي المغنى ( 4: 69):).
ولمن له الخيار الفسخ بغير حضور صاحبه ولا رضاه . وبهذا قال مالك والشافعي وابو يوسف وزفر وقال ابو حنيفة ليس له الفسخ الا بحضور صاحبه كالوديعة ولنا انه رفع عقد لا يفتقر الى رضي صاحبه فلم يفتقر الى حضور كالطلاق ، وما ذكره ينتقض بالطلاق ، والوديعة لا حق للمودع فيها ويصح فسخها مع غيبته.
اما الاجازة فلا يشترط فيها لا التراضي ولا التقاضي ولا علم الطرف الاخر.
وفي مرشد الحيران انه يشترط علم الطرف الاخر بالفسخ ان كان بالقول دون الفعل (م334) ولم يرد هذا القيد في الهداية ولكن اورده صاحب فتح القدير ( الهداية 5: 120- 134).
تتناول هذه المادة حالة موت صاحب الخيار في خلال مدة الخيار المتفق عليها دون ان يجيز او يفسخ : فهل يسقط الخيار ولا ينتقل الى الورثة ويلزم العقد بالنسبة اليهم ام انه لا يسقط وينتقل الى الورثة ويكون لهم الحق في استعماله ما دامت المدة قائمةاختلف الفقهاء في ذلك :
فالحنفية يقولون بسقوط الخيار ولزوم العقد لان حق الخيار لا يورث لانه مشيئة وارادة وذلك صفة من صفات الميت فكما ان اوصاف الميت لا تنتقل الى وارثه فكذلك هذه فاذا مات من يملكه لم ينتقل الى الورثة بل يزول ويعتبر البيع لازما لا خيار فيه ( السرخسي ، المبسوط 13: 42- 43. و البدائع 5: 267- 268).
والشافعي يقول ببقاء الخيار وانتقاله الى الورثة لانه يورث ويقوم وارث من له الخيار مقامه فيه - قال في المهذب ( 1: 259) :( وان مات فان كان في خيار الشرط انتقل الخيار الى من ينتقل اليه المال لانه حق ثابت لاصلاح المال فلم يسقط بالموت كالرهن وحبس المبيع على الثمن فان لم يعلم الوارث حتى مضت المدة ففيه وجهان احدهما يثبت له الخيار في القدر الذي بقي من المدة لانه لما انتقل الخيار الى غير من شرط له بالموت وجب ان ينتقل الى غير الزمان الذي شرط فيه والثاني انه تسقط المدة ويثبت الخيار للوارث على الفور لان المدة فاتت وبقي الخيار فكان على الفور كخيار الرد بالعيب ).
وفي المذهب الحنبلي :( اذا مات احد المتبايعين في مدة الخيار بطل خياره في ظاهر المذهب ويبقى خيار الاخر بحاله الا ان يكون الميت قد طالب بالفسخ قبل موته فيكون لورثته وهو قول الثوري وابي حنيفة ويتخرج ان الخيار لا يبطل وينتقل الى ورثته لانه حق مالي فينتقل الى الوارث كالاجل وخيار الرد بالعيب ولانه حق فسخ فينتقل الى الوارث كالفسخ بالتحالف وهذا قول مالك والشافعي . ولنا انه حق فسخ لا يجوز الاعتياض عنه فلم يورث كخيار الرجوع في الهبة ) ( المغنى والشرح الكبير 4: 77).
وقد اخذ المشروع براي الحنفية فنص في هذه المادة بانه اذا مات من له الخيار في مدة الخيار سقط الخيار ولزم العقد وحكم المذهب الشافعي يمكن صياغته على الوجه الاتي : ( لا يسقط الخيار بموت صاحبة وينتقل الى وارثه).
ولا يحتاج عندئذ للنص على ان يبقى خيار الاخر على حاله .
وتراجع المادتان ( 305) من المجلة وشرحها لعلي حيدر و ( 338) من مرشد الحيران .
ب. خيار الرؤية :
نظرة عامة :
يذهب ?الفقه الحنفي الى انه يثبت للمشتري ونحوه خيار الرؤية ان لم يكن قد رأى المعقود عليه ، بحيث يكون له عندما يراه ان يمضي العقد او ان يفسخه .
والدليل على ذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : (من اشترى شيئا لم يره ، فهو بالخيار اذا رآه) .
وهذا الخيار يثبت بالشرع لا بالشرط اي دون حاجة الى شرط خاص يدرج في العقد بخلاف خيار الشرط وخيار التعيين فلا بد لثبوتهما من شرط خاص بحيث اذا انعدم هذا الشرط لم يقم الخيار .
اما المذاهب الاخرى فبعضها يثبته في بعض الحالات وبعضها ينكره على تفصيل (يراجع في ذلك الدسوقي على الشرح الكبير 3 : 24 - 25 . والحطاب 4 : 293 - 298 . الشيرازي ، المهذب 1 : 263 - 264 . والمغنى 4 : 74 - 90) .
وقد عرض المشروع لهذا الخيار فبين شروط ثبوته وحكمه وكيفية الفسخ والاجازة وحالات سقوط الخيار .
يثبت خيار الرؤية بالشرع لا بالشرط للمتملك اذا لم ير المعقود عليه كالمشتري في البيع ويشترط لثبوته :
1. ان يكون العقد واحدا من عقود اربعة هي : البيع واجارة الاعيان وقسمة غير المثليات والصلح على مال هو عين بالذات وهي عقود تحتمل الفسخ اما العقود التي لا تحتمل الفسخ كالمهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد فلا يثبت فيها خيار الرؤية وقال علي حيدر في الكلام على خيار الرؤية (ج1 ، ص 269) : (وخيار الرؤية لا يختص بالبيع بل يجري في كل عقد محتمل للفسخ يتملك به عين كالاجارة والقسمة والصلح عن دعوى المال على عين كما تقدم لان في ذلك معاوضة اما المهر والقصاص وبدل الصلح عن مخالعة فليس فيها خيار الرؤية ) .
2. ان يكون مشتريا او نحوه وبعبارة اخرى متملكا لا مملكا فمن باع ما لم يره بأن ورث مثلا عينا في بلد بعيد فلم يتمكن من رؤيتها قبل بيعها فليس له خيار الرؤية (فتح القدير 5 : 140 - 141) .
3. الا يرى المعقود عليه عند العقد ففي البيع مثلا يشترط الا يكون المشتري قد رأى المبيع عند العقد . فان اشتراه وهو يراه فلا خيار له . واذا كان رآه قبل ذلك فان ظل المبيع على حاله ولم يتغير فلا خيار له وان كان قد تغير عن حاله فله الخيار لانه اذا تغير عن حاله فقد صار شيئا آخر فكان مشتريا شيئا لم يره فله الخيار اذا رآه (فتح القدير 5 : 141) .
والمقصود بالرؤية الوقوف على الحال والمحل الذي يعرف به المقصود الاصلي من المبيع ففي القماش مثلا تكفي رؤية ظاهره وفي المأكولات والمشروبات يكفي مذاق طعمها (م323 من المجلة) وفي الاشياء التي تباع على انموذجها تكفي رؤية الانموذج (م 324 من المجلة) وهكذا (تراجع المادة 326 وما بعدها من المجلة) .
4. ان يكون المعقود عليه مما يتعين بالتعيين فلو تبايع العاقدان عينا بعين ثبت الخيار لكل واحد منهما وذلك لان المبيع اذا كان مما لا يتعين بالتعيين لا ينفسخ العقد برده لانه اذا لم يتعين للعقد لا يتعين للفسخ فيبقى العقد ، وقيام العقد يقتضي ثبوت حق المطالبة بمثله . فاذا قبض يرده وهكذا الى ما لا نهاية له فلم يكن الرد مفيدا . بخلاف ما اذا كان عينا ، لان العقد ينفسخ برده لانه يتعين بالعقد فيتعين في الفسخ ايضا ، فكان الرد مفيدا ، ولان الفسخ انما يرد على المملوك بالعقد وما لا يتعين بالتعيين لا يملك بالعقد وانما يملك بالقبض ، فلا يرد عليه الفسخ ، ولهذا يثبت خيار الرؤية في الاجارة والصلح عن دعوى المال والقسمة ونحو ذلك ، لان هذه العقود تنفسخ برد هذه الاشياء فثبت فيها خيار الرؤية ولا يثبت في المهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد ونحو ذلك ، لان هذه العقود لا تحتمل الانفساخ برد هذه الاموال فصار الاصل ان كل ما ينفسخ العقد فيه برده يثبت فيه خيار الرؤية ومالا فلا) (الكاساني 5 : 292) .
وتراجع المادتان (320 و 322) من المجلة وشرحهما لعلي حيدر والمادة (339) من مرشد الحيران .
خيار الرؤية لا يمنع انعقاد ولا صحته ولا نفاذه ، فيثبت الملك للمشتري في المبيع ، ويثبت الملك للبائع في الثمن بالرغم من قيام خيار الرؤية .
فخيار الرؤية يمنع من تمام حكم العقد فلا يتم حكم البيع الا اذا رأى المشتري المبيع ولم يرده - قال صاحب فتح القدير (5 : 137) : (باب خيار الرؤية : قدمه على خيار العيب لانه يمنع تمام الحكم وذلك يمنع لزوم الحكم ، واللازم بعد التمام) وقال صاحب البدائع (5 : 292) : (ان شراء ما لم يره المشتري غير لازم لان عدم الرؤية يمنع تمام الصفقة) .
1. الاصل ان كل ما يبطل خيار الشرط والعيب يبطل خيار الرؤية الا ان خيار الشرط والعيب يسقط بصريح الاسقاط ، وخيار الرؤية لا يسقط بصريح الاسقاط ، لا قبل الرؤية ولا بعدها . اما قبلها فلانه لا خيار قبل الرؤية ، لان اوان ثبوت الخيار هو اوان الرؤية ، فقبل الرؤية لا خيار ، واما بعدها فلان الخيار ما ثبت باشتراط العاقدين ، لان ركن العقد مطلق عن الشرط نصا ودلالة ، وانما يثبت شرعا لحكمة فيه ، فكان ثابتا حقا لله تعالى وما ثبت حقا لله تعالى فالعبد لا يملك التصرف فيه اسقاطا مقصودا ، لانه لا يملك حق التصرف في حق غيره مقصودا ، لكنه يحتمل السقوط بطريق الضرورة ، بان يتصرف في حق نفسه مقصودا ويتضمن ذلك سقوط حق الشرع ، فيسقط حق الشرع في ضمن التصرف في حق نفسه ، كما اذا اجاز المشتري البيع ورضي به بعد الرؤية نصا او دلالة بمباشرة تصرف يدل على الرضا والاجازة ، لانه وان ثبت حقا للشرع لكن الشرع اثبته نظرا للعبد ، حتى اذا راه وصلح له اجازه وان لم يصلح له رده ، اذا الخيار هو التخيير بين الفسخ والاجازة فكان المشتري بالاجازة والرضا متصرفا في حق نفسه مقصودا ثم من ضرورة الاجازة لزوم العقد ومن ضرورة لزوم العقد وسقوط الخيار فكان سقوط الخيار من طريق الضرورة لا بالاسقاط مقصودا ، ويجوز ان يثبت الشيء بطريق الضرورة وان كان لا يثبت مقصودا ، كالوكيل بالبيع اذا عزله الموكل ولم يعلم به فانه لا ينعزل ولو باع الموكل بنفسه ينعزل الوكيل ، كذا هنا (الكاساني 5: 297).
2. ولكن يسقط خيار الرؤية بموت صاحبه قبل ان يختار ، فليزم العقد بموته ولا ينتقل الخيار الى ورثته لان خيار الرؤية كخيار الشرط لا يورث بخلاف خيار التعيين والعيب فانهما يورثان .
3. ويسقط خيار الرؤية ايضا بهلاك بعض المبيع او تعيبه او تغييره قبل ان يختار ( الكاساني 5: 296- 297).
4. ويسقط خيار الرؤية ايضا بتصرف العاقد في المعقود عليه كتصرف المشتري في المبيع ، وهنا يجب التفرقة بين ما اذا صدر التصرف قبل رؤية المشتري المبيع او بعد رؤيته :
أ. فان صدر قبل رؤيته ، فان كان التصرف لا يمكن رفعه كالاعتاق والتدبير او كان لازما يوجب حقا للغير كالبيع والهبة مع التسليم والرهن والاجارة سقط خيار الرؤية ويبقى الخيار ساقطا ولو نقضت هذه التصرفات اللازمة كما لو باع او رهن او اجر ثم رد بعيب او افتك الرهن او انقضت مدة الاجارة فخيار الرؤية لا يعود بعد ان يسقط اذ الساقط لا يعود الا بسبب جديد .
وان كان التصرف الصادر من المشتري قبل الرؤية غير لازم كان باع بشرط الخيار او عرض للبيع او وهب ولم يسلم له لم يسقط خيار الرؤية لان هذه التصرفات يمكن للمشتري الرجوع فيها ولا يتعذر فسخها . كل ما تدل عليه هو الرضا ، الخيار قبل الرؤية لا يسقط بصريح الرضا فبدلالة الرضا اولى .
ب. وان صدر التصرف بعد الرؤية فانه يسقط خيار الرؤية ، سواء كان يمكن رفعه اولا يمكن تعذر فسخه او لم يتعذر ، اذ اقل ما يدل عليه هو الرضا ، والخيار بعد الرؤية يسقط بالرضا صراحة او دلالة ( انظر فتح القدير 5: 141-142) وتراجع المادتان (321و 335) من المجلة وشرحهما لعلي حيدر والمادة (341) من مرشد الحيران .
1. الفسخ بخيار الرؤية كما هو في خيار الشرط وفي خيار التعيين ، لا يتوقف على رضاء او قضاء .
2. ويكون بالفعل او بالقول ، صراحة او دلالة ، كما في خيار الشرط وخيار التعيين ومثاله ان يقول المشتري : رددت البيع او فسخته او ما يجري هذا المجرى بعد الرؤية او قبلها ، قبل القبض او بعده .
3. وينفسخ العقد دون حاجة الى رضاء البائع بالفسخ ودون حاجة الى رفع الامر الى القضاء ولكن يشترط علم البائع بالفسخ عند ابي حنيفة ومحمد ولا يشترط هذا العلم عند ابي يوسف - قال في فتح القدير (5: 140) ولا يتوقف الفسخ على قضاء ولا رضاء بل مجرد قوله رددت ينفسخ قبل القبض وبعده ، لكن بشرط علم البائع عن ابي حنيفة ومحمد خلافا لابي يوسف كما هو خلافهم في الفسخ في خيار الشرط ).
4. وهل خيار الرؤية مؤقت بوقت
ذهب بعض الفقهاء الى انه مؤقت بعد الرؤية بقدر ما يتمكن فيه من الفسخ فاذا تمكن من الفسخ بعد الرؤية فلم يفسخ بطل خياره ولزم البيع فيه .
والمختار انه لا يتوقف بل يبقى الى ان يوجد ما يسقطه . ( فتح القدير 5: 141).
وقد رؤي في المشروع تقييد الفسخ بالوقت الي يتمكن فيه صاحب الخيار من الفسخ رغبة في استقرار المراكز .
5. ووقت ثبوت الخيار هو وقت الرؤية لا قبلها ويترتب على ذلك ما ياتي :
لو اجاز قبل الرؤية ورضى بالمبيع صراحة بان قال اجزت او رضيت او ما يجري هذا المجرى ثم راى المبيع بعد ذلك فله ان يرده لان نزوله عن الخيار قبل ان يثبت لا يعتد به لان المعقود عليه قبل الرؤية مجهول الوصف ، والرضا بالشيء قبل العلم به ، والعلم بوجود سببه محال فكان ملحقا بالعدم .
اما الفسخ قبل الرؤية فقد اختلف المشايخ فيه : قال بعضهم لا يجوز لانه لاخيار قبل الرؤية ، ولهذا لم تجز الاجازة فلا يجوز الفسخ. وقال بعضهم يجوز ، وهو الصحيح لان هذا عقد غير لازم فكان محل الفسخ كالعقد الذي فيه خيار العيب وعقد الاجارة والايداع وقد خرج الجواب عن قولهم انه لا خيار قبل الرؤية لان ملك الفسخ لم يثبت حكما للخيار وانما يثبت حكمه لعدم لزوم العقد ( الكاساني 5: 295).
وبالقول الصحيح اخذ المشروع .
6. الاجازة قد تكون صراحة او دلالة ومثال الصريح ان يقول اجزت البيع او رضيت او اخترت وما يجري هذا المجرى سواء علم البائع بالاجازة او لم يعلم لان الاصل في البيع المطلق هو اللزوم ، والامتناع لخلل في الرضا ، فاذا اجاز ورضي ، فقد زال المانع ، فيلزم .
واما الدلالة فهو ان يوجد من صاحب الخيار تصرف في المعقود عليه بعد الرؤية يدل على الاجازة والرضا ، نحو ان يقبضه بعد الرؤية ، لان القبض بعد الرؤية دليل الرضا بلزوم البيع ( الكاساني 5: 295) .
وتراجع المواد (320 و322 و332) من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمادة (340) من مرشد الحيران .
ج. خيار التعيين :
نظرة عامة
صورة خيار التعيين ان يذكر شيئان او ثلاثة اشياء وثمن كل اذا كان العقد بيعا على ان يكون المعقود عليه احدهما او احدها حسب اختيار صاحب الخيار فيصبح محل العقد معينا بعد ان كان مجهولا بعض الجهالة .
وهو يدخل العقود الناقلة - للملكية من بيع وهبة بعوض ونحوها .
والقياس يأباه والاستحسان يجيزه .
وجه القياس ان المبيع مجهول لانه باع احدها غير معين وهو غير معلوم فكان المبيع مجهولا فيمنع صحة البيع ووجه الاستحسان الاستدلال بخيار الشرط والجامع بينهما مساس الحاجة الى دفع الغبن وكل واحد من الخيارين طريق الى دفع الغبن وورود الشرع به هناك يكون ورودا ههنا ولان الناس تعاملوا هذا البيع لحاجتهم الى ذلك .
وقوله المعقود عليه مجهول ممنوع فانه اذا شرط الخيار بأن قال (على ان تأخذ ايهما شئت ، فقد انعقد البيع موجبا للملك عند اختياره لا للحال ، والمعقود عليه عند اختياره معلوم مع ان هذه جهالة لا تفضي الى المنازعة لانه فوض الامر الى اختيار المشتري يأخذ ايهما شاء فلا تقع المنازعة) .
وبالقياس اخذ زفر والشافعي وابن حنبل - قال صاحب المهذب (1 : 263) (ولا يجوز بيع عين مجهولة كبيع عبد من عبيد وثوب من اثواب ، لان ذلك غرر من غير حاجة ويجوز ان يبيع قفيزا من صبرة لانه اذا عرف الصبرة عرف القفيز منها فزال الغرر) .
وبالاستحسان اخذ الحنفية ، وبرأيهم اخذ هذا المشروع . (الكاساني 5 : 156 - 157) .
المذكرة الايضاحية :
1. خيار التعيين يتفرع عن خيار الشرط ويذكر في كتب الفقه عادة ضمن خيار الشرط او عقبه .
وخيار التعيين خيار يشترطه في البيع المشتري عادة بان يكون المبيع احد اشياء معينة يختار المشتري واحدا منها بعد التجربة او بعد التأمل والتروي . فخيار التعيين يثبت الملك للمشتري في احد هذه الاشياء غير عين .
2. ويشترط الا تزيد الاشياء التي يختار منها المشتري على ثلاثة لان خيار التعيين شرع استحسانا على خلاف القياس للحاجة الى دفع الغبن بالتحري والحاجة تندفع بالتحري في ثلاثة اشياء لا اكثر لاقتصار الاشياء على الجيد والوسط والرديء فيبقى الحكم فيما يزيد على ثلاثة مردودا الى اصل القياس وهو المنع . ويحتاج المشتري مثلا الى خيار التعيين اذا كان لا يمكنه دخول السوق بنفسه او كان في حاجة الى استشارة خبير فيما ياخذ وفيما يدع ، فيشترط هذا الخيار ليتسنى له اختيار ما يناسبه خارج السوق او بعد الرجوع الى راي الخبير .
وياخذ زفر والشافعي بالقياس فعندهما خيار التعيين يفسد البيع ومصدر الخيار اشتراطه في العقد ذاته فلا بد ان يشترط في عقد البيع ان يكون للمشتري مثلا الخيار في ان ياخذ اي الاشياء يختاره بثمن معين فاذا خلا البيع من هذا الشرط فسد فاذا قال البائع للمشتري بعتك دارا من هذين بالف ولم يذكر على انك بالخيار في ايهما شئت لا يجوز اتفاقا كقوله بعتك دارا من دوري .
3. والاصل ان يكون خيار التعيين للمشتري وهل يجوز ان يكون للبائع ذهب راي الى عدم جواز ذلك لان الاشياء كلها كانت في يده فهو ادرى بما يرى بيعه منها فليس في حاجة الى الخيار . وذهب راي اخر الى جواز ان يكون للبائع ايضا قياسا على خيار الشرط ، ولانه قد يكون حاجة اليه اذا كان رايه لم يستقر على اي الاشياء يبيع ( فتح القدير 5: 131) وقد اختار المشروع الاخذ بالراي الاخير ، وهل يجوز للاثنين معا:
ذهب على حيدر الى جوازه ( شرح المادة 316 من المجلة ) ولم يأخذ النص بذلك .
4. ولا بد ان يعين ثمن كل واحد من الاشياء المعروضة على المشتري والا فسد البيع لجهالة الثمن .
5. وهل يشترط بيان المدة ذهب راي الى انه يجوز خيار التعيين من غير بيان المدة لان خيار التعيين بخلاف خيار الشرط لا يمنع ثبوت الحكم في الحال في احد الاشياء غير عين وانما يمنع تعيين المبيع فلا يشترط له بيان المدة وذهب راي آخر الى اشتراط بيان المدة لان المبيع لو كان شيئا واحدا معينا وشرط فيه الخيار كان بيان المدة شرط الصحة وكذلك يكون الحكم لو كان المبيع شيئا واحدا غير معين اذ ان ترك التوقيت تجهيل لمدة الخيار وهذا مفسد للبيع .
والصحيح هو وجوب بيان المدة . ويكون حدها حد المدة في خيار الشرط ، وقد تقدم ان عند ابي حنيفة لا يجوز ان تزيد المدة على ثلاثة ايام وعند ابي يوسف ومحمد يجوز الاتفاق على اية مدة ولو طالت وعند مالك تتقدر المدة بتقدير الحاجة .
( الكاساني 5: 157 . والسرخسي ، المبسوط 13: 55 وفتح القدير 5: 132) وتراجع المادة ( 317) من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمادة ( 409) من مرشد الحيران .
?ان العقد مع خيار التعيين يكون غير لازم حتى يستعمل صاحب الخيار حقه ، والاختيار يكون صراحة كأن يقول في البيع اخذت هذا الثوب او رضيت به فاذا اختار احدها فقد عين ملكه فيه فيلزم البيع ويكون دلالة بان يوجد منه فعل في احد المعقود عليه يدل على تعيين الملك فيه كان يتصرف صاحب الخيار تصرف المالك فيكون هذا دليلا على انه اختاره ،انظر الكاساني (ج/5 ص/ 261 و 262) وتراجع المواد من (316 - 318) من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمواد من ( 409 - 412) من مرشد الحيران ورؤي ان لا يتعرض في المادة لحكم هلاك احد الاشياء المعقود او هلاكها لان محل ذلك كله هو كل عقد على حدة.
تراجع المذكرة الايضاحية للمادة السابقة مع مراجعها .
خيار التعيين يورث بالاجماع على خلاف خيار الشرط فانه لا يورث على اصل الحنفية كما تقدم . فاذا مات صاحب خيار التعيين وكان معه خيار الشرط لزم العقد ورثته اذا انقطع خيار الشرط بموت صاحبه لانه لا يورث فليزم العقد ويبقى خيار التعيين مع لزوم العقد ، وعلى ورثة صاحب الخيار ان تختار اي الاشياء يكون هو المعقود عليه .
فخيار التعيين بخلاف خيار الشرط يورث كما يورث خيار العيب ، لتعلق الخيار بالمبيع اكثر من تعلقه بمشيئة العاقد .
واذا لم يكن مع خيار التعيين خيار الشرط ومات صاحب الخيار قبل ان يعين ثبت خيار التعين لورثته.
( البدائع 5: 157 . وفتح القدير 5: 131- 132).
وتراجع المادة (319) من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمادة (413) من مرشد الحيران .
?1. خيار العيب يثبت دون حاجة الى اشتراطه صراحة . وهو من هذه الناحية يفارق خيار الرؤية ، فخيار الرؤية يثبت بالشرع لا بالشرط اما خيار العيب فيثبت بالشرط وان كان ثبوته بالشرط دلالة ، على خلاف خيار الشرط وخيار التعيين اللذين يثبتان بالشرط صراحة ، استنادا الى ان ( السلامة شرط في العقد دلالة ، فما لم يسلم المبيع لا يلزم البيع فلا يلزم حكمه . والدليل على ان السلامة مشروطة في العقد ان السلامة في المبيع مطلوبة المشتري عادة ... لان غرضه الانتفاع بالمبيع ولا يتكامل انتفاعه الا بقيد السلامة ولانه لم يدفع جميع الثمن الا ليسلم له جميع المبيع فكانت السلامة مشروطة في العقد دلالة ، فكانت كالمشروط نصا . فاذا فاتت المساواة كان له الخيار .... وكذا السلامة من مقتضيات العقد ايضا لانه عقد معاوضة والمعاوضات مبناها على المساواة عادة وحقيقة ... فاذا لم يسلم المبيع للمشتري يثبت له الخيار ..
( الكاساني 5: 274).
2. وهو : كخيار الرؤية ايضا - لا يثبت الا في العقود التي تحتمل الفسخ كالبيع والاجارة والقسمة والصلح عن مال على شيء بعينه .
3. ويشترط لثبوت هذا الخيار:
أ. في المعقود عليه : ان يكون عينا معينة بالذات .
ب. في العيب الذي يلحق بالعين .
- ان يكون مؤثرا في قيمة المبيع وذلك اذا كان من شأنه ان يوجب نقصان الثمن في عادة التجار نقصانا فاحشا او يسيرا كالعمى والعور والحول والبرص والشلل وغيرها مما يفيض فيه الفقهاء بصدد الكلام على عيوب الرقيق . كالحران والجماح في الخيل وكالهشم في الاواني والصدع في الحائط ...الخ والمعول عليه في ذلك هو عرف التجار فما كان من شأنه ان ينقص ثمن المبيع في عرفهم فهو عيب معتبر .
- ان يكون قديما اي ثابتا وقت عقد البيع او بعد ذلك ولكن قبل التسليم حتى لو حدث بعد التسليم لا يؤثر لان ثبوته لفوات صفة السلامة المشروطة في العقد دلالة وقد حصلت السلعة سليمة في يد المشتري اذ العيب لم يحدث الا بعد التسليم . ويجب ان يبقى العيب ثابتا بعد التسليم لان العيب اذا حدث قبل التسليم وزال ايضا قبله فقد قبض المشتري المبيع سليما من العيب فلا يكون له خيار.
- ان يكون غير معلوم من المشتري وقت العقد ووقت القبض معا فان علم بالعيب في وقت من هذين الوقتين فلا خيار له لان علمه بالعيب عند العقد رضاء منه به دلالة وعلمه به عند القبض رضاء منه به ايضا لان تمام الصفقة متعلق بالقبض فكان العلم عند القبض كالعلم عند العقد .
ج. الا يكون البائع قد اشترط البراءة من العيب :
ذلك انه قد يرضى المشتري بالعيب دون ان يعلم به ، وذلك اذا اشترط عليه البائع البراءة من العيب فقبل منه هذا الشرط . وفي ذلك تفصيل :
فاذا ابرا المشتري البائع من كل عيب ، او من عيب بالذات قائم وقت العقد ، فان الابراء لا يتناول العيب الذي يحدث بعد البيع وقبل القبض .
- وان ابراه من كل عيب او من عيب بالذات يحدث بعد البيع وقبل القبض فالشرط فاسد لان الابراء لا يحتمل الاضافة الى زمن مستقبل ولا التعليق بالشرط فهو وان كان اسقاطا الا ان فيه معنى التمليك . ولهذا لا يحتمل الارتداد بالرد ، فكان بيعا دخل فيه شرط فاسد ففسد العقد .
- وان ابراه من كل عيب او من عيب بالذات واطلق البراءة دون ان يخصص بالعيب القائم وقت العقد او العيب الحادث بعده ، انصرف ذلك عند محمد الى العيب القائم وقت العقد دون العيب الحادث بعده ، وعند ابي يوسف تعم البراءة العيبين، ويبرا البائع من العيب القائم وقت العقد والعيب الحادث بعده .
يراجع الكاساني ( 5: 273 و 274 - 278) والمواد من ( 336- 335) من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمواد من ( 342 و 525 - 544 ) من مرشد الحيران .
اذا توافرت في العيب الشروط المتقدمة الذكر لم يمنع ذلك من انعقاد العقد صحيحا نافذا لازما من جهة العاقد الاخر ، ولكنه يكون غير لازم من جهة صاحب الخيار .
ففي البيع يثبت الملك للمشتري في المبيع للحال ، لان ركن البيع مطلق عن الشرط ، اما شرط السلامة الثابت دلالة فهو ليس بشرط في السبب كخيار الشرط وليس بشرط في لحكم كخيار الرؤية ، فيكون اثره في منع اللزوم لا في منع اصل الحكم ، اما خيار الشرط فقد دخل على السبب فمنع انعقاده في حق الحكم مدة الخيار، ولذلك لا يزول الملك عن البائع بشرط الخيار مدة خياره . اما خيار الرؤية فقد دخل على الحكم ومنع تمامه فمنع لزوم العقد حتى بعد القبض . وهذا بخلاف خيار العيب فانه لا يدخل على السبب ولا على الحكم كما قدمنا ،فهو يجعل العقد غير لازم قبل القبض قابلا للفسخ بعد القبض . اما كونه غير لازم قبل القبض فدليل ذلك ان المبيع اذا كان لا يزال في يد البائع واراد المشتري الرد بالعيب لا يحتاج الى التراضي او التقاضي اما بعد القبض فيحتاج الى التراضي او التقاضي .
(الكاساني 5: 273 - 274).
واذا كان المعقود عليه لا يزال في يد صاحبه واراد صاحب الخيار الرد بالعيب فانه لا يحتاج الى التراضي او التقاضي بل يكفي ان يقول رددت البيع او ما يجري هذا المجرى لينفسخ العقد ، ذلك لان العقد غير لازم قبل القبض . اما بعد القبض فقد تمت الصفقة . وانما يكون العقد قابلا للفسخ لفوات شرط السلامة ومن ثم لا يجوز الفسخ الا بالتراضي او بالتقاضي ولا ينفسخ بمحض ارادة المشتري كما كان الامر قبل القبض والصفقة لم تتم على خلاف خيار الرؤية وخيار الشرط على ماتقدم .
فالعبرة اذن فيما اذا كان الرد يتم بمحض الارادة او لابد فيه من التراضي او التقاضي ، انما تكون بعدم تمام الصفقة او بتمامها فاذا لم تتم الصفقة كما هو الامر في خياري الشرط والرؤية قبل القبض وبعد القبض وكما هو الامر في خيار العيب قبل القبض ، كان الرد بمحض ارادة من له الخيار واذا تمت الصفقة كما هو الامر في خيار العيب بعد القبض ، فان الرد لا يكون بالتراضي او بالتقاضي ، ذلك انه اذا لم تتم الصفقة كان الرد نقضا لصفقة لم تتم فيكون اقرب الى ان يكون رجوعا في الايجاب قبل القبض الذي هو بمثابة القبول فلا حاجة فيه الى التراضي . اما اذا كانت الصفقة قد تمت فالرد لا يكون مجرد نقض تكفي فيه ارادة من له الخيار ، بل هو فسخ لصفقة قد تمت فلا بد فيه من التراضي او التقاضي، فان العقد لا ينفسخ الا على النحو الذي به ينعقد ، وهو لا ينعقد باحد العاقدين فلا يفسخ باحدهما .
(يراجع الكاساني 5: 281).
وعند الشافعي ايضا بعد القبض ينفسخ العقد بخيار العيب بقوله ( رددت من غير الحاجة الى تراضي او تقاض ).
( الكاساني 5: 281)
وفي البيع مثلا اذا ثبت للمشتري الرد بخيار العيب كان له ان ينقض البيع قبل القبض بارادته وحده كان يقول فسخت البيع او نقضته او رددته وما هو معناه ويشترط علم البائع بالفسخ عند ابي حنيفة ومحمد ولا يشترط هذا العلم عند ابي يوسف كما هو خلافهم في خيار الشرط وخيار الرؤية . اما بعد القبض والنقض فلا يكون الا بالتراضي او بالتقاضي .
اذا فسخ العاقد العقد بخيار العيب وجب عليه رد المعقود عليه ان كان قبضه الى العاقد الاخر كما يجب على العاقد الاخر ان يرد اليه البدل ان كان قبضه فالمشتري مثلا اذا كان قبض المبيع المعيب وفسخ العقد وجب عليه رده الى البائع ووجب على البائع رد الثمن الى المشتري ان كان قبضه منه .
1. يسقط خيار العيب للاسباب الاتية :
أ. اسقاط المشتري للخيار اسقاطا صريحا او ما هو معنى الصريح نحو ان يقول اسقطت الخيار او ابطلته او الزمت البيع او اوجبته وما يجري هذا المجرى لان خيار العيب حقه فله ان ينزل عنه وكاسقاط الخيار ابراء المشتري البائع من العيب لان الابراء اسقاط ، وله ولاية الاسقاط والخيار حقه والمحل قابل للسقوط ، بخلاف خيار الرؤية فلا يسقط بالاسقاط المقصود الصريح .
ب. رضاء المشتري بالعيب بعد العلم به : وذلك لان الحق الرد انما هو لفوات السلامة المشروطة دلالة في العقد واذا رضي المشتري بالعيب بعد العلم به فقد دل انه نزل عن هذا الشرط او انه لم يشترطه ابتداء . والرضاء قد يكون صريحا كان يقول المشتري رضيت بالعيب او اجزت هذا البيع وما يجري هذا المجرى وقد يكون الرضا دلالة كان يصدر من المشتري بعد العلم بالعيب فعل يدل على الرضا به كما اذا كان المبيع ثوبا فصبغه او قطعه او ارضا فبنى عليها او حنطة فطحنها او لحما فشواه . ويعتبر تصرف المشتري في المبيع بعد العلم بالعيب رضاء بالعيب دلالة . فاذا باع المبيع او وهبه وسلمه او اعتقه او كاتبه او دبره ، كان في الاقدام على هذه التصرفات مع العلم بالعيب دليل الرضاء بالعيب .
ج. تصرف المشتري في المبيع قبل العلم بالعيب بان اخرجه عن ملكه حتى قبل عمله بالعيب فانه يسقط خياره لتعذر رد المبيع الى البائع . فاذا باع المبيع او وهبه وسلمه وهو غير عالم بالعيب سقط خياره ولكن لو فسخ تصرفه ورد اليه المبيع بخيار شرط او بخيار رؤية مثلا ، عاد حق خيار العيب للمشتري وجاز له رد المبيع للبائع .
د. هلاك المبيع . وذلك لفوات محل لرد فان هلك المبيع قبل القبض في يد البائع انفسخ البيع ولا يرجع البائع على المشتري بشيء من الثمن وان هلك وهو في يد المشتري فهلاكه عليه لانه قد قبضه ولكنه يرجع على البائع بنقصان الثمن بسبب العيب .
هـ. نقصان المبيع قبل القبض بغير فعل المشتري او فعل اجنبي اي بفعل البائع او بفعل المبيع او بآفة سماوية فهذا وما لم يكن به عيب سواء ويكون للمشتري الخيار : ان شاء اخذ المبيع وطرح قدر النقصان وان شاء ترك كما اذا لم يجد بالمبيع عيبا . ذلك ان له الخيار في الرد حتى لو لم يكن بالمبيع عيب فلا يحتاج الى خيار اخر. وان كان النقصان بفعل المشتري كان للمشتري ان يرضى المبيع بالعيب . ولا يرجع بشيء وان شاء رجع بنقصان العيب على البائع ولكن للبائع في هذه الحالة ان ياخذ المبيع فيسقط جميع الثمن وان كان النقصان بفعل اجنبي فالمشتري بالخيار : ان شاء رضي بالمبيع بجميع الثمن اتبع الجاني بالارش وان شاء ترك ويسقط عنه جميع الثمن واتبع البائع الجاني بالارش كما اذا لم يجد المشتري بالمبيع عيبا .
واذا نقص المبيع بعد القبض وهو في يد المشتري ، ايا كان سبب النقص ثم وجد المشتري به عيبا لم يكن له ان يرده بالعيب ذلك ان شرط الرد ان يكون المردود عند الرد على الصفة التي كان عليها عند القبض، ولم يوجد ، لان المبيع خرج عن ملك البائع معيبا بعيب واحد ويعود على ملكه معيبا بعيبين ، العيب القديم والنقصان . وهو اذا كان يضمن العيب القديم ، فانه لا يضمن النقصان لانه حدث بعد القبض والمبيع في يد المشتري فانعدم شرط الرد وللمشتري ان يرجع بنقصان الثمن للعيب ، الا اذا رضي البائع بأخذ المبيع ورد كل الثمن .
وفي مذهب مالك للمشتري ان يرد المبيع في هذه الحالة ويرد معه ارش النقصان لان حق الرد بالعيب ثبت نظرا للمشتري فلو امتنع انما يمتنع نظرا للبائع والمشتري باستحقاق النظر اولى من البائع ، لانه لم يدلس العيب والبائع قد دلس . ( ابن جزى ، القوانين الفقهية ص 266 ).
و. زيادة المبيع .
ان حدثت الزيادة قبل القبض :
فان كانت متصلة متولدة من الاصل ( كالكبر والسمن ) فانها لا تمنع الرد بالعيب لان هذه الزيادة تابعة للاصل فكانت مبيعة تبعا وما كان تبعا في العقد يكون تبعا في الفسخ .
وان كانت متصلة غير متولدة من الاصل ( كالصبغ في الثوب والبناء في الارض ) فانها تمنع الرد بالعيب لان هذه الزيادة ليست بتابعة بل هي اصل بنفسها فتعذر رد البيع اذ لا يمكن رده بدون الزيادة لتعذر الفصل ، ولا يمكن رده مع الزيادة لانها ليست بتابعة في العقد فلا تكون تابعة في الفسخ . ويكون للمشتري الرجوع بنقصان الثمن .
وان كانت الزيادة منفصلة متولدة من الاصل ( كالولد والثمر واللبن ) فانها لا تمنع الرد بالعيب فان شاء المشتري ردهما جميعا وان شاء رضي بهما بجميع الثمن .
وان كانت الزيادة منفصلة غير متولدة من الاصل ( كالغلة والكسب ) فانها لا تمنع الرد بالعيب ، لان هذه الزيادة ليست بمبيعة وانما هي مملوكة بملك الاصل . فبالرد يفسخ العقد في الاصل وتبقى الزيادة مملوكة للمشتري بغير ثمن عند ابي حنيفة لكنها لا تطيب له لانها وان حدثت على ملكه الا انها ربح ما لم يضمن . وعند ابي يوسف ومحمد تكون الزيادة للبائع لكنها لا تطيب له .
وان حدثت الزيادة بعد القبض :
فان كانت متصلة متولدة من الاصل فانها لا تمنع الرد بالعيب وان رضي المشتري بردها مع الاصل التي هي تابعة له ، وان ابي المشتري الرد واراد الرجوع بنقصان الثمن كان له ذلك عند ابي حنيفة وابي يوسف وعند محمد ليس للمشتري ان يرجع بنقصان الثمن على البائع اذا اراد البائع استراداد المبيع معيبا ورد الثمن كله . وان كانت الزيادة متصلة غير متولدة من الاصل فانها تمنع الرد بالعيب ويرجع المشتري على البائع بنقصان الثمن وان كانت الزيادة منفصلة متولدة من الاصل فانها تمنع الرد بالعيب ويرجع المشتري بنقصان الثمن لان الزيادة حصلت في ضمان المشتري فان ردها مع الاصل كانت للبائع ربح ما لم يضمن وان استبقاها ورد الاصل فانها تبقى في يده بلا ثمن وهذا تفسير الربا . وهذا بخلاف هذه الزيادة قبل القبض فانها تحصل في ضمان البائع فجاز ردها مع الاصل الى البائع لحصولها في ضمانه ومن ثم جاز الرد بالعيب كما قدمنا . وان كانت الزيادة منفصلة - غير متولدة من الاصل فانها لا تمنع الرد بالعيب ويرد الاصل على البائع والزيادة للمشتري طيبة له لانها حصلت في ضمانه .
2. ولا يسقط خيار العيب بموت المشتري فاذا مات ثبت لورثته ( وكخيار العيب في ذلك خيار التعيين فانه ايضا يثبت للوارث) بخلاف خيار الشرط وخيار الرؤية فانهما لا يورثان على ما تقدم .
انظر المراجع المشار اليها في المادتين (193 و 194).
في المذهب الحنفي ليس للمشتري ان يمسك المبيع معيبا ويرجع على البائع بنقصان الثمن لان الاوصاف لا يقابلها شيء من الثمن في مجرد العقد ، ولان البائع لم يرض بزوال المبيع ملكه باقل من الثمن المسمى فيتضرر بنقصان هذا الثمن ودفع الضرر عن المشتري ممكن برده للمبيع ، ولان حق الرجوع بالنقصان كالخلف عن الرد والقدرة على الاصل تمنع المصير الى الخلف .
على ان للمشتري ان يرجع بنقصان الثمن اذا توافرت الشروط الاتية :
1. ان يتعذر على المشتري رد المبيع كان هلك المبيع او نقص او زاد وهو في يده .
2. ان يكون هذا التعذر غير آت من قبله فان كان التعذر اتيا من قبله لم يرجع بنقصان الثمن ، لانه يصير حابسا المبيع بفعله ممسكا عن الرد فلو باع المبيع المعيب او وهبه ثم علم بالعيب لم يرجع بنقصان الثمن ، لانه بالبيع او الهبة صار ممسكا عن الرد . ولو كان المبيع دارا فبناها مسجدا ثم اطلع على عيب لم يرجع بالنقصان ، لانه لما بناها مسجدا فقد اخرجها عن ملكه فصار كما لو باعها . ولو كان المبيع طعاما فاكله او ثوبا فلبسه حتى تخرق لم يرجع بالنقصان في قول ابي حنيفة وعند ابي يوسف ومحمد يرجع . وجه قولهما ان اكل الطعام ولبس الثوب استعمال الشيء فيما وضع له وانه انتفاع لا اتلاف . وجه قول ابي حنيفة ان المشتري باكل الطعام ولبس الثوب اخرجهما عن ملكه حقيقة ولو استهلك الطعام او الثوب لسبب اخر وراء الاكل واللبس ثم وجد به عيبا ، لم يرجع بالنقصان بلا خلاف ، لان استهلاكهما في غير ذلك الوجه ابطال محض .
3. الا يصل الى المشتري عوض عن المبيع . فان وصل اليه عوضه كان قتل اجنبي العبد المبيع في يده خطا، لم يرجع بالنقصان في ظاهر الرواية ، لانه لما وصل اليه عوضه صار كانه باعه ، ولو باعه ثم اطلع على عيب به لم يرجع كذا هذا .
فاذا توفرات هذه الشروط كان للمشتري الرجوع بنقصان الثمن .
ويكون الرجوع بنقصان الثمن على الوجه الاتي : يقوم المبيع غير معيب ثم يقوم بالعيب . ولا يدفع المشتري للبائع من الثمن الا حصة تعادل النسبة بين هاتين القيمتين . فلو كانت قيمة المبيع غير معيب عشرين ، وكانت قيمته معيبا خمسة عشر فالنسبة بين هاتين القيمتين نسبة ثلاثة الى اربعة ، فلو كان الثمن ستة عشر ، لم يجب على المشتري من الثمن الا ثلاثة ارباعه ، اي اثنا عشر ورجع بالنقصان وهو اربعة .
( يراجع في تفصيل ذلك : الكاساني 5: 286 وما بعدها).
وفي المذهب الشافعي كالمذهب الحنفي في ان صاحب الخيار له ان يرد المعقود عليه ويسترد ما دفعه وليس له امساك المعقود عليه المعيب والرجوع بارش العيب وكذا ليس للعاقد الاخر الزامه بامساك المعقود عليه المعيب مع انقاص الثمن .
وفي المذهب المالكي يقسم العيوب الى ثلاثة اقسام :
- عيب غير مؤثر وهو الذي لا ينقص من الثمن وليس فيه شيء .
- وعيب يسير هو الذي ينتقص من الثمن فيحط على المشتري من الثمن بقدر نقص العيب .
- وعيب فاحش ويكون المشتري فيه بالخيار بين الرد والامساك فاذا امسك ليس له ان يرجع بنقصان الثمن . ففي العيب الفاحش يتلاقى المذهبان الحنفي والمالكي ( ابن جزى ، القوانين الفقهية ص 267).
وفي المذهب الحنبلي يكون للمشتري الخيار بين الرد او الامساك مع الرجوع بنقصان الثمن ففي الشرح الكبير : ( فمن اشترى معيبا لا يعلم عيبه فله الخيار بين الرد والامساك مع الارش وهو قسط ما بين قيمة الصحيح والمعيب من الثمن . فان اختار امساك المعيب واخذ الارش فله ذلك وبه قال ابو اسحاق وقال ابو حنيفة والشافعي ليس له الا الامساك او الرد ولا ارش له الا ان يتعذر رد المبيع ) ( الشرح الكبير 4: 86).
وقد رؤي الاخذ بالمذهب الحنبلي ، لان الاحكام الموضحة فيه ايسر على الناس .
وتراجع المراجع المشار اليها في المادتين ( 193و 194 ).
الفرع الثاني
آثار العقدنظرة عامة :
بعد ان فرغ المشروع من الكلام على العقد في مرحلة نشوئه ، شرع في الكلام عليه من حيث اثره والمراد هنا العقد الصحيح النافذ المنجز . ويدخل في اثر العقد تنفيذه ويرتبط بتنفيذ العقد تفسيره لان التنفيذ يقتضي التفسير ولانهما يؤديان الى نتيجة واحدة .
والكلام على الاثر يتناول ناحيتين : ناحية الموضوع وناحية الاشخاص ، اما من ناحية الموضوع فقد بين المشروع ان للعقد حكما يقع من تلقاء نفسه بمجرد انعقاد العقد وحقوقا يقع بعضها على عاتق احد المتعاقدين وبعضها على عاتق الاخر ان كان العقد من عقود المبادلات . وقد بين المشروع ان هذه الحقوق يجب على العاقد الوفاء بما يلزمه العقد منها ، وبين حدود ما يجب عليه منها وكيفية الوفاء ، كما اعطى في العقود المنشئة لالتزامات متقابلة للعاقد ان يمتنع عن الوفاء بالتزامه ان لم يف الطرف الاخر بالتزامه المقابل وخول المحكمة في عقد الاذعان الحق في تعديل الشروط التعسفية او الاعفاء منها كما وجد ان من الحوادث ما يكون شاذا لا يمكن توقعه دون ان يكون للعاقدين مندوحة عنه ومثل هذه الحوادث لا تؤدي الى استحالة تنفيذ الالتزام والا كانت من قبيل القوة القاهرة وانما تجعل هذا التنفيذ مرهقا فادحا وفي هذه الحالة خول المشروع القاضي ان يتدخل لينقص الالتزام المرهق الى الحد المعقول بعد تقدير مصالح العاقدين تقديرا عادلا .
واما من ناحية الاشخاص فقد تناول تحديد آثار العقد بالنسبة الى الخلف الخاص ثم بين آثار العقد بالنسبة الى غير العاقدين فقرر القاعدة العامة التي تجيز الاشتراط لمصلحة الغير وجدد في نصوص جلية مفصلة شروط الاشتراط لمصلحة الغير وآثاره واجاز الاشتراط لمصلحة شخص مستقبل او شخص غير معين وقت العقد ثم تناول الوعد بالتزام الغير فأورد نصا للاحكام العامة فيه وقد اشير ابتداء الى الفارق الجوهري بين الاشتراط لمصلحة الغير والوعد بالتزام الغير فالاول يخول الغير حقا مباشرا على نقيض الثاني فهو لا يلزم الغير بذاته ، فالواعد يلتزم شخصيا اما الغير فلا يلتزم الا بمقتضى اقراره للوعد ، ولا يكون لهذا الاقرار اثر الا من وقت صدوره ما لم تنصرف الارادة الى غير ذلك .
وبعد الكلام على الاثر انتقل الى الكلام على التفسير وقد اقتصر المشروع في ذلك على ايراد ضوابط مجملة ورغب عن القواعد التفصيلية التي تصادف عادة في التقنينات اللاتينية . وهذه الضوابط مأخوذة عن المجلة وعن القانون المدني المصري والسوري والمشروع الاردني والقانون العراقي .
وانه وان كانت المادة الثانية من المشروع تنص على انه (يرجع في فهم النص وتفسيره وتأويله ودلالته الى قواعد اصول الفقه) الا انه رؤي من باب التيسير والتقريب ايراد بعض قواعد التفسير ونص على احكام خاصة بعقود الاذعان اذ ينبغي ان يراعى في تفسير هذه العقود ما قد يقع من غفلة المذعن عن بعض الشروط الجائزة فينبغي تفسير ما يغمض من الشروط فيها على وجه لا يضر بالمذعن ، دائنا كان او مدينا ، اذ ليس له على كلا الحالين يد في هذا الغموض .
المذكرة الايضاحية :
يميز الفقه الاسلامي بين حكم العقد وحقوق العقد . وحكم العقد وهو الاثر الاصلي للعقد والغرض الذي قصد اليه العاقدان من انشائه . وحقوق العقد هي ما يستتبعه العقد من التزامات ومطالبات تؤكد حكمه وتحفظه وتكمله ، فعقد البيع حكمه نقل ملكية المبيع الى المشتري وثبوت الملك في الثمن للبائع، وحقوقه الزام البائع بتسليم المبيع وقبوله اذا رد اليه بسبب العيب ، وثبوت حقه في المطالبة بالثمن والزام المشتري باداء الثمن وثبوت حقه في المطالبة بتسليم المبيع ورد المبيع اذا وجده معيبا وغير ذلك من الحقوق التي تثبت لكل عاقد قبل صاحبه تكميلا لاثر العقد ومحافظة عليه وتوفيرا لكمال الانتفاع به . وحكم العقد يثبت من تلقاء نفسه بمجرد انعقاد العقد فهو اثر مباشر للانعقاد فهو لا يثبت التزاما في ذمة العاقد الوفاء به بل يتحقق ذاتي بمجرد انعقاد العقد . اما حقوق العقد فهي التزامات ومطالبات تثبت في ذمة العاقد ويجب عليه الوفاء بها .
وذلك على خلاف القانون فالعقد فيه ليس الا مصدرا للالتزمات فكل اثره ينحصر في انشاء التزامات في ذمة احد الطرفين او كيلهما .
لذلك حرص المشروع على ابراز هذا الفارق بالنص في المادة الحالية على ان حكم العقد يتحقق في المعقود عليه وبدله من تلقاء نفسه بمجرد انعقاد العقد دون توقف على القبض او اي شيء اخر اما حقوق العقد فتثبت في ذمة العاقد ويجب عليه الوفاء بها وفقا لما يقضي به العقد . وقد آثر المشروع التزام صياغة الفقه الاسلامي بقدر الامكان.
وتقدم ان المقصود بالعقد هنا العقد الصحيح النافذ المنجز .
وتراجع المواد ( 369 و 374و 583) من المجلة وشرحها لعلي حيدر والمواد من ( 307- 309) من مرشد الحيران وهي تقابل المواد من ( 143-145) من القانون العراقي .
تضمنت هاتان المادتان تطبيقا لحكم المادة السابقة فالاولى منهما تطبيق له في العقود الواردة على ملكية الاعيان .
والثانية منهما تطبيق له في العقود الواردة على منافع الاعيان .
?تتناول هذه المادة في فقرتها الاولى كيفية تنفيذ المتعاقد ما الزمه به العقد فتوجب عليه ان يقوم بالنتفيذ بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية . وتتناول في فقرتها الثانية بيان المقصود بمضمون العقد وبعبارة اخرى تحديد نطاق العقد فتبين انه لا يقتصر على الزام المتعاقد بما ورد فيه على وجه التخصيص ، بل يلزمه كذلك بما تقتضيه طبيعته وفقا لاحكام القانون والعرف .
ففي الفقه الاسلامي كما في الفقه الغربي يسترشد في تحديد نطاق العقد :
1. بالعرف والعادة .
2. بطبيعة الالتزام فيتبع العين ما تستلزمه طبيعتها من ملحقات .
1. فيرجع اولا الى العرف والعادة :
وقد اوردت المجلة كثيرا من القواعد الكلية توجب الاخذ بالعرف والعادة في تحديد نطاق العقد منها ( العادة محكمة ) و( استعمال الناس حجة يجب العمل بها ) و( الممتنع عادة كالممتنع حقيقة ) و ( الحقيقة تترك بدلالة العادة ) و( انما تعتبر العادة اذا اطردت او غلبت) و( العبرة للغالب الشائع لا للنادر ) و( والمعروف عرفا كالمشروط شرطا ) وقد اورد المشروع هذه القواعد سابقا .
2. ويرجع ثانيا الى طبيعة الالتزام :
وهي تقتضي ان يلحق العين ما هو تابع لها وما تستلزمه تلك الطبيعة من ملحقات ويستند المشروع في هذا الصدد الى القواعد الفقهية ( التابع تابع ) و( التابع لا يفرد بالحكم ) و ( من ملك شيئا ملك ما هو من ضروراته ) و( اذا سقط الاصل سقط الفرع ) و( اذا بطل الشيء بطل ما في ضمنه ).
تراجع المواد (47 و48 و49 و50 و52) من المجلة وهي تقابل المادة ( 148) مصري والمادة ( 149) سوري ومشروع اردني .
1. من الاصول التي يقوم عليها نظام العقود الملزمة للجانبين ارتباط تنفيذ الالتزامات المتقابلة فيها على وجه التبادل او القصاص . فاذا استحق الوفاء بهذه الالتزامات فلا يجوز تفريعا على ما تقدم ان يجبر احد المتعاقدين على تنفيذ ما التزام به قبل قيام المتعاقد الاخر بتنفيذ الالتزام المقابل وعلى هذا الاساس يتعين ان تنفذ الالتزامات المتقابلة في وقت واحد . ويجوز الاستعانة باجراءات العرض الحقيقي لمعرفة المتخلف عن الوفاء من المتعاقدين . فلكل من المتعاقدين ازاء ذلك ان يحتبس ما يجب ان يوفى به حتى يؤدي اليه ما هو مستحق له وهو باعتصامه بهذا الحق او الدفع انما يوقف احكام العقد لا اكثر ، فالعقد لا يفسخ في هذه الصورة ولا تنقضي الالتزامات الناشئة عنه على وجه الاطلاق بل يقتصر الامر على وقف تنفيذه وهذا هو الفارق الجوهري بين الفسخ والدفع بعدم تنفيذ العقد .
2. ومهما يكن من شيء فليس يباح للعاقد ان يسيء استعمال هذا الدفع فلا يجوز له ان يتمسك به ليمتنع عن تنفيذ التزامه ، اذا كان الالتزام المقابل قد نفذ في جزء كبير منه واصبح ما لم ينفذ منه ضئيلا لدرجة لا تبرر اتخاذ مثل هذا الاجراء .
3. وقد فرض في الصورة المتقدمة ، ان الالتزامات المتقابلة في العقد الملزم للجانبين قد حل ميعاد الوفاء بها من الطرفين معا . اما اذا كان العقد يوجب على احد العقد لا ينحل في هذه الحالة كما تقدم ، لذلك رؤي وضعه في مجاله السليم وهو تنفيذ اذ يتعين عليه ان يفي بما التزم به دون ان ينتظر وفاء المتعاقد الآخر .
4. وقد اورد القانون المدني المصري هذا الحكم مع المواد الخاصة بالفسخ تحت عنوان ( انحلال العقد ) (م 161 مصري وكذا 162 سوري ومشروع اردني ) رغم ان العقد لا ينحل في هذه الحالة كما تقدم ، لذلك رؤي وضعه في مجاله السليم وهو تنفيذ العقد .
وتراجع المادتان (262و 379) من المجلة وشرحها لعلي حيدر وهي تقابل المادة (280) عراقي .
خول المشروع في هذه المادة المحكمة الحق في اعادة التوازن بين المتعاقدين اذا كان العقد عقد اذعان وتضمن شروطا تعسفية فاعطى المحكمة الحق في ان تعدل من هذه الشروط التعسفية تعديلا يخفف العبء الواقع على عاتق الطرف المذعن او تعفيه منها حسبما تقضي به العدالة .
وحتى يوضع هذا النص موضع التنفيذ لم يكن هناك مناص من النص على بطلان كل اتفاق على خلاف ذلك .
وهي تقابل المادة (149) مصري و ( 176) عراقي و( 150) سوري ومشروع اردني .
1. الاصل انه لا يجوز لاحد طرفي التعاقد ان يستقل بنقضه او تعديله ولا يجوز ذلك للقاضي لانه لا يتولى انشاء العقود عن عاقديها وانما يقتصر علمه على تفسير مضمونها بالرجوع الى نية هؤلاء العاقدين ، فلا يجوز اذن نقض العقد او تعديله الا بتراضي عاقديه ويكون هذا التراضي بمثابة تعاقد جديد ، او لسبب من الاسباب المقررة في القانون كما هو الشان في اسباب الرجوع في الهبة .
2. وقد استثنى المشروع في هذه المادة اقتداء بالقانون المدني المصري وما تفرع عنه من قوانين عربية حكما بالغ الاهمية اذ استثنى مبدأ الطوارىء غير المتوقعة من نطاق تطبيق القاعدة التي تحجر على القضاء تعديل العقود وقد حرص المشروع على :
أ. ان يرسم في وضوح الحدود بين حالة الطوارىء غير المتوقعة وحالة القوة القاهرة ففي الحالة الاولى يصبح تنفيذ الالتزام التعاقدي على حد تعبير المشروع مرهقا يجاوز حدود السعة دون ان يكون مستحيلا ومؤدى ذلك ان الحالة الثانية هي التي تتحقق فيها هذه الاستحالة .
ب. ان يقنع في تحديد الحادث غير المتوقع بوضع ضابط للتوجيه دون ان يورد امثلة تطبيقية فقهية الصبغة .
3. واذا كانت نظرية الطوارىء غير المتوقعة تستجيب لحاجة ملحة تقتضيها العدالة فهي تستهدف للنقد باعتبارها مدخلا لتحكم القاضي ، بيد ان المشروع قد احتاط في ان يكفل لها نصيبا من الاستقرار فاضفى عليها صبغة مادية يتجلى اثرها في تحديد الطارىء غير المتوقع ، وفي اعمال الجزاء الذي يترتب على قيامه ، فلم يترك امر هذا الطارىء للقضاء يقدره تقديرا اذاتيا او شخصيا بل استعمل المشروع عبارة ( ان اقتضت العدالة ذلك ) وهي عبارة تحمل في ثناياها معنى الاشارة الى توجيه موضوعي النزعة وفضلا عن ذلك فاذا تثبت القاضي من قيام الطارىء غير المتوقع عمد الى اعمال الجزاء برد الالتزام الذي اصبح يجاوز السعة ، الى ( الحد المعقول ) وهذا قيد اخر مادي الصبغة . هذا فضلا عن اشتراط ان يكون الطارىء حادثة استثنائية عامة كالفيضان والجراد وليست خاصة بالمدين كحريق المحصول مثلا .
4. ونظرية الطوارىء غير المتوقعة تختلف عن نظرية القوة القاهرة في ان الطارىء غير المتوقع لا يجعل التنفيذ مستحيلا بل يجعله مرهقا يجاوز السعة دون ان يبلغ به حد الاستحالة ويستتبع ذلك قيام فارق اخر يتصل بالجزاء فالقوة القاهرة تفضي الى انقضاء الالتزام وعلى هذا النحو يتحمل الدائن تبعتها كاملة اما الطارىء غير المتوقع فلا يترتب عليه الا انقاص الالتزام الى الحد المعقول وبذلك يتقاسم تبعته الدائن والمدين .
5. وهذا الحكم يجد لاساسه سندا في الفقه الاسلامي في مبدأ ( الاعذار ) في الفقه الحنفي و( الجائحة ) في الفقه المالكي والحنبلي مع خلاف في الاحكام وفي ( المساواة) بين طرفي العقد التبادلي وفي العدالة عموما. ويراجع فيما يتعلق بالحوادث الطارئة غير المتوقعة . الكاساني (4: 197- 199) . والهندية (4: 459- 463).
وابن عابدين (5 : 76) . والسنهوري مصادر الحق (6: 95- 118).
وهي تقابل المادة ( 147) مصري و( 148) سوري ومشروع اردني و( 146) عراقي .
1. لا تقتصر اثار العقد على المتعاقدين بذواتهم بل تتجاوزهم الى من يخلفهم خلافة عامة من طريق الميراث او الوصية ما لم تكن العلاقة القانونية شخصية بحتة ويستخلص ذلك من ارادة المتعاقدين صريحة كانت او ضمنية او من طبيعة العقد كما هو الشأن في شركات الاشخاص والايراد المرتب مدى الحياة ، او من نص في القانون كما هي الحال في حق الانتفاع .
2. وعلى ذلك ينتقل الى الوارث ما يرتب العقد من حقوق والتزامات . اما الحقوق المالية فيكون انتقالها كاملا الا ما كان منها غير مالي كحق الولاية والحضانة وما اتصل منها بشخص المورث كدين النفقه وحق الانتفاع وحق الرجوع في الهبة وحق الاجل في الدين وما اتصل منها بمشيئة المورث كبعض الخيارات وحق الشفعة ( على الخلاف ) بيد ان حكم الالتزامات يقتضي تحفظا خاصا يتصل باحكام الميراث . ذلك ان الوارث لا يلتزم بديون مورثه ، وفقا لاحكام الشريعة الاسلامية الا بقدر ما يؤول اليه من التركة بل وبنسبة ما يؤول اليه منها في صلته بالورثة الباقين وبعد فليس ينبغي ان يعزل هذا النص عن النصوص التي تضمنها المشروع بشأن تصفية التركات بالنسبة الى الموصى له بجزء من مجموع التركة . ويقصد بالحقوق هنا الحقوق بالمعنى العام لا بالمعنى الذي يقابل حكم العقد في قولنا ( حكم العقد وحقوق العقد ).
وتراجع المادة (278 و 306) من مرشد الحيران وانظر الكاساني (5: 258) وهي تقابل المادة ( 145) مصري و( 146) سوري ومشروع اردني و ( 142) عراقي .
الخلف الخاص هو من يكتسب ممن يستخلفه حقا عينيا على شيء معين كالمشتري والموهوب له والمنتفع ، فاذا عقد المستخلف عقدا يتعلق بهذا الشيء انتقل ما يرتب هذا العقد من حقوق والتزامات الى الخلف الخاص بشروط ثلاثة:
اولها : ان يكون تاريخ العقد سابقا على كسب هذا الخلف لملكية الشيء ويراعى ان العقد يجب ان يكون ثابت التاريخ .
والثاني : ان تكون الحقوق والالتزامات الناشئة عن العقد مما يعتبر من مستلزمات هذا الشيء ويتحقق ذلك اذا كانت هذه الحقوق مكملة له كعقود التأمين مثلا، او اذا كانت تلك الالتزامات تحد من حرية الانتفاع به كما هو الشأن في الالتزام بعدم البناء .
والثالث : ان يكون الخلف قد علم بما ينتقل اليه من حقوق والتزامات ، وحكم النص مقصور على ذلك دون ان يجاوزه الى ما كان يستطيع ان يعلم به لدقة الوضع .
فاذا انشأ العقد التزامات وحقوقا شخصية تتصل بشيء ثم انتقل هذا الشيء الى خلف خاص فان هذه الالتزامات والحقوق تنتقل الى هذا الخلف مع الشيء اذا كانت من مستلزماته وكان الخلف الخاص يعلم بها وقت انتقال الشيء اليه .
ونجد تطبيقا لذلك في الموصى له بعين معينة والمشتري لعين معينة .
أ. فبالنسبة للموصى له بعين معينة :
1. اذا اشترى شخص دارا ثم اوصى بها في حدود ثلث التركة الى شخص آخر وانتقلت الدار الى الموصى له بعد موت الموصى فالظاهر ان الموصى له يرجع على البائع بضمان العيب وبضمان الاستحقاق وبضمان الهلاك اذا كانت العين لا تزال في يد البائع كما كان يرجع الموصى لو كان حيا وبذا تنتقل العين الى الخلف بالحقوق المكملة لها.
2. اذا اشترى شخص دارا ولم يقبضها ولم يدفع ثمنها فبقي الثمن دينا في ذمته ثم اوصى بها الى شخص اخر ثم مات الموصى فان الثمن يبقى دينا في التركة ولا ينتقل الى ذمة احد من الورثة ولا الى ذمة الموصى له فاذا سددت جميع ديون التركة ومنها ثمن الدار وكان ما بقي من الاموال وفيها هذه الدار بعد سداد الديون لا يقل ثلثه عن قيمة هذه الدار خلصت الدار للموصى له دون ان ينصرف اليه اثر العقد من حيث ترتيب الثمن في ذمة المدين ويتحمل الموصى له كما كان يتحمل الموصى حبس البائع للدار حتى يستوفي الثمن وفسخ العقد لو كان للبائع خيار النقد ولم يقبض الثمن في الايام الثلاثة المشترطة وفسخ ، ومن ثم ينصرف الى الخلف الخاص اثر العقد من حيث الالتزامات التي تعتبر محددة للعين .
3. اذا باع شخص دارا ولم يقبض ثمنها فبقي الثمن دينا له في ذمة المشتري واوصى بهذا الدين الى اخر في حدود ثلث التركة فبعد موته ينتقل هذا الحق الى الموصى له ويصبح هو الدائن بالثمن للمشتري فللموصى له حبس المبيع وله فسخ العقد بخيار النقد كما كان الموصى يفعل لو بقي حيا اذ الموصى له قد قام مقام الموصى في كل ذلك وبذا يكون العقد من حيث الحقوق المكملة للشيء قد انصرف الى الخلف الخاص الذي انتقلت اليه هذه العين .
4. اذا اوصى شخص لآخر بدار مرهونة او مستأجرة في حدود ثلث التركة وعند موته انتقلت العين الى الموصى له فانها تنتقل اليه مثقلة بحق المرتهن او بحق المستأجر كما كانت في حياة الموصي فعقد الرهن وعقد الايجار ينصرف اثرهما من حيث ترتيبه لالتزامات محددة للعين الى الخلف الخاص الذي انتقلت اليه العين .
فللموصى له بوصفه خلفا للموصي ينصرف اليه اثر العقد سواء اكان حقا مكملا ام التزاما محددا .
ب. وبالنسبة للمشتري لعين معينة :
المشتري لعين معينة كالموصى له بعين معينة فيما تقدم :
1. فاذا باع شخص دارا وكان قد اشتراها من اخر فاصبح المشتري من البائع الثاني خلفا خاصا له على هذه العين فاذا فرض ان بها عيبا يرجع به البائع الثاني على البائع الاول او كان للبائع الثاني خيار التعيين او خيار فوات الوصف المرغوب فيه فالمشتري باعتباره خلفا خاصا للبائع الثاني له ان يرجع بضمان العيب على البائع الاول ولو استحقت العين وكان للبائع الثاني ان يرجع بضمان الاستحقاق على البائع الاول فان المشتري له ان يرجع بدعوى الاستحقاق على البائع الاول لان هذه الحقوق مكملة للعين فتنتقل معها الى الخلف الخاص .
2. واذا اشترى شخص دارا من آخر ولم يقبضها ولم يدفع ثمنها ثم باع الدار من مشتر فاصبح هذا المشتري خلفا خاصا للبائع الثاني كما في المثال المتقدم فان البائع الاول له ان يحبس الدار عن المشتري حتى يستوفي الثمن كما كان يحبسها عن البائع الثاني ويستطيع ان يفسخ البيع بخيار النقد في حق المشتري كما كان يفعل في حق البائع الثاني وعلى ذلك فان الخلف الخاص يتحمل اثر العقد الذي يبرمه سلفه فيما يتعلق بالالتزامات التي تعتبر محددة للعين .
3. اذا باع شخص دارا مرهونة او مستأجرة فان المشتري وهو خلف خاص للبائع تنتقل اليه الدار محملة بحق المرتهن او بحق المستأجر بل ان البيع لا ينفذ الا باجازة المرتهن او المستأجر واذن فالخلف الخاص يتحمل اثر العقد من حيث الالتزامات التي تعتبر محددة .
يراجع في ذلك السنهوري مصادر الحق ( 5: 120- 123) . وهي توافق المادة (146) مصري و( 147) سوري ومشروع اردني و ( 142) عراقي .
الاصل في العقود ان تقتصر اثارها على عاقديها ، فلا يترتب ما تنشيء من التزامات الا في ذمة المتعاقدين ومن ينوب عنهم من الخلفاء والدائنين وليس الوعد بالتزام الغير الا تطبيقا لهذه القاعدة ، وكذلك الشأن فيما ترتب العقود من حقوق فلا ينصرف نفعها الا الى المتعاقدين ومن ينوب عنهم . على انه يجوز الاشتراط لمصلحة الغير وهذا الاستثناء الحقيقي الذي يرد على القاعدة .
تراجع المادة (306) من مرشد الحيران وهي تقابل المادة (152) مصري و(153) سوري ومشروع اردني .
1. ليست احكام هذه المادة الا تطبيقا للقواعد العامة في اقتصار اثار العقود فاذا تعهد شخص بان يجعل الغير يلتزم بامر ونصب نفسه زعيما بذلك فلا يكون من اثر هذا التعهد الزام هذا الغير ، وكل ما هنالك ان المتعهد يتعهد بالوفاء بالتزام بعمل شيء ، هو الحصول على اقرار الغير للتعهد الذي بذله ، ذلك هو مدى التزام المتعهد على وجه الدقة . فليس يكفي عند رفض الاقرار ان يكون هذا المتعهد قد بذل ما في وسعه للحصول عليه ولا يشترط كذلك ان يقوم من بذل التعهد عنه بتنفيذ تعهده اذا ارتضى اقراره وهذا ما يفرق الوعد بالتزام الغير عن الكفالة .
2. واذا امتنع الغير عن اجازة التعهد فلا تترتب على امتناعه هذا اية مسئولية ذلك ان التعهد لا يلزم الا المتعهد ذاته ويكون من واجبه تنفيذ التزامه ، اما بتعويض العاقد الاخر الذي صدر الوعد لمصلحته ، واما بالوفاء عينا بالتعهد الذي ورد الوعد عليه ، اذا امكن ذلك دون الحاق ضرر بالدائن ، ويستوي في هذا ان يكون التعهد متعلقا بالتزام بنقل حق عيني ، او بعمل شيء او بالامتناع عنه .
3. ويتحلل المتعهد من التزامه بمجرد اقرار الغير للتعهد ، الواقع ان التزام المتعهد ينقضي في هذه الصورة من طريق الوفاء ، ويترتب على الاقرار ان يصبح الغير مدينا مباشرة للعقد الاخر ، لا على اساس التعهد الذي قطعه المتعهد بل بناء على عقد جديد يقوم بداهة من تاريخ هذا الاقرار ما لم يتبين انه قصد صراحة او ضمنا ان يستند اثر الاقرار الى الوقت الذي صدر التعهد فيه . وغني عن البيان الاقرار ينزل منزلة القبول من هذا العقد الجديد .
ويلاحظ ان النص في القانون المدني العراقي كان هو نص المادة ( 209) من المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري وكان الكلام فيها على ( الوعد ) لا على التعهد وفي لجنة المراجعة في مجلس الشيوخ استبدلت كلمة التعهد ومشتقاتها بكلمة ( الوعد) ومشتقاتها لان التعهد يؤدي معنى الالتزام وهذا مالا يقيده الوعد الذي يعني السعي .
وقد تقدم ان المشروع اخذ براي من يرى من الفقهاء المسلمين بان الوعد ملزم وعلى ذلك يكون ( الوعد) بمعنى التعهد فكلا الكلمتين في المشروع سواء في معنى الالزام ولكن فضلت كلمة ( المتعهد) لوضوح معنى الالزام فيها .
يراجع الكاساني (5: 258) . وهي تقابل المادة (154) سوري ومشروع اردني وتقابل المادة ( 153) مصري و( 151) عراقي .
1. ينطوي الاشتراط لمصلحة الغير على خروج حقيقي على قاعدة اقتصار منافع العقود على المتعاقدين دون غيرهم فالمتعهد يلتزم قبل المشترط لمصلحة المنتفع فيكسب الاخير بذلك حقا مباشرا ، ولو انه ليس طرفا في التعاقد وبهذه المثابة يكون التعاقد بذاته مصدرا لهذه الحق ، ولهذا التصوير على بساطته ووضوحه فضل الكشف عن وجه هذا النظام وابراز مشخصاته من حيث شذوذه عن حكم القواعد العامة في القانون وكان انصراف منفعة العقد الى غير عاقديه في القوانين الاجنبية استثناء لا يطبق الا في حالات محصورة الا انه سما الى مرتبة الاصل وبسط نطاقه على سائر الحالات في خلال القرن التاسع عشر على اثر ما اصاب عقد التأمين من نمو وذيوع وقد بلغ التوسع في تطبيق هذا الاصل شاوا وانتهى الامر الى اباحة الاشتراط اذا كان المنتفع شخصا مستقبلا ، او شخصا لم يعين وقت التقاعد ما دام تعيينه مستطاعا عندما ينتج هذا التعاقد اثره كما هو الشأن في التأمين لمصلحة من ولد ومن يولد من ذرية المؤمن .ولكن هذا الاصل سلم في الفقه الاسلامي ووجد له تطبيقات عدة في الوصية والوقف وكذا الهبة عند مالك (اذ يجيز مالك الهبة للجنين وللمعدوم - احمد ابراهيم التزام التبرعات مجلة القانون والاقتصاد ج 2 صفحة 623).
2. وللمشترط ان ينقض المشارطة قبل اقرار المنتفع لها الا ان يكون ذلك منافيا لروح التعاقد وله عند نقض المشارطة ان يعين منتفعا آخر او ان يستأثر لنفسه منفعتها ما لم تكن نية المتعاقدين قد انصرفت صراحة او ضمنا الى ان الالغاء ترتب عليه ان تبرأ ذمة المتعهد قبل المشترط ولما كان نقض المشارطة امرا يرجع الى تقدير المشترط ذاته فقد قصر استعمال هذه الرخصة عليه دون دائنية او ورثته واذا رفض المنتفع المشارطة نهائيا فيكون للمشترط عين الحقوق التي تقدمت الاشارة اليها في الفرض السابق . والظاهر انه يجوز له فوق ذلك ان يطلب فسخ العقد باعتبار ان المتعهد يستحيل عليه تنفيذ التزامه قبل المنتفع .
3. واذا صح عزم المنتفع على قبول الاشتراط فيجوز له ان يعلن المتعهد او المشترط باقراره ويراعى ان هذا الاقرار تصرف قانوني ينعقد بارادة منفردة ، ولا يشترط فيه استيفاء شكل ما ولم يحدد المشروع اجلا معينا لصدوره ، ولكن يجوز انذار المنتفع بالافصاح عما يعتزم في فترة معقولة ، ويصبح حق المنتفع لازما او غير قابل للنقض بمجرد اعلان الاقرار وهو حق مباشرة مصدره العقد ويترتب على ذلك نتيجتان .
الاولى : انه يجوز للمنتفع ان يطالب بتنفيذ الاشتراط مالم يتفق على خلاف ذلك ، ولما كان للمشترط مصلحة شخصية في هذا التنفيذ وهو يفترق عن الفضولي من هذا الوجه فيجوز له ايضا ان يتولى المطالبة بنفسه الا اذا قضى العقد بغير ذلك .
والثانية : انه يجوز للمتعهد ان يتمسك قبل المنتفع بالدفوع التي تتفرع على العقد .
انظر البدائع (5: 172) ومجمع الضمانات ص 81 وابن عابدين ( 4-167 ) .
وهي تقابل المواد (155- 157) سوري ومشروع اردني و( 154- 156) مصري و( 152-154) عراقي .
يعتمد في هذا المادة على الاحكام الفقهية العامة المبينة في مراجعها الشرعية مثل رد المحتار والكاساني وغيرهما وعلى المادتين ( 285و 291) من مرشد الحيران والمادة ( 175) من المجلة وشرحها لعلي حيدر .
هذه المواد تضمنت قواعد عامة وهامة يحتاج اليها تفسير العقود وفي القضاء والمعاملات ويستعان بها حينما لا يكون نص خاص في العقد او في القانون وهي مستقاة من احكام الشريعة الاسلامية .
وتراجع المواد ( 3 و 12 و 13 و 15 و 22 و 38 ) ومن ( 40 - 48 ) ومن ( 50 - 53 و 58 ) ومن ( 60 - 66 و 87 و 95 و99 و100 ) من المجلة وشرحها لعلي حيدر .
وتقابل بعضها المواد من ( 155 - 165 ) من القانون العراقي .
?اول ما يعرض للقاضي في شأن العقد هو تفسير اذا كان في حاجة الى تفسير , وتفسير العقد هو استخلاص النية المشتركة للمتعاقدين .
فاذا فرغ القاضي من التفسير , انتقل الى تحديد نطاق العقد , فلا يقتصر في هذا التحديد على النية المشتركة للمتعاقدين ، بل يجاوز ذلك الى ما هو من مستلزمات العقد , وفقا للقانون والعرف والعدالة بحسب طبيعة الالتزام .وقد تناول المشروع تحديد نطاق العقد في المادة ( 202 ) ويتناول في المواد التالية تفسير العقد ( اهتم الفقهاء المسلمون بتفسير العقد وتحديد نطاقه ووضعوا لذلك قواعد جمعها ابن نجيم في كتابه الاشباه والنظائر كما جمعها غيره في الفقه الحنفي وغيره من المذاهب , وقد اهتمت المجلة بايراد هذه القواعد في مقدمتها ) , وقد حرص المشروع على ايراد هذه القواعد ويرجع في فهم هذه القواعد وتفسيرها الى كتب القواعد ومنها الاشباه والنظائر لابن نجيم والى شروح المجلة .
وتجدر الاشارة الى ان هناك قاعدتين هامتين في هذا الصدد يرجع اليهما كثير من القواعد الاخرى .القاعــدة الاولى :
العبرة في تفسير العقد في الفقه الاسلامي بالارادة الظاهرة لا بالارادة الباطنة :
يجب الوقوف في تفسير العقد عند الصيغ والعبارات الواردة في العقد واستخلاص معانيها الظاهرة دون الانحراف عن المعنى الظاهر الى معان اخرى بحجة انها هي المعاني التي تتمثل فيها الارادة الباطنة , فالارادة الباطنة لا شأن لنا بها اذ هي ظاهرة نفسية لا تعني الجتمع , والذي يعنيه هو الارادة الظاهرة التي اطمان اليها كل من المتعاقدين في تعامله مع الاخر , فهذه ظاهرة اجتماعية لا ظاهرة نفسية وهي التي يتكون منها العقد .
من اجل ذلك يقف المفسر عند الصيغ الواردة في العقد ويحللها تحليلا موضوعيا ليستخلص منها المعاني السائغة ويعتبر هذه المعاني هي ارادة المتعاقدين .
يراجع مثلا الكاساني ، البدائع ( 5: 133 و 235 ) والبغدادي , مجمع الضمانات ( ص 28 و 40 - 41 ) .
فنية المتعاقدين تستخلص مما دل عليه الالفاظ الواردة في العقد .
فان كان المعنى الذي يستخلص في العرف وفي الشرع واضحا لم يجز الانحراف عنه الى غيره .
وان كان المعنى غير واضح ، وجب تبين نية المتعاقدين .
فالعبرة في الفقه الاسلامي بالارادة الظاهرة كما تستخلص من العبارات والصيغ التي استعملها المتعاقدان. وفي هذا استقرار للتعامل وتحقيق للثقة المشروعة التي وضعها كل من المتعاقدين في الاخر عندما اطمان الى ما يكمن من عباراته من معان سائغة بخلاف الحال في الفقه الغربي وبخاصة الفقه اللاتيني اذ العبرة بالارادة الباطنة اما العبارة فهي دليل على الارادة ولكنه دليل يقبل اثبات العكس فاذا كان هناك خلاف بين الارادة والعبارة فالعبرة بالارادة دون العبارة وهذا بخلاف الفقه الاسلامي , وكذلك الفقه الجرماني الى مدى يقرب من الفقه الاسلامي فالعبارة هي التي يعتد بها ومنها وحدها تستخلص الارادة .
ولا يقدح في ذلك قاعدة ان ( الامور بمقاصدها ) وان ( العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للالفاظ والمباني ) ( م2 و 3 من المجلة ) ونحو ذلك فان هذه القواعد لا تعني انه يعتد بالارادة الباطنة بل المقصود ان الذي يعتد به المقاصد والمعاني التي تستخلص من العبارات والصيغ المستعملة او من دلائل موضوعية وعلامات مادية فلا تجاوز هذا البحث الموضوعي الى بحث ذاتي نستشف به الضمير ونستكشف به خفايا النفوس .
يدعم هذا قواعد كلية ثلاث وردت في المجلة اوردها المشروع :
1. الاصل في الكلام الحقيقة ( م12 من المجلة ) فلا يجوز حمل اللفظ على المجاز اذا امكن حمله على المعنى الحقيقي , فلو اوصي لولد زيد لم يدخل ولد ولده ان كان له ولد لصلبه , فان لم يكن له لصلبه استحق ولد الابن ( الاشباه والنظائر ص 36 ) .
2. لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح ( م13 من المجلة ) فاذا تعارض المفهوم صراحة مع المفهوم ضمنا , قدم الاول على الثاني , لان الدلالة المادية في الصريح ابلغ , مثل ذلك ان يهب شخص شيئا لاخر فقبض الموهوب في مجلس الهبة ولو بغير اذن الواهب صحيح لان ايجاب الواهب في مجلس الهبة اذن ضمني , ولو نهى الواهب الموهوب له عن القبض صراحة لم يصح قبضه , لان النهي الصريح يقدم على الاذن الضمني .
3. ( دليل الشيء في الامور الباطنة يقوم مقامه , يعني انه يحكم بالظاهر فيما يتعذر الاطلاع عليه ) ( م 68 من المجلة ) فاستعمال الالة المفرقة للاجزاء دليل على نية القتل. ويقول الاستاذ سليم باز في هذا الصدد ( لقد ورد في شرح المادة الثانية انه اذا تناول الملتقط اللقطة بنية ردها لصاحبها فلا يضمن لو ضاعت منه بدون تقصيره , ولما كانت النية من الامور الباطنة والاطلاع عليها متعذرا , فيستدل عليها ببعض الدلائل الظاهرة كاعلان الملتقط انه وجد لقطة ) ( شرح سليم باز على الجلة ص 48 ) .
ويراجع ايضا السيوطي , الاشباه والنظائر ( ص111 - 113 )
القاعـــدة الثانية :
وهناك قاعدة اخرى جوهرية في تفسير العقد وهي : يفسر الشك في مصلحة المدين وقد توردها التقنين العراقي في المادة ( 166 ) منه وهذا النص وان كان ماخوذا من الفقه الغربي الا انه يتفق كل الاتفاق مع قواعد تفسير العقد في الفقه الاسلامي .
فهناك قواعد كلية ثلاث اوردها ابن نجيم في الاشباه والنظائر تتضافر كلها على اقرار هذا المبدا وهي :
1 . اليقين لا يزول بالشك فاذا كان هناك شك في مديونية المدين , فاليقين انه بريء الذمة ولا يزال هذا اليقين بالشك .
2. الاصل بقاء ما كان على ما كان وبراءة الذمة تسبق المديونية فتبقى براءة الذمة قائمة على ما كانت ولا تزول الا بمديونية قامت على يقين , ويقول ابن نجيم في هذا الصدد : ومن فروع ذلك ما لو كان لزيد على عمرو الف مثلا برهن عمرو على الاداء او الابراء , الاشباه والنظائر , ابن نجيم ( ص 28 - 29 )
3. الاصل براءة الذمة فيفرض فيمن يدعى عليه بالدين انه بريء الذمة حتى يقيم من يدعي الدين الدليل القاطع على ان له دينا في ذمته , واذا كان هناك شك في مديونية المدين استصحبت براءة ذمته وفسر الشك في مصلحته .
ابن نجيم الاشباه والنظائر صفحة ( 29 ) وهي تقابل المادتين ( 151 و 152 ) سوري ومشروع اردني و ( 150 و 151 ) مصري و ( 166 و 167 ) عراقي .
?4. انحلال العقد (الاقالة) :
نظرة عامة :
1. يقصد بانحلال العقد dissolution زواله بعد ان انعقد صحيحا نافذا وقبل ان يتم تنفيذه فلا يدخل فيه انقضاؤه extinction وهو زواله بعد تنفيذه ، ولا ابطاله annulation وهو ما يرد على العقد في مرحلة الانعقاد ويكون بأثره رجعيا بحيث يعتبر العقد كأن لم يكن اما الانحلال فقد يكون له اثر رجعي وقد لا يكون .
2. والحكم في الفقه الاسلامي انه لا يجوز لاحد طرفي العقد ان يستبد بفسخ العقد بارادته المنفردة ما لم يكن العقد غير لازم بالنسبة اليه ، اما لطبيعة العقد نفسه كالوكالة والعارية والوديعة والقرض والشركة والهبة او لاقترانه بخيار يعطي هذا العاقد حق الفسخ كخيار الشرط وخيار التعيين وخيار الرؤية وخيار العيب وخيار الوصف وخيار الغلط وخيار التدليس وخيار الغبن وخيار تفريق الصفقة .
والمقصود بالعقد فيما تقدم العقد الصحيح النافذ اذ العقد الباطل منعدم فلا يرد عليه فسخ ، والعقد الفاسد واجب الرفع كما سبق والعقد غير النافذ موقوف على الاجازة : ان اجيز نفذ ، وان لم يجز بطل .
3. الا انه مع ذلك ينحل العقد اللازم بالاسباب الاتية :
أ . بالتراضي .
ب. بحكم القاضي .
ج. بقوة القانون .
4. وقد قرر المشروع الاصل العام في المادة 241 ثم تكلم على الاقالة في المواد من (242) الى (244) وعلى الاتفاق على انفساخ العقد في المادة 245 وعلى الفسخ بالقضاء في المادة (246) وعلى الانفساخ بقوة القانون في المادة (247) وعلى حكم الانحلال في المادتين (248 , 249) .
5. وقد تناول التقنين المدني المصري وما اشتق منه من تقنينات عربية تحت هذا العنوان (الدفع بعدم التنفيذ) اذا لم ينفذ الطرف الاخر التزامه والمحل الصحيح لهذا الحكم هو مجال تنفيذ العقد لا انحلال العقد لذا رؤي في المشروع معالجته في مجاله الصحيح وهو تنفيذ العقد . (تراجع المادة 203) من هذا المشروع) .
المذكرة الايضاحية :
هذه المادة تتناول القاعدة العامة وهي انه لا يجوز لاحد طرفي العقد ان يستقل بالرجوع عن العقد ولا تعديله ولا فسخه الا برضا العاقد الاخر او بمقتضى نص في القانون وهذا اذا كان العقد صحيحا لازما ويلاحظ ان العقد قد يكون لازما بالنسبة لاحد الطرفين غير لازم بالنسبة الى الطرف الاخر , كان يقترن البيع بخيار الشرط لاحد العاقدين دون الاخر او بخيار الرؤية للمشتري ففي هذه الحالة لا يجوز لمن كان العقد لازما في حقه ان يفسخ العقد ويجوز ذلك لمن كان العقد غير لازم بالنسبة اليه .ولا يدخل في نطاق هذا النص العقد الباطل , لانه مدعوم فلا يرد عليه السخ او التعديل او الرجوع لان ذلك لا يرد الا على عقد قائم , ولا العقد الفاسد , لانه واجب الرفع , كما لا يدخل فيه العقد غير النافذ اذ انه موقوف على اجازة من له الحق في الاجازة فان اجاز نفذ وان لم يجز بطل ، واما بالنسبة الى الطرف الاخر فاما ان يكون لازما او قابلا للفسخ على تفصيل سبق في العقد الموقوف ( الكاساني 5 - 306 وابن نجيم , الاشباه والنظائر ص 185 )
ويلاحظ ان الحكم العام في القانون الالماني كالحكم العام سابق البيان , يراجع : سالي , الالتزامات ( ف 171 ص 196 ) وتراجع المادة ( 306 ) من مرشد الحيران والمادة تقابل المواد ( 147 ) مصري و( 148 ) سوري ومشروع اردني ( 146 ) عراقي .
الاقالة جائزة :
1. لقوله صلى الله عليه وسلم ( من اقال نادما بيعته اقال الله عثرته يوم القيامة ).
2. ولاجماع المسلمين .
3. ولان العقد حقهما فيملكان رفعه دفعا لحاجتهما .
( الهداية وشروحها 6 - 486 اول باب الاقالة من كتاب البيوع ) وتراجع المادتان ( 190 و 1159 ) من المجلة وشرحهما لعلي حيدر , وهي توافق المادة ( 181 ) عراقي .
اختلف في ماهية الاقالة في البيع :
فقال ابو حنيفة رحمه الله : الاقالة فسخ في حق العاقدين , بيع جديد في حق ثالث سواء قبل القبض او بعده .
وروي عن ابي حنيفة انها فسخ قبل القبض بيع بعده .وقال ابو يوسف : انها بيع جديد في حق العاقدين وغيرها الا ان لا يمكن ان تجعل بيعا فتجعل فسخا وروي عنه انها بيع على كل حال .
وقال محمد : انها فسخ الا ان لا يمكن جعلها فسخا فتجعل بيعا للضرورة وقال زفر انها فسخ في حق الناس كافة .
وثمرة الخلاف تظهر في البيع : اذا تقايلا ولم يسميا الثمن الاول او سميا زيادة عن الثمن الاول او انقص من الثمن الاول او سميا جنسا اخر سوى جنس الاول قل او اكثر او اجلا الثمن الاول .
ففي قول ابي حنيفة رحمه الله : الاقالة على الثمن الاول وتسمية الزيادة والنقصان والاجل والجنس الاخر باطلة سواء كانت الاقالة قبل القبض او بعده والمبيع منقول او غير منقول لانها فسخ في حق العاقدين والفسخ رفع العقد وقع بالثمن الاول فيكون فسخه بالثمن الاول ضرورة لانه فسخ ذلك العقد وحكم الفسخ لا يختلف بين ما قبل القبض وبين ما بعده وبين المنقول وغير المنقول وتبطل تسمية الزيادة والنقصان والجنس الاخر والاجل وتبقى الاقالة صحيحة لان اطلاق تسمية هذه الاشياء لا يؤثر في الاقالة لان الاقالة لا تبطلها الشروط الفاسدة وبخلاف البيع لان الشرط الفاسد انما يؤثر في البيع لانه يمكن الربا فيه والاقالة رفع البيع فلا يتصور تمكن الربا فيه فهو الفرق بينهما .
وفي قول ابي يوسف ان كان بعد القبض فالاقالة على ما سميا لانها بيع جديد كانه باعة فيه ابتداء , وان كان قبل القبض والمبيع عقارا فكذلك لانه يمكن جعله بيعا لان بيع العقار قبل القبض جائز عنده , وان كان منقولا فالاقالة فسخ لانه لا يمكن جعلها بيعا لان بيع المبيع المنقول قبل القبض لا يجوز .
وروي عن ابي يوسف ان الاقالة بيع على كل حال فكل مالا يجوز بيعه لا تجوز اقالته فعلى هذه الرواية لا تجوز الاقالة عنده في المنقول قبل القبض لانه لا يجوز بيعه .
وعند محمد ان كان قبل القبض فالاقالة تكون على الثمن الاول وتبطل تسمية الزيادة على الثمن الاول والجنس الاخر والنقصان والاجل لانها تكون فسخا كما قاله ابو حنيفة رحمه الله لانه لا يمكن جعلها قبل القبض بيعا لان المبيع قبل القبض لا يجوز عنده منقولا كان او عقارا .
- وان كان بعد القبض .- فان تقايلا من غير تسمية الثمن اصلا او سميا الثمن الاول من غير زيادة ولا نقصان او بنقصان عن الثمن الاول فالاقالة على الثمن الاول وتبطل تسمية النقصان وتكون فسخا ايضا كما قال ابو حنيفة رحمه الله انها فسخ في الاصل ولا مانع من جعلها فسخا فتجعل فسخا وان تقايلا وسميا زيادة على الثمن الاول او على جنس اخر سوى جنس الثمن الاول قل او كثر فالاقالة على ما سميا ويكون بيعا عنده لانه لا يمكن جعلها فسخا ههنا لان من شان الفسخ ان يكون بالثمن الاول واذا لم يمكن جعلها فسخا تجعل بيعا اسميا .
وهذا بخلاف ما اذا تقايلا على انقص من الثمن الاول : ان الاقالة تكون بالثمن الاول عنده وتجعل فسخا ولا تجعل بيعا عنده لان هذا سكوت عن نقص الثمن وذلك نقص الثمن والسكوت عن النقص لا يكون اعلى من السكوت عن الثمن الاول وهناك يجعل فسخا لا بيعا فههنا اولى .
( الكاساني 5: 306 - 310 ) .
وقد رؤي في المشروع الاخذ بقول الامام ابي حنيفة بانها فسخ في حق العاقدين بيع جديد في حق ثالث سواء قبل القبض او بعده ففي ذلك نزول على الواقع بين الطرفين من ناحية وحماية للغير من ناحية اخرى .
ويراجع رد المحتار ( باب الاقالة ) ج / 4 صفحة 146 وما بعدها ) .
وهي توافق المادة ( 183 ) من القانون العراقي .
ركن الاقالة الايجاب من احد العاقدين والقبول من الاخر , فاذا وجد الايجاب من احدهما والقبول من الاخر بلفظ يدل عليهما فقد تم الركن .
ولا خلاف في انها تنعقد بلفظين يعبر بهما عن الماضي بان يقول احدهما للاخر عن المستقبل بان قال احدهما للاخر ( اقلتك ) ويقول الاخر ( قبلت ) .
وهل تنعقد بلفظين يعبر باحدهما عن الماضي ووبالاخر عن المستقبل بان قال احدهما للاخر ( اقلني ) فيقول الاخر له ( اقلتك ) قال ابو حنيفة وابو يوسف رحمهما الله : تنعقد كما في النكاح . وقال محمد : لا تنعقد الا بلفظين يعبر بهما عن الماضي كما في البيع .
وبقول ابي حنيفة وابي يوسف اخذ المشروع .
ويشترط لصحتها :
1. رضـا المتقايلين سواء في البيع على اصل ابي يوسف بانها بيع مطلق والرضا شرط صحة البياعات كلها او على اصل ابي حنيفة ومحمد وزفر بانها فسخ لعقد والعقد لا ينعقد على الصحة الا بتراضيهما فكذا لا يرفع الا بتراضيهما .
2. اتحـــاد المجلس .
3. قيام المبيع وقت الاقالة فان كان هالكا وقت الاقالة لم تصح واما قيام الثمن وقت الاقالة فلا يشترط .
4. ان يكون المبيع بمحل الفسخ بسائر اسباب الفسخ عند ابي حنيفة وزفر كالرد بخيار الشرط والرؤية والعيب فان لم يكن بان ازداد زيادة تمنع الفسخ بهذه الاسباب لا تصح الاقالة عندهما وعند ابي يوسف ومحمد هذا ليس بشرط . اما على اصل ابي يوسف فلانها بعد القبض بيع مطلق وهو بعد الزيادة محتمل للبيع فبقي محتملا للاقالة واما على اصل محمد فانها وان كانت فسخا لكن عند الامكان ولا امكان ههنا لانا لو جعلناها فسخا لم يصح ولو جعلناها بيعا لصحت فجعل بيعا لضرورة الصحة فلهذا اتفق جواب محمد مع جواب ابي يوسف في هذا .
وقد رؤي في المشروع اشتراط الشرط الرابع اخذا براي ابي حنيفة ايضا ليتوافر الاتفاق مع ما اخذ به المشروع في المادة السابقة من تكييف الاقالة .
تراجع المواد من ( 191 - 195 ) من المجلة وشرحها لعلي حيدر .
وهي تقابل المادة ( 182 ) من القانون العراقي .
1. يفترض الفسخ وجود عقد ملزم للجانبين يتخلف فيه احد العاقدين عن الوفاء بالتزامه فيطلب الاخر فسخه , ليقال بذلك من تنفيذ ما التزم به . ويقع الفسخ بناء على حكم يقضي به او بتراضي العاقدين او بحكم القانون وبذلك يكون الفسخ قضائيا او اتفاقيا او قانونيا على حسب الاحوال .
2. ففي حالة الفسخ القضائي يتخلف احد العاقدين عن الوفاء بالتزامه رغم ان الوفاء لا يزال ممكنا , ويكون العاقد الاخر بالخيار : بين المطالبة بتنفيذ العقد وبين طلب الفسخ على ان يكون قد اعذر المدين من قبل . فاذا اختار الدائن تنفيذ العقد وطلبه وهو يدخل في حدود الامكان , كما هو الرفض , تعين ان يستجيب القاضي لهذا الطلب , وجاز له ان يحكم بالتعويض اذا اقتضى الحال ذلك اما اذا اختار الفسخ , فلا يجبر القاضي على اجابته بل ويجوز له ان ينظر المدين الى مسيرة اذا طلب النظرة , مع الزامه بالتعويض عند الاقتضاء , بل يجوز له ان يقضي بذلك من تلقاء نفسه . وله كذلك , ولو كان التنفيذ جزئيا ان يقتصر على تعويض الدائن عما تخلف المدين عن تنفيذه , اذا كان ما تم تنفيذه هو الجزء الاهم في الالتزام على ان للقاضي ان يجيب الدائن الى طلبه ويقضي بفسخ العقد مع الزام المدين بالتعويض دائما ، ان كان ثمة محل لذلك . ولا يكون التعاقد ذاته في حالة الفسخ اساسا للالزام بالتعويض اذ هو ينعدم انعداما يستند اثره بفعل الفسخ , وانما يكون مصدر الالزام , وفي هذه الحالة , خطأ المدين او تقصيره , على ان القاضي لا يحكم بالفسخ الا بتوافر شروط ثلاثة :
اولها - ان يظل تنفيذ العقد ممكنا .
والثاني - ان يطلب الدائن فسخ العقد دون تنفيذه .
والثالث - ان يبقى المدين على تخلفه , فيكون من ذلك مبرر للقضاء بالفسخ .فاذا اجتمعت هذه الشروط تحقق بذلك ما ينسب الى المدين من خطأ او تقصير .
3. اما الفسخ الاتفاقي فيفترض اتفاق العاقدين على وقوع الفسخ بحكم القانون دون الحاجة الى حكم قضائي , عند التخلف عن الوفاء , ويفضي مثل هذا الاتفاق الى حرمان العاقد من ضمانتين :
أ . فالعقد يفسخ حتما دون ان يكون لهذا العاقد , بل ولا للقاضي , خيار بين الفسخ والتنفيذ . وانما يبقى الخيار للدائن بداهة فيكون له ان يرغب عن الفسخ ويصر على التنفيذ .
ب. ويقع الفسخ بحكم الاتفاق دون حاجة للتقاضي على ان ذلك لا يقيل الدائن من ضرورة الترافع الى القضاء عند منازعة المدين في واقعة تنفيذ العقد بيد ان مهمة القاضي تقتصر , في هذه الحالة , على التثبيت من هذه الواقعة فاذا تحققت لديه صحتها ابقى على العقد , والا قضى بالفسخ على ان حرمان المدين من هاتين الضمانتين لا يسقط عنه ضمانة اخرى تتمثل في ضرورة الاعذار , ما لم يتفق المتعاقدان صراحة على عدم لزوم هذا الاجراء ايضا .
4. يبقى بعد ذلك امر الفسخ القانوني وهو يقع عند انقضاء الالتزام على اثر استحالة تنفيذه , فانقضاء هذا الالتزام يستتبع انقضاء الالتزام المقابل له لتخلف المقصد منه ولهذه العلة ينفسخ العقد من تلقاء نفسه او بحكم القانون بغير حاجة الى التقاضي بل وبغير اعذار متى وضحت استحالة االتنفيذ وضوحا كافيا , على ان الترافع الى القضاء قد يكون ضروريا عند منازعة الدائن او المدين في وقوع الفسخ , بيد ان موقف القاضي في هذه الحالة يقتصر عى الاستيثاق من ان التنفيذ قد اصبح مستحيلا فاذا تحقق من ذلك يثبت وقوع الفسخ بحكم القانون , ثم يقضي بالتعويض او يرفض القضاء به تبعا لما اذا كانت هذه الاستحالة راجعة الى خطا المدين او تقصيره او الى سبب اجنبي لا يد له فيه .
5. ويترتب على الفسخ قضائيا كان او اتفاقيا او قانونيا انعدام العقد انعداما يستند اثره فيعتبر كأن لم يكن , وبهذا يعود المتعاقدان الى الحالة التي كانا عليها قبل العقد فيرد كل منهما ما تسلم بمقتضى هذا العقد , بعد ان تم فسخه , واذا اصبح الرد مستحيلا وجب التعويض على الملتزم للاحكام الخاصة بدفع غير المستحق .
تراجع المادتان ( 82 و 83 ) من المجلة وشرحهما لعلي حيدر .
وهاتان المادتان توافقان المواد ( 157 و 158 ) مصري و ( 158 و 159) سوري ومشروع اردني و ( 177 و 178 ) عراقي .
1. تتناول هذه المادة حالة استحالة تنفيذ احد الالتزمات المتقابلة في العقود الملزمة للجانبين بقوة قاهرة ( بآفة سماوية ) سواء وردت هذه العقود على الملكية كالبيع او وردت على المنفعة كالاجارة او كان العقد شركة ففي هذه الحالة ينقضي الالتزام الذي استحال لانه لا التزام بمستحيل وينقضي الالتزام المقابل له لارتباطه به , ففي البيع مثلا اذا هلك المبيع في يد البائع قبل التسلبم فاستحال على البائع الوفاء بالتزامه بالتسليم سقط عنه هذا الالتزام لاستحالته ولكن من باب المقابلة يسقط عن المشتري الالتزام المقابل وهو الالتزام بدفع الثمن .
2. فاذا كانت الاستحالة كلية اي اصبح تنفيذ الالتزام كله مستحيلا بأن هلك البيع كله قبل التسليم سقط الالتزام المقابل بجملته فيسقط الثمن كله عن المشتري .
3. واذا كانت الاستحالة جزئية بأن هلك بعض المبيع في يد البائع قبل تسليمه للمشتري سقط من الالتزام المقابل - وهو الالتزام بدفع الثمن , ما يقابله , فاذا هلك نصف المبيع مثلا في يد البائع قبل التسليم سقط المشتري نصف الثمن , ويفرق الحنفية في هذا بين ما اذا كان الهلاك هلاك قدر وبين ما اذا كان الهلاك وصف ففي نقصان القدر يسقط عن المشتري من الثمن بنسبة الهالك لان كل جزء في المقدرات يقابله جزء من الثمن , اما اذا كان الهلاك هلاك وصف فلا يسقط شيء من الثمن لان الاوصاف لا يقابلها شيء من الثمن ولكن يكون للمشتري حق الفسخ لفوات الوصف , فان لم يفسخ وجب عليه الثمن كله .
4. واذا كانت الاستحالة وقتية كـأرض مستأجرة غشيها الماء فلم تصلح للزراعة مدة ما سقط عن المستأجر من الاجرة ما يستحق في هذه المدة ولكن لا ينفسخ العقد من تلقاء نفسه وانما يكون قابلا للفسخ فان فسخه المستأجر انقضى العقد وان لم يفسخه بقي .
5. وفي حالة الاستحالة الجزئية والوقتية يجوز للدائن ان يفسخ العقد , ولكن الفسخ هنا لا يقع الا باعلان ارادة الدائن الى المدين ( اخبار ) ولكن دون حاجة الى التراضي او التقاضي . المقصود بالدائن والمدين هنا الدائن والمدين بالالتزام المستحيل اما الانفساخ فيقع بقوة القانون اي دون حاجة الى تراض او تقاض او اخبار .
- وانفساخ العقد او فسخه يرجع اثره الى الماضي حتى ان العقد المنفسخ او المفسوخ يعتبر كأن لم يكن , وهذا اذا كان العقد منشئا لالتزام فوري كالبيع . اما اذا كان منشئا لالتزام متتابع كالاجارة فانه ليس للانفساخ ولا للفسخ اثر في الماضي بل اثرهما مقصور على المستقبل .
وتراجع المذكرة الايضاحية للمادة السابقة وهي تقابل المواد ( 159 ) مصري و ( 160 ) سوري ومشروع اردني و ( 179 و 180 ) عراقي .
تراجع المذكرة الايضاحية للمادة ( 246 ) وتقابل المادة ( 160 ) مصري و ( 161 ) سوري ومشروع اردني ( 180 ) عراقي .
تنطبق الاحكام الخاصة بحق الحبس في احوال انحلال العقود الملزمة للجانبين لسبب من اسباب البطلان او الفسخ او الالغاء او الاقالة . ذلك ان انحلال العقد يوجب على كل من المتعاقدين رد ما ادي اليه فيجوز لكل منهما ان يحبس ما استوفاه ما دام المتعاقد الاخر لم يرد اليه ما تسلمه منه او لم يقدم تأمينا لضمان ذلك فلا يجوز مثلا للبائع وفاء اذا استعمل حقه في الاسترداد وانفسخ البيع بذلك ان يسترد الشيء المبيع الا بعد ان يؤدي للمشتري ما هو مستحق له وفقا للاحكام الخاصة بذلك .
?الفصل الثاني
التصرف الانفرادي
نظرة عامة :
1. اختلفت القوانين في مدى قدرة الارادة المنفردة على انشاء التزام : هل تعتبر مصدرا عاما للالتزام ام لا فالمشروع الفرنسي والايطالي قررا المبدأ العام وهو ان الارادة المنفردة قادرة على انشاء الالتزام اذ نص في المادة (60) بأن الارادة المنفردة اذا كانت مكتوبة واقترنت بأجل محدد تلزم صاحبها بمجرد وصولها الى علم من توجهت اليه ولم يرفضها وتنطبق على الارادة المنفردة القواعد التي تنطبق على العقد عدا القواعد المتعلقة بضرورة توافق الارادتين لانشاء الالتزامات .
والتشريع الالماني لم يأخذ كقاعدة عامة بقدرة الارادة المنفردة على انشاء الالتزام وانما اخذ بها على سبيل الاستثناء حيث يوجد نص بذلك .
اما التشريع المصري فكان قد اخذ في المشروع التمهيدي كمبدأ عام بقدرة الارادة المنفردة على انشاء الالتزام اذ نص في المادة (228) منه على ما يأتي :
1. اذا كان الوعد الصادر من جانب واحد مكتوبا وكان لمدة معينة ، فان هذا الوعد يلزم صاحبه من الوقت الذي يصل فيه الى علم من وجه اليه ما دام هذا لم يرفضه .
2. وتسري على هذا الوعد الاحكام الخاصة بالعقود ، الا ما تعلق منها بضرورة وجود ارادتين متتطابقتين لانشاء الالتزام .
3. ويبقى الايجاب في العقود خاضعا للاحكام الخاصة به ويسري حكم المادة التالية على كل وعد بجائزة يوجه الى الجمهور .ولكن لجنة المراجعة حذفت هذا النص وكان حذفه عدولا عن وضع قاعدة عامة تجعل الارادة المنفردة ملزمة واكتفت بالحالات المنصوص عليها في القانون التي تنشىء فيها الارادة المنفردة التزاما وهي حالات واردة على سبيل الاستثناء ومن امثلة هذه الحالات الايجاب الملزم (م 93 مصري) والوعد بجائزة الموجه للجمهور (م 162 مصري) وانشاء المؤسسات (م 70/1 مصري) وتطهير العقار المرهون رهنا رسميا (م 1066 مصري) .
ويلاحظ ان للارادة المنفردة في القانون آثارا قانونية اخرى غير انشاء الالتزام .
- فقد تنشىء الحق الشخصي في حالات خاصة (م 162 مدني مصري) .
- وقد تكون سببا لكسب الحقوق العينية كالوصية .
- وقد تكون سببا لسقوطها كالتنازل عن حق ارتفاق او حق رهن .
- وقد تثبت حقا شخصيا ناشئا عن عقد قابل للابطال كالاجازة .
- وقد تجعل عقدا يسري على الغير كالاقرار .
- وقد تنهي رابطة عقدية كعزل الوكيل او نزوله عن الوكالة .
- وقد تسقط الحق الشخصي كالابراء (م 371 مدني مصري) .
2. اما في الفقه الاسلامي فللارادة المنفردة مجال كبير اذ تكفي الارادة المنفردة لانشاء كثير من التصرفات اهمها : الطلاق والتفويض فيه - الرجعة - الايلاء - الظهار - الاعتاق - التدبير - الوقف - الجعالة - الهبة (والعمري والرقبي على رأي) الهدية الصدقة - الوصية وقبولها والرجوع فيها وردها - الايصاء - العارية والقرض والكفالة وردها والرهن (على القول بانها تصرفات انفرادية) اسقاط الشفعة - الاباحة او التحليل - الاسقاط الابراء - النذر - الوعد (التزام المعروف) - الاستصناع على القول بأنه وعد - اليمين (لتقوية عزم الحالف على عمل شيء) التملك باستعمال حق التملك - الايجاب - الرجوع عن الايجاب - رد الايجاب - القبول - اذن الصبي والعبد في التجارة - عزل الوكيل - الحجر على العبد المأذون - استعمال حق الخيار واسقاطه - فسخ العقد غير اللازم - اجازة العقد الموقوف . يضاف اليها الاقرار والانكار واليمين (كوسيلة للاثبات) على ما ذكره الكاساني من ان الاخبار تصرف شرعي ايضا . (الكاساني 7 : 182) .
وهذه التصرفات الانفرادية انواع مختلفة .
- فمنها ما يكون الغرض منه تمليك مال ، او تمليك منفعة عين من الاعيان كما في الوصية او تمليك حق كما في التفويض في الطلاق او حبس عين لدى الدائن كما في الرهن .
- ومنها ما يكون الغرض منه انهاء عقد وذلك في قيام احد العاقدين بأنهاء عقد غير لازم ، او انفاذ عقد وامضاءه كما في اجازة العقد الموقوف .
- ومنها ما يكون الغرض منه اسقاط حق كما في اسقاط حق الشفعة .
فهذه التصرفات اما تبرعات او اسقاطات او اطلاقات او تقييدات او توثيقات او اباحات وبطريقة اخرى هذه التصرفات اما ان ترد على مال (ملكية او منفعة) او على حق او على تصرف . ومن هذه الانواع ما يكون له شبهان وفيما يلي بيانها باختصار .
أ . التصرفات التي ترد على المال (التمليكات) وكلها بدون عوض وهي اما ان يقصد بها التمليك او التملك (بدون عوض) .
1. فالمقصود بها التمليك (تمليك العين او المنفعة او الانتفاع) هي الوصية - الوقف - الصدقة - الاباحة - الابراء (وعلى بعض الاقوال الهبة والعمري والرقبي والعارية والقرض) .
2. والمقصود بها التملك هي - التملك باستعمال حق التملك ومن امثلته تملك احد الشريكين او الشركاء في الدين المشترك حصته فيما يقبضه احد الشركاء من هذا الدين فان ما يقبضه عندئذ ملك له خاصة ولا يعد فيه وكيلا عن صاحبه اذ لم يوكله في القبض ولذا يملكه بقبضه ومع ذلك يكون لشريكه ان يشاركه فيما قبض بنسبة حصته في الدين فيملك منه بقدر ذلك بارادته المنفردة رغما عن شريكه القابض وتملك الوارث لتركة مدينه المستغرقة بالدين بارادته المنفردة اذا وفى ما عليها من دين من ماله - القبول في البيع - قبول الموصى له بعد وفاة الموصي مصرا على وصيته - حق الواهب في ان يرجع في هبته فيعود اليه ما وهب .
ب. التصرفات التي ترد على حق باطلاقه او تقييده او اسقاطه او توثيقه او اثباته (على القول بأن الاخبار تصرف) .
1. قد ترد على حق باطلاقه (الاطلاقات) اي اطلاق الحق في التصرف مثل الايصاء - الاذن للصبي في التجارة - التفويض في الطلاق .
2. وقد ترد على حق بتقييده (التقييدات) مثل ، عزل الوكيل - الحجر على العبد المأذون - الرجعة .
3. وقد ترد على حق باسقاطه اسقاطا محضا (الاسقاطات) مثل : الطلاق - اسقاط الحقوق الشخصية بما فيها الديون - اسقاط الشفعة - تسليم الشفعة - اسقاط حق الخيار - الابراء - الوقف .
4. وقد ترد على حق بتوثيقه مثل الاذن في حبس العين (اما الرهن والكفالة فعقدان على الراجح) .
5. وقد ترد على حق باثباته (على القول بأن الاخبار تصرف مثل الاقرار والانكار واليمين) .
ج. التصرفات التي ترد على تصرف سابق او لاحق :
1. التي ترد على تصرف سابق : قد ترد عليه :
- بالتصحيح او الامضاء او الاتمام : كاجازة العقد الموقوف وقبول الايجاب .
- بالوفاء به : كتسليم المبيع او دفع الثمن .
- بالانهاء او الابطال : كالطلاق يرد على الزواج ، والفسخ بخيار يرد على المبيع مثلا وفسخ الاجارة بعذر - والرجوع عن الايجاب ورد الايجاب - والرجوع في الوصية والهبة .
2. التي ترد على تصرف لاحق : مثل الايجاب - الاذن للصبي في التصرف - الوعد (على القول بالزامه) .
وفي الفقه الاسلامي كما في القانون على ما تقدم قد تحدث الارادة المنفردة آثارا اخرى غير انشاء الحق .
- فتارة تكون سببا لكسب الملكية كالوصية .
- وتارة تكون اسقاط كالابراء والوقف .
- ونذكر الى جانب ذلك اجازة العقد ، واقراره من الغير ، واستعمال خيار من الخيارات المعروفة وعزل الوكيل واجازة الوصية .
كل هذه وغيرها ارادات منفردة تحدث آثارا قانونية مختلفة كل ارادة بحسب ما تقصد اليه .
3. وقد تبع المشروع في الارادة المنفردة احكام الفقه الاسلامي غير ملتزم مذهبا معينا وسلك النهج الاتي :
- استبعاد المسائل الخاصة بالرقيق كالاعتاق والتدبير والاذن للعبد في التجارة والحجر عليه .
- عدم التعرض للتصرفات الداخلة في نطاق ما يسمى بالاحوال الشخصية لاقتصار هذا المشروع على المعاملات المالية .
- تناول التصرف الانفرادي بوجه عام : هل تكفي الارادة المنفردة كقاعدة عامة لانشاء تصرف ام ان ذلك محصور في حالات خاصة بينها نصوص .
- الاحالة على ما سبق في العقد فيما يتعلق بالاحكام المشتركة بين التصرف الانفرادي والعقد فيدخل في هذه الاحالة اعلان الارادة والنيابة والاهلية والمحل والمقصد والجزاء على تخلف الركن او الشرط . ويخرج عنها ما كان خاصا بالعقد من وجوب توفر ارادتين متطابقتين لانشاء العقد .
- ترك الكلام تفصيلا على كل تصرف من التصرفات الانفرادية الى موضعه من التقنين مثل : الوقف - الوصية - وقبولها والرجوع فيها - تسليم الشفعة - الايجاب والرجوع فيه - القبول - اجازة العقد الموقوف - فسخ العقد - استعمال الخيار واسقاطه - رد الكفالة - عزل الوكيل .... الخ .
المذكرة الايضاحية :
الظاهر في الفقه الاسلامي ان المرجع في اشتراط ارادتين متقابلتين او الاكتفاء واحدة لانشاء التصرف هو ما اذا كان التصرف من المعاوضات او من التبرعات
- فان كان معاوضة ابتداء وانتهاء كالبيع والاجارة , فلا يتم الا بايجاب وقبول من الطرفين .
- وان كان تبرعا ابتداء معاوضة انتهاء ، كالكفالة والقرض ، ففيه خلاف والراجح ان الركن هو الايجاب والقبول .
- وان كان تبرعا ابتداء وانتهاء كالهبة والعارية , فالراجح ان الركن الايجاب فقط والقبول غير لازم .
فالتصرف في الفقه الاسلامي يتم بايجاب وقبول اذا كان من شأنه ان يرتب التزاما في جانب كل من الطرفين ولو انتهاء اما التصرف الذي يرتب التزاما في جانب احد الطرفين دون الاخر فيتم بايجاب الطرف الملتزم وحده . فكأن الالتزام يكفي في انشائه ارادة الملتزم وحدها , وكأن العقد نفسه , وهو ايجاب وقبوله , يقوم التزام كل طرف فيه ارادته دون اعتبار لارادة الطرف الاخر . وعلى ذلك يمكن القول بان الاصل في التصرفات في الفقه الاسلامي هو الارادة المنفردة لا العقد.
وهذه المادة تتناول المبدا العام فتقرر انعقاد التصرف بالارادة المنفردة ما دام لا يلزم غير المتصرف وهي تتناول التصرف من حيث انعقاده اما اثره فستتناوله المادة ( 253 ) .
متى تقرر مبدا انعقاد التصرف بمجرد الارادة المنفردة تعين سريان احكام العقود عليه ويترتب على ذلك وجوب توافر اهلية التعاقد في الملتزم وخلو ارادته مما يشوب الرضا من عيوب وقيام التزامه على محل ومقصد ( اي سبب باصطلاح القانون ) تتوافر فيهما الشروط الللازمة ويستثنى من هذه الاحكام بداهة ما يتعلق بضرورة توافق الارادتين ما دامت الارادة المنفردة هي مصدر الالتزام وهي تقابل المادة ( 184 عراقي.
?التصرف الصادر من جانب واحد يمتاز بانعقاده بارادة واحدة دون حاجة الى القبول وهذا ما يفرقه عن العقد فالعقد لا يتم الا بايجاب وقبول والتصرف الانفرادي يتم بارادة واحدة .ومن الاهمية بمكان تبين ما اذا كان يقصد بالتعبير عن الارادة الى الارتباط بوعد من جانب واحد ام الى مجرد الايجاب فمن المعلوم ان الايجاب , وان كانت له قوة في الالزام من حيث جواز العدول عنه الا انه لابد ان يقترن به القبول حتى ينعقد العقد وينشأ الالتزام الذي يراد ترتيبه بالعقد .
- ويفترض عند الشك في مرمى التعبير عن الارادة انه قصد به الى مجرد الايجاب ويقع عبء اثبات قيام الوعد الصادر من جانب واحد على عاتق الدائن الذي يدعي ذلك .
( وتراجع المذكرة الايضاحية للمادة التالية ) .
?تتناول هذه المادة حكم التصرف الانفرادي بعد ان تناولت المادة ( 250 ) انعقاده , والتصرف الانفرادي ( والكلام منحصر فيه هنا ) اما اثبات او اسقاط .
فالاثبات يقصد به اثبات حق الاخر كالهبة استحسانا ( اذ الهبة في الاستحسان ركنها الايجاب من الواهب
فقط فاما القبول من الموهوب فليس بركن ) والصدقة والوصية .
والاسقاط يقصد به انهاء حق لا الى مالك وذلك بازالته ازالة تامة وتلاشيه نهائيا كاسقاط حق الشفيع في الاخذ بالشفعة واسقاط حق الخيار .
فاذا كان التصرف تمليكا فلا يثبت حكمه للمتصرف اليه الا بقبوله لانه لا يجوز تمليك شخص شيئا بغير قبوله .
واذا كان التصرف اسقاطا فان الحق يتلاشى نهائيا بالارادة المنفردة دون حاجة الى قبول ولا يرتد بالرد ولا يصح الرجوع فيه لان اثره السقوط والساقط لا يعود .
وهناك من التصرفات ما فيه الشبهان : شبه بالاسقاط وشبه بالتمليك كهبة الدين للمدين ( عند الجمهور ) والابراء من الدين فلشبهه بالاسقاط لا يتوقف حكمه على القبول ولا يقبل الرجوع فيه من المسقط ولشبهه بالتملك يرتد بالرد
والامر يحتاج بالنسبة للاسقاط والابراء الى التفصيل الاتي :
الاسقــــاط :
الاسقاط هوالانهاء لا الى مالك اخر اي بازالته تامة وتلاشيه نهائيا ومثاله اسقاط الشفيع حقه في الاخذ بالشفعة .
فالنقل لا يكون اسقاطا لان الاسقاط يكون بالانهاء فاذا اجر المستاجر العين المستاجرة لغيره لا يعتبر مسقطا حقه وانما يكون مملكا له .
ولذلك فالاسقاط لا يرد على الاعيان لان الاعيان لا تتلاشى بقول يصدر من مالكها وانما يرد على الحقوق لانها التي تتلاشى فيرد على حق الملكية وحق الرهن وحقوق الارتفاق وحق الحبس .ومن صور الاسقاط الطلاق المجرد عن العوض بخلاف الطلاق على مال فهو معاوضة . والاسقاط لا يكون الا في الحقوق الموجودة فعلا فهي التي تقبل الزوال والانتهاء اما الحقوق قبل وجودها فلا تقبل الاسقاط لان اسقاط الساقط محال فاسقاط الحق قبل وجوده باطل لا اثر له .
وعلى ذلك فاذا اسقط الشفيع حقه قبل تمام البيع الذي يترتب عليه هذا الحق فانه لا يسقط وكذلك الابراء من الدين قبل وجوده .
وهل يتم الاسقاط بالارادة المنفردة يجب ان نفرق بين ما اذا كان الاسقاط اسقاطا محضا وبين ما اذا كان اسقاطا فيه معنى التمليك .
ومثــال الاول اسقاط حق الشفيع في الاخذ باشفعة واسقاط حق الخيار واجازة العقد الموقوف ( لانها اسقاط الحق في فسخه ) وكذا فسخه والابراء عن الكفالة والابراء عن الحوالة .
ومثــال الثانــي الابراء من الدين وهبة الدين للمدين اذ في هاتين الصورتين يترتب على الاسقاط ثبوت الحق لمن تحملت ذمته به .
ففي الحــالة الاولــى ظاهر ان الاسقاط يرد على حق بحيث يتلاشى ويزول نهائيا فلا ينتقل الى شخص آخر , وفي هذه الحالة يترتب على الاسقاط اثره وهو تلاشي الحق نهائيا بمجرد الارادة المنفردة دون حاجة الى قبول ولا يرتد بالرد ولا يصح الرجوع فيه لان اثره السقوط والساقط لا يعود .
في الحــالة الثانيــة حيث يكون في الاسقاط معني التمليك يكون للاسقاط شبهان شبه بالاسقاط وشبه بالتمليك , والاسقاط في هذه الحالة ايضا لا يتوقف على القبول ولا يقبل الرجوع فيه من المسقط بل يلزم بمجرد صدور العبارة منه ولكنه يرتد بالرد لما فيه من معنى التمليك , وقال زفر انه يتوقف على قبول المدين , وفي هبة الدين للمدين قال البعض انها لا تتوقف على القبول , وهو مذهب الجمهور وقال البعض انها تتوقف على القبول .
وهل رد الاسقاط الذي فيه معنى التمليك يتقيد بالمجلس ذهب البعض الى انه لا يصح الا في مجلس الاسقاط , وذهب اخرون الى انه يصح في المجلس وبعده وصح القول الاول في الصيرفية .
الابــــراء :
الابراء اسقاط الدين عن المدين اي اخلاء ذمته منه فمحله دائما الدين واما الاعيان التي لا تتعلق بالذمة فليست محلا للابراء .
واذا وقع الابراء على عين مضمونة كان ابرأ من قيمتها ان هلكت بسبب موجب للضمان اما غير ذلك فلا اثر للابراء اذا وقع على عين بحيث يجوز المطالبة بالعين رغم الابراء منها .
فاذا امهر الرجل زوجته عينا من الاعيان , عقارا او منقولا , فابرات زوجها منه فلا يصح ابراؤها ولو قبله الزوج فلها ان تطالبه به بعد ذلك , ولكن لهذا الابراء تأثير اخر , وهو تغيير صفة اليد فبعد ان كانت يد الزوج على المهر يد ضمان تصبح بهذا الابراء يد امانة فيعتبر المهر في يده وديعة فلا يضمنه عند الهلاك الا بسبب التعدي او الاهمال .
ويتم الابراء بارادة المبرئ وحده اذ هو اسقاط فلا يتوقف على القبول ولكنه يرتد بالرد لما فيه من معنى التمليك اتقاء المنة .
وفي الاشباه ان الابراء يرتد بالرد الا في مسائل :
- اذا ابرأ المحال عليه فرد ابراءه لم يرتد وقيل يرتد .
- اذا قال المدين لدائنه ( ابرئني ) فابراه , فرد الابراء , لا يرتد .
- اذا ابرأ الدائن الكفيل فرده لم يرتد وقيل يرتد .
- لو قبل المدين الابراء ثم رده لم يرتد .
وهل يشترط الرد في المجلس قولان مصححان بناء على تغليب معنى التمليك او الاسقاط في الابراء , ويشترط ان يكون الدين المبرئ منه قائما وقت الابراء لان الابراء نوع من الاسقاط , والاسقاط لا يكون الا لشخص موجود فعلا حتى يمكن تصوره , فالابراء من المعدوم باطل لعدم مصادفة المحل .
والابراء قد يكون خاصا وقد يكون عاما , فالابراء الخاص كان يبرئ شخصا معينا او اشخاصا معينين من حق معين له قبله او قبلهم , والابراء العام كالابراء من جميع الدعاوى او الحقوق التي لشخص قبل شخص معين او جماعة معينين .
ولا بد ان يكون المبرأ معينا ولا شمول له لما بعده , بل للمبرئ ان يطالب مدينه بما استجد له من الحقوق بعد الابراء .
ومتى تم الابراء صحيحا سقط الحق فلا يعود عملا بالقاعدة ( الساقط لا يعود ) تراجع المواد ( 224 و 236 و 239 ) من مرشد الحيران .
الالتزام يطلق في الفقه الاسلامي على الصورة العامة للالتزام بالارادة المنفردة فيقال المطلوبات المترتبة على الالتزام اي الالتزامات الناشئة عن الارادة المنفردة .
فاذا التزم شخص بمال يعطيه لشخص آخر دون ان يتعاقد معه فهل يتقيد الملتزم بارادته المنفردة هذه ان يعطي المال الذي التزم باعطائه .ذهب الحنيفة والشافعية والحنابلة الى ان هذا من قبيل التبرع ، والتبرع غير ملزم عندهم وخالف في ذلك مالك وفيما يلي خلاصة لمذهبه .الالتزام عند المالكية :
الالتزام في عرف الفقهاء هو الزام الشخص نفسه شيئا من المعروف مطلقا او معلقا على شيء - فهو بمعنى العطية (وأركان الالتزام اربعة كأركان الهبة . الملتزم بكسر الزاي) والملتزم له ، والملتزم به ، والصيغة (ويشترط في كل ركن منها ما يشترط في الهبة) .
فيشترط في الملتزم ان يكون اهلا للتبرع الا ان يكون من باب المعاوضة فيشترط في الملتزم فيه اهلية
المعاوضة فقط (ويشترط في الملتزم له ان يكون ممن يصح ان يملك او يملك الناس الانتفاع كالمساجد والقناطر) .
واما الملتزم به فهو كل ما فيه منفعة وسواء كان فيه غرر ام لا الا فيما كان من باب المعاوضة فيشترط فيه انتفاء الغرر .
واما الركن الرابع وهو الصيغة فهي لفظ او ما يقوم مقامه من اشارة ان نحوها تدل على الزام الشخص نفسه ما التزمه .
واذا لم يكن الالتزام على وجه المعاوضة فلا يتم الا بالحيازة ويبطل بالموت والفلس قبلها كما في سائر التبرعات .
ويدخل في التزام الصدقة والهبة والحبس والعارية والعمري والعرية والمنحة والارفاق والاخدام والاسكان والنذر ، والضمان والالتزام بالمعنى الاخص اي بلفظ الالتزام .
ويقضي به على الملتزم ما لم يفلس او يمت او يمرض مرض الموت ان كان المتلزم له (بفتح الزاي) معينا وليس في القضاء به خلاف الا على القول بأن الهبة لا تلزم بالقول وهو خلاف المعروف من المذهب بل نقل ابن رشد الاتفاق على لزوم الهبة بالقول .
اما اذا كان الالتزام لغير معين كالمساكين والفقراء ونحو ذلك فالمشهور من المذهب ان يؤمر بالوفاء بما التزمه ولا يقضى به .
والعدة او الوعد ، اخبار عن انشاء المخبر معروفا في المستقبل . فهو ما يفرضه الشخص على نفسه لغيره بالاضافة الى المستقبل لا على سبيل الالتزام في الحال .
والجمهور (ومنهم الحنفية واهل الظاهر) على ان الوفاء بالوعد غير لازم قضاء فليس للموعود مطالبة الواعد قضاء بالوفاء به .
وقال ابن شبرمة : الوعد كله لازم ويقضى به على الواعد ويجبر .
وفي المذهب المالكي الوفاء بالعدة مطلوب بلا خلاف ولكن هل يجب القضاء بها اختلف على اربعة اقوال .
فقيل : يقضى بها مطلقا .
وقيل : لا يقضى بها مطلقا .
وقيل : يقضى بها ان كانت على سبب وان لم يدخل الموعود بسبب العدة في شيء كقولك . اريد ان اتزوج او ان اشتري كذا فأسلفني كذا فقال (نعم) ثم بدا له قبل ان يتزوج او ان يشتري ، فان ذلك يلزمه ويقضى عليه به ، فان لم يترك الامر الذي وعدك عليه وكذا لو لم تسأله وقال لك هو من نفسه (انا اسلفك كذا او اهب لك كذا لتقضي دينك او لتتزوج) او نحو ذلك فان ذلك يلزمه ويقضى به عليه .
اما ان كانت على غير سبب فلا ، كما اذا قلت (اسلفني كذا) ولم تذكر سببا او (اعرني دابتك او بقرك) ولم تذكر سفرا ولا حاجة فقال (نعم) ثم بدا له او قال هو من نفسه (انا اسلفك كذا) او (اهب لك كذا) ولم يذكر سببا ثم بدا له .
والرابع يقضى بها ان كانت على سبب ودخل الموعود بسبب العدة في شيء وهذا هو المشهور من الاقوال .
وقد يقع الوعد على عقد او عمل كأن يعد شخص آخر ببيعه ارضا او ببنائه دارا .
وقد رؤي الاخذ في المشروع برأي ابن شبرمة وما وافقه في المذهب المالكي استجابة لمبدأ البر بالعهود الذي تفرضه الاديان والاخلاق وحسن النية في المعاملات بين الناس .
(الحطاب ، تحرير الكلام في مسائل الالتزام ، المنشور في فتاوى عليش ج/1 ص/180 وما بعدها) .
?1. الجعالة هي الالتزام بمال معلوم نظير عمل معين معلوم او لابسته جهالة . وقد يكون الايجاب موجها لشخص معلوم او لشخص غير معلوم .
وصورتها ان يقول شخص لآخر (ان رددت علي فرسي الضال فلك كذا) او (من رد علي فرسي الضال فله كذا) .
فالجعل فيها يكون نظير عمل معين وقد يكون هذا العمل مجهولا بعض الجهالة .
وهي عقد فاسد عند الحنفية ، لانه من قبيل الاجارة التي لم تستوف شروط صحتها من العلم بالعمل والعلم بالاجير وقبوله في المجلس والعلم بالمدة فيما يحتاج الى مدة وغير ذلك من الشروط .
(يراجع ابن حزم ، المحلى 8 / البند 1327 وما بعده والكاساني البدائع 4 : 184) .
ويرى المالكية والشافعية والحنابلة والشيعة الجعفرية وبعض الزيدية انها عقد صحيح ويرى اهل الظاهر انه لا يقضى بها وان استحب الوفاء .
فهي تنعقد بمجرد ارادة الجاعل ما دام العمل لم يشرع فيه احد .
فان شرع فيه احد وهو يعلم بالجعل اصبح الجاعل ملتزما ولكن العامل لا يلتزم بالاستمرار فيه . فاذا قام بالعمل واتمه وجب له الجعل .
ولكنه اذا قام به غير عالم بالجعل لم يستحق شيئا لانه متبرع في هذه الحالة وبالمذهب المالكي اخذ المشروع.
2. ويجب التفريق في هذا الصدد بين ما اذا كان الواعد قد حدد مدة لوعده وبين ما اذا كان قد ترك المدة دون تحديد .
ففي الحالة الاولى : يلتزم الواعد نهائيا بمشيئته وحدها ، دون ان يكون له ان يعدل عن وعده ، خلال المدة المحددة ، فاذا انقضت هذه المدة ولم يقم احد بالعمل المطلوب ، تحلل الواعد من وعده ولو انجز هذا العمل فيما بعد ، اما اذا تم القيام بالعمل المطلوب قبل انتهاء المدة ، فيصبح من قام به دائنا بالجائزة من فوره ولو لم يصدر في ذلك عن رغبة في الحصول عليها ، بل ولو كان جاهلا بالوعد . وفي هذا ما ينفي عن الوعد بالجائزة صفته العقدية ، فهذه الصفة ليست في رأي المشروع من مستلزماته وقد عمم في العبارة حتى تصدق على ما تم قبل اعلان الوعد بالجائزة وما يتم بعد اعلانه لان هناك من الصور ما هو جدير بدخوله في دائرة تطبيق نص المادة والواجب ان يستحقها الشخص ما دام قد قام بكل ما يشترطه الواعد .
اما في الحالة الثانية : حيث لا يحدد اجل لاداء العمل المطلوب ، فيلتزم الواعد رغم ذلك بالوعد الصادر من جانبه . ولكن يكون له ان يعدل عنه ، وفقا للاوضاع التي صدر بها بأن يحصل العدول علنا بطريق النشر في الصحف او اللصق مثلا . ولا تخلو الحال في الفترة التي تمضي بين اعلان الوعد والرجوع فيه من احد فروض ثلاثة :
أ . اذا لم يكن قد بدىء في تنفيذ العمل المطلوب تحلل الواعد نهائيا من نتائج وعده .
ب . اذا كان العمل المطلوب قد تم كله قبل اعلان العدول فغني عن البيان ان الجائزة تصبح واجبة الاداء ، بمقتضى الوعد المعقود بمشيئة الواعد وحده .
ج. اذا كان قد بدء في تنفيذ هذا العمل ، دون ان يبلغ مرحلة الاتمام فتطبق القواعد العامة للمسئولية . وقد رؤي ترك الحكم فيها للقواعد العامة في المسئولية خوفا من ان يثير النص اشكالات كثيرة وتعقيدات في التطبيق اذ يخشى ان يدعي كل شخص انه بعد اعلان الوعد بدأ في القيام بالعمل المطلوب والعدول اضره ولانه اذا تقررت الجائزة لعمل جزئي فات الغرض من التشجيع على الاعمال النافعة .
وقد نص على سقوط دعوى المطالبة بالجائزة اذا لم ترفع خلال ثلاثة اشهر من تاريخ اعلان العدول للجمهور وذلك لقطع السبيل على كل محاولة مصطنعة يراد بها استغلال الوعد بالجائزة بعد اعلان العدول وحسم المنازعات التي تنشأ بسبب تقادم العهد على الجائزة وصعوبة الاثبات ولذلك جعلت مدة السقوط ثلاثة اشهر .
3. ولا يبقى ، بعد هذا سوى بعض مسائل تفصيلية عرضت لها التقنينات الاجنبية بأحكام تشريعية خاصة واغفل المشروع ذكرها ، مكتفيا في شأنها بتطبيق المبادىء العامة ، والمادة (659) من التقنين الالماني تنص على انه (اذا نفذ العمل الذي بذلت الجائزة من اجله اكثر من شخص واحد كانت الجائزة للاسبق . فاذا تعدد المنفذون في وقت واحد كانت الجائزة سوية بينهم) .
(انظر ايضا المادة 17 من التقنين التونسي والمراكشي) . وكذلك تنص المادة (660) من التقنين الالماني على انه (اذا تعاون عدة اشخاص في تحقيق النتيجة التي بذلت الجائزة من اجلها ، وجب على الواعد ان يقسم الجائزة بينهم على اساس تقدير عادل قوامه ما يكون لكل منهم من نصيب في تحقيق هذه النتيجة ( ويقضي التقنين البولوني في المادة (106) ببطلان الوعد الموجه الى الجمهور بمنح جائزة لافضل عمل يقدم في المسابقة اذا لم يحدد الاعلان ميعادا للتقدم في هذه المسابقة . ويكون للواعد الحق في تقرير ما اذا كان هناك محل لمنح الجائزة ، ولاي عمل تمنح الا اذا كان قد بين في اعلانه طريقا آخر للفصل في نتيجة المسابقة ولا يكسب الواعد ملكية العمل الذي استحق الجائزة او حقوق منشئة فيه الا اذا كان قد احتفظ لنفسه بهذا الحق في الاعلان .
وهذه المادة تقابل المواد (162) مصري و (163) سوري ومشروع اردني و (185) عراقي .
?الفصل الثالث
الفعل الضار
الفرع الاول
احكام عامة
نظرة عامة :
1. تناول القانون المدني المصري (والتقنين السوري والمشروع الاردني) المسئولية التقصيرية او العمل غير المشروع في ثلاثة مباحث خصص الاول منها للمسئولية عن الاعمال الشخصية وهي تتضمن القواعد العامة في المسئولية وفي الثاني تكلم على المسئولية عن عمل الغير واخيرا تناول المسئولية عن الاشياء في المبحث الثالث .
ولم يفرد لنظرية التعسف في استعمال الحق مكانا بين احكام المسئولية بل عالجها في سياق النصوص التمهيدية باعتبار ان مالها من عموم التطبيق يجاوز حدود هذه الاحكام .
2. اما المشرع العراقي فقد تناول العمل غير المشروع في فرعين خصص اولهما للكلام على المسئولية عن الاعمال الشخصية وتناول فيه :
1. الاعمال غير المشروعة التي تقع على المال حيث تكلم على الاتلاف والغصب . و
2. الاعمال غير المشروعة التي تقع على النفس . و
3. الاحكام المشتركة للاعمال غير المشروعة وخصص ثانيهما للكلام على :
1. المسئولية عن عمل الغير . و
2. المسئولية عن الاشياء حيث تكلم على جناية الحيوان وما يحدث في الطريق العام والمسئولية عن البناء كما انه لم يتناول في هذا الباب الكلام على سوء استعمال الحق اتباعا لنهج القانون المصري .
3. وقد رؤي في هذا المشروع الافادة في المنهج من القانون المدني المصري والقانون المدني العراقي معا ، دون تقيد بهما ومعالجة الفعل الضار في خمسة فروع :
يتناول الفرع الاول الاحكام العامة . والفرع الثاني المسئولية عن الاعمال الشخصية ويشمل :
1. الجناية على النفس وما دونها . و
2. اتلاف المال .
والفرع الثالث المسئولية عن عمل الغير ، والفرع الرابع المسئولية عن الاشياء واستعمال الطريق العام وفيه يعالج المسئولية عن فعل الحيوان وعن انهدام البناء وعن الاشياء والآلات واستعمال الحق العام . والفرع الخامس الغصب والاتلاف كما يأتي .
ولم يعالج هنا التعسف في استعمال الحق اكتفاء بعلاجها في سياق النصوص التمهيدية باعتبار ان مالها من عموم التطبيق يجاوز حدود الفعل الضار كما فعل من قبل القانون المدني المصري والسوري والمشروع الاردني والقانون العراقي .
وهو منهج يختلف الى حد ما عما اتبعه التقنين المصري والتقنين العراقي على ما يتبين من المقابلة مع الافادة منهما في نفس الوقت .
4. ان احكام المسئولية عن الفعل الضار هي بعض ما يعبر عنه لدى الفقهاء المسلمين بكلمة (الضمان) والضمان لدى الفقهاء المسلمين اما ضمان عقد واما ضمان يد واما ضمان اتلاف .
اما ضمان العقد او الضمان الذي سببه العقد فهو ضمان مال تالف ضمانا يستند الى عقد يقتضي الضمان ومثاله : اذا هلك المبيع بآفة سماوية في يد البائع قبل التسليم فضمانه من البائع بمعنى ان المشتري لا يلزم بدفع الثمن وينفسخ البيع لعدم استطاعة البائع الوفاء بتسليم المبيع وكذا اذا هلك الشيء المستأجر في خلال مدة الاجارة سقط عن المستأجر التزامه بدفع الاجرة في المدة التالية وكان الضمان بذلك من المؤجر وهو غير ما يعرف في القانون بالمسئولية العقدية وهي التزام المخل بالتزامه الناشىء عن العقد بتعويض الطرف الاخر عن الضرر الذي يصيبه نتيجة اخلاله بالتزامه . ففي المسئولية العقدية التعويض ليس عن مال تالف وانما هو تعويض عن ضرر نشأ عن اخلال المدين بما التزم به بناء على العقد اما ضمان العقد فمعناه ان العقد يقضي بأن يتحمل احد طرفيه عبء تلف المال .
واما ضمان اليد فالمقصود به الضمان الذي سببه اليد بمعنى الضمان الذي يترتب على وجود الشيء في يد شخص ليس مالكا له فاذا كانت اليد يد امانة وهلك الشيء دون تعد ولا تقصير فان صاحب اليد لا يضمن اما اذا كان الشخص قد قصر او تعدى فان يده تصبح يد ضمان فاذا هلك الشيء لو بآفة سماوية فانه يهلك عليه بمثله او قيمته .
واما ضمان الاتلاف او بعبارة اعم ضمان الفعل فهو ان يأتي شخص فعلا يلحق الضرر بآخر كأن يتلف له نفسا او عضوا او مالا فيجب عليه ضمان ما اتلف وهذا الفعل يتخذ في المال صورا مختلفة منها الاتلاف والتعييب والتغيير والحيلولة بين المال وصاحبه والغصب والغرور ... الخ .
وبين هذه الانواع الثلاثة من الضمان وجوه شبه ووجوه خلاف :
فضمان العقد وضمان اليد يتفقان في ان الضمان يتحقق فيهما ولو كان الهلاك بقوة قاهرة فاذا هلك المبيع في يد البائع قبل التسليم بآفة سماوية سقط الثمن عن المشتري وتحمل البائع تبعة الهلاك اي كان الضمان من البائع رغم ان الهلاك بقوة قاهرة . والضمان هنا ضمان عقد والمغصوب اذا هلك في يد الغاصب بقوة قاهرة وجب على الغاصب المثل او القيمة والضمان هنا ضمان يد ويتفقان ايضا في ان الضمان متفرع عن واجب اصلي هو تسليم المحل (المعقود عليه او المغصوب ) ففي البيع يجب على البائع تسليم المبيع الى المشتري فاذا لم يفعل وهلك المبيع في يده (ولو بقوة قاهرة) كان المبيع من ضمانه والمغصوب يجب على الغاصب رده فاذا هلك (ولو بقوة قاهرة) كان الضمان عليه .
ويختلفان في الضمان الواجب : ففي ضمان اليد يجب المثل او القيمة ففي الغصب اذا هلك المغصوب بقوة قاهرة وجب على الغاصب مثله او قيمته وفي ضمان العقد لا يجب المثل او القيمة بل يكون الواجب بحسب العقد دون رعاية للمماثلة بين العوض والمعوض عنه فاذا هلك المبيع في يد المشتري قبل التسليم سقط عن المشتري الثمن دون نظر لما اذا كان الثمن اكثر او اقل من قيمة المبيع .
وضمان العقد وضمان الاتلاف يختلفان ، فضلا عن ان هذا سببه العقد وهذا سببه الفعل الضار ، في ان ضمان العقد يقوم ولو كان سبب الاخلال قوة قاهرة اما ضمان الاتلاف فلا يكون الا بفعل يصدر من الشخص ينتج عنه الاتلاف اما مباشرة او تسببا فاذا انقطعت علاقته السببية بين الفعل وبين الضرر فلا ضمان كما يختلفان في مقدار الضمان على ما تقدم في التفرقة بين ضمان العقد وضمان اليد .
وضمان اليد وضمان الاتلاف يتفقان في ان الضمان الواجب فيهما يرجع مباشرة او غير مباشرة الى فعل ضار هو الاتلاف او الغصب او التعدي ويتفقان في ان الضمان في كل منهما مقداره المثل او القيمة . ويختلفان في ان الواجب الاصلي في ضمان اليد هو رد نفس العين فالغاصب عليه اصلا رد نفس العين فان تعذر ذلك وجب عليه المثل او القيمة اما في ضمان الاتلاف فالواجب الاصلي ، بطبيعة الحال هو المثل او القيمة .
ومما تقدم يتبين ان هناك مجالا للنظر فيما اذا كان الاليق ان يعالج الغصب في باب (الفعل الضار) او في باب (القانون) بوصفه مصدر للالتزام بالرد . ومع وجاهة ايراده في (القانون) الا انه رؤي ترجيح معالجته في (الفعل الضار) كما فعل التقنين العراقي استنادا الى مسلك محمد رحمه الله فقد (جمع محمد رحمه الله في كتاب الغصب بين مسائل الغصب وبين مسائل الاتلاف ) وكذلك الكاساني (الكاساني 7 : 142) . ورؤي من حيث ترتيب مكانه مخالفة القانون العراقي بايراده في فرع خاص اخيرا بدل من معالجته بين الافعال الضارة ، التي يجب فيها المثل او القيمة من اول الامر على ما سلف البيان .
5. والعمدة في هذا الباب كله ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (لا ضرر ولا ضرار في الاسلام) وفي اللسان : قال : ولكل واحد من اللفظين معنى غير الاخر فمعنى قوله لا ضرر (اي لا يضر الرجل اخاه والضرر ضد النفع) وقوله (ولا ضرار) اي لا يضار كل واحد منهما صاحبه فالضرار منهما معا والضرر فعل واحد ومعنى قوله (ولا ضرار) اي لا يدخل الضرر على الذي ضرره ولكن يعفو عنه ، كقوله عز وجل (ادفع بالتي هي احسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) قال ابن الاثير : قوله (لا ضرر) اي لا يضر الرجل اخاه فينقضه شيئا من حقه ، والضرار فعال من الضر اي لا يجازيه على اضراره بادخال الضرر عليه ، والضرر فعل الواحد ، والضرار فعل الاثنين والضرر ابتداء الفعل والضرار الجزاء عليه . وقيل : الضرر ما تضر به صاحبك وتنتفع انت به ، والضرار ان تضره من غير ان تنتفع . وقيل هما بمعنى وتكرارهما للتأكيد) .
فاذا اوقع احد بأحد ضررا فان هذا الضرر يجبر باعادة حال المضرور الى ما كان عليه قبله ما امكن ذلك وهو ما تدل عليه القاعدة الفقهية من ان (الضرر يزال) وازالته تكون بالتضمين وهو الحكم بالضمان وذلك يكون بالزام المعتدي بمثل ما اتلفه من المال ان كان الاضرار باتلاف المال .
6. واذا كان الضمان بمعناه الاعم في لسان الفقهاء هو : شغل الذمة بما يجب الوفاء به من مال او عمل فان كلمة (الضمان) قد تستعمل في الدلالة على المال المطلوب اداؤه تعويضا . والمقصود بالضمان هنا الزام الشخص بتعويض المضرور عن الضرر الذي حصل له بفعله وقد يقصد به ما يلزم به نتيجة لذلك وكلا المعنيين قد جرت به عبارات الفقهاء .
والمقصود بالضمان في هذا الباب غالبا هو تعويض المضرور عن الضرر الذي حصل له بفعله وقد يقصد به ما يلزم به من ارتكب الفعل الضار .
7. وقد افاد المشروع من صياغة التقنين المصري وما تبعه من تقنينات عربية وقد حبذ التقنين المصري صياغة التقنينات اللاتينية على التقنين الالماني ذلك ان هذا التقنين بدلا من ان يضع مبدأ تنطوي في عمومه جميع التطبيقات التفصيلية للخطأ الشخصي فانه بدأ بطائفة من النصوص تعرض لحالات خاصة ومن هذه الحالات يستخلص المبدأ العام ومذهبه هذا يقرب من مذهب القانون الانجليزي ، وهو اخلق بنظام قانوني يقوم على احكام القضاء وعلى التطبيق في المسائل التفريعية منه بتقنين بقصد به الى تقرير مبادىء عامة ولهذه العلة اعرضت عنه ذات التقنينات التي درجت على استلهام التقنين الالماني كتقنين الالتزامات السويسري والتقنين النمساوي المعدل والتقنين البولوني .
وكما فعل التقنين المصري والتقنينات العربية التابعة له سلك المشروع نفس السبيل مخالفا بذلك منهج المجلة فقد اهتمت المجلة شأنها دائما بايراد كثير من التفصيل والتطبيقات مع المبدأ او بدونه ولكن المشروع وجه جل اهتمامه الى تقرير المبدأ دون ان يجعل من منهجه ايراد تطبيقات من شأنها التغير والتبدل وخصوصا وقد تغيرت سبل الحياة المعاصرة عن تلك التي وضعت في ظلها هذه التطبيقات تاركا للقضاء والفقه الاجتهاد في التطبيق على ما يجد من حوادث ونوازل مما يساعد على التجديد والابتكار على الاسس التي قام عليها الفقه الاسلامي .
وقد عرض المشروع بالضبط والتحديد لاحكام مختلفة تتعلق بالاحكام العامة في الفعل الضار . فحدد اولا ان الاضرار هو مناط المسئولية المدنية ولو صدر عن غير مميز ، مخالفا بذلك القانون المصري والسوري والمشروع الاردني وصادرا عن الفقه الاسلامي . كما بين الصلة بين الفعل الموجب للضمان وبين القصد او التعدي ، فعرض للمباشرة والتسبب ثم بين ان من اسباب عدم قيام المسئولية عدم امكان التحرز من الفعل الضار مما ينطوي تحته السبب الاجنبي ويشمل الحادث الفجائي او القوة القاهرة وفعل المصاب وفعل الغير وعرض لاثر رضاء المصاب والفعل المشترك كما اورد حكم الدفاع الشرعي والاكراه وحالة الضرورة .
وقد استكثر المشروع من طرق التعويض فلم يجعل الامر مقصورا على الالزام باداء مبلغ معين ، بل اجاز للقاضي ان يحكم بايراد مرتب وان يحتفظ بحق اعادة النظر في الحكم خلال مدة معقولة بل وجعل له ان يأمر باعادة الحالة الى ما كانت عليه او ان يأمر باجراء امر معين ، عملا كان او امتناعا عن عمل . وانشأ الى جانب التقادم العادي وهو يتم بانقضاء خمس عشرة سنة تبدأ من يوم وقوع الفعل الضار ، تقادما قصيرا مدته ثلاث سنوات يبدأ سريانها من اليوم الذي يعلم فيه المضرور بحدوث الضرر الا انه سوى في المدة بين تقادم الدعوى المدنية والدعوى الجنائية اذا كانت دعوى التعويض ناشئة عن جريمة .
المذكرة الايضاحية :
1. في هذه المادة يقرر المشروع القاعدة العامة من ان كل فعل يصيب الغير بضرر فانه يستوجب التعويض .
وهذه القاعدة تستند على ما هو مقرر في الشريعة الاسلامية من انه (لا ضرر ولا ضرار) (م19 مجلة) (والضرر يزال) (م 20 مجلة) او (اذا بطل الاصل يصار الى البدل) (م 53 مجلة) .
2. فهذه المادة تستظهر في عبارة موجزة وواضحة حكم المسئولية عن الفعل الضار في عناصرها الثلاثة فترتب الالتزام بالتعويض على (كل اضرار) والاضرار يستلزم الفعل (او عدم الفعل) الذي ينشأ عنه الضرر فلا بد اذن من توافر الفعل او عدم الفعل (اي الايجاب او السلب) والضرر ، ثم علاقة سببية بينهما .
ويغني لفظ (الاضرار) في هذا المقام عن سائر النعوت والكنى التي تخطر للبعض في معرض التعبير كاصطلاح (العمل غير المشروع) او (العمل المخالف للقانون) او (الفعل الذي يحرمه القانون) .. الخ وغني عن البيان ان سرد الاعمال التي يتحقق فيها معنى الاضرار ، في نصوص التشريع لا يكون من ورائه الا اشكال وجه الحكم ولا يؤدي قط الى وضع بيان جامع مانع . فيجب ان يترك تحديد ما فيه اضرار لتقديم القاضي وهو يسترشد في ذلك ، بما يستخلص من طبيعة نهي القانون عن الاضرار من عناصر التوجيه . فثمة التزام يفرض على الكافة عدم الاضرار بالغير ، ومخالفة هذا النهي هي التي ينطوي فيها الاضرار . ويقتضي هذا الالتزام تبصرا في التصرف ، يوجب اعماله بذل عناية الرجل الحريص . وقد اقر التقنين النمساوي هذا الضابط التوجيهي اقرارا تشريعيا ، فنص في المادة (1297) على انه (يفترض فيمن يتمتع بقواه العقلية ان تتوافر لديه درجة الانتباه والعناية التي تتوقع في سواد الناس . ويتحقق معنى الخطأ في كل عمل ينشأ عنه ضرر بحقوق الغير اذا لم يلتزم من وقع منه هذا العمل تلك الدرجة ) .
3. والمقصود بالاضرار هنا (مجاوزة الحد) الواجب الوقوف عنده او (التقصير عن الحد) الواجب الوصول اليه في الفعل او الامتناع مما يترتب عليه الضرر ، فهو يتناول الفعل السلبي والفعل الايجابي ، وتنصرف دلالته الى الفعل العمد والى مجرد الاهمال على حد سواء ، ذلك ان الفقه الاسلامي كما يعرف الخطأ الايجابي وهو ظاهر يعرف الخطا السلبي ويسميه (التقصير) و (عدم التحرز والتفريط) ومن امثلة ذلك :
- لو سلم احد ولده الى سباح ليعلمه السباحة فغرق الولد كان السباح مسئولا . وسبب ذلك انه تسلم الولد ليحتاط في حفظه ، فغرقه دليل على التقصير في المحافظة الواجبة والتفريط في الانتباه المطلوب (المغني 9 : 577 والوجيز 2 : 149) .
- اذا ساق رجل دابة فوقع سرجها او لجامها او شيء آخر من ادواتها التي تحمل عليها واصاب هذا الشيء انسانا فمات فالسائق ضامن (لان الوقوع بتقصير منه ، وهو ترك الشد والاحكام فيه) (الفتاوى الخيرية 2 : 179) .
4. وقد حصل التساؤل هل يكفي الكف سببا للضمان اذا تسبب عنه تلف مال لآخر كأن رأى انسان مالا لآخر معرضا للتلف بنار مثلا وكان في قدرته انقاذه ولم يفعل فتلف :
ذهب المالكية واهل الظاهر الى تضمينه في هذه الحال بناء على انه قد ترك واجبا عليه وهو المحافظة على مال اخيه المسلم مع قدرته على ذلك ، ومن ترك واجبا فترتب على تركه ضرر مباشر ضمن ، كمن مر على لقطة فتركها ولم يلتقطها وهو عالم انها معرضة للتلف ، ثم تلفت فانه يضمنها وقيل : لا ضمان على الملتقط في هذه الحال لان الترك في هذه الحال ليس تضييعا بل امتناعا عن حفظ غير واجب .
والظاهر حسب قواعد الفقه الحنفي انه لا ضمان عليه لعدم المباشرة او التسبب اذا كان التلف نتيجة امر لا صلة له بالكف وهو وجود النار واقترابها منه هذا فضلا عن انه لا اعتداء في الامتناع ، والشرط في اقتضاء الضمان التعدي .
وهذا الخلاف لا يخل بالمبدأ المنو عنه فيما سبق .
5. وهل يشترط ان يكون الفعل الضار فعلا في المحل
من الفروع ما يدل الحكم فيه على انه لا يشترط في الفعل الضار الموجب للتضمين ان يكون في المحل المطلوب ضمانه اي في المال التالف . ففي الشلبي (5 : 222) نقلا عن فتاوى قاضيخان : لو غصب عجلا فاستهلكه وتسبب عن ذلك يبس لبن امه - قال ابن بكر البلخي : يضمن قيمة العجل ونقصان الام وان لم يفعل في الام شيئا .
ولكن جاء في كثير من كتب الحنفية : من حبس مالك حيوان عنه حتى هلك او ضاع فلا ضمان عليه اذ لا فعل له في التالف ولم تكن له يد عليه ، كما لو غصب دابة فتبعها ولدها فتلف بسبب ذلك فلا ضمان عليه لقيمة الولد لعدم فعله فيه .
والفرع الاول يدل على عدم اشتراط اتصال الفعل الضار بالمال التالف .
والفروع الاخرى تدل على هذا الاشتراط .
وقد آثر المشروع ترك ذلك للقضاء .
6. والفعل الضار فعل غير مشروع لقوله عليه الصلاة والسلام (لا ضرر ولا ضرار) لذلك جعله الشارع سببا لضمان ما ترتب عليه من تلف .
ولا يخرجه عن هذه السببية الا يوصف فاعله بالاعتداء والمخالفة بسبب عارض خارج عنه كفقد اهلية التكليف لان سببيته ترتبط بذاته وبآثاره لا بقصد فاعله وادراكه ولذا يترتب عليه اثره اذا صدر من نائم او من مجنون او طفل لان الامر في اقتضائه التضمين مبني على المعارضة وجبر الفاقد حتى لا يظلم احد من ماله ولهذا قال الفقهاء ان العمد والخطأ في الاموال سواء ويريدون بالخطأ هنا وقوع الشيء على خلاف الارادة وهو خلاف ما يدل عليه الخطأ في تعبير رجال القانون حين جعلوا الخطأ ركنا من اركان المسئولية التقصيرية (م 163 مدني مصري) فالخطأ في القانون يرادف التعدي في الفقه الاسلامي اي التعدي الذي يقع من الشخص في تصرفه بمجاوزة الحدود التي يجب عليه التزامهما في سلوكه شرعا وقانونا وهو انحراف في السلوك يتحقق بالاضرار بالغير عن عمد او عن اهمال وتقصير الى درجة ادت الى ضرر الغير . فالضمان في القانون منوط بالخطأ بمعنى الاعتداء والمخالفة فلا ضمان عندهم على فاقد الاهلية . على خلاف ما ذهب اليه الفقهاء من اناطة التضمين بالضرر المترتب على فعل محظور في ذاته وان صدر من عديم الاهلية ، كالنائم حال نومه والمجنون والطفل الذي لا يميز .
وخلاصة القول في ذلك ان الفعل اذا كان مؤديا الى الضرر في ذاته استوجب ضمان ما ترتب عليه من تلف ، لانه حينئذ يكون فعلا محظورا بالنظر الى نتائجه فتقع تبعته على فاعله ، فان كان فاعله عديم الاهلية لم يؤثر ذلك في انه فعل ترتب عليه ضرر بالغير اوجب الشارع رفعه لحديث (لا ضرر ولا ضرار) وذلك يوجب رفع الضرر مطلقا سواء احدث من مكلف او من غير مكلف ولا سبيل الى رفعه في هذه الحال الا بايجاب الضمان في ماله دون التفات الفقه الاسلامي في تقرير مسئولية غير المميز عن اعماله غير المشروعة في ماله الى المدى الذي ذهب اليه الفقه الاسلامي من انها مسئولية اصلية وانها كاملة في ماله الى المدى الذي ذهب اليه الفقه الاسلامي من انها مسئولية اصلية وانها كاملة في ماله بل قررها على سبيل الاستثناء ورتب عليها تعويضا جوازيا للمحكمة وعادلا بمراعاة مركز الخصوم اي دون العادي (تراجع مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ج 2 ص 356 - 361 - المادة (164) من القانون و (231) من المشروع التمهيدي) وفي الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ان المادة المصرية التي بنت المسؤولية على الخطا لم تات بجديد ولم تستحدث شيئا جديدا وكنا ننتظر ان ياتينا المشروع في باب المسؤولية بجديد يتفق مع تطور الحياة . فالمشروع في المادة (167) (م 163 من القانون) ذكر شيئا عن نظرية الخطأ ولكنه نسي نظرية تحمل تبعة المخاطر (المرجع السابق ص 364 - 365) .
اما في الفقه الاسلامي فمسؤولية من يضر بغيره مسؤولية مالية لا تقوم على الخطأ بل على الضرر ولذا لا يشترط في المسؤولية المالية ان يكون مرتكب الفعل الضار مميزا .
ففي الفقه الاسلامي غير المميز كالمميز مسؤول في ماله اذا اتلف مالا لاخر وقد نص في المادة (916) من المجلة انه (اذا اتلف صبي مال غيره فيلزم الضمان من ماله) ونص في المادة (960) منها على ما يأتي (المحجورون الذين ذكروا في المواد السابقة (وهم الصغير والمجنون والمعتوه والسفيه والمدين المحجور) وان لم يعتبر تصرفهم القولي لكن يضمنون حالا الضرر والخسارة اللذين نشئا عن فعلهم مثلا يلزم الضمان على الصبي اذا اتلف مال الغير وان كان غير مميز) فلو اتلف صبي ، سواء اكان مميزا ام غير مميز مأذونا ام غير مأذون ، مالا لاخر ، صبيا كان او بالغا ، بلا امر الاخر ، او احدث فيه نقصانا ما ، لزم الضمان من ماله لان الصبي يؤاخذ بأفعاله . مثلا : لو بال صبي من فوق السطح فأفسد ثوبا لاخر لزم الضمان من ماله ، (جامع احكام الصغار) . واذا لم يكن لذلك الصبي مال ينتظر حال يسره كما لا يطالب المدين المعسر بالدين الى ان يصبح موسرا . ولا يضمن وليه اي ابوه او وصيه مثلا من ماله ولا يجبر احد على تأدية مال الغير ما لم يوجد سبب شرعي كالكفالة والحوالة فلا يطالب بالدين الذي تعلق بذمة احد ابوه او ابنه مثلا . فلو رمى صبي حجرا في الزقاق فكسر زجاج دار اخر فلا يضمن وليه بحجة انه ترك حبل الصبي على غاربه .
ويلاحظ ان المجلة قصرت نص المادة (960) ما (اذا اتلف صبي مال غيره) والزمته الضمان مع ان الحكم في اتلاف النفس كذلك ، وقد اجيب بأن هذا القصر من المجلة لانها لا تبحث الا في الاموال . وقد رؤي في المشروع استعمال لفظ عام ليشمل الاموال والانفس جميعا .
والاتجاه في القوانين المدنية الحديثة كالقانون الالماني وقانون الالتزامات السويسري والقانون البولوني نحو الاخذ بحكم الفقه الاسلامي من حيث عدم ربط المسؤولية بالتمييز واقامتها على الضرر لا الخطأ الذي يفترض التمييز على خلاف في المدى بينها بل ان التشريع السوفييتي سار الى حد بناء المسؤولية التقصيرية على اساس الخطأ المفروض وانتهى تفريعا على ذلك الى تقرير قاعدة اخرى بشأن الاثبات فقضى في المادة (403) بأن (من اضر بالغير في شخصه او ماله يلزم بتعويض الضرر ويبرأ من التزامه هذا اذا اقام الدليل على انه لم يكن في مقدوره ان يتقي هذا الضرر ، او انه كانت له سلطة احداثه قانونا او انه حدث من جراء سبق اصرار المضرور او اهماله الفاضح) وقد تقدم ما يدل على انه كان هناك رأي في مصر في الاخذ بنظرية بناء المسؤولية على الضرر .
اما القانون المدني العراقي فقد ارود في هذا الصدد النصين الخاصين الآتيين - م 191 (اذا اتلف صبي مميز او غير مميزا او من في حكمهما مال غيره لزمه الضمان من ماله - 2) واذا تعذر الحصول على التعويض من اموال من وقع منه الضرر ان كان صبيا غير مميز او مجنون جاز للمحكمة ان تلزم الولي او القيم او الوصي بمبلغ التعويض على ان يكون لهذا الرجوع بما دفعه على ما من وقع منه الضرر 3 - عند تقدير التعويض العادل عن الضرر لا بد للمحكمة ان تراعي في ذلك مركز الخصوم (م 218) :
1. يكون الاب ثم الجد ملزما بتعويض الضرر الذي يحدثه الصغير .
2. ويستطيع الاب والجد ان يتخلص من المسؤولية اذا اثبت انه قام بواجب الرقابة او ان الضرر كان لا بد واقعا حتى لو قام بهذا الواجب ) .
وعدم الاتساق بين النصين ظاهر .
وقد اخذ في المشروع بحكم الفقه الاسلامي بعبارة عامة واضحة موجزة خلاصتها ان كل من اضر بالغير في ماله او في نفسه ، بفعل ايجابي او بفعل سلبي يلتزم بالتعويض في ماله ، سواء اكان مميزا ام غير مميز . وهذه المادة تقابل المواد (191 و 204 و 218 عراقي) و (163 و 164 مصري) و (165 سوري) ومشروع اردني .
1. هذه المادة تتناول طرق الاضرار وهل يشترط (التعمد) او (التعدي) ام لا .
2. وكلمتا (التعمد) و (التعدي) ليستا مترادفتين اذ المراد بالتعمد تعمد الضرر لا تعمد الفعل . والمراد بالتعدي الا يكون للفاعل حق في اجراء الفعل الذي حصل منه الضرر . والشخص قد يتعمد الفعل ولا يقصد به الضرر ولكن يقع الضرر نتيجة غير مقصودة . فاذا كان الاضرار (كالاتلاف) بالمباشرة لم يشترط التعمد ولا التعدي واذا كان بالتسبب اشترط التعمد او التعدي وقد صيغ هذان الحكمان في الفقه الاسلامي في قاعدتين هما (المباشر ضامن ولو لم يتعمد او يتعد) و (المتسبب لا يضمن الا بالتعمد او التعدي) .
3. ويكون الاضرار بالمباشرة اذا انصب فعل الاتلاف على الشيء نفسه وبقال لمن فعله (فاعل مباشرة) (م 887 مجلة) بأن كان اناء فكسره مثلا . ويكون بالتسبب باتيان فعل في شيء اخر فيفضي الى اتلاف الشيء مثلا كقطع حبل معلق به قنديل فوقع القنديل وانكسر فهذا اتلاف للحبل مباشرة وللقنديل بالتسبب وكحفر بئر فوقع فيه انسان فمات فموت الانسان يكون بالتسبب (مادة 888 مجلة) .
ومرجع التفرقة في الحكم بين المباشرة والتسبب ان المباشرة علة مستقلة وسبب للاضرار بذاته فلا يجوز اسقاط حكمها بداعي عدم التعمد او عدم التعدي اما التسبب فليس بالعلة المستقلة فلزم ان يقترن العمل فيه بصفة التعمد او التعدي ليكون موجبا للضمان .
وفي شرح علي حيدر للمجلة (على المادة 924 من المجلة) انه في التسبب يشترط الشيئآن : التعمد والتعدي كي يكون موجبا للضمان يعني ان ضمان المتسبب مشروط باتيانه فعلا مفضيا الى ذلك الضرر عمدا وبغير حق على عكس ظاهر نص المجلة . (م 93 و 924) .
وقد خالف القانون المدني العراقي اولى القاعدتين الفقهيتين السابقتين اذ نص في المادة (186) فقرة (1) منه انه (اذا اتلف احد مال غيره او انقص قيمته مباشرة او تسببا يكون ضامنا اذا كان في احداثه هذا الضرر قد تعمد او تعدى) فهو قد اشترط التعمد او التعدي في المباشرة وسوى في ذلك بين المباشر والمتسبب .
وقد رؤي في المشروع التزام حكم الفقه الاسلامي .
وتطبيقا لذلك قالوا :
- اذا حفر شخص حفرة في الطريق العام بدون اذن ولي الامر فسقط فيها مال اخر فتضرر كان متسببا في الاتلاف ضامنا للضرر لانه كان متعديا في فعله الذي حصل الضرر بسببه .
- ولكن اذا حفر احد حفرة في ملكه فسقط فيها حيوان او انسان فتضرر لم يضمن لانه لم يكن متعديا بالحفر ، فهو قد حفر في ملكه فلذا لا يضمن .
- واذا كان المتسبب متعمدا كان ضامنا ولو لم يكن متعديا فاذا حفر احد خندقا في ملكه بقصد الاضرار بماشية الغير فتضررت كان ضامنا لتعمده الاضرار ولو لم يكن متعديا في فعله .
وتراجع المواد (92) ومن (912 - 925) من المجلة وشرحها لعلي حيدر هذه المادة تقابل المادة (186) عراقي .
1. تتناول هذه المادة حالة ما اذا اجتمع في الاضرار مباشر ومتسبب وتقضي بأن الذي يلزم الضمان هو المباشر لا المتسبب . فمثلا لو حفر رجل بئرا في الطريق العام فألقى احد حيوان شخص في تلك البئر ضمن الذي القى الحيوان ولا شيء على حافر البئر .
وقد خالف القانون المدني العراقي هذه القاعدة اذ نص في المادة (186 - 2) انه : (اذا اجتمع المباشر والمتسبب ضمن المتعمد او المتعدي منهما فلو ضمنا معا كانا متكافلين في الضمان) نتيجة لما قرره في الفقرة السابقة من نفس المادة من اشتراط التعمد او التعدي في المباشر ايضا اسوة بالمتسبب .
وقد رؤي الاخذ في المشروع بالحكم الفقهي اتساقا مع المادة السابقة .
2. وهذه القاعدة مأخوذة من الاشباه . ويفهم منها انه اذا اجتمع المباشر اي عامل الشيء وفاعله بالذات مع المتسبب وهو الفاعل للسبب المفضي لوقوع ذلك الشيء ولم يكن السبب مما يؤدي الى النتيجة السيئة اذا هو لم يتبع بفعل فاعل اخر ، يضاف الحكم الذي يترتب على الفعل الى الفاعل المباشر دون المتسبب وبعبارة اخصر يقدم المباشر في الضمان على المتسبب . والمباشر هو الذي يحصل التلف من فعله دون ان يتخلل بينه وبين التلف فعل فاعل آخر . اما اذا كان السبب ما يفضي مباشرة الى التلف فيترتب الحكم على المتسبب .
امثلة :
- لو حفر رجل بئرا في الطريق العام فألقى احد حيوان شخص في ذلك البئر ضمن الذي القى الحيوان ولا شيء على حافر البئر لان حفر البئر بحد ذاته لا يستوجب تلف الحيوان ولو لم ينضم اليه فعل المباشر وهو القاء الحيوان في البئر لما تلف الحيوان بحفر البئر فقط ولما كان فعل الالقاء هو الوصف الاخير فقد اضيف التلف اليه وقد ورد في الولوجية : كل حكم يثبت بعلة ذات وصفين يضاف الحكم الى الوصف الذي وجد منهما اخيرا .
اما اذا كان ذلك الحيوان سقط بنفسه في البئر فاذا كان حافر البئر قد حفره بدون امر من ولي الامر فالضمان يترتب على حافر البئر كما تقضي المادة السابقة .
- لو دل شخص لصا على مال لاخر ليسرقه فسرقه اللص فليس على الدال ضمان وانما الضمان على اللص .
- لو فتح احد باب دار اخر وفك فرسه من قيوده فجاء لص وسرق الفرس فالضمان على السارق .
- لو امسك شخص باخر وجاء ثالث فاغتصب ما مع الرجل من النقود فالضمان على المغتصب المباشر لاستلاب المال دون الاخر المتسبب بذلك .
اما اذا كان السبب مما يفضي مباشرة الى التلف فيترتب الحكم على المتسبب مثال ذلك :
- لو تماسك شخصان فأمسك احدهما بلباس الاخر فسقط منه شيء كساعة مثلا فكسرت فيترتب الضمان على الشخص الذي امسك بلباس الرجل رغما من كونه متسببا والرجل الذي سقطت منه الساعة مباشرة لان السبب هنا قد افضى الى التلف مباشرة دون ان يتوسط بينهما فعل فاعل آخر .
- كذا لو شق شخص زقا مملوء زيتا او قطع حبلا معلقا به قنديل فتلف الزيت الذي فيه فيترتب الضمان عليه وان لم يخرج عن كونه متسببا فقط لان فعل الشق وفعل القطع سببان نشأ عنهما التلف مباشرة .
- وقد نص في المادة (913) من المجلة انه (اذا زلق احد وسقط على مال اخر واتلفه يضمن) (تراجع المادة 92 من المجلة) .
- كما نص في المادة (915) انه (لو جر احد ثياب غيره وشقها يضمن قيمتها كاملة واما لو تشبت بها وانشقت بجر صاحبها يضمن نصف قيمتها . كذلك لو جلس احد على اذيال ثياب ونهض صاحبها غير عالم بجلوس الاخر وانشقت يضمن ذلك الشخص نصف قيمتها ) .
وقد رؤي في المشروع الاكتفاء بالقواعد العامة دون الامثال . وتراجع ايضا المادة (925) من المجلة وهي تقابل المادة (186) عراقي .
1. نص في القانون المدني العراقي في المادة (189) منه انه (اذا غر احد اخر ضمن الضرر) فلو قال شخص لاهل السوق (هذا الصغير ولدي بيعوه بضاعة فاني اذنته بالتجارة) ثم ظهر بعد ذلك ان الصبي ولد غيره فلاهل السوق ان يطالبوه بثمن البضاعة التي باعوها للصبي وبالتعويض عن الاضرار الاخرى .
وقد رؤي في المشروع ايراد الحالة العامة وحكمها دون امثلة .
2. والغرر هو الخطر وفي الحديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر .
3. ويستعمل الفقهاء الغرور في الحمل على قبول ما لا خير فيه بوسيلة كاذبة مضللة ترغب فيه بزعم ان فيه المصلحة ولو عرفت حقيقته ما قبل . وعلى ذلك لا يتحقق غرور الا بالحمل والترغيب من الغار بالوسائل الباطلة الكاذبة المظهرة للامر على خلاف واقعة وحقيقته وذلك ما لا يكون الا مع قصد الغار وسوء نيته .
والغرور قد يكون بالقول . وقد يكون بالفعل ومثال الاول وصف كاذب مضلل يراد به الحمل على الفعل . ومثال الثاني تصرية الشاة بغية اظهارها غزيرة اللبن .
كما يكون في العقود وفي الافعال . اما في العقود فنتيجة عدم لزوم العقد بالنسبة الى المغرور على ما تقدم في العقود .
اما الغرور في الافعال فكما في الحمل على سلوك طريق على ظن انه امن فيأخذ اللصوص اموال سالكه او على مباشرة فعل على ظن انه محظور او غير خطر لا يترتب عليه تلف ثم يتبين انه خلاف ذلك فيؤدي الى تلف المال .
4. واذا كان الغرور بالفعل فالغار ضامن ضمان التسبب ويراعي فيه حينئذ ما يشترط في التضمين بالتسبب من شروط وخلاف .
واذا كان الغرور بالقول فيكون الغار ضامنا اذا ضمن والتزم فيكون الضمان فيه حينئذ قبيل الالتزام بالشرط لا من قبيل التضمين بسبب الغرور المحض واذا لم يتضمن الاشتراط لم يترتب عليه تضمين عند جمهور الفقهاء اذ لا يجب على المغرور تصديقه بل يجب عليه التروي والنظر . مثال ذلك اذا قال شخص لاخر : اسلك هذا الطريق فانه آمن فاذا كان غير آمن واخذ اللصوص مالك فأنا ضامن ، ثم سلكه فأخذ اللصوص ماله فانه يكون ضامنا ويتبع المغرور من غره بسلوكه وهذا بخلاف ما اذا قال له : اسلك هذا الطريق فانه آمن ولم يشترط الضمان فانه اذا سلكه فضاع ماله لم يضمن الغار وقد ذكر بعض الفقهاء من الحنفية ان الضمان عند الاشتراط يعد ضمان كفالة اذ ان المعني فيه التزام الضمان عند التلف . وعند بعض الفقهاء اذا كان العرف يقضي بتصديق الغار فيما دعا اليه يترتب التضمين عند التلف وبخاصة اذا صدر المغرور ممن يرجع اليه في مثل ما اشار به ودعا اليه واشتهر بصدقه في نصحه والا لم يترتب عليه ضمان .
وهي تقابل المادة (189) عراقي .
هذه المادة تردد حكم المادة (921) من المجلة و (216) من القانون المدني العراقي من انه ليس للمظلوم ان يظلم اخر بما انه ظلم وتضرب المجلة في المادة (921) منها الامثلة الآتية :
- لو اتلف زيد مال عمرو مقابلة بما انه اتلف ماله ، يكونان ضامنين .
- لو اتلف زيد مال عمرو الذي هو من قبيلة طي بما ان بكرا الذي هو من تلك القبيلة اتلف ماله يضمن كل منهما المال الذي اتلفه .
- لو انخدع احد فاخذ دراهم زائفة من احد ، فليس له ان يصرفها الى غيره كما تنص المادة (216) عراقي على ما يأتي :
1. لا ضرر ولا ضرار . والضرر لا يزال بمثله وليس للمظلوم ان يظلم بما ظلم .
2. لو اتلف احد مال غيره في مقابل اتلاف هذا لماله كان كل منهما ضامنا للاخر ما اتلفه ، ولو انخدع شخص فأخذ دراهم زائفة من شخص اخر فليس له ان يصرفها الى غيره .
وقد اكتفي في المشروع بصياغة الحكم دون ايراد امثلة في النص اكتفاء بايراد بعض منها في هذه المذكرة .
هذه المادة تقرر مبدأ خاصا بعلاقة السببية بمعنى انه اذا لم توجد رابطة السببية بين الفعل والضرر لا يكون الشخص الذي وقع منه الفعل مسؤولا وتنتفي علاقة السببية اذا وجد السبب الاجنبي كآفة سماوية او كحادث مفاجىء او قوة قاهرة او فعل من المضرور لان هذا الضرر في هذه الحالة يكون متصلا بشخص معين ولكن فعل هذا الشخص لم يكن هو السبب في حصوله . ومثال ذلك سائق سيارة يفاجا بطفل يقطع الشارع جريا فتصيبه ، ففي هذه الحالة يكون السائق غير مسؤول لان علاقة السببية منتفية .
واهمية هذا النص تظهر في ابراز استقلال رابطة السببية واثر هذا الاستقلال يتجلى في امرين :
الاول هو انه فيما يتعلق بالفعل وعلاقة السببية يمكن نفي الخطأ في بعض الاحيان ما لم يمنع هذا بنص ، فالفعل مسألة وعلاقة السببية مسألة اخرى والذي اريد من هذا النص هو اظهار ان السببية شيء والفعل شيء آخر ثم ان الاصل في علاقة السببية هو انه ما دام ان هناك ضررا متصلا بفعل شخص فرباط السببية مفترض الا اذا اقام هو الدليل على عكس ذلك , فهو يضع قاعدة اثبات ، والجديد في صيغته هو الاشارة الى ان علاقة السببية مفترضة لكن الفعل غير مفترض .
وقد رؤي النص على استثناء حالة ما اذا قضى بغير ذلك القانون او الاتفاق كما رؤي النص على قيد في الاتفاق على غير ذلك ، وهو الا يكون هذا الاتفاق مخالفا للنظام العام او الاداب ويستند مبدأ النص على جواز ذلك الى ما اخذ به المشروع من الاصل صحة العقود والشروط وهذه المادة توافق المواد (165) مصري و (166) سوري ومشروع اردني و (211) عراقي .
تعرض هذه المادة لحالة الدفاع الشرعي ، ويقصد بالدفاع هنا الدفاع عن النفس والمال ، للمدافع وغيره وقد اجاز الشارع ذلك .
ففي المهذب للشيرازي (2 : 224 - 225) من قصده رجل في نفسه او ماله او اهله بغير حق فله ان يدفعه لما روى سعيد بن زيد ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : من قاتل دون اهله او ماله فقتل فهو شهيد ... ولا يجب عليه في شيء من ذلك ضمان ... وان صالت عليه بهيمة فلم تندفع الا بالقتل فقتلها لم يضمن لانه اتلاف بدفع جائز فلم يضمن كما لو قصده آدمي فقتله للدفع .
واساس ذلك ما انتهى اليه استقراء الاحكام ونصوص الشارع من اقرار المبدأ القاضي بوجوب اختيار اهون الشرين واخف الضررين اذا لم تكن عن احدهما مندوحة ومبدأ وجوب تحمل الضرر الاخف لدفع الضرر الاشد وان الضرورات تبيح المحظورات وتقدر بقدرها .
ويجب في هذه الاحوال ان يكون الضرر الذي يراد دفعه ضررا مداهما وحالا ولا يمكن دفعه بالالتجاء الى المحاكم قبل وقوعه ويكفي في ذلك غلبة الظن .
وقد جاء في حديث صفوان بن يعلي عن ابيه قال : قاتل اجير لي رجلا فعض يده فانتزعها من فمه فنثرت ثنيته فشكا الى النبي صلى الله عليه وسلم فأهدرها وقال له (اتريد ان يضع يده في فمك تقضمها كالفحل ولا ينزعها) .
وبه استدل الشافعي على جواز قتل الفحل الصائل اذا اتى على قاتله ولم يلزمه بضمانه كما تقدم من عبارة المهذب ولم يختلف الفقهاء في جواز دفع الصائل من الحيوان بما يدفع اذاه ، لان دفع الضرر واجب شرعا . وانما اختلفوا في تضمين قاتله بناء على ان وجوبه لا يسقط حق مالكه اذا لم يشرع ذلك سببا مسقطا للملك ، فالجمهور على انه لا يضمن .
ورأى غيرهم التضمين ولكن من سقوط الاثم .
وفي المغني لابن قدامة : اذا صالت بهيمة على انسان ولم يمكنه دفعها الا بقتلها : جاز له قتلها اجماعا وليس عليه ضمانها اذا كانت لغيره - والى هذا ذهب مالك والشافعي واسحاق بن راهوية .
وقال ابو حنيفة عليه ضمانها لانه اتلف مال غيره لاحياء نفسه فكان عليه الضمان كالمضطر في مخمصة اذا اكل مال غيره فان ذلك جائز له وعليه ان يؤدي قيمته الى مالكه .
وقد نص الحنفية على ان العبرة في ذلك بغلبة الظن اذا لا ينتظر الانسان حتى يحل الضرر به فعلا .
وقد اخذ في المشروع بالرأي القائل بعدم التضمين طالما التزم المدافع بالقدر الضروري . اما اذا تجاوزه فقد رؤي الزامه بالتعويض بمقدار التجاوز .
(تراجع مذكرة المادة التالية : )
وهذا الحكم يقارب حكم القانون المصري والسوري والمشروع الاردني والقانون المدني العراقي (م166/167/212) اذ الحكم فيه انه اذا جاوز القدر الضروري للدفاع كان ملزما بتعويض تراعى فيه مقتضيات العدالة وقد يكون هذا غير التعويض بقدر التجاوز . والحكم الذي اخذ به المشروع عند التجاوز اوفق للقواعد (تراجع المادتان 21 و 22 من المجلة وشرحهما لعلي حيدر) .
تتناول الفقرة الاولى من هذه المادة حالة قيام شخص بفعل بناء على امر صدر اليه من شخص اخر ، وتضيف الفعل اليه لا الى الآمر ما لم يكن الآمر مجبرا . فاذا امر شخص اخر بهدم جدار فهدمه - فالمسؤول عن الهدم هو الهادم لا الامر الا اذا اجبره الامر الا اذا اجبره الآمر على الهدم .
والاجبار يتم باستعمال احد طرق الاكراه ولكن لا يعتبر كل اكراه سببا لرفع المسؤولية عن الفاعل والقائها على الآمر ، بل الاكراه الملجيء وحده هو الذي يعتبر سبب لذلك .
وتتناول الفقرة الثانية حكم الموظف العام فتقضي بأنه لا يكون مسؤولا اذا قام بعمل تنفيذا لامر صدر اليه من رئيسه متى كانت اطاعة هذا الامر واجبة عليه او يعتقد انها واجبة . ولا يكفي ان تكون طاقة الرئيس واجبة على المرؤوس او اعتقاد هذا الاخير انها واجبة بل يجب ان يكون الفعل المأمور به مشروعا . فاذا لم يكن مشروعا فلا يعفي الموظف من المسؤولية . ويجب على الموظف ان يثبت انه كان يعتقد بأن العمل الذي اتاه كان مشروعا . وهو يثبت ذلك اذا اثبت انه راعى جانب الحيطة عند قيامه بالعمل وانه كانت لديه اسباب معقولة تحمله على الاعتقاد بأن العمل مشروع . ويرجع تقدير هذه الاسباب لمحكمة الموضوع . فاذا امر مهندس البلدية مثلا عمال البلدية بهدم جدار مائل للانهدام فهدموه فلا مسؤولية عليهم . اما اذا لم يكن العمل المأمور به مشروعا فلا يجب طاعة الرئيس واذا قام به الموظف كان مسؤولا عن التعويض ففي المثال المتقدم اذا امر عاملا بضرب صاحب الجدار فضربه لم يجز له ضربه واذا ضربه كان مسؤولا عن التعويض .
فاذا توافرت الشروط المتقدمة كان الموظف المرؤوس غير مسؤول ولكن ذلك لا يعفي الرئيس من المسؤولية .
وقد نص الحنفية على ان الآمر لا ضمان عليه بالامر الا في ست مسائل منها اذا كان الامر سلطانا . وفي التتار خانية : حريق غالب وقع في محله - فهدم رجل دار غيره بغير امر صاحبه وبغير اذن من السلطان حتى ينقطع ذلك الحريق عن داره ، اي دار الهادم ، ضمن ولم يأثم - قال الرملي : وفيه دليل على ان الامر اذا كان من السلطان لم يضمن لما له من ولاية عامة ، له بمقتضاها ان يأمر بدفع الضرر ، ولذا جاء في الخانية لو ان هذا الذي هدم الدار عند وقوع الحريق قد هدمها باذن الامام لم يضمن .
ولو اقام شخص قنطرة على نهر باذن الامام فارتطمت بها سفينة فانكسرت لم يكن عليه ضمان لعدم تعديه بسبب اذن الامام له في حدود ولايته لان الانشاء والبناء في كل ما للمسلمين فيه حق مقرر كالطرق والانهار ونحوها محظور الا باذن الامام صيانة لحق العامة .
ونص الشافعية على ان اهل الفتوى اذا افتى احدهم شخصا باتلاف مال ثم تبين بعد ذلك خطؤه كان الضمان على المفتي (السيوطي) (الاشباه والنظائر) .
تراجع المواد (89 و 919 و 1007) من المجلة وشرحها لعلي حيدر .
وهي تقابل المواد (167) مصري و (168) سوري ومشروع اردني و (215) عراقي .
1. تعرض هذه المادة لحكم الفعل الضار المشترك . وقد تقدمت الاشارة الى ان القاضي لا يحكم بالتعويض ، متى اقام المدين الدليل على ان الضرر نشأ عن فعل المضرور وحده واثبت بذلك وجود السبب الاجنبي . وكما ان حق المضرور في التعويض يسقط عند انفراده بأحداث الضرر بفعله كذلك لا يكون من حقه ان يقتضي تعويضا كاملا ، اذا اشترك بفعله في احداث هذا الضرر او زاد فيه ويتوقف مقدار ما ينقص من التعويض ، بوجه خاص ، على مبلغ رجحان نصيب المضرور او الضار في احداث الضرر . وقد جلعت المادة (354 ) من التقنين الالماني من هذا الترجيح عنصرا من عناصر التوجيه : فنصت على انه (اذا كان لخطأ المضرور نصيب في احداث الضرر ، عند وقوعه توقف قيام الالتزام بالتعويض ومدى التعويض الواجب اداؤه على الظروف ، وبوجه خاص على مبلغ رجحان نصيب اي من الطرفين في احداث الضرر ، وليس بممتنع ، ازاء ذلك ان يرجح نصيب المضرور في احداث الضرر رجحانا يثير امر البحث في قيام الالتزام بالتعويض بأسره . وهذا هو المعنى الذي قصدت به المادة (264) الى استظهاره بنصها على ان للمحكمة الا تحكم بتعويض ما .
2. ويراعي ان رضاء المضرور بالضرر الحادث لا يؤخذ لزاما عليه بوصفه فعلا يبرر انتقاص التعويض فالتقنين الالماني لا يجعل من هذا الرضا سببا للانتقاص (م254) على نقيض ما يقضي به التقنين السويسري (م 44 - 1) في هذا الشأن . فلا يبقى ان يعتد بذاك الرضا ، الا حيث يجوز الاتفاق على الاعفاء من المسؤولية وفي حدود هذا الجواز فحسب .
3. وتعين فكرة الفعل الضار المشترك على ضبط حدود فكرة تقاربها ، هي فكرة (النتيجة الطبيعية) او (المألوفة) لتخلف المدين ، فقد تترتب على هذا التخلف نتائج يتفاوت مدى بعدها عنه وبذلك يسفر الموقف عن حلقات متسلسلة من الضرر لا يدري لدى ايها ينبغي الوقوف . ومناط الحكم في هذه الحالة هو فكرة النتيجة الطبيعية او المألوفة فيعتبر من قبيل النتائج الطبيعية او المألوفة التي يجب التعويض عنها كل ضرر لم يكن في وسع المضرور عقلا ان يحول دون وقوعه . ذلك ان امتناعه عن اتخاذ الحيطة المعقولة لحصر هذا الضرر في اضيق حدوده ، يكون بمنزلة الاضرار وبعبارة اخرى يترتب على هذا الامتناع قيام فعل مشترك ، يستتبع الانتقاص من التعويض بل وسقوط الحق فيه احيانا ، وقد طبق القانون الالماني تلك الفكرة فنص في المادة (254) على وجوب انقاص التعويض بل وسقوط الحق فيه (اذا انحصر خطأ المضرور في عدم تنبيه المدين الى خطر ضرر بالغ الجسامة لم يكن يعلم به ، ولم يكن يتحتم عليه العلم به او في عدم دفع هذا الخطر او الحد منه) .
وهذه المادة تقابل المواد (216) مصري و (217) سوري ومشروع اردني و (210) عراقي .
1. تنص المادة (169) من القانون المدني المصري على انه (اذا تعدد المسؤولون عن عمل ضار كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر وتكون المسؤولية فيما بينهم بالتساوي الا اذا عين القاضي نصيب كل منهم في التعويض) وقد اورد مثل هذا الحكم القانون المدني السوري والمشروع الاردني والقانون العراقي وواضح ان هذا النص يقرر :
أ . مبدأ التضامن بين من يشتركون في احداث ضرر معين عند رجوع المضرور عليهم والتضامن هنا مقرر بنص القانون فلا يجوز للقاضي الخروج على هذا الوضع بل هو ممنوع من الخروج عليه لان الصياغة التشريعية تحرم القاضي من انشاء حالة تضامن او الاعفاء منها .
ب. مبدأ المساواة في المسؤولية بين من وقع منهم الفعل الضار الا ان للقاضي ان يعدل في نصيب كل منهم في التعويض حسب تقديره للظروف فاذا دفع احد المسؤولين كل التعويض او اكثر من نصيبه كان له الرجوع على الباقين وفقا للقواعد العامة .
ولم يفرق القانون المصري (وكذا السوري والمشروع الاردني والقانون العراقي) بين المحرض والفاعل الاصلي والشريك على نحو ما فعل تقنين الالتزامات السويسري في المادة (50) (انظر ايضا المادتين (108 و 99) من التقنين التونسي والمراكشي والمادة (1301) من التقنين النمساوي) ويلاحظ ان هذه المادة نفسها تنص ايضا على ان مخفي الشيء المسروق لا يلتزم بالتعويض الا اذا اصاب نصيبا من الريح او احدث ضررا بمهاونته .
ويؤدي هذا الى التفريق بين حالتين :
أ . الاولى حالة وقوع الفعل الضار من اشخاص متعددين ، دون ان يكون في الوسع تعيين من احدث الضرر حقيقة من بينهم . او تحديد نسبة مساهمة كل منهم في احداثه وفي هذه الحالة لا يكون ثمة تعدي عن تقرير التضامن بينهم جميعا (انظر المادتين 109 و 100) من التقنين التونسي والمراكشي والمادة 830 من التقنين الالماني) .
ب. والثانية حالة امكان تعيين محدثي الضرر من بين من وقع منهم الفعل الضار رغم تعددهم ، وامكان تحديد نصيب كل منهم في احداثه وفي هذه الحالة لا يسأل كل منهم الا عن الضرر الحادث بخطئه ، ولا يسألون البتة على وجه التضامن (انظر المادة 136 من التقنين البولوني والمادة 1302 من التقنين النمساوي) وهذا هو حكم حالة الاخفاء التي تقدمت الاشارة اليها في التقنين السويسري .
اما فيما يتعلق برجوع المسؤولين فيما بينهم عند التضامن ، فيحدد القاضي ما يؤديه كل منهم معتدا في ذلك بجسامة الخطأ الذي وقع منه ونصيب هذا الخطأ في احداث الضرر ، وكل ظرف آخر من شأنه ان يكشف عن مدى مساهمة المسؤول في الضرر الحادث من هؤلاء المسؤولين جميعا . فاذا استحال تحديد قسط كل منهم في المسؤولية فتكون القسمة بالسوية بينهم اذ المفروض ان الدليل لم يقم على تفاوت تبعاتهم وقد واجه تقنين الالتزامات السويسري حالة تعدد المسؤولين عن ذات الضرر مع اختلاف اسباب المسؤولية ، كأن يسأل البعض على اساس العمل غير المشروع ، والبعض على اساس التعاقد والبعض بمقتضى نص في القانون . وقد قضى هذا التقنين بالزام كل منهم في هذه الصورة بأداء عين الدين الزاما مبتدأ وقرر في المادة (51) فيما يتعلق بعلاقة بعضهم بالبعض الاخر ان تبعة الضرر تقع اولا على عاتق من احدثه من بين المسؤولين بعمل غير مشروع وتقع اخيرا على عاتق من يسأل عنه بمقتضى نص في القانون ، دون ان يكون مسؤولا بناء على خطأ وقع منه او بناء على التزام تعاقدي ، وغني عن البيان ان مثل هذا الحكم لا يتيسر الاخذ به الا بمقتضى نص خاص .
2. وفي الفقه الاسلامي اذا تعددت اسباب التلف بتعدد من احدثها وكانوا جميعا مباشرين او متسببين ، ولم تختلف افعالهم قوة وضعفا في احداث الضرر او لم يتبين اختلافها في احداثه لزمهم الضمان على التساوي ومن امثلة ذلك .
- جماعة اشتركوا في حمل حجر ثم القوه على اناء فكسروه او على حيوان فقتلوه .
- جماعة اشتركوا في حفر بئر في الطريق دون ان يتبين ما حفره كل منهم فوقع فيه حيوان فنقق ، وذلك لان الضرر حينئذ قد تسبب عن فعل ضار اشتركوا فيه جميعا فوجب اشتراكهم في تبعته كما لو اشترك جماعة في قتل شخص اذ يقتلون فيه جميعا لقول عمر : لو اشترك في قتله اهل صنعاء لقتلتهم جميعا قالها في قتيل قتله اكثر من واحد .
ولكن اذا تبين ما لكل شريك من نصيب في الاتلاف فكل فاعل يلزم بتبعة فعله . وهذا ما تدل عليه فروع الفقهاء في الجراح وما رتبوه من الزام بالاروش . وذلك هو الحكم مع مراعاة :
- تقديم المباشر على المتسبب عند اجتماعهما على ما سبق بيانه .
- صلاحية الجميع للالزام بالضمان . فان كان فيهم من لا يصلح للالزام ففعله هدر .
وفيما يلي بعض التطبيقات :
- حفر بئرا في الطريق ثم حفر اخر طاقة في اسلفها فوقع فيها حيوان فمات كان الضمان على الحافر الاول قياسا ، وهو قول محمد ، وعليهما اثلاثا : على الاول الثلثان وعلى الثاني الثلث استحسانا لان الحافر الاول اقوى سببا لولاه ما حفر الثاني .
- حفر بئرا في طريق ثم وسع اخر رأسها فسقط فيها حيوان فمات كان الضمان عليهما اثلاثا على الاول الثلثان اذا وقع في موضع اشترك في حفره الحافران ولكن اذا تبين ان السقوط كان فيما حفره الثاني كان الضمان عليه وحده وان لم يدر كان الضمان عليهما بالسوية .
- حفر بئرا في الطريق فوضع فيه انسان سلاحا ثم سقط فيه حيوان فوقع على السلاح فمات كان الضمان على الحافر ، اذ لولا الحفر ما وقع على السلاح .
- اذا رجع بعض الشهود بعد ان قضى القاضي بالمال لشخص ذهب به فان الضمان على الراجع ، بقدر اثره في الشهادة فاذا كانا شاهدين كان عليه نصف المال وان رجع الاثنان كان عليهما كل المال بالتساوي .
(يراجع تكملة البحر 8 : 397 ورد المحتار 4 : 164 و 5 : 549 والكاساني 7 : 380 وما بعدها وابن قدامة ، المغني 9 : 565 والحطاب 6 : 316) . واما عن الضمان بين مرتكبي الفعل الضار فظواهر القواعد الشرعية تأباه . وهذا ما يدل عليه قوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر اخرى وقوله : لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) فلا يسأل الانسان عن ضرر احدثه غيره .
3. وقد رؤي في المشروع التزام الحكم الفقهي مع اعطاء المحكمة الحق في ان تقضي بالتعويض عليهم بالتساوي وكذا اعطاؤها الحق في ان تقضي بالتضامن بينهم اذا رأت من الظروف ما يبرر ذلك وتخويل المحكمة هذا الحق ارجح من حرمانها منه فقد تدعو الحاجة الى استعماله ، ثم لا خطر في ذلك ما دام الامر مرده الى المحكمة والمادة تقابل المواد (169) مصري و (170) سوري ومشروع اردني و (217) عراقي .
?يتناول هذا النص اسس تقدير التعويض ، وقد نص القانون المدني المصري في المواد ( 170 و 221 و 222 ) ان التعويض يقدر بما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب بشرط ان يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالالتزام ويعتبر الضر نتيجة طبيعية اذا لم يكن في استطاعة الدائن ان يتوقاه ببذل جهد معقول " وكذا الحكم في القانون المدني العراقي ( م207 ) .
والحكم الذي نجده في كتب الفقخ الاسلامي هو ان المضمونات تضمن بالمثل او بالقيمة واهمية التعمد او التعدي لا ترد في تقدير التعويض ونما ترد في الفعل المضمن :
فاذا كان بالمباشرة فلا يشترط التعمد او التعدي للتضمين اما اذا كان بالتنسيب فيشترط التعمد او التعدي.
كما انه يترتب على اعتبار المنافع اموالا - وهو ما جرى عليه هذا المشروع في المادة 54 اخذا براي الشافعية ومن نحا نحوهم في ذلك - انها تدخل في تقدير التعويض.
وقد نص في المشروع على حكم الفقه الاسلامي في مواد تالية وقد رؤي النص هنا على القاعدة العامة وهي ان التعويض يشمل ما يكون قد لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب.
والمادة تقابل المواد (221) مصري ( 222) سوري ومشروع اردني و (207 ) عراقي .
1. تتناول هذه المادة الضرر الادبي وتقرر التعويض عنه .
وقد استقر الرأي في العصر الحاضر على وجوب التعويض عن الضرر الادبي بوجه عام ، بعد ان زال ما خامر الاذهان من عوامل التردد في هذا الصدد . وقد عمدت بعض تقنينات قديمة ، كالتقنين الهولندي ، وغالبية ساحقة من التقنينات الحديثة الى اقرار هذا الحكم في نصوص التشريع . وقد بلغ من امره هذه النزعة ان اورد المشروع الفرنسي الايطالي بعض امثلة تطبيقية في هذا الشأن فنص في المادة (85) على ما يأتي :
يجوز للقاضي بوجه خاص ان يحكم بتعويض المضرور عما يصيبه من ضرر في جسمه او مساس بشرفه او سمعته او سمعة عائلته او حريته الشخصية او انتهاك حرمة مسكنه او حرمة سر يحرص عليه وله كذلك ان يحكم للاقارب والاصهار والازواج بالتعويض عما يصيبهم من الم عند موت المضرور .
وفي الفقه الاسلامي ما يفيد التعويض عن الضرر الادبي :
- ففي الفقه الحنفي جاء في مبسوط السرخسي (26 : 81) ان روي عن محمد بن الحسن الشيباني في الجراحات التي تندمل على وجه لا يبقى لها اثر انه (تجب حكومة العدل بقدر ما لحقه من الالم) .
- وفي الفقه الزيدى جاء في البحر الزخار (5 : 280) : ومن اصابة سنا فاضطربت انتظر برءها المدة التي يقوم اهل الخبرة تبرأ فيها ، فأن سقطت فدية ، وان بقيت فحكومة .. وفي الالم حكومة ... وفي الايلام .. وفي السن الزائدة على العد حكومة اذ لا منفعة ولا جمال ( وفيه ايضا (ص 282) : ولا شيء في قطع طرف الشعر اذ لا يؤثر في الجمال فان اثر بأن اخذ النصف فما فوق فحكومة لما فيه من الزينة) .
- وفي فقه الشيعة جاء في شرائع الاسلام للحلي (القسم الرابع ص 226) : (ولو انبت الانسان في موضع السن المقلوعة عظما فنبت فقلعة قالع .. ان فيه الا رش لانه يستصحب الما وشينا) .
- وفي المغني الحنبلي (9 : 623 - 624) ( وفي قطع حلمتي الثديين ديتهما ... وقال مالك والثوري : ان ذهب اللبن وجبت ديتهما والا وجبت حكومة بقدر شينه) .
2. وبعد ان تقرر مبدأ التعويض بين المشروع من يحق له المطالبة بالتعويض وهو المضرور بطبيعة الحال وكذا من يضار ادبيا بسبب موت المصاب من ازواج واقارب .
وقد رؤي عدم تحديد الاقارب بدرجة معينة كما فعل القانون المصري في المادة (222 - 2) اذ حصر هؤلاء بالاقارب الى الدرجة الثانية وترك ذلك لتقدير القاضي حسب الاحوال .
3. ورؤي في الفقرة الثالثة النص على عدم انتقال التعويض عن الضرر الادبي الا اذا تحددت قيمته بمقتضى اتفاق او حكم نهائي لانه لا يصبح قيمة مالية تضاف الى ذمة المتضرر وتنتقل الى الورثة الا اذا اتفق عليه او حكم به . فاذا مات من له الحق في التعويض عن الضرر الادبي قبل الاتفاق عليه او الحكم به فلا ينتقل حق المطالبة به الى الورثة . وهذا بعكس التعويض عن الضرر المادي الذي يعتبر قيمة مالية تضاف الى ذمة المتضرر بمجرد حصول الضرر الموجب للتعويض ولو قبل الحكم به او الاتفاق عليه .
ففي حال موت المضرور تبقى التفرقة في التعويض عن الضرر الادبي بين التعويض الشخصي الواجب لاقارب المضرور وبين ما يجب للمضرور نفسه من تعويض قبل موته ، ينتقل حق اقتضائه الى الورثة من طريق الميراث . فيقصد بما يؤدى الى الاقارب تعويضهم عما يستشعرون من الم بسبب موت المضرور ولهذه العلة يجوز للقاضي ان يحكم بالتعويض ، لا للاقارب فحسب ، بل وكذلك للازواج مراعيا ظروف العائلة ، في تعيين احظ افرادها نصيبا من الحزن والفجيعة ممن لا يقتصر امرهم على رغبة الافادة ماليا مما كانوا يكنون للمتوفى من عواطف والحب والولاء . ولكن لا يجوز للقاضي ان يحكم بعوض مالي لاحد اصدقاء المتوفي على سبيل التعويض الادبي ، اما التعويض الادبي الواجب للمضرور نفسه ، فلا ينتقل الى الورثة بعد الوفاة ، الا اذا كان قد تحدد مقداره من قبل ، بمقتضى اتفاق خاص او بمقتضى حكم حاز قوة الشيء المقضي به ، ذلك ان ما لهذا الضرب من التعويض من صبغة ادبية يجعله شخصيا من وجه فلا ينتقل بطريق الميراث بأي حال من الاحوال : الا اذا تأكدت صيغته المالية بعد تقديره نهائيا بالتراضي او بحكم القاضي . وكذلك يكون الحكم في التعويض الادبي الذي يكون من حق الاقارب شخصيا ، فهو لا ينتقل الى ورثة هؤلاء الاقارب الا اذا حدد مقداره بمقتضى اتفاق خاص او بمقتضى حكم له قوة الشيء المقضي فيه .
وظاهر من هذه النصوص ان الالم يعوض عنه وكذا الشين وتفويت الجمال وهذه كلها تنطوي على اضرار ادبية لما يحدثه الفعل في نفس المضرور من الم حسي او نفسي .
وهناك من النصوص ايضا ما يفيد عكس ذلك ففي المغني في الفقه الحنبلي (9 : 665) وان لطمه على وجهه فلم يؤثر في وجهه فلا ضمان عليه لانه لم ينقص به جمال ولا منفعة ولم يكن له جمال ينقص فيها فلم يضمنه كما لو شتمه) .
وقد رؤي الاخذ في المشروع بالتعويض عن الضرور الادبي كما هو في التقنين العراقي .
وقد يقال ان التعويض يقوم على احلال مال محل مال فاقد مكافىء له ليقوم مقامه ويسد مسده اما الضرر الادبي فلا يتمثل في فقد مال كان موجودا ولكن يرد على ذلك بما يلي :
- السند في الباب هو حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم انه (لا ضرر ولا ضرار) وهو نص عام فقصره على الضرر المادي تخصيص بغير مخصص .
- ليس المقصود بالتعويض مجرد احلال مال محل مال بل يدخل في الغرض منه المواساة ان لم تمكن المماثلة . ومن اظهر التطبيقات على ذلك الدية والا رش فليس احدهما بدلا عن مال ولا عما يقوم بمال .
- ان القول بعدم التعويض عن الضرر الادبي يفتح الباب على مصراعيه للمتعدين على اعراض الناس وسمعتهم وفي هذا من المفسدة الخاصة والعامة ما فيه مما يجعل من الواجب معالجته ومن اسباب العلاج تقرير التعويض .
لذا رؤي في المشروع الاخذ بالرأي الذي يجيز التعويض عن الضرر الادبي وهذه المادة تقابل المادة (205) عراقي والمادة (222) مصري .
?قد لا يتيسر للقاضي احيانا ان يحدد وقت الحكم مدى التعويض تحديدا كافيا كما هو الشأن مثلا في جرح - لا ارش فيه - لا تستبين عقباه الا بعد انقضاء فترة من الزمن فللقاضي في هذه الحالة ان يقدر تعويضا مؤقتا على ان يعيد النظر في قضائه خلال فترة معقولة يتولى تحديدها فاذا انقضى الاجل المحدد اعاد النظر فيما حكم به وقضى للمضرور بتعويض اضافي اذا اقتضى الحال ذلك .
وهذه المادة تقابل المواد (170) مصري و (171) سوري ومشروع اردني و (208) عراقي .
1. ليست المسئولية التقصيرية بوجه عام سوى جزاء للخروج على التزام يفرضه القانون هو التزام عدم الاضرار بالغير دون سبب مشروع . واذا كان التنفيذ العيني هو الاصل في المسئولية التعاقدية فعلى النقيض من ذلك ، لا يكون لهذا الضرب من التنفيذ وهو يقتضي اعادة الحال الى ما كانت عليه ، كهدم حائط بني بغير حق ، او بالتعسف في استعمال حق - الا منزلة الاستثناء في نطاق المسئولية التقصيرية .
2. فالتنفيذ بمقابل اي من طريق التعويض المالي (او مبلغ من النقود) هو القاعدة العامة في المسئولية التقصيرية والاصل في التعويض ان يكون مبلغا من المال ومع ذلك يجوز ان تختلف صوره . فيكون مبلغا اجماليا او ايرادا مرتبا لمدة معينة او لمدى الحياة يمنح لعامل تعقده حادثة من حوادث العمل عن القيام بأوده ويجوز للقاضي في هذه الحالة ان يلزم المدين بأن يقدم التأمين الذي تقدره المحكمة منعا للنزاع في مقداره ، او ان يودع مبلغا كافيا لضمان الوفاء بالايراد المحكوم به ، وينبغي التمييز بين التعويض من طريق ترتيب الايراد ، وبين تقدير تعويضموقوت مع احتمال زيادته فيما بعد بتقدير تعويض اضافي كما يجوز ان يكون التعويض عينيا بأن تأمر المحكمة باعادة الحال الى ما كانت عليه ببناء جدار هدم مثلا او ازالة جدار بني ويسوغ للقاضي فضلا عما تقدم ان يحكم في احوال استثنائية باداء امر معين على سبيل التعويض فيأمر مثلا بنشر الحكم بطريق اللصق ، على نفقة المحكوم عليه (او يكتفي بأن ينوه في الحكم بأن ما وقع من المحكوم عليه يعتبر افتراء او سبا) لتعويض المقذوف في حقه عن الضرر الادبي الذي اصابه . وغني عن البيان ان مثل هذا التعويض لا هو بالعيني ولا هو بالمالي ولكنه قد يكون انسب ما تقتضيه الظروف في بعض الصور .
3. وقد قيدت عبارة (او ان يحكم بأداء امر معين) بعبارة (متصل بالعمل غير المشروع) حدا من اطلاق العبارة وحتى يكون نطاق الحكم واضحا غير مجهل اذ التطبيق العملي لهذا النص هو نشر الحكم او الاعتذار عن واقعة سب مثلا .
تراجع الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري المادة (171 ج 2 صفة 395 - 398) وهذه المادة تقابل المواد (171) مصري و (172) سوري ومشروع اردني و (209) عراقي .
?تتناول هذه المادة الاشتراط المسبق على عدم المسئولية عما يوقعه الشخص بآخر من فعل غير مشروع يلحق به ضررا . وقد قضت بأن هذا الاتفاق باطل وذلك لاعتباره مخالفا للنظام العام اذ ان اجازته تيسر فتح باب الاضرار بالناس او يدفعهم الى عدم التحرز في تصرفاتهم .
ويلاحظ ان هذا الاشتراط غير التصرف في الحق المالي وهذا جائز لصاحبه ما لم يمس حقا لغيره .
كما انه يختلف عن العفو الذي حدث فعلا اذ يتمثل هذا العفو في التنازل عن مبلغ التعويض المستحق وهو جائز .
ويلاحظ اخيرا ان اشتراط الاعفاء من المسئولية غير التأمين على الاضرار التي تقع اذ الاول يعفي مرتكب الفعل الضار من اية مسئولية عن فعله الضار اما الثاني فمؤداه قيام المؤمن بتعويض الضرر الذي يحدث للمضرور .
وهذه المادة توافق المواد (217) مصري و (218) سوري ومشروع اردني (259) عراقي .
تؤكد هذه المادة الحكم الذي سبق الاخذ به من ان العقوبة لا تؤثر في المسئولية المدنية ومن تطبيقاتها ان السارق يجب عليه رد المسروق او مثله او قيمته ولو قطع ( تراجع المادة 285) كما ان المسئولية المدنية لا تؤثر في المسئولية الجنائية .
يراجع المغني لابن قدامه ( 1:277-280) والشيرازي المهذب (2:282) وهي تقابل المادة (206) عراقي.
1. استحدث المشروع في نطاق المسئولية التقصيرية تقادما قصيرا فقضى بعدم سماع دعوى التعويض الناشئة عن العمل الضار بانقضاء ثلاث سنوات على غرار ما فعل فيما يتعلق بدعاوى البطلان ، ويبدأ سريان هذه المدة من اليوم الذي يعلم فيه المضرور بالضرر الحادث ويقف على شخص من احدثه ، فاذا لم يعلم بالضرر الحادث ، او لم يقف على شخص من احدثه ، فاذا لم يعلم بالضرر الحادث ، او لم يقف على شخص من احدثه ، فلا يبدأ سريان هذا التقادم القصير ، ولكن دعوى المضرور لا تسمع على اي الفروض ، بانقضاء خمس عشرة سنة على وقوع الفعل الضار .
2. واذا كان الفعل الضار يستتبع قيام دعوى جنائية الى جانب الدعوى المدنية وكانت الدعوى الجنائية تتقادم بانقضاء مدة اطول ، سرت هذه المدة في شأن تقادم الدعوى المدنية فلو حدث الضرر مثلا من جراء جناية لا تتقادم دعواها الا بمضي عشر سنوات ، كانت مدة سقوط الدعوى المدنية عشر سنوات ، عوضا عن ثلاث ، لان الدعوى الجنائية لا تتقادم الا بانقضاء تلك المدة ، وهو اطول . وقد فرض في هذا كله ان مبدأ سريان المدة لا يختلف في الحالتين بيد ان الدعوى المدنية لا تسقط الا بانقضاء خمس عشرة سنة ، عند جهل المضرور بالضرر الحادث او بشخص محدثه ، وهي مدة اطول من مدة سقوط الدعوى الجنائية في الفرض السابق ، وصفوة القول ان الدعوى المدنية قد تبقى قائمة بعد انقضاء الدعوى الجزائية ولكن ليس يقبل انقضاء الدعوى المدنية قبل انقضاء الدعوى الجنائية .
ويلاحظ ان عبارة الفقرة الثانية تفيد بقاء الدعوى المدنية الناشئة عن الفعل الضار قائمة طول المدة التي يوقف فيها سريان تقادم الدعوى الجنائية اذا كان الفعل الضار يكون جريمة وليس منوطا بمجرد انقضاء المدة التي تسقط بها الدعوى العمومية الضار يكون جريمة وليس منوطا بمجرد انقضاء المدة التي تسقط بها الدعوى العمومية دون نظر الى وقف سريان تقادمها لانه رؤي من الانسب ان تبقى الدعوى المدنية ما بقي الحق في رفع الدعوى العمومية او تحريكها او السير فيها قائما .
والمادة تقابل المواد (172) مصري و (173) سوري ومشروع اردني و (232) عراقي .
1. رؤي التفريق بين المال الذي يجب بسبب الجناية ، وهو الدية ، او الارش او حكومة العدل وبين التعويض عن الضرر ، ففي الحالة الاولى انما يستحق الدية عن النفس او ما دونها المجني عليه او الورثة الشرعيون حسب الاحكام الشرعية وفي الحالة الثانية يجوز للمتضررين المشار اليهم ولو من غير الورثة ان يطالبوا بالتعويض على قدر ما اصابهم من ضرر حسبما ذكر في المادة (267) من هذا المشروع رعاية لقاعدة المصالح المرسلة والمادة (58) من المجلة وشرحها لعلي حيدر ، ولما ذكر في المذكرة الايضاحية للمادة (267) المشار اليها .
2. ان تبقى المسئولية المالية على العاقلة ، وهي التي تتناصر مع الجاني في الحوادث التي تقع من الجاني خطأ وفقا لما اختاره جمهور الفقهاء ، اما حوادث العمد فان المسئولية المالية او غيرها انما تقع على الجاني نفسه ، كما هو مصرح به في رد المحتار وغيره (ج / 5 ص 410) وما بعدها .
1. تتناول هذه المادة حكم اتلاف المال وتقضي بالضمان في هذه الحالة .
2. والمقصود بالاتلاف :
- الهلاك الكلي للمال بحيث لا يبقى للعين قيمة بعد تلفها كاحراق الثوب .
- الهلاك الجزئي للمال بأن يتلف بعض العين .
- تعييب العين تعييبا يذهب بكل منافعها او بمعظمها او بما هو دون ذلك كما في قطع ثوب على وضع لا يصلح معه لما كان يطلب منه او يصلح لبعضه .
- تغيير العين تغييرا يذهب بكل منافعها او بعضها كما في طحن البر وخبز الدقيق .
- تغييب العين في محل مجهول او لا يتيسر الوصول اليه .
وعلى ذلك يضمن الحيوان بذبحه اذا كان مما لا يؤكل اما اذا كان مما يؤكل ورضي المالك بأخذ لحمه كان له ضمان النقصان والا كان له قيمة الحيوان لذهاب اهم الاغراض التي تطلب منه حال حياته .
3. وقد يكون الاتلاف بالمباشرة او بالتسبب على ما تقدم في المادة (257) وما بعدها .
4. ويشترط لضمان الاتلاف ان يكون المال المتلف مملوكا لغير المتلف او مملوكا للمتلف ولكن تعلق به حق الغير . فلو اتلف صاحب المال ماله الذي لا يتعلق به حق لغيره لا يلزمه شيء قضاء .
اما ان كان المال المتلف مملوكا للغير فانه يضمنه ولو ظن انه ماله .
وكذا اذا تعلق به حق الغير فالراهن اذا اتلف الرهن عند المرتهن او انقص من قيمته لزمه ضمان الرهن او نقصه ليكون رهنا محل ما فقد حتى لا يضار المرتهن بنقص ما ارتهنه وثيقة لدينه . وعلى هذا اوجب الحنابلة ضمان الاضحية اذا اتلفها صاحبها وذلك لما في تلفها من الاضرار بحق الفقراء (ابن رجب ، القواعد ص 312) .
5. ويستوي ان يعرف انه مال غيره او يظن انه ماله وهو في الحقيقة ليس ماله .
كما يستوي ان يكون المال في يده او في يد امينه لو اتلفه في يد الغاصب فيلتزم الضمان على المتلف والغاصب معا (م 910 من المجلة) .
كما يستوي من حيث الضمان المالي ان يكون المتلف مميزا او غير مميز لان غير المميز يؤاخذ بافعاله في ماله .
ويشترط ان يكون الاتلاف بغير اذن المالك فان كان اتلاف المال باذن صاحبه فلا ضمان . وهذا الاذن قد يكون صراحة وقد يكون دلالة (م881 من المجلة) .
6. والضمان يكون بالمثل في المثليات والقيمة في القيمات . هذا ان كان الاتلاف كليا اما ان كان جزئيا فيلزم المتلف بمثل ما اتلف او قيمته ويقدر الضمان في الحالة الاخيرة بالفرق بين قيمة المال قبل حدوث الضرر وقيمته بعد حدوثه ، والفرق بينهما هو ما يلزم به المتلف .
فاذا لم يوجد فرق بين القيمتين كان الضرر غير معتبر ، وكذلك اذا كان الفرق تافها لا يأبه له الناس عادة او جرت عادة الناس بالتسامح فيه .
7. هذا وقد يكون من اثر التغيير في المال زوال منافعه او بعضها وحدوث منافع اخرى ترفع من قيمته وقد تزيد قيمته بسبب ذلك عما كان له من قيمة قبل التغيير ، فمثل هذا لا يعد ضررا عادة ولا يترتب عليه الزام بتعويض اذ التعويض منوط دائما باحداث الضرر المؤدي الى نقص القيمة وتراجع المواد (912 - 921) من المجلة وشرحها لعلي حيدر .
وتقابل المواد من (186 - 191) من القانون العراقي .
لو احدث شخص في مال غيره نقصانا من حيث القيمة ، فانه يضمن ذلك النقصان .
والمقصود بالنقصان هنا نقصان القيمة ولو لم يكن هناك نقصان حسي فلو حفر احد في عرصة اخر حفرة يكون ضامنا اذا كان الحفر موجبا للاضرار بالعرصة ونقصان قيمتها ويكون غير ملزم بشيء اذا لم يكن موجبا للاضرار بها .
واذا كان النقصان يسيرا فيلزم المتلف بقيمة النقصان . اما اذا كان النقصان فاحشا فان لصاحب المال ترك ذلك المال للمتلف وتضمينه كل قيمته .
وطريق معرفة النقصان وهو تقويم المال الذي حدث فيه الفعل الضار قبل حدوثه وتقويمه بعد حدوثه وما يوجد من فرق بين القيمتين يلزم به من احدث الفعل فاذا لم يوجد فرق بين القيمتين كان الضرر غير معتبر ، وكذلك اذا كان الفرق تافها لا بأبه له الناس عادة او جرت عادة الناس بالتسامح فيه .
تراجع المواد (900 و 917 و 918 و 920) من المجلة وشرحها لعلي حيدر .
وتقابل المادة (188) عراقي .
?اعتمد في المادة المذكورة على المادة (914) من المجلة وشرحها لعلي حيدر ، وتراجع المذكرة الايضاحية الخاصة بالمادة ( 275) من هذا المشروع وهي تقابل المادة ( 190) من القانون العراقي .
اعتمد في هذه المادة على المادة ( 916) من المجلة وشرحها لعلي حيدر .
وهي تقابل المادة (191) من القانون العراقي .
1. اختلف في حد الغضب بين الفقهاء المسلين .
فقال ابو حنيفة وابو يوسف رضي الله عنهما : هو ازالة يد المالك عن ماله المتقوم على سبيل المجاهرة والمغالبة بفعل في المال .
وقال محمد رحمه الله الفعل في المال ليس بشرط لكونه غصبا .
وقال الشافعي رحمه الله هو اثبات اليد على مال الغير بغير اذنه والازالة ليست بشرط ( الكاساني 7: 143).
وقد عرفته المجلة في المادة (881) بانه ( اخذ مال احد وضبطه بدون اذنه ).
اما القانون المدني العراقي فلم يورد تعريفا له رغم ايراده احكامه . فقد رؤي في المشروع انتهاج مسلك القانون المدني العراقي بعدم ايراد تعريف له في التقنين اذ مهمة التقنين الاساسية ايراد الاحكام اما التعريفات فمجالها الفقه .
2. والغاصب يلتزم برد المغصوب الى صاحبه في المكان الذي حصل فيه الغصب فان صادف صاحب المال الغاصب في مكان اخر ومعه المغصوب فهو بالخيار : ان شاء استرده حيث وجده ، وان شاء طلب رده الى مكان الغصب على نفقة الغاصب ( تراجع م 890 من المجلة ) ورد عين المغصوب ما دام قائما هو الواجب ابتداء بحيث لو اتى الغاصب بالقيمة او بالمثل والمغصوب قائم لم يقبل ذلك منه الا اذا رضي مالكه وعندئذ يكون هذا من قبيل المعاوضة التي تعتمد على الرضا بين طرفيها .
3. وان هلك المغصوب او استهلكه الغاصب او عجز عن رده ( كأن كان طيرا فطار ) فعليه مثله او قيمته. وقد اختار المشروع الاخذ براي ابي يوسف من ان يكون ضمان المغصوب قيمته يوم الغصب لا يوم الاختصام كما يرى الامام ابو حنيفة ولا يوم الانقطاع كما يرى محمد رحمه الله .
4. وكالمغصوب في ذلك زوائده الحاصلة حال الغضب كلبن الحيوان وثمر البستان وعسل النحل فعلى الغاصب ردها ان كانت قائمة ومثلها او قيمتها ان لم تكن قائمة .
وكذلك المنافع باعتبارها اموالا وهو ما اخذ به المشروع في المادة (54) منه وهو مذهب الامام الشافعي رحمة الله والحنابلة .
5. وهذا النص بعمومه يشمل المنقول والعقار اذ العقار يقبل الغصب كما يقبله المنقول ومع هذا العموم لم ير حاجة الى ايراد نص كنصوص المواد من ( 905 الى 909) من المجلة ونص المادة (197) من القانون المدني العراقي التي تقضي بان ( المغصوب ان كان عقارا يلزم الغاصب رده الى صاحبة مع اجر مثله واذا تلف او طرأ على قيمته نقص ولو بدون تعد من الغاصب لزمه الضمان ) وعلى ذلك فيطبق على العقار الحكم العام في الغصب .
6. كما انه يشمل بعمومه حالة الهلاك والتلف والاستهلاك والاتلاف والعجز عن الرد بأي سبب وكذا التغيير سواء كان تغيرا حسيا او تغيرا في القيمة نتيجة تغيير الاسعار او الاستعمال ، وسواء في ذلك كله الجزئي والكلي - وكذا التعييب تعييبا يذهب بمنفعته التي تطلب منه عادة . فلكل ذلك يخضع للحكم العام وهو وجوب رد عين المغصوب ان كان قائما ومثله او قيمته ان لم يكن قائما وفي حالة الهلاك او الاستهلاك الحزئي يرد القائم من المغصوب عينا ومثل او قيمة ما فات منه الا اذا كان النقصان فاحشا فعلى الغاصب ان يرد مثله او قيمته كله ويأخذ المغصوب لذلك لم ير حاجة الى ايراد نصوص المواد المشار اليها ادناه من المجلة والقانون المدني العراقي ( تراجع المواد 890-909 من المجلة وشرحها لعلي حيدر ).
وهي تقابل المواد من ( 192- 197) من القانون العراقي .
اذا أتلف احد المال المغصوب الذي هو في يد الغاصب وليس في يد صحب المال او امينه ، فان المغصوب منه يكون مخيرا : ان شاء ضمن الغاصب قيمته يوم الغصب ان كان من القيميات ومثله ان كان من المثليات ، وللغاصب ان يرجع على المتلف استنادا الى انه قد صار مالكا للمغصوب . وان شاء ضمن المتلف قيمته يوم اتلافه ان كان من القيميات ومثله ان كان من المثليات وفي هذه الصورة لا يرجع المتلف على الغاصب ويكون استقرار الضمان على المتلف لان المتلف ضامن في كل حال نتيجة اتلافه . ( تراجع المادة 912 من المجلة وشرحها لعلي حيدر ).
وهي تقابل المادة ( 198) من القانون العراقي .
بعد ان عرض المشروع لحالة اتلاف المغصوب في يد الغاصب ، عالج في هذه المادة حالة تصرف الغاصب في الشيء المغصوب والزم الغاصب ومن تصرف له بالضمان فان ضمن الغاصب صار الغاصب بالضمان مالكا للمغصوب باثر مستند الى وقت الغصب فصادف تصرفه مالكا له فيصح . اما ان ضمن المتصرف اليه فلهذا ان يرجع على الغاصب ( من تصرف له ) ان كان له حق الرجوع وفقا لاحكام القانون فمثلا ان كان المتصرف اليه مشتريا كان له الرجوع بضمان الاستحقاق اما ان كان موهوبا هبة بلا عوض فليس له ذلك . (تراجع المادة 891 من المجلة وشرحها لعلي حيدر ).
وهي تقابل المادة (200) من القانون العراقي .
1. بعد ان عرض المشروع لحالة اتلاف المغصوب وحالة التصرف فيه تناول في هذه المادة حكم الغاصب من الغاصب . وتقضي بانه في حكم الغاصب وعلى ذلك يجب عليه رد عين المغصوب ان كان قائما ومثله او قيمته ان هلك او استهلك .
2. فان رد الغاصب الثاني المال المغصوب الى المغصوب منه الاصلي برىء هو والغاصب الاول ( المغصوب منه الثاني ) وان رده الى الغاصب الاول ( المغصوب منه الثاني ) برىء هو وحده وظل الغاصب الاول ( المغصوب منه الثاني ) ضامنا المال للمغصوب منه الاول .
3. وفي حالة الضمان ، بان هلك المغصوب او استهلك في يد الغاصب الثاني كان للمغصوب منه الاول ( المالك ) الحق في الرجوع على ايهما بكل الضمان فان رجع على الغاصب الاول كان لهذا ان يرجع على الغاصب الثاني ، وان رجع على الغاصب الثاني لم يكن لهذا ان يرجع على الاول . كما انه له ان يرجع على كل منهما بجزء من الضمان وفي هذه الحالة تنطبق القاعدة المتقدمة ايضا .
( تراجع المادتان 910- 911 من المجلة وشرحهما لعلي حيدر ).
وهي تقابل المادتين ( 198و 199) من القانون العراقي .
نص القانون المدني العراقي في مواضع كثيرة على استحقاق المغصوب منه للتعويض مع استرداد الشيء المغصوب .
( تراجع على سبيل المثال م 192و 194 و 195) .
وقد رؤي ترك الامر للمحكمة في جميع الاحوال . ان تقضي بالتعويض او لا تقضي به حالة استرداد المغصوب او عدم استرداده ، وهي التي تقدر مبلغ التعويض بحسب ما تقضي به ظروف كل قضية .
?نص في المادة ( 901) من المجلة والمادة (201) من القانون المدني العراقي على ما ياتي ( الحال الذي هو مساو للغصب في ازالة التصرف حكم الغصب . فالوديع ( في مجلة : كما ان المستودع) اذا انكر الوديعة في حكم الغاصب . وبعد الانكار اذا تلفت الوديعة في يده بلا تعد يكون ضامنا ).
والحكم انه اذا تعدى الامين ، كالمودع والمستعير ، او قصر في الحفظ او منعها عن صاحبها بدون حق او حجدها او مات مجهلا لها وهلكت ولو بدون تعد كان الامين ضامنا لها بالمثل ان كانت مثلية وبالقيمة ان كانت قيمته . وقد صاغ المشروع هذا الحكم الفقهي في هذه المادة .
( يراجع من المجلة في الوديعة م 768 و 777 وما بعدها وفي العارية م 813 وما بعدها ومن مرشد الحيران في الوديعة م 817 وما بعدها وفي العارية 777 وما بعدها والبغدادي مجمع الضمانات ص 86-88و 334) .
ان كانت العين المسروقة قائمة فلا يختلف اهل العلم في وجوب ردها الى مالكها . اما اذا كانت تالفة فقد اختلف :
فذهب البعض الى القول بان على السارق رد قيمتها او مثلها ان كانت مثلية قطع او لم يقطع موسرا او معسرا - وهذا قول الحسن والنخعي وحماد والبتي والليث والشافعي واسحاق وابي ثور وقال الثوري وابو حنيفة لا يجتمع الغرم والقطع ، وان غرمها قبل القطع سقط القطع ، وان قطع قبل الغرم سقط الغرم واحتج بما روي عن عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : اذا اقيم الحد على السارق فلا غرم عليه . ولان التضمين يقتضي التمليك والملك يمنع القطع فلا يجمع بينهما.
ولمن قال بالضمان انها عين يجب ضمانها بالرد لو كانت باقية فيجب ضمانها اذا كانت تالفة كما لو لم يقطع ولا القطع والغرم حقان يجبان لمستحقين فجاز اجتماعهما كالجزاء والقيمة في الصيد الحرمي المملوك وحديثهم ليس بالقوي ويحتمل انه اراد ليس عليه اجرة القاطع وما ذكروه فهو بناء على اصولهم ولا نسلمها لهم .
( المغني ج10صفحة 279- 280).
وكذا في قطع الطريق ذلك انهم ان تابوا قبل القدرة عليهم سقطت عنهم حدود الله تعالى واخذوا بحقوق الادميين من الانفس والجراح والاموال الا ان يعفى لهم عنها . واذا اخذوا المال واقيمت فيهم حدود الله تعالى فان كانت الاموال موجودة ردت الى مالكها وان كانت تالفة او معدومة وجب ضمانها على اخذها وهذا مذهب الشافعي ومقتضى قول اصحاب الراي انها ان كانت تالفة لم يلزمهم غرامتها كقولهم في المسروق اذا قطع السارق ، ووجه المذهبين ما تقدم في السرقة ( المغني ج 10صفحة 319- 320 ).
( يراجع الهداية وشروحها كتاب السرقة وباب قطع الطريق ج5 صفحة 353 وما بعدها و 422 وما بعدها . والمهذب للشيرازي 2: 284).
وقد رؤي الاخذ في المشروع براي القائلين بوجوب رد العين او مثلها او قيمتها قطع او لم يقطع صدورا عن ان المسؤولية الجنائية لا تخل بالمسؤولية المدنية ولا المسؤولية المدنية بالمسؤولية الجنائية وهو ما قرره هذا المشروع في المادة (271) .
بين حكم الحالات المشار اليها في هذه المادة اعتمادا على ما جاء في الفصل الاول من بيان احكام الغصب والمواد ( 897-899) من المجلة وشرحها لعلي حيدر.
راجع المذكرة الايضاحية للمادة (284) من المشروع .
1. قرر القانون المدني المصري وتبعه في ذلك القانون المدني السوري والمشروع الاردني والقانون المدني العراقي مبدأ مسؤولية الشخص عن عمل غيره غير المشروع مسؤولية اصلية وعاجلة تحت عنوان ( المسؤولية عن عمل الغير ) ضمنه ثلاث مواد ( 173- 175 مصري و 174- 176 سوري ومشروع اردني و 218 - 220 عراقي ) مؤسسا هذه المسؤولية على خطا مفترض . في الرقابة والتوجيه يقبل اثبات العكس وذلك مع قيام مسؤولية منه الفعل الضار وفقا للاحكام العامة . وقد بدا ذلك في مسؤولية المكلف الرقابة عن فعل من هم في رقابته ( 173 مصري ) ومسؤولية المتبوع عن اعمال تابعه غير المشروعة : ( م 174مصري ) مع اعطاء المسؤول عن عمل الغير حق الرجوع على الغير بالتعويض في حدود بينها ( م 175 مصري ).
2. وهذا الذي ذهب اليه القانون المدني المصري وما تبعه من قوانين عربية يخالف المبدأ المقرر في الشريعة الاسلامية من انه لايسال انسان عن ضرر احدثه غيره بقوله تعالى ( ولاتزر وازرة وزراخرى ) وقوله ( لا يكلف الله نفسا الا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ) وقوله :( كل نفس بما كسبت رهينة) : اللهم الا اذ اكره شخص غيره اكراها يجعله كالالة في يد المكره وهو الاكراه الملجيء المعتبر شرعا فعندئذ يكون المكره ( بكسر لراء) مسؤولا لتنزيله حينئذ منزله المباشر والمباشر منزلة الالة .
الشريعة الاسلامية لا تقر مبدا افتراض الخطا سواء منه ما يقبل اثبات العكس وما لا يقبله .
وبناء على هذا :
- لايسأل الشخص المكلف بالرقابة عمن هم في رقابته على خلاف المقرر في القانون كما سبق .
- ولا يسأل المتبوع عن تابعه على خلاف المقرر في القانون كما سبق .
( يراجع علي الخفيف ، الضمان في الفقه الاسلامي 1: 57-60و 239- 240).
3. واذا كان القانون قد دفع لافتراض الخطأ : ليسد حاجة نظرية بتقريره مسؤولية المكلف بالرقابة بعد ان بني المسؤولية على خطا والخطا يفترض التمييز مما ينتج عنه انعدام مسؤولية عديم التمييز والحاجة ماسة الى تقرير مسؤولية شخص ما عن الفعل الضار والمكلف بالرقابة هو اقرب الناس الى موقع المسؤولية فوجد المخلص في تقرير مسؤوليته وفي افتراض خطئة في الرقابة والتوجيه . وليسد حاجة عملية بتقريره مسؤولية المكلف بالرقابة عمن هم في رقابته والمتبوع عن تابعه فانا لا نجد مثل هذه الحاجة النظرية في الفقه الاسلامي حيث تبني المسؤولية على الاضرار مما ينتج عنه مسؤولية مرتكب الفعل الضار ولو كان غير مميز ويمكن سد الحاجة العملية نتيجة املاق التابع او الموضوع تحت الرقابة مع عدم الخروج على المبدا الاصلي المقرر شرعا وهو الا يسأل شخص عن فعل غيره ولو في ماله وذلك باعطاء الحق للمحكمة اذا وجدت مبررا من الظروف ان تقضي بناء على طلب المضرور- بالزام المكلف بالرقابة او المتبوع بان يدفع ما حكم به على المسؤول اصلا على ان يكون له حق الرجوع عليه بما دفعه عنه وذلك رعاية لجانب المضرور .
ولذلك نظائر في الشرع .
- وقد يقضي القاضي بالنفقة لزوجة ويأمر غير الزوج بقضائها على ان يكون له الرجوع على الزوج ( قال في الاختيار : المعسرة اذا كان زوجها معسرا ولها ابن من غيره موسرا او اخ موسر فنفقتها على زوجها ويؤمر الابن او الاخ بالانفاق عليها ويرجع به على الزواج اذا ايسر ويحبس الابن او الاخ اذا امتنع الان هذا من المعروف )( ابن عابدين رد المحتار 2: 657).
- دية الخطا على العاقلة لا يعلم بين اهل العلم خلاف في ذلك ( والمعنى في ذلك ان جنايات الخطا تكثر ودية الادمي كثيرة فايجابها على الجاني في ماله يجحف به فاقتضت الحكمة ايجابها على العاقلة على سبيل المواساة للقاتل والاعانة له تخفيفا عنه ).
( ابن قدامة ، المغني 9: 496 وما بعدها ).
- ان جرائم الصغار والمجانين تتحمل العاقلة عبأها في جميع الاحوال لعدم توافر القصد الصحيح فيهم لقصور ارادتهم وعقلهم عند الحنفية والحنابلة والمالكية (علي الخفيف ،الضمان 2: 176).
4. وقد رؤي الافادة من نصوص القانون المدني المصري ( وما تبعه من قوانين مدنية عربية ) مع احداث التغيير الاساسي المتقدم .
5. وعلى ذلك يجب كي يجوز امر المكلف بالرقابة باداء التعويض الذي يحكم به على من هو في رقابته اذا ارتكب فعلا ضارا :
أ. ان تجب عليه هذه الرقابة قانونا او اتفاقا . اما وجوبها قانونا فالاصل ان احكام قانون الاحوال الشخصية تبين ذلك وهي تلقي عبء الرقابة على الاب او الام او الوصى على حسب الاحوال . واما وجوبها اتفاقا فكما هو الشأن في وضع مريض في مستشفى الامراض العقلية مثلا . فلا يكفي ان يتولى شخص بالفعل رقابة شخص اخر حتى يكون مسؤولا عنه بل يجب ان يكون هناك التزام قانوني او اتفاقي بتولي هذه الرقابة.
ب. ان يكون الشخص الموضوع في رقابة غيره في حاجة الى هذه الرقابة اما بسبب قصره او بسبب حالته العقلية كالمجنون او حالته الجسمية كالمقعد فلا تترتب هذه المسؤولية على الرقابة التي لا تقوم بسبب من هذه الاسباب كرقابة السجان على المسجونين .
وقد اورد القانون في ذلك تفصيلا فنص على انه ( يعتبر القاصر في حاجة الى الرقابة اذا لم يبلغ خمس عشرة سنة او بلغها وكان في كنف القائم على تربيته . وتنتقل الرقابة على القاصر الى معلمه في المدرسة او المشرف على الحرفة ، ما دام القاصر تحت اشراف المعلم او المشرف ، وتنتقل الرقابة على الزوجة القاصر الى زوجها او الى من يتولى الرقابة على الزوج ) وقد رؤي عدم ايراد مثل هذا النص لان هذه الحالات وردت على سبيل المثال لا الحصر فهي ومثلها تدخل في هذا الحكم .
ج. الا يثبت المكلف بالرقابة انه قام بواجب الرقابة او ان الضرر كان لا بد واقعا ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية .
6. كما يجب لجواز الزام المتبوع باداء التعويض الذي يحكم به على التابع :
أ. قيام علاقة التبعية - وتقوم رابطة التبعية ولو لم يكن المتبوع حرا في اختيار تابعة متى كانت له عليه سلطة فعلية في رقابته وتوجيهه فعلاقة التبعية تقوم على عنصرين :
عنصر السلطة الفعلية وعنصر التوجيه والرقابة .
ب. وقوع الاضرار من التابع للغير في حالة تأدية وظيفته او بسببها .
( تراجع المادة 916من المجلة وشرحها لعلي حيدر ).
وهي تقابل المواد (173-175 ) مصري و (174- 176) سوري ومشروع اردني و ( 191و 218- 220) عراقي .
1. تتناول هذه المادة المسؤولية عن فعل الحيوان وما ينشأ عنه من ضرر .
والقانون المدني المصري ، ومن بعده القانون المدني السوري والمشروع الاردني قرر مبدأ المسؤولية عن فعل الحيوان واقامها على اساس فكرة الحراسة لا الملك فجعل حارس الحيوان مسؤولا عما يحدثه الحيوان من ضرر . ويلاحظ ان مالك الحيوان تظل له الحراسة القانونية ولو لم يكن الحيوان تحت يده ماديا كما في حالة ما اذا تسرب الحيوان او ضل .
وبناء على ذلك يكون مسؤولا عما يحدثه هذا الحيوان من ضرر ( للرافض ) الذي استخدمه للعناية به ( وقد عني التقنين اللبناني بالنص على هذا الحكم صراحة اذ قضى قي الفقرة الثانية من المادة ( 129) بان تلك المسؤولية تترتب ولو كان الحارس المضرور قد ارتبط من قبل بعقد من العقود ، كاجارة لاشخاص مثلا ، ما لم ينص على خلاف ذلك .
وقد اختار القانون المصري وما اخذ عنه من قوانين عربية ، صراحة فكرة الخطا المفترض وجعل منها اساسا لمسؤولية حارس الحيوان .
وقد وقفت التقنينات الاجنبية من فكرة افتراض الخطا هذه مواقف مختلفة فيما يتعلق بقوة القرينة التي عليها من حيث جواز سقوطها او عدم سقوطها باثبات العكس . فبعض هذه التقنينات يبيح لحارس الحيوان الاكتفاء باقامة الدليل على انه التزم الحيطة الواجبة لمنعه من الاضرار او لرقابته م 94/86 من التقنين التونسي والمراكشي ، و 56 من تقنين الالتزامات السويسري و (م834 من التقنين الالماني ) وبعضها لا يبيح الا اثبات السبب الاجنبي ( م 81 من المشروع الفرنسي الايطالي و م 129 من التقنين اللبناني ).
ويتوسط التقنين البولوني هذين الرأيين فيكتفي من حارس الحيوان باقامة الدليل على ان خطا ما لم يقع منه ، او من احد ممن يسأل عنهم ( م 148) ومع ذلك فهو يجيز للمحكمة رغم قيام هذا الدليل ان تلزم مالك الحيوان او مستخدمه بتعويض كل الضرر او بعضه اذا اقتضت العدالة ذلك مع مراعاة الظروف ويسار المضرور ومالك الحيوان او مستخدمه بوجه خاص ( م 149 في فقرتها الاخيرة) ولم يبح القانون المصري الا اثبات السبب الاجنبي ، اقتداء بما جرى عليه القضاء المصري في هذا الشأن .
وفي الاعمال التمهيدية للقانون المدني المصري اعترضت لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ على عبارة ( حارس الحيوان ) ورات العدول عن هذا التعبير الى التعبير المألوف وهو مالك الحيوان اذ التعبير بحارس الحيوان تعبير غير محدود وقد يوقع في الخطا واللبس واقترحت ان يكون النص " مالك الحيوان او مستخدمه ... " ثم انتهت الى استعمال عبارة ( حارس الحيوان ولو لم يكن مالكا له ).
والمقصود بالحراسة السيطرة الفعلية على الحيوان وهو ما يطلق عليه بالفرنسية (gaude) لا الحراسة بالمعنى القانوني المتبادر الى الذهن.
2. وفي الفقه الاسلامي الاصل ان فعل الحيوان وما ينشأ عنه من ضرر ان يكون هدرا ، اي لا يستتبع مساءلة ذلك لانه لا ذمة له ولا ادراك .
والسند في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابو هريرة :( العجماء جرحها جبار ) رواه مسلم . والجبار الهدر العجماء الدابة وفي بعض الروايات ( السائمة جبار والسائمة هي الدابة المرسلة في رعيها . والعجماء فيما ذكره بعض العلماء الدابة المنفلتة التي لا يكون معها احد حيث يكون الانفلات عادة ).
وقد اختلف الفقهاء في ضمان فعلها وعدم ضمانه وجملة القول ان الاختلاف بينهم نتيجة لاختلاف الانظار في ثبوت التقصير فمن راى ان ما حدث منها كان نتيجة تقصير ذهب الى التضمين ومن راى انه ليس نتيجة تقصير ذهب الى عدم التضمين .
( يراجع الشوكاني ، نيل الاوطار 5: 276 . والنووي علي مسلم 11: 325 والكاساني ، البدائع 7: 273).
3. وفي حالة المسئولية عن فعل الحيوان فالمسئول هو ذو اليد عليه مالكا كان او مستعيرا او مستأجرا او غاضبا فقد ذكروا انه اذا كانت البهيمة في يد الراعي فاتلفت زرعا وهي في يده ضمن هو دون المالك فالضمان لا يتعلق برقبتها بل بما ذي اليد عليها .
( يراجع جامع الفصولين 2: 86 والشرح الكبير 5: 455 والنووي شرح مسلم 1: 325 والشرقاوي على التحرير 2: 459 ).
واذا تعدد واضعوا اليد على الحيوان كراكب ورديف او راكب وسائق فالضمان عليهم متى كانوا مستوين في ذلك لان كل واحد يضمن عند انفراده فاذا كان معه غيره ضمن معه ( الكاساني 7: 280).
روى ابو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ( العجماء جبار ) وقد فسره بقوله ( اتلاف البهيمة هدار ضمان على صاحبها ).
4. فالحيوان اذا اتلف شيئا او تسبب بخسارة وضرر لاحد الناس فليس على صاحبه شيء من الضمان مالم ينشأ ذلك عن تعد منه او تقصير مثال ذلك :
-لو ربط شخصا فرسيهما في مكان معد لذلك فاتلف فرس احدهما فرس الاخر فليس من ضمان على صاحب الحيوان المتلف ( يراجع المادة 929 من المجلة ).
- كذلك لا يترتب على صاحب الهرة ضمان فيما لو اتلفت طيرا لانسان .
- وان نطحت جاموسة انسان انسانا فقتلته فلا ضمان على صاحبها .
- واذا رفس حيوان انسان حيوانا لاخر وتلف فلا ضمان كذلك على صاحب الحيوان المتلف . وذلك ما لم ينشأ عن تعد من صاحب الحيوان او تقصير لانه اذا اتلف الحيوان شيئا وكان ذلك عن تعد من صاحبه او تقصير يكون بما اتلف الحيوان ضامنا -مثال ذلك :
- لو اطلق شخص حيوانه في مزروعات اخر يكون ضامنا بما يتلف الحيوان .
- ولو راى انسان حيوانه وهو في مزروعات اخر ولم يمنعه فيكون ضامنا بكل ما يحدثه الحيوان من الاضرار لانه يكون متعديا في الحال الاولى ومقصرا في الحال الثانية (م929 من المجلة ).
- ولو ترك انسان حيوانه مطلقا في الطريق العام وهو مما لا يطلق في الشوراع فاتلف مالا او قتل انسانا فتلزمه دية القتيل او قيمة المال المتلف .
وقد ورد في المادة (929) من المجلة ان صاحب الثور النطوح والكلب العقور يكون ضامنا بما اتلفه فيما اذا تقدم اليه احد من اهل محلته او قريته بقوله ( حافظ على حيوانك ولم يحافظ عليه ) .
ويراجع ايضا المهذب للشيرازي (2: 226).
وتبصرة الحكام مطبوعة مع فتح العلي المالك ، طبعة الحلبي سنة 958، ( 2: 177- 178) .
وقد نص في المادة(94) من المجلة ان ( جناية العجماء جبار) .
فصاحب الدابة لا يسأل عن فعلها الا اذا استطاع منعها ولم يمنعها فحينئذ يضمنه وضربت المجلة امثلة لذلك في المواد من ( 929 - 940) كما ان القانون العراقي اورد بعض التطبيقات في المواد (221- 226).
وقد رؤي الاكتفاء في المشروع بهذا النص وعدم الانسياق وراء المجلة والقانون المدني العراقي في ايراد بعض التطبيقات . ويلاحظ ان كل ما اوردته المجلة والقانون المدني العراقي من تطبيقات تندرج تحت عموم لفظ المادة التي اوردها المشروع .
ذلك ان الضمان - اذا تقرر في هذه التطبيقات التشريعية - فانما يرجع اما الى تقصير صاحب الحيوان واما الى تعديه ، وان عدم الضمان - اذا تقرر فيها - فانما يرجع الى عدم التقصير وعدم التعدي من صاحبه.
والمادة تقابل المواد ( 176) مصري و ( 177) سوري ومشروع اردني .
تتناول هذه المادة المسئولية عن انهدام البناء كلا او بعضا وما قد يترتب على ذلك من ضرر للغير .
1. اما القانون المدني المصري فقد قرر المسئولية في هذا المجال واسسها على الخطا المفروض والقى عبئها على حارس البناء دون مالكه على خلاف ما اختار التقنين الفرنسي فتظل مسئولية الحارس قائمة ما لم يثبت ان تداعي البناء لا يرجع الى اهمال في صيانته او عيب في انشأنه . اما التقنين الفرنسي فيلزم الضرور على النقيض من ذلك باقامة الدليل على اهمال الصيانة او القدم او العيب في انشاء البناء ، فاذا تم له تحصيل هذا الدليل ، اصبح مفروضا ان تداعي البناء يرجع الى احد هذه الاسباب ويكون اذن ناشئا عن خطا المالك .
وقد احتذى القانون المصري مثال بعض التقنييات الاجنبية فقرر بين احكام المسئولية عن البناء قاعدة خاصة بشأن ما يتخذ من التدابير الوقائية التي لا تنطوي على معنى التعويض . ويكفي لاعمال هذه القاعدة ان يتحقق معنى التهديد بوقوع الضرر من جراء البناء دون ان يقع فعلا ، فلمن يتهدده هذا الضرر ان يكلف المالك دون الحارس باتخاذ ما يلزم من التدابير لدرء الخطر ، فاذا لم يستجيب مالك البناء لهذا التكليف جاز للمحكمة ان تأذن لمن يتهدده الضرر باتخاذ هذه التدابير على حساب المالك ( انظر في هذا المعنى (م 98/90) من التقنين التونسي والمراضي و( م59) من تقنين الالتزامات السويسري ).
واثناء مراجعته في لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ رات اللجنة ان تعبر عن حارس البناء بـ( مالك البناء) فعا للبس الناشيء عن معنى الحارس المتعارف عليه ان تضاف الى لفظ المالك عبارة ( والمتحدث عنه ) حتى تنصرف تلك العبارة الى الاشخاص الذين لا يكونون ملاكا للبناء ومع ذلك يكونون مسئولين عنه بصفاتهم ثم رات ابقاء عبارة ( حارس البناء ) واضافه عبارة ( ولو لم يكن مالكا له ) بعدها منعا للبس وذلك كما حصل في المادة ( 176) مصري .
هذا وقد نص في القانون المدني العراقي في المادة(230) منه ان ( كل من يقيم في مسكن يكون مسئولا عما يحدث من ضرر بسبب ما يلقى او يسقط من هذا المسكن مالم يثبت انه اتخذ الحيطة الكفية لمنع وقوع الضرر ) وقد اثر المشروع عدم ايراد مثل هذا النص وترك واقعته العامة . وقد كان مثل هذا النص في المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري ورات لجنة القانون المدني في مجلس الشيوخ حذفه لتظل المسئولية في نطاق ما يقضي به النص خاضعة للقواعد العامة .
( تراجع مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ج2 هامش ص 429 - 430) .
3. اما في الفقه الاسلامي فقد اورد ابن قدامة في المغني (9: 571- 576). انه اذا بنى في ملكه حائطا مائلا الى الطريق او الى ملك غيره فتلف به شيء وسقط شيء فاتلفه ضمنه لانه متعد بذلك .
وهذا مذهب الشافعي ولا اعلم فيه خلافا . وان بناه في ملكه مستويا او مائلا الى ملكه فسقط من غير استهدام ولا ميل فلا ضمان على صاحبه فيما تلف به لانه لم يتعد ببنائه ولا حصل فيه تفريط بابقائه وان مال قبل وقوعه الى ملكه ولم يتجاوزه فلا ضمان عليه لانه بمنزلة بنائه مائلا في ملكه وان مال قبل وقوعه الى هواء الطريق او الى ملك انسان او ملك مشترك بينه وبين غيره نظريا : فان لم يمكنه نقضه فلا ضمان عليه لانه لم يتعد ببنائه ولا فرط في ترك نقضه لعجزه عنه فأشبه ما لو سقط من غير ميل . فان امكنه نقضه فلم ينقضه لم يخل من حالين : احدهما - ان يطالب بنقضه - والثاني ان لا يطالب به فان لم يطالب به لم يضمن في النصوص عن احمد وهو ظاهر كلام الشافعي .. وذكر بعض اصحابنا فيه وجها آخر ان عليه الضمان وهو قول ابن ابي ليلى وابي ثور واسحاق لانه متعد بتركه مائلا فضمن ما تلف به . واما ان طولب بنقضه فلم يفعل ... قال اصحابنا يضمن وقد اوما اليه احمد وهو مذهب مالك وقال ابو حنيفة الاستحسان ان يضمن ... وفيه وجه آخر : لا ضمان عليه قال ابو حنيفة وهو القياس ... واذا اخرج الى الطريق النافذ جناحا او ساباطا فسقط او شيء منه على فاتلفه فعلى المخرج ضمانه .. وان اخرج ميزابا الى الطريق فسقط على انسان او شيء فاتلفه ضمنه وبهذا قال ابو حنيفة ..( فالذي يؤخذ من جملة ذلك ان الضرر الذي يحدثه للغير انهدام البناء كله او بعضه مضمون في حالة التعدي او التقصير وغير مضمون عند انعدام التعدي او التقصير .
( يراجع في ضمان ما تلف بسقوط البناء، السرخسي ، المبسوط 27: 9-13 والمرغيناني ، الهداية وشروحها 4: 444 والزيلعي 6: 147 والدر المختار ورد المحتار 5: 589 - 591 زكريا الانصاري ، التحرير 2: 460 وابن قدامة المغني 9/ 571- 576 وكشاف القناع 2: 369).
4. وقد رؤي في المشروع تقرير الضمان الا اذا ثبت عدم التعدي او التقصير وبعبارة اخرى اذا كان الضرر بسبب لا يمكن التحرز منه استنادا الى النص السالف البيان . كما رؤي صياغة الحكم الوارد في الفقرة الاولى على النحو الذي ورد عليه كي يتم النسق في الصياغة في الفصل كله .
5. والمسئول عن الضمان في هذه الحالة هو مالك البناء وناظر الوقف ان كان البناء وقفا وولي اليتيم والقيم على غير كامل الاهلية ان كان البناء له دون المستأجر والمستعير لعدم ولاية هذين في النقص والازالة .
( يراجع علي الخفيف ، الضمان في الفقه الاسلامي 1: 354) . وتراجع ايضا المادة (928) من المجلة وشرحها لعلي حيدر .
وهي تقابل المواد (177) مصري و( 178) سوري ومشروع اردني و( 229) عراقي .
1. تتناول هذه المادة المسئولية عن الجمادات ( غير البناء ) . ويلاحظ ان الالة والاشياء المنوه عنها في المادة تختلف عن الحيوان اذ الحيوان يتحرك بغير ارادة صاحبة او المسيطر عليه فكان ما يحدث عنه من الضرر من قبيل التسبب بالنظر الى صاحبه او صاحب السيطرة عليه- ولهذا وجب ان يكون الضرر الناشيء عن فعل الحيوان نتيجة تقصير وتعد كي يسأل عنه صاحبه . اما الالة فليس لها من حركة الا بتحريك صاحبها فكان ما يحدث عنها من الضرر من قبيل الضرر المباشر والمباشرة لا يشترط فيها التعدي .
( ويراجع علي الخفيف ، الضمان في الفقه الاسلامي 1: 241).
واستنادا الى ان ما يحدث من هذه الاشياء والالات من ضرر يضاف الى من هي تحت تصرفه فضلا عن قاعدة ( الغرم بالغنم ) ونحوها- صيغت هذه المادة ، دون الالتجاء الى فكرة الخطا المفروض التي بنى عليها القانون المدني المصري والسوري والمشروع والمسئولية في هذه الحالة .
( تراجع مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ، المادة ( 178) من القانون ج 2 ص 434- 438).
وهذا الاساس يجعل الحكم مقصورا على الاشياء التي تحتاج الى عناية خاصة والاشياء الميكانيكية .اما غيرها فسهل على المسيطرين عليها الوقاية من ضررها والا كانوا متسببين في الحاق الضرر بانفسهم .
3. والتعبير بـ ( كل من كان تحت تصرفه اشياء .. ) قصد به من له السيطرة الفعلية على الشيء وهو ما يعبر عنه بالفرنسية بكلمة ( ) سواء اكان مالكا ام غير مالك كمستأجر للالات مثلا . وقد عبر القانون المدني المصري والسوري والمشروع الاردني عن هذا المعنى بعبارة ( كل من تولى حراسة اشياء ..) قاصدا بالحراسة نفس المعنى وهو السيطرة الفعلية على الشيء واستعمل المشرع العراقي للتعبير عن نفس المعنى عبارة ( كل من كان تحت تصرفه ...) وقد اثر المشروع استعمال عبارة القانون المدني العراقي وعدم استعمال عبارة المدني المصري والسوري والمشروع الاردني توقيا لما تثيره هذه من لبس .
( تراجع مجموعة الاعمال التحضرية للقانون المصري ج2 ص 426و 433- 434).
3. ورؤي ان ينص بصراحة على استثناء مالا يمكن التحرز عنه تطبيقا للقاعدة الشرعية انه لا تكليف الا بمقدور .
4. ورؤي النص على عدم الاخلال بما يرد في ذلك من احكام خاصة قطعا ببقاء ما يكون موجودا فعلا من هذه الاحكام الخاصة واشارة الى احتمال وجود احكام خاصة مخالفة في المستقبل .
( تراجع المادتان ( 87 و 88) من المجلة وشرحهما لعلي حيدر ) .
وهي تقابل المواد ( 178) مصري و( 179) سوري ومشروع اردني و( 231) عراقي .
لكل واحد حق استعمال الطريق العام . ولكن ذلك مقيد بشرط سلامة الغير وبعبارة اخرى بشرط عدم الاضرار بالغير . فاذا اضر في استعماله الطريق العام الغير ضررا يمكن التحرز عنه كان ضامنا . فمن مر في الطريق العام او جلس فيه واضر بغيره ضمن .
وقد نص على ذلك في المجلة في المواد من 926 الى 928 وفي القانون المدني العراقي في المادتين (227و 228) وضربا لذلك امثلة منها :
- لو سقط عن ظهر الحمال حمل ( والفرض انه في الطريق العام ) واتلف مال احد يكون الحمال ضامنا ( م 926 مجلة و 227 - 2 عراقي ).
- اذا احرقت ثياب احد كان مارا في الطريق الشرارة التي طارت من دكان الحداد حين ضربه الحديد فيضمن الحداد ثياب ذلك المار (م 926 مجلة و 227- 2 عراقي ) وقد صرحت بانه اذا كان يمكن التحرز عن ذلك .
- لو وضع احد على الطريق العام الحجارة وادوات العمارة ، وعثر بها حيوان اخر وتلف يضمن ( مادة 927 مجلة و 228 - 1 عراقي ) .
- لو صب احد على الطريق العام شيئا يزلق به كالدهن وزلق به حيوان وتلف يضمن ( م 927 مجلة و 228 - 2 عراقي ).
- لكل احد حق المرور في الطريق العام مع حيوانه بناء عليه : لا يضمن المار راكبا على حيوانه في الطريق العام الضرر والخسار اللذين لا يمكن التحرز عنهما مثلا . لو انتشر من رجل الدابة غبار او طين ولوث ثياب الاخر او رفست برجلها المؤخرة ولطمت بذيلها واضرت لا يلزم الضمان ولكن يضمن الراكب الضرر والخسار الذي وقع في مصادمتهما او لطمت ادها او راسها لامكان التحرز من ذلك ( م 932 من المجلة و 224 عراقي ).
- من سيب دابة في الطريق العام يضمن الضرر الذي احدثته ( م 935 مجلة و 225 - 2 عراقي ).
وعلى ذلك فما يقوم به الانسان من افعال :
- منه ما هو حق فمن حقوقه التي خولها له الشارع ويلحق بذلك ما هو رخصة اباحها الشارع له .
ومنه ما هو امر محظور حظره الشارع عليه .
فان كان امرا محظورا كان مسئولا عما يترتب عليه من ضرر يصيب غيره ،سواء اصدر عن قصد وادراك ام عن غير قصد .
- وان كان امرا جائزا له مباشرته فترتب عليه ضرر بغيره وكان من قبيل الرخص كان كذلك مسئولا عن ذلك الضرر لان الشارع الاسلامي قد اشترط في مزاولة هذا النوع السلامة وعدم الضرر . فالسير في الطريق رخصة اباحها الشارع على الا يكون سببا في ضرر الغير لان الرخص عامة مشتركة وذلك يقتضي الحذر والحرص في مزاولتها ، حتى لا يضار انسان بسبب انتفاع غيره ، وهما في الانتفاع بها سواء ، وما جعلت رخصا الا على اساس الانتفاع بها انتفاعا مشتركا سليما من الاذى والضرر ولذا كان الضرر في هذه الحال مستوجبا للتعويض الا اذا كان حادثا من فعل لم يتجاوز فاعله فيه حد الامر المعروف المألوف الذي ليس فيه تقصير لان حدوثه عندئذ يكون قضاء قدرا لا تعويض فيه .
اما اذا لم يكن من قبيل الرخص بل كان حقا له فان عليه حينئذ ليظل حقا له ان يلتزم حدوده المرسومة له شرعا عند صدوره . واذا تجاوزها كان هذا خروجا عنه وكان فعلها اعتداء ، وكان ما يترتب عليه عندئذ من ضرر مسئولا عنه ولم يكن هذا من قبيل التعسف في استعمال الحق بل يكون خروجا عن الحق وتجاوزا له واعتداء .
والمراد بالرخصة هنا او الحق العام ما كان امرا مباحا مشتركا لا يختص به انسان بعينه كالسير في الطريق وفتح النوافذ عليه والتقاضي واجتياز القناطر وما الى ذلك .
والمراد بالحق ما خص به صاحبه فكان له وحده كالتصرف في ماله بكل انواع التصرفات قولية او فعلية والانتفاع به نحو ذلك .
وقد صيغ الحكم الفقهي على ما هو مدون في هذه المادة .
الفصل الرابع
الفعل النافع
الفرع الاول
الكسب بلا سببنظرة عامة :
1. نص في المادة (179) من القانون المدني المصري (180) سوري ومشروع اردني و(243) عراقي على ان " كل شخص ولو غير مميز يثري دون سبب مشروع على حساب شخص اخر يلتزم في حدود ما اثرى به بتعويض هذا الشخص عما لحقه من خسارة ، ويبقى هذا الالتزام قائما ولو زال الاثراء فيما بعد " وهذا ما يسمى في القانون " الاثراء على حساب الغير او " الاثراء بلا سبب " وقد قرر المشروع المصري والسوري والمشروع الاردني هذه القاعدة في النص سالف البيان ... ويشترط لتطبيقها شروط ثلاثة :
1. اثراء المدين او اغتناؤه ولا يكون ذلك الا بدخول قثيمة ما يثري به في ذمته المالية ولا يشترط في المثري توافر اهلية ما ، فيجوز ان يلتزم غير المميز بمقتضى الاثراء .
2. ان يقابل هذا الاثراء افتقار الدائن بسبب انتقال عين او قيمة اداها ( قارن المادة (140) من التقنين اللبناني وهي تضيف الى ذلك " او بسبب خدمة اداها " والاثراء في احكام هذا التقنين قد يكون مباشرا او غير مباشر ماليا او معنويا .
3. الا يكون للاثراء الحادث والافتقار المترتب عليه سبب قانوني يبررها فلا يجوز للواهب مثلا ان يرجع على الموهوب له بدعوى الاثراء بلا سبب ، لان بين العاقدين تصرفا قانونيا ، وهو عقد التبرع يبرر افتقار احدهما واثراء الاخر .
ولم يشترط القانون المصري ان يظل الاثراء قائما الى وقت رفع الدعوى بل يكون الرد واجبا ولو زال الاثراء فيما بعد وهو ما يقضي به صراحة النص ، ولا يشترط كذلك الا يكون للدائن دعوى سوى دعوى الاثراء يستطيع ان يلجا اليها لاستيفاء حقه ، بل يجوز ان يباشر هذه الدعوى ولو هيا له القانون طريقا اخر .
والقانون في النص المتقدم الزم المثري بتعويض الدائن عما افتقر به ولكن بقدر ما اثرى. فهو يلتزم برد اقل القيمتين : قيمة ما اثرى به ، وقيمة ما افتقر به الدائن فاذا تصرف المثري بعوض فيما اثرى به فليس لمن افتقر حق الرجوع على من صدر له التصرف لان هذا الاخير قد اثرى به بمقتضى سبب قانوني هو التصرف نفسه اما اذا كان التصرف على النقيض من ذلك بغير مقابل فلاصل ام ينحصر حق الرجوع في المثري ما دام من صدر له التبرع قد اثرى بسبب قانوني هو عقد التبرع . بيد ان القانون قد اثبت للمفقتر حق الرجوع على من صدر له التبرع بمقدار ما اثرى ، مقدما بذلك " درء الضرر على جلب المنفعة " ويكون للمفقتر في هذا الفرض ان يرجع على المثري او على من صدر له التبرع ، وفقا لمصلحته في ذلك فاذا كان مبلغ ان ما اصابه من خسارة 1000 دينار وبلغت قيمة الاثراء بالنسبة للمثري 800 دينار وبالنسبة لمن صدر له التبرع 900 دينار فمن صلحة المفقتر ان يرجع على من صدر له التبرع .
2. وتهم الاشارة الى ان القانون المدني العراقي اخذ بمبدا نظرية الاثراء على حساب الغير اذ نص في المادة (243) على ما ياتي :
" كل شخص ولو غير مميز يحصل على كسب دون سبب مشروع على حساب شخص اخر يلتزم في حدود ما كسبه بتعويض من لحقه ضرر بسبب هذا الكسب ويبقى هذا الالتزام قائما ولو زال كسبه فيما بعد "
3. والقانون الانجليزي لا يعترف بالاثراء بلا سبب مصدرا للالتزام الا في حدود ضيقة . واوسع ما يعترف به في ذلك هو الالتزام الناشيء عن دفع غير المستحق بشرط ان يكون المال الذي يراد استرداده مبلغا من النقود وان يكون الغلط الذي وقع فيه الدافع غلطا في الواقع لا في القانون . اما مبدا الاثراء بلا سبب ذاته فلا يعترف به القانون الانجليزي الا في تطبيقات خاصة منها .
- اذا دفعت شركة التامين مبلغ الخسارة المؤمن عليها فلها ان ترجع على المؤمن له بالتعويض الذي اخذه من الغير عن هذه الخسارة.
- اذا استولى احد الشركاء في الشيوع على اكثر من نصيبه في غلة العين المشاعة التزم برد هذه الزيادة.
وكذلك الفضولي ليس له الحق في استرداد ما انفق من المصروفات الا في حالات محدودة منها حالة انقاذ سفينة من الغرق وحالة الدائن المرتهن فيما يتحمله من النفقة لحفظ العين المرهونة.
4. والمبدا في الفقه الاسلامي محل خلاف : فراي يذهب الى ان الاثراء بلا سبب ليس مصدرا عاما للاتزام في الفقه الاسلامي الا في حالات قليلة وراي يذهب الى (وجود او امكان وجود ) نظرية عامة للاثراء بلا سبب في الشريعة الاسلامية.
( يراجع : السنهوري ، مصادر الحق 1:55-59 والهامش 1 ص 43 منه ايضا والوسيط الطبعة الثانية : ص 1252 - 1253 . وخصوصا الهامش 2 ص 1253 ) .
وقد رؤي في المشروع عدم الحسم في المبدا على نطاقه المقرر في القانون وترك الامر في هذه المرحلة لاجتهاد الفقه والقضاء مع ايراد الاحكام المسلمة في الفقه الاسلامي.
5. ولعل في تطبيق فكرة " الاضرار " الذي يقوم عليه الضمان في الفعل الضار في الفقه الاسلامي ما يسد - الى حد ما - حاجة يسدها في القانون المصري والمسؤولية التقصيرية فيه تقوم على الخطا احكام نظرية عدم جواز " الاثراء على حساب الغير " ومن شروطه حصول " افتقار " وهو لا شك " ضرر ".
6. ويتناول المشروع مبدا لاخذ مال الغير بلا سبب ( م 293 - 295 ) وقبض غير المستحق ( م 296 - 300) والفضالة ( م 301 - 308 ) وقضاء دين الغير ( م 309 و 310 ) والتقادم ( م 311).
المذكرة الايضاحية :
1. القاعدة التي تقررها هذه المادة تستند الى الحديث الشريف لا يأخذن احدكم متاع اخيه جادا ولا لاعبا الحديث الاخر :( على اليد ما اخذت حتى تؤديه ) (الشوكاني ، نيل الاوطار 6: 40و 62).
وهذه القاعدة تضع اساس قاعدة الاثراء بلا سبب ، ذلك ان الاصل ان مال الشخص لا ينتقل الى شخص اخر الا في حالتين اثنتين : اتفاق الشخصين على ذلك ، او كان القانون هو الذي قضى بانتقال المال . فاذا انتقل المال في غير هاتين الحالتين وجبت اعادته الى صاحبه وهذه هي قاعدة الاثراء بلا سبب .
وهذه القاعدة قاعدة اصلية مستقلة قائمة بذاتها متفرعة عن غيرها فهي مصدر مستقل من مصادر الالتزام . وهي تتصل اتصالا مباشرا بقواعد العدالة .
( السنهوري ، والوسيط ، الطبعة الثانية ص 1266 - 1268).
2. ويشترط لتطبيق هذه القاعدة ان يأخذ شخص مال غيره والا يكون لذلك سبب شرعي لانه بالاسباب الشرعية كالبيع والهبة والميراث يحق اخذ مال الغير ، والحكم الواجب في هذه الحالة هو ان على الاخذ رد ما اخذ . فاذا لم يمكن الرد بان هلك او استهلك فتطبق القواعد العامة . ويراجع فيما سبق ما ذكر في النظرة العامة في اول هذا الفصل .
كما تراجع المواد ( 97 و 890و 891) من المجلة وشرحها لعلي حيدر وهذه المادة تقابل المواد ( 180) مصري و( 181) سوري ومشروع اردني و( 243) عراقي .
1. تتناول هذه المادة حالة ما اذا تملك شخص مالا لاخر دون صدور تصرف يكسبه هذا الملك ، سواء اكان هذا التصرف منهما معا او منه او من الغير بمقابل او تبرعا كحالة الالتصاق مثلا .
وقد رؤي من باب الاحتياط استثناء حالة ما اذا قضى القانون بغير ذلك . وظاهر ان الكسب بالميراث لا يدخل في نطاق هذه المادة .
2. ويدخل في هذا الحكم ما نص عليه في المواد (240 و 241 و 242) من القانون المدني العراقي ونصها :
م 240 (1- اذا استعمل شخص مالا بلا اذن اصحابه لزمه اداء منافعه سواء كان المال معدا للاستغلال او غير معد له وذلك دون اخلال بأحكام المادة (1156) .
2. فمن سكن دار غيره من دون عقد لزمه اجر المثل ، ولو انقضت مدة الاجارة في الارض المزروعة قبل ادراك الزرع فللمستأجر ان يبقي الزرع في الارض الى ادراكه ويعطي اجرة المثل) .
م 241 (اذا استخدم احد صغيرا بدون اذن وليه استحق الصغير اجر مثل خدمته) .
م 242 1 . لو خرج ملك شخص من يده بلا قصد واتصل قضاء وقدرا بملك غيره اتصالا لا يقبل الفصل دون ضرر على احد المالكين تبع الاقل في القيمة الاكثر بعد دفع قيمته .
2. فلو سقط من شخص لؤلؤة التقطتها دجاجة فصاحب اللؤلؤة يأخذ الدجاجة ويعطي قيمتها) .
(تراجع المواد (27 - 29 و 53 و 902) من المجلة وشرحها لعلي حيدر) وهذه المادة تقابل (1125) عراقي .
نص في المادة (204) من مرشد الحيران على انه :
(في كل موضع لا يملك المدفوع اليه المال مقابلا بملك مال ، لا يرجع المأمور بما انفقه على الآمر الا اذا اشترط الرجوع عليه .
فمن امر غيره ان يهب عنه مبلغا لشخص معين او يقرضه مبلغا او امره بأن يحج عنه او يؤدي زكاة ماله ونحو ذلك من الواجبات الاخروية ، ففعل المأمور ذلك وانفق من ماله ما امره به ، فلا يرجع بشيء مما انفقه على الآمر الا اذا اشترط الضمان والرجوع عليه) .
1. يقرر الفقهاء المسلمون قاعدة عامة انه ( لا عبرة بالظن البين خطؤه) و"لا عبرة للتوهم" ( م 73و 74 من المجلة) ويجعلون من تطبيقات هذه القاعدة انه لو ظن ان عليه دينا فبان خلافه يرجع بما ادى ( ابن نجيم ، الاشباه والنظائر 1: 193- 194 ) وقالوا شرحا لذلك انه مما يصلح ان يكون من فروع هذه القاعدة :
- ( قاض او غيره دفع اليه سحت الاصلاح المهمة ، فاصلح ثم ندم ، يرد ما دفع اليه ابراه من الدين ليصلح مهمة عند السلطان لا يبرا وهو رشوة . المتعاشقان يدفع كل واحد منهما لصاحبه اشياء فهي رشوة لا يثبت الملك فيها ، وللدافع استردادها لان الرشوة لا تملك ).
- ( في الخلاصة : اب الصغيرة التي لا نفقة لها اذا طلب من القاضي النفقة وظن الزوج ان ذلك عليه ففرض الزوج لها النفقة لا يجب ، والفرض باطل - وفي شرح الوهبانية لابن الشحنة : من دفع شيئا ليس واجبا عليه فله استرداده الا اذا دفعه على وجه الهبة واستهلكه لقابض .
- وفي الخانية : رجل قال لرجل: لي عليك الف درهم فقال المدعي عليه ان حلفت انها لك علي اديتها اليك فحلف فحلف فأداها اليه - هل له ان يستردها منه بعد ذلك ذكر في المنتقى انه ان دفعها اليه على الشرط الذي شرط كان له ان يستردها منه .
فكل من ادى شيئا على ظن انه دين عليه ثم بان خلافه فانه يرجع على من قبضه بما ادى ان قائما وبمثله او قيمته ان كان تالفا .
وبهذا يتبين ان دفع غير المستحق في الفقه الاسلامي مصدر للالتزام في اوسع الحدود .
( البغدادي ، مجمع الضمانات ، ص 458- 459. ابن نجيم ، الاشباه والنظائر 1: 193-194. السنهوري ، مصادر الحق ، 1: 56 . على الخفيف ، الضمان في الفقه الاسلامي ، 1: 172).
2. وقد صيغ هذا الحكم في مرشد الحيران في المادة 207.
وقد رؤي في المشروع الاخذ بالحكم في الفقه الاسلامي وهو وجوب رد القابض ما اخذه بدون حق على ظاهره اي بدون تفرقه بين حسن النية وسوئها ولا بين كامل الاهلية وناقصها.
3. وقد نص في الفقرة الثانية من المادة ( 181) مصري ( 182- 2) سوري ومشروع اردني كما نص في القانون المصري في المادة (186 و 187 ) سوري ومشروع اردني على بعض التفصيلات ايضا وقد اضاف القانون العراقي في الفقرة (2) من المادة ( 233) احكاما تفصيلية اخرى وقد رؤي ترك الحكم في ذلك للقواعد العامة في الفقه الاسلامي .
تراجع مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ( جـ / 2 ص 457- 459و 461- 462).
1. الوفاء بدين تصرف قانوني فيجب ان تجتمع له الشروط الواجب توافرها في سائر التصرفات القانونية . فيشترط ان يكون بوجه خاص خلوا مما يعيب الرضا وان يصدر ممن تتوافر لديه اهلية الوفاء . فاذا شاب الرضا عيب من عيوب الرضا او تخلف شرط الاهلية فان من تسلم ما اوفى به او ادى على هذا الوجه ، ملزم بالرد وفقا للقواعد العامة .
2. وعلى ذلك فيقتضي العمل ان يكون من واجب من يدعي اداء ما لم يكن مستحقا ان يقيم الدليل على امرين :
اولهما : قيامه بوفاء تلحق به صفة التصرف القانوني ويخضع بذلك للقواعد العامة في اثبات التصرفات القانونية وعلى وجه الخصوص ما تعلق منها بنصاب الاثبات بالكتابة او البينة .
وقد قصد المشروع من عموم العبارات التي استعملت في صياغة القاعدة الخاصة بدفع غير المستحق الى مواجهة كل الحالات التي تشملها دون ان يخص صورة من صور الوفاء او ضربا من ضروب ما يحصل الوفاء به .
اما الامر الثاني : فقيامه بالوفاء بما لم يكن مستحقا في ذمته ويتيسر له ذلك :
أ: اذا اثبت عدم تحقيق سبب الدين الذي اداه اطلاقا : كما اذا ان الوارث قد اوفى بدين لم يكن مورثه ملتزما به ، او كما اذا قام احد المتعاقدين في عقد باطل بالوفاء بالتزامه ، او كما اذا قام شخص بالوفاء بتعويض عن حادث اعتقد خطأ انه يسأل عنه .
ب. او اذا اثبت ان سبب الدين لم يتحقق ، كما اذا ادى مدين دينا بموجب عقد موقوف او معلق بشرط لم يتحقق ( انظر التقنين اللبناني المادة 145- 1 والمادة 1434 من التقنين النمساوي والمادة 964 - 2 من التقنين البرازيلي والمادة 268 مدني مصري ).
ج. او اذا اثبت ان سبب الدين قد زال بعد تحققه : كما اذا نفذ احد العاقدين التزامه في عقد ابطل او فسخ بعد ذلك .
3. فاذا اقام المدعي هذا الدليل فيفرض انه اوفى خطا وان من حقه ان يسترد ما دفع وقد نص التقنين الاسباني على ذلك صراحة ، فقرر في المادة (1901) انه ( يفرض الخطا في الوفاء اذا سلم ما لم يستحق اصلا او ما سبق اداؤه ) ويضيف النص الى ذلك ( ولكن يجوز لمن يطلب اليه الرد ان يقيم الدليل على ان التسليم كان على سبيل التبرع ، او لاي سبب مشروع اخر ). والواقع ان من تسلم ما يدعي بعدم استحقاقه له ، لا يكون عليه الا اسقاط قرينة الخطا في الوفاء فاذا اثبت ان الوفاء بما لم يكن مستحقا قد تم عن بينة من الموفى ، فيفرض انه اوفى على سبيل التبرع ، الا ان يكون غير كامل الاهلية ، او ان يقوم الدليل على انه ادى ما اداه تحت سلطان اكراه : كما اذا كان قد فقد المخالصة ، واكره بذلك على الوفاء مرة اخرى .
4. ويقصد بالدين هنا الدين بمعناه العام وهو ما يعبر عنه القانون بكلمة ( الالتزام ) سواء كان التزاما بنقل ملكية شيء او بعمل شيء او بالامتناع عن عمل ما .
( تراجع المادة (72) من المجلة وشرحها لعلي حيدر ) وهي تقابل المادة ( 182) مصري و( 138) سوري ومشروع اردني و( 235) عراقي .
1. الاصل فيمن يقوم بالوفاء بدين قبل حلول اجله انه يدفع ما ليس مستحقا عليه من وجه . فاذا تم الدفع من جراء غلطه ، او من جراء ظروف لها حكم الغلط ، فلمن دفع ان يسترد ما اداه على ان يقوم بالوفاء عند حلول الاجل ، وقد اثر المشروع الاخذ بهذا الراي لسلامة منطقة ، مقتفيا في ذلك اثر القانون المصري ( والسوري والمشروع الاردني ) الذي اقتفى بدروه اثر المشروع الفرنسي الايطالي ، ولو ان بعض تقنينات اخرى اعرضت عنه.
2. وقد تضمن القانون المدني المصري ( والسوري والمشروع الاردني والعراقي ) فقرة ثانية في المادة القابلة لهذه المادة نصها :
( على انه يجوز للدائن ان يقتصر على رد ما استفاده بسبب الوفاء المعجل في حدود ما لحق المدين من ضرر . فاذا كان الالتزام الذي لم يحل اجله نقودا التزم الدائن ان يرد للمدين فائدتها بسعرها القانوني او الاتفاقي عن المدة الباقية لحلول الاجل ).
فبهذا النص يجوز للدائن ان يختار بين مقتضى الالتزام بالرد المنصوص عليه في الفقرة الاولى وبين الاجتزاء برد ما يثري به من جراء التعجيل بالوفاء دون ان يجاوز ذلك قدر ما لحق المدين من ضرر فيحق مثلا لمقاول اعتقد خطأ انه ملزم بتسليم بناء قبل الموعد المقرر بستة اشهر وتحمل بسبب ذلك نفقات اضافية ، ان يطالب الدائن اذا لم يشأ ان يرد البناء تسلمه الى ان يحل الاجل ، باقل قيمتين : قيمة النفقات التي تقدمت الاشارة اليها ، وقيمة ايراد البناء في خلال الشهور الستة فاذا كان الدين الذي عجل الوفاء به ، مبلغا من النقود ولم يرد الدائن ان يرده الى المدين على ان يؤدي اليه عند حلول الاجل ، كان للمدين ان يطالب بما يغل الدين من فائدة ، بحسب السعر المتفق عليه ، او بحسب السعر المقرر في القانون اذا لم يكن ثمة اتفاق في هذا الشأن .
وقد رؤي عدم ايراد هذا الحكم في المشروع تجنبا للربا او مخافة منه .
ويلاحظ انه في الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري اقترح رئيس لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ حذف هذه المادة لما تحدثه من اضطراب في المعاملات ولكن اغلبية اللجنة لم توافق .
( تراجع مجموعة الاعمال التحضيرية للقانون المدني المصري ، المادة ( 183) من القانون ج2، ص 451- 453).
وتراجع ايضا المادة (83) من المجلة وشرحها لعلي حيدر وهي تقابل المواد ( 184) سوري ومشروع اردني و( 235) عراقي .
1. اذا قام غير المدين بوفاء الدين معتقدا انه ملزم بأدائه فمن حقه ان يسترد ما ادى ، وفقا للقواعد الخاصة بدفع ما لا يستحق ، سواء اكان الدائن حسن النية ام سيئها . ومع ذلك فقد رؤي اختصاص الدائن بقسط من الرعاية فاسقط عنه الالتزام بالرد اذا ترتب على الزامه برد قبضه الحاق ضرر بحقه : اما من ناحية الواقع بسبب تجرده من سند الدين : او من التأمينات المخصصة للوفاء به ، واما من ناحية القانون بسبب سكوته عن مطالبة المدين الحقيقي وتقام دعواه قبله تفريعا على ذلك .
فالحق ان الموازنة بين الغير الذي ادى دينا لم يكن ملزما بادائه ، وبين الدائن حسن النية وقد تجرد من سند دينه معتقدا صحة الوفاء ، تنتهي دون شك الى ان الاخير اولى بالرعاية من الاول . ومؤدى هذه الرعاية الا يلتزم برد ما قبض .
2. على ان هذه الحماية للدائن لا تحرم من أوفى بالدين من الرجوع على المدين الحقيقي بما اداه بل وايضا بالتعويض ان كان له محل .
وهي تقابل المادة ( 184) مصري و(185) سوري ومشروع اردني .
جاء في مذكرة المشروع التمهيدي انه يلتزم من يتسلم غير المستحق برد ما يؤدى اليه دون حاجة الى التفرقة بين ما اذا كان من تسلم حسن النية او سيئها وما اذا كان ما سلم من القيميات او المثليات ، اما فيما يتعلق بثمرات الشيء الذي سلم فثمة محل للتفرقة بين ما قبض بحسن نية وما قبض بسوء نية فلا يلزم الاول بالثمرات او الفوائد الا من وقت رفع الدعوى ، لانه يمتلك الثمرات ما دام حسن النية وفقا للقواعد العامة . اما سيء النية فيلزم على نقيض ذلك برد الفوائد والارباح التي حصل عليها او كان بوسعه ان يحصل عليها من الشيء من وقت القبض او من الوقت الذي اصبح فيه سيء النية .
وهذا ايضا تطبيق للقواعد العامة لان الحائز سيء النية لا يكون له حق في الثمرات ، ويراعى في الحالة الاخيرة انه اذا كان الشيء القبوض مبلغا من النقود فيلزم من قبضه برد الفوائد محتسبة على اساس السعر المقرر في القانون حتى قبل رفع الدعوى وهذه الحالة من حالات الاستثناء النادرة التي ترد على قاعدة عدم استحقاق الفوائد القانونية الا من تاريخ رفع الدعوى .
2. والظاهر ان الفقه الاسلامي لا يفرق بين حسن النية وسوئها لذا رؤي عدم ايراد هذه التفرقة وتخويل المحكمة الحق في ان تقضي علاوة على الزام القابض برد ما اخذه بان يرد ايضا ما يكون قد جناه من مكاسب او منافع باعتباره ما اخذ به المشروع من ان المنافع اموال تضمن . وترك الامر للمحكمة فيه الضمان الكافي للطرفين معا .
3. اما بيان اليوم الذي تحسب منه الفوائد والارباح . هل هو يوم الوفاء او اليوم الذي علم فيه القابض بانه يقبض غير المستحق او يوم رفع الدعوى كما فعل المشرع المصري فلا حاجة له مع عموم النص الوارد في المشروع . وقد رؤي تفويض المحكمة بتعويض صاحب الحق لقاء تقصير القابض ، لانه لا يجوز له ان يلحق الضرر بصاحب الحق بسبب تصرفه .
تراجع المادة (22) من المجلة وشرحها لعلي حيدر .
هي تقابل المواد ( 185) مصري و( 186) سوري ومشروع اردني .
?الفرع الثالث
الفضالة
نظرة عامة :
يتناول المشروع فيما يلي مسالة الفضالة :
1. وقد عرفها القانون المدني المصري في المادة (188) منه ( وتطابقها المادة 189 من القانون السوري والمشروع الأردني) بما يأتي :
(( الفضالة هي ان يتولى شخص عن قصد القيام بشأن عاجل لحساب شخص آخر دون ان يكون ملزماً بذلك)) .
وقد جعلها القانون المدني المصري (والسوري والمشروع الأردني) تطبيقاً خاصاً هي ودفع غير المستحق- من تطبيقات مبدأ الإثراء على حساب الغير بوصفه مصدراً عاماً من مصادر الالتزام ، شانه في ذلك شأن العقد والفعل الضار .
وخلاصة القواعد الخاصة بها أن من يقوم بشأن عاجل لحساب شخص آخر قاصداً مصلحة هذا الشخص دون أن يكون ملتزماً بالقيام بهذا الشأن ولا موكلاً فيه ولا منهيا عنه يلتزم بما يأتي :
2. أن يمضي في العمل الذي بدأه إلى أن يتمكن رب العمل من مباشرته بنفسه .
3. أن يخطر رب العمل بتدخله متى استطاع ذلك .
4. أن يبذل في القيام بالعمل عناية الشخص المادي .
5. أن يقدم لرب العمل حساباً عما قام به وأن يرد إليه ما استولى عليه بسبب الفضالة .
كما يلتزم رب العمل بما يأتي :
1. تنفيذ التعهدات التي عقدها الفضولي بالنيابة عنه.
2. تعويض الفضولي عن التعهدات التي عقدها هذا باسمه شخصياً .
3. رد النفقات الضرورية والنافعة ودفع الأجر .
4. تعويض الفضولي عن الضرر الذي لحقه .
( المواد 188 وما بعدها من القانون المدني المصري و 189 وما بعدها من القانون المدني السوري والمشروع الأردني ، يراجع السنهوري ، الوسيط الطبعة الثانية ص 1384 وما بعدها) .
2. وقد اقر الفقه الإسلامي الفضالة مصدراً للالتزام بشروط . والظاهر فيه أن الأصل أن الفضولي متبرع ، صدوراً عن الأخوة الإسلامية التي تدعو إلى البر والمعروف ، إلا انه حيث لا توجد نية التبرع فإن الفضالة تصبح مصدراً للالتزام وهي تصير كذلك إذا أذن القاضي للفضولي بالقيام بشأن للغير ، أو قضت به ضرورة أو عرف ، وعندئذ تقوم روابط قانونية بين الفضولي ورب العمل تنظمها قواعد على ما سيأتي .
3. وتتناول المواد التالية شروط الفضالة (م301) وحكمها عند إقرارها (م302) والتزامات الفضولي (م 303 -306) والتزامات رب العمل (م307) والحكم عند موت الفضولي أو رب العمل ( م 308) .
المذكرة الايضاحية :
1. تتناول المادة (301) الشروط التي يجب توافرها في الفضولي كي يكون له حق الرجوع وتكييف مركز الفضولي .
2. فتعرف الفضالة بأنها القيام بشأن نافع للغير بدون امره وبعبارة اعم بدون اذن شرعي بان لم يكن وكيلا ولا وليا ولا وصيا ولا قيما على صاحب الشأن فيشترط حتى تكون هناك فضالة تخول ، فيما تخول ، الرجوع على صاحب الشأن ، ان يقوم شخص عنه بلا اذن شرعي بعمل نافع له فان كان هناك اذن شرعي ، او كان العمل غير نافع فلا توجد الفضالة بالمعنى المقصود هنا .
ويشترط لانطباق الاحكام المنصوص عليها فيما بعد ، ومنها رجوع الفضولي على رب العمل بما انفق ، الحصول قبل القيام بالعمل على اذن القاضي او ان توجب القيام به ضرورة او يقضي به عرف ، وكل ذلك يعني وجود حالة الاستعجال والاضطرار وهو ما يخول للفضولي تولي شان غيره مع الرجوع عليه لانتفاء نية التبرع ، وبهذا المعنى يكون هناك توافق في هذا الصدد بين هذه المادة والقانون المدني المصري ( والسوري والمشروع الاردني ) بنصه على انه ( الفضالة هي ان يتولى شخص عن قصد القيام بشأن عاجل لحساب شخص اخر ،دون ان يكون ملزما بذلك (م 188/ 189).
3. وقد بت المشروع في صفة الفضولي عندئذ فاسبغ عليه توافر الشروط المتقدمة صفة النائب ويترتب على ذلك تطبيق قواعد النيابة ، ان لم يكن هناك نص خاص مخالف .
4. والنص الوارد في المشروع يتفق مع الحكم في الفقه الحنفي ذلك ان الضرورة قد تستوجب الولاية دفعا للضرر ويقرها الشارع بناء على ذلك كما ان الولاية في تصرف ما قد يفرضها العرف برضا صاحب العمل الشأن عنه ، بحيث لو رجع اليه فيه قبل مباشرته لارتضاه واذن به ومن امثلة ذلك :
- طاحونة بين شريكين انفق احدهما على مرمتها بغير اذن شريكه لا يكون متبرعا لانه لم يتوصل الى الانتفاع بنصيبه الا بذلك ( اي للضرورة ).
(يراجع مجمع الضمانات ص 286. والخانية 3: 111 وابن عابدين 3: 388 طبعة الحلبي وجامع الفصولين 2: 59 وعلي الخفيف ، الضمان 1: 27-30 ).
- اذا رهن الاب مال الصبي بدين نفسه وادرك الولد والرهن قائم عند المرتهن فلو قضى الولد دين ابيه وافتك الرهن لم يكن متبرعا ويرجع بجميع ما قضى على ابيه لانه مضطر الى قضاء الدين اذ لا يمكنه الوصول الى ملكه الا بقضاء الدين كله فكان مضطرا فيه فلم يكن متبرعا بل يكون مأمورا بالقضاء من قبل الاب دلالة فكان له ان يرجع عليه بما قضى ( الكاساني 6: 135- 136).
- اذا احتاج الملك المشترك الى التعمير واحد الشريكين غائب واراد الاخر التعمير فانه يستأذن الحاكم ويصير اذن الحاكم قائما مقام اذن الغائب صاحب الحصة ، يعني ان تعمير صاحب الحصة الحاضر الملك المشترك باذن الحاكم هو في حكم اخذ الاذن من شريكه الغائب فيرجع عليه بحصته من المصرف ( م1310 من المجلة ).
اما اذا لم يأذن القاضي ( ولا الشريك ) فيكون متبرعا .
تراجع المواد ( 112 و 378 و 1310 و 1315 ) من المجلة وشرحها لعلي حيدر و ( 67و 765 و 768 و772 ) من مرشد الحيران .
- من وجد الضالة وانفق عليها بامر القاضي يكون دينا على مالكها واذا انفق بغير اذن القاضي يكون متبرعا ( الكاساني 6: 203).
( مجمع الضمانات ص 448-450 وعلي الخفيف ، الضمان 1: 27- 30 و 232- 233. والسنهوري مصادر الحق 1: الهامش 1 ص 43 و ص 57- 59).
وهي تقابل المواد (188) مصري و( 189) سوري ومشروع اردني و ( 238) عراقي .
تراجع مذكرة المادة السابقة ( 301) وهي تقابل المادة ( 190) مصري و ( 191) سوري ومشروع اردني .
1. يعتبر القانون مصدرا مباشرا لالتزامات الفضولي ، ولو انها تنشأ بمناسبة عمل ارادي .
2. ويلزم هذا النص الفضولي بالمضي في العمل الذي بداه الى ان يتمكن رب العمل من مباشرته بنفسه .
3. ولما كان لرب العمل ان يكف الفضولي عن التدخل فيما تصدى له وجب على الفضولي ان يخطره بتدخله في اول فرصة تتاح له ، ومتى تيسر لرب العمل ان يباشره بنفسه كان من حقه وواجبه ان يقوم بذلك .
وهي تقابل المادة ( 191) مصري و( 192) سوري ومشروع اردني .
1. يلاحظ ان الفضولي يلزم ، ما بقي قائما بالعمل ، بعدم الاضرار برب العمل وكل اضرار يقع منه لرب العمل يستتبع مسائلته . ومع ذلك فينبغي التسامح في تقدير هذه المسئولية اذ الفرض ان الفضولي قد قام بما تصدى له من شئون رب العمل باذن القاضي او ايجاب الضرورة او العرف لدفع ضرر يتهدد هذا الغير براية .
2. وهذا النص يختلف عن نص المادة (192-1) مصري ( 193-1) سوري ومشروع اردني ونصها :( يجب على الفضولي ان يبذل في القيام بالعمل عناية الشخص العادي ويكون مسئولا عن خطئه . ومع ذلك يجوز للقاضي ان ينقض التعويض المترتب على هذا الخطا اذا كانت الظروف تبرر ذلك .
والاختلاف بين هذا النص في المشروع ونص القانون المصري ( والسوري والمشروع الاردني ) فرع عن اختلافها في اساس المسئولية عن فعل الضار.
3. وقد نص في المادة الثالثة من المادة (192) مصري ( 193) سوري ومشروع اردني انه ( اذا تعدد الفضوليون في القيام بعمل واحد كانوا متضامنين في المسئولية ) ولم ير الاخذ بذلك في المشروع نزولا على حكم الشريعة الاسلامية التي تابي ان يسأل شخص عن فعل اخر وهو ما سار عليه المشروع في الفعل الضار .
قد يعهد الفضولي الى غيره بكل العمل او ببعضه فرؤي النص على :
1. مسئولية الفضولي عمن عهد اليه بذلك باعتبار ان عمل الاخير مضاف اليه .
2. مسئولية من عهد اليه الفضولي بالعمل قبل رب العمل مباشرة . وقد اخذ هذا الحكم عن القانون المصري ( والسوري والمشروع الاردني ) لفائدته واتساقه مع الاحكام المتقدمة .
وهي تقابل المادة ( 192) مصري و( 193) سوري ومشروع اردني .
يقوم هذا الحكم على اساس ما تقدم من ان الفضولي نائب عن رب العمل فهو كالوكيل يجب عليه ان يرد لرب العمل ما استولى عليه بسبب الفضالة وان يقدم حسابا عما قام به .
وهي تقابل المادة ( 193 ) مصري و ( 194 ) سوري ومشروع اردني .
تقدم في المادة ( 301 ) ان الفضولي في الحالات المنصوص عليها في تلك المادة يصبح نائبا عن رب العمل فيما ندب نفسه اليه من شئون رب العمل , فاذا قام الفضولي بما يجب عليه من رعاية حسن الادارة بحيث لا يضر برب العمل , كان له على رب العمل امور ثلاثة :
اولهما : التزام رب العمل بالوفاء بما تعهد به الفضولي , وينبغي التفرقة في هذا الصدد بين فرضين :
- فاذا كنت هذه التعهدات قد تولى عقدها الفضولي باسم رب العمل بان اضاف العقد اليه , التزم هذا بها مباشرة بمقتضى النيابة القانونية التي تنشأ من الفضالة وبهذا يصبح راسا دائنا ومدينا لمن تعاقد معه الفضولي .
- اما اذا تعاقد الفضولي باسمه شخصيا بان اضاف العقد الى نفسه لا الى رب العمل فلا يصبح هذا دائنا او مدينا لمن تعاقد معه الفضولي من الاغيار , انما ترجع حقوق العقد والتزاماته الى الفضولي ولكن رب العمل يلزم بتعويضه عن جميع ما عقد من التعهدات على هذا الوجه , وفقا لقواعد الكسب بلا سبب .
- وثانيهما : التزام رب العمل بان يؤدي الى الفضولي جميع ما اقتضت الظروف من نفقات ضرورية او نافعة على انه يجوز انزال النفقات المفرطة ولو كانت نافعة الى الحد المعقول , ويكون للفضولي في هذه الحالة ' ان ينتزع ما جاوز الحد على ان يعيد الشيء الى الحالة التي كان عليها من قبل ( المادة 1038 من التقنين النمساوي والمادة 422 من تقنين الالتزامات السويسري ) . والاصل ان الفضولي لا يستحق اجرا على عمله , اذ يفرض فيه انه يتبرع بخدمة يؤديها لرب العمل الا ان هذه القرينة تسقط متى كان ما قام الفضولي به من قبيل وجوه الانفاق الحقيقية بالنسبة له . ويتحقق ذلك اذا كان العمل الذي اداه يدخل في نطاق اعمال مهنته , كما هو الشأن في طبيب يقوم بعلاج مريض او مهندس يتولى ترميم عين من الاعيان , فعندئذ يصبح من حقه ان يؤجر على هذا العمل .
وثالثهما : التزام رب العمل بتعويض الفضولي تعويضا عادلا عما يلحقه من ضرر بسبب قيامه بالعمل , ويتحقق معنى العدالة في التعويض متى كان متناسبا مع ما لم يستطع اتقاءه من ضرر مع بذل المالوف من اسباب العناية .
وهي تقابل المادة ( 195 ) مصري و ( 196 ) سوري ومشروع اردني .
1. اذا مات رب العمل يظل الفضولي مرتبطا بالتزاماته هذه قبل الورثة اذ يؤول اليهم ما كان لمورثهم من حقوق في هذا الصدد من طريق الميراث .
2. واذا مات الفضولي تنقضي التزاماته ولا تنتقل الى ورثته , ومع ذلك فيلزم هؤلاء الورثة التزاما شخصيا مباشرا بما يلتزم به ورثة الوكيل .
يراجع في القانون المصري ( م 717/2) وهي تقابل المادة (194) مصري و(195) سوري ومشروع اردني.
1. هذا الحكم يردد الحكم المنصوص عليه في المواد ( 198 ) وما بعدها من مرشد الحيران وفي المادة ( 236 ) من القانون المدني العراقي .
فقد نص في مرشد الحيران على ما ياتي :
- من قام عن غيره بواجب عليه من الواجبات الدنيوية كما اذا قضى دينه بامره او انفق من مال نفسه على عيال غيره ومن تلزمه نفقتهم بامره - رجع على الامر بما اداه عنه وقام مقام الدائن الاصلي به , سواء اشترط الرجوع عليه او لم يشترطه .
- من قضى مغارم غيره بامره , او ادى عنه عوائد او رسوما مطلوبة منه بامره او كفل عنه لغريمه دينه بامره ودفعه اليه , فله الرجوع بما دفعه على الامر ولو لم يشترط الرجوع عليه .
- اذا امر احد غيره بشراء شيء له او ببناء داره من مال نفسه , ففعل المامور ذلك فله الرجوع على الامر بثمن ما اشتراه له وبما صرفه على العمارة بامره ولو لم يشترط الرجوع عليه .
- اذا امر احد غيره بان يدفع عنه مبلغا معلوم الى شخص معين : فان كان المامور بالدفع صيرفيا او شريكا للامر او خليطا له بان كان بينهما اخذ وعطاء او مواضعة على انه متى جاء رسوله او وكيله يبيع له او يقرضه ما يطلبه او كان المامور في عيال الآمر او الآمر في عيال المأمور كولده او والده او زوجته او ابن اخيه الذي في عياله او خادمه ودفع ما امر به - فله الرجوع بما دفعه على الآمر , سواء صرح في الآمر بان يدفع قضاء عنه او على ان ما يدفعه يكون دينا له عليه او يكون ضامنا له او لم يصرح بشيء من ذلك وسواء اشترط الضامن الرجوع عليه او لم يشترطه .
- اذا لم يكن المامور بالفع صيرفيا ولا شريكا للامر ولا خليطا له , ولا هو في عياله ودفع ما امر به فانما يرجع على الآمر بما دفعه ان كان قد صرح له في الآمر بان يدفع عنه او يقضي عنه او على ان يكون ما يدفعه دينا عليه او صرح بانه يكون ضامنا له ما يدفعه ويكون له في هذه الصورة حق الرجوع بما دفعه على الآمر ولو لم يشترط الرجوع عليه فان امره بالدفع امرا مطلقا او لم يصرح في امره بشيء مما ذكر فلا رجوع للماثور بشيء مما دفعه على الآمر وانما يكون له الرجوع على القابض واسترداد ما قبضه ان كان قبضه من غير ان يكون له حق على الامر فان قبضه بحق فلا رجوع للدافع عليه بشيء .
ونص في المادة ( 236 ) من القانون المدني العراقي انه ( اذا امر احد غيره بقضاء دينه رجع المامور على الآمر بما اداه عنه وقام مقام الدائن الاصلي في مطالبته به سواء اشترط عليه الرجوع ام لم يشترط .
2. وقد نص في المادة ( 202 ) من مرشد الحيران على ما ياتي :
( اذا امر احد غيره بقضاء دينه ثم ان الآمر قضى الدين بنفسه الى دائنه , والمامور قد دفعه اليه ايضا , فللمامور ان يرجع بما دفعه على القابض لا على الامر , فان اقام المامور البينه على انه ادى الدين بعد الامر قبل اداء الامر فله الرجوع بما له ان شاء على القابض وان شاء على الامر .
ونص في المادة ( 237 ) من القانون المدني العراقي ما ياتي :
( اذا امر احد غيره بقضاء دينه ثم ان الآمر قضى الدين بنفسه الى دائنه والمامور دفعه اليه ايضا فللمامور ان يرجع بما دفعه على الامر ان كان قد سبقه في قضاء الدين.
وان كان الآمر هو الذي قضى الدين فللمامور ان يرجع على القابض او على الامر .
فهناك خلاف بين هذين النصين في حالة ما اذا دفع المامور الدين قبل اداء الآمر ففي مرشد الحيران يرجع المامور بما دفع على القابض لا على الآمر وفي القانون المدني العراقي يرجع على الآمر .
وقد رؤي في المشروع ترك هذه الحالة للقواعد العامة .
1. نص في المادة ( 205 ) من مرشد الحيران انه :
( اذا قضى احد دين غيره بلا امره سقط الدين عن المديون , سواء قبل او لم يقبل ويكون الدافع متبرعا لا رجوع له على المديون بشيء مما دفعه بلا امره , ولا رجوع له على رب الدين القابض لاسترداد ما دفعه اليه .
انه اذا كان الدائن قد ابرا المديون بعد استيفاء دينه من المتبرع يكون للمتبرع في هذه الصورة الرجوع على القابض بما دفعه اليه )
ونص في المادة ( 239 ) من القانون المدني العراقي على ما ياتي :
( اذا قضى احد دين غيره بلا امره سقط الدين عن المدين قبل او لم يقبل ويعتبر الدافع متبرعا لا رجوع له على المدين بشيء مما دفعه بلا امره اذا تبين من الظروف ان للدافع مصلحة في دفع الدين او انه لم يكن عنده نية التبرع .
وقد رؤي في المشروع الاخذ بالحكم الوارد في مرشد الحيران مضافا اليه ما ورد في القانون المدني العراقي من ان الدافع قد يكون له الرجوع على المدين بما دفعه عنه مع صياغة النص على الوجه الذي يتسق مع مواد المشروع .
ولم ير في هذا المجال ايراد ما اورده القانون المدني العراقي من سقوط الدين عن المدين سواء قبل او لم يقبل , لان هذا الحكم مجاله الوفاء بالدين والمجال هنا مجال الوفاء عن الغير والكلام محصور فيما اذا كان للموفي ان يرجع بما دفع او ليس له .
2. وقد رؤي ايراد الحكم في المادة (238) من القانون المدني العراقي في هذا المشروع فقرة ثانية من هذه المادة باعتباره تطبيقا للحكم الوارد في الفقرة الاولى وللفضالة ايضا .
ينشيء المشروع في هذا النص تقادما قصيرا يمنع من سماع الدعوى مدته ثلاث سنوات ولا يبدأ سريانه الا من اليوم الذي يعلم فيه الدائن بحقه في الرجوع اي في المطالبة بالرد او التعويض ، ويقف على شخص من يلزم بذلك. وقد نص على هذا التقادم القصير الى جانب التقادم بالمدة الطويلة ويبدا سريانها من اليوم الذي ينشأ فيه الحق في الرجوع وبعبارة اخرى الالتزام .
وهذا النصر يسري على كل حالات الكسب دون سبب فيسري على دعوى استرداد ما اخذ من مال الغير وما دفع بغير حق او وفاء لدين الغير ودعوى الفضالة .
وهي تقابل المواد (244) عراقي والمواد ( 180و 187و 197) مصري و ( 191و 188و 198) سوري ومشروع اردني .
اوجز المشروع ايجازا بينا فيما يتعلق بالالتزامات التي تصدر عن نص القانون مباشرة وقد حمل على ذلك ما هو ملحوظ في ترتيب هذه الالتزامات وتنظيمها من ان كل التزام منها يتكفل النص المنشيء له بتعيين مضمونه وتحديد مداه مما يجعل مرجعها جميعا ( احكام النصوص الخاصة بها ).
1. كل التزام ، ايا كان مصدره المباشرة ، يرجع الى القانون ، باعتباره المصدر الاخير للالتزامات والحقوق جميعها ذلك ان من الالتزامات ما يكون مصدره المباشر تصرف قانوني او عمل غير مشروع او اثراء بلا سبب ويرد في مصدره الاخير الى القانون . ومنها على نقيض ذلك ، ما يكون القانون مصدره المباشر والاخير في ان واحد . ويراعى ان القانون يعتبر في هذه الصورة مصدرا وحيدا يتكفل بانشاء الالتزام راسا ويتولى تعيين مداه وتحديد مضمونه . وقد ساق التقنين اللبناني في معرض التمثيل للالتزامات التي تصدر عن نص القانون التزامات الجوار ، والالتزام بالانفاق على بعض الاصهار . وقد تقدم ان التزامات الفضولي ، فيما يتعلق بالمضي في العمل والعناية المطلوبة وتقديم الحساب - كلها ينشئها القانون راسا ، وينفرد بذلك دون سائر مصادر الالتزام .
2. وتنشا الالتزامات المقررة بنص القانون استقلالا عن ارادة ذوي الشأن فهي لا تقتضي فيهم اهلية ما ( المادة 120 من التقنين اللبناني ) . ومع هذا فقد يتطلب القانون اهلية خاصة بالنسبة لبعض هذه الالتزامات مراعيا في ذلك انها لا تترتب بمعزل عن الارادة . وقد كان المشروع التمهيدي للقانون المدني المصري ينص في الفقرة الثانية من المادة المقابلة على انه ( لا تشترط اية اهلية في هذه الالتزامات ، ما لم يوجد نص يقضي بخلاف ذلك ) ولكن حذف هذا النص في لجنة المراجعة لعدم الحاجة اليه . وقد رؤي في المشروع عدم ايراد مثل هذا النص لنفس الحكمة وهي عدم الحاجة اليه .
وهي تقابل المواد ( 198) مصري و( 199) سوري ومشروع اردني و( 245) عراقي .
?الباب الثاني
آثار الحق
الفصل الأول
أحكام عامة
نظرة عامة :
1. تقدم أن أثر العقد هو حكمه وحقوقه ، أما حكمه فينفذ من تلقاء نفسه بمجرد انعقاد العقد . وأما حقوقه فتقتضي أن يفي المدين بها مما يتطلب تدخله . فعقد البيع حكمه نقل ملكية المبيع من البائع إلى المشتري وهذا يقع من تلقاء نفسه بمجرد العقد (إلا إذا نص القانون على غير ذلك بأن نص مثلا على أن الملك في العقار لا ينتقل إلا بتسجيل العقد) ومن حقوقه دفع الثمن إلى البائع وهذا يقتضي أن يقوم المشتري بذلك وتسليم المبيع إلى المشتري وهذا يتطلب أن يقوم البائع به . وحقوق العقد هي - بتعبير القانون - التزامات .
فهذا الباب مقصور على آثار الالتزامات فيخرج منه ما يسمى في الفقه الإسلامي (حكم العقد) لأن هذا ينفذ من تلقاء نفسه كما تقدم . وعلى هذا لا يرد هنا ما يسمى في القانون (الالتزام بنقل الملكية) لأن نقل الملكية يتم بالعقد نفسه بمجرد نشوئه لأن حكم العقد الوارد على الملكية هو نقل الملكية كما ذكر في المذكرة الإيضاحية ، نظرة عامة ، في أول الفصل الأول الخاص بالتنفيذ العيني ) .
2. وليس المقصود بالالتزام هنا ما يلزم به الشخص نفسه (التزام التبرعات) فقط وإنما الالتزام بمعناه العام بصرف النظر عن مصدره . أكان عقداً ام تصرفاً انفراديا أم فعلاً ضاراً أم فعلا نافعاً أم نصاً في القانون ، وبصرف النظر عن موضوعه . أكان مبلغاً من المال أم قياماً بعمل أم امتناعاً عن عمل .
3. والأثر الجامع للالتزام هو (تنفيذه) .
والتنفيذ قد يكون تنفيذاً عينياً ، وقد يكون تنفيذاً بطريق التعويض ، كما أنه قد يكون اختياراً وقد يكون جبراً .
وجميع اموال المدين ضامنة لالتزاماته وهو ما يسمى بالضمان العام للدائنين ، وللدائن قبل ان يتخذ الاجراءات التنفيذية ان يتخذ اجراءات تحفظية الغرض منها المحافظة على أموال المدين حتى يتمكن من التنفيذ عليها .
وبين الإجراءات التحفظية والإجراءات التنفيذية مرحلة وسطى يعمد بها الدائن إلى التنفيذ ولا يقتصر على مجرد المحافظة على أموال المدين . وهذه الإجراءات التمهيدية هي الدعوى غير المباشرة ودعوى عدم نفاذ التصرف في حق الدائن ودعوى الصورية والحجر على المدين وحبس ماله .
4. وقد استهل هذا الباب بأحكام تمهيدية أفردت في سياقها نصوص للواجب ديانة (وهو ما يقابل في القانون الالتزام الطبيعي) ثم عرض بعد ذلك للالتزامات (أي الالتزامات المدنية تمييزاً لها في القانون عن الالتزامات الطبيعية) فعقد لها ثلاثة فصول .
تناول في أولها التنفيذ العيني وما يتبعه وخص الثاني بالنصوص المتعلقة بالتنفيذ بمقابل وما يتصل به من أحكام الأعذار وتقدير التعويض . ووقف ثالثها على ما يكفل حقوق الدائنين من وسائل التنفيذ ووسائل الضمان ، فيتناول هذا الفصل ثلاث دعاوى : الدعوى غير المباشرة ودعوى عدم نفاذ التصرف ، ودعوى الصورية كما تناول : الحجر على المدين وحبس ماله .
المذكرة الايضاحية :
في القانون ما يسمى ( الالتزام الطبيعي ) مقابل ( الالتزام المدني ) او ( الالتزام) ويوجد في الفقه الاسلامي ( الواجب ديانة ) مقابل ( الواجب قضاء ).
واذا اردنا ان نقابل بين القانون والفقه الاسلامي في هذا الصدد قلنا ان ( الالتزام المدني ) في القانون ، يقابله في الفقه الاسلامي ( الواجب قضاء) و( والالتزام الطبيعي ) في القانون يقابله في الفقه الاسلامي ( الواجب ديانة) مع بعض خلافات بطبيعة الحال بين طرفي المقابلة .
( الالتزام الطبيعي ) في القانون :
تناول القانون المدني المصري الالتزام الطبيعي في اربع مواد هي المواد من ( 199) الى ( 202) وكذا السوري والمشروع الاردني (م200- 202) . وتقنين الموجبات والعقود اللبناني (م2 وما بعدها ) .
وسمة الالتزام الطبيعي :
1. انه لا يجب على المدين الوفاء به جبرا عليه .
2. انما اذا اوفى به المدين اختيارا وهو على بينة من انه غير ملزم قانونا بالوفاء به كان قضاء لما يجب عليه فيكون له حكم الوفاء بالتزام في ذمته وليس تبرعا فلا يجوز له الرجوع فيه واسترداد ما دفعه .
3. وانه يصلح سببا لالتزام مدني ( تراجع نطرية السبب في القانون م 136 مصري ) . وبالسمة الاولى يختلف الالتزام الطبيعي عن الالتزام المدني الذي يجب الوفاء به قانونا فان امتنع اجبر عليه ولا يستطيع ان يسترد ما دفعه وفاء له .
وبالسمتين الثانية والثالثة يختلف الالتزام الطبيعي عن الواجب الادبي وفيها تنحصر اثار الالتزام الطبيعي اذ لا يترتب عليه اي اثر اخر .
فالالتزام الطبيعي منزله بين المنزلتين . فقد سما على مجرد الواجب الادبي ونزل عن الالتزام المدني .
والالتزام الطبيعي في النظرية التقليدية محصور في التزام مدني عاقه مانع قانوني من ان يرتب اثاره عند نشأة الالتزام كأن كان العقد قابلا للابطال لنقص الاهلية او بعد نشأة الالتزام وبعد تولد اثره كما في حالة التقادم والصلح مع المفلس حيث ينقضي الالتزام المدني ويتخلف عنه التزام طبيعي ففقد بذلك عنصر المسؤولية وبقي له عنصر المديونية اما في النظرية الحديثة فهو واجب ادبي ارتقى به القانون فاعترف له ببعض الاثار سواء كان واجبا ادبيا منذ بدايته او نشا التزاما مدنيا ثم عاقه مانع قانوني عن ان يولد كل اثاره فهو اما التزام مدني فقد عنصر المسؤولية او واجب ادبي قام به عنصر المديونية دون عنصر المسؤولية ومثال الاول الديون التي يسقط التقادم او تنقضي بتصالح المفلس مع دائنيه او يقضي ببطلانها لعدم توافر الاهلية ومثال الثاني التبرعات التي لا تستوفي فيها شروط الشكل والتزام الشخص بالانفاق على ذوي القربى ممن لا تلزمه نفقتهم قانونا والالتزام باجازة شخص على خدمة اداها .
ويرى رجال القانون ان الالتزام الطبيعي باب اخر - بالاضافة الى النظام العام والاداب العامة والى فكرة التعسف في استعمال الحق - يدخل منه الى القانون العوامل الاجتماعية والاقتصادية والادبية .
ومن ثم فالالتزام الطبيعي يقف في الحد الفاصل ما بين الاخلاق والقانون والتسليم بوجوده اعتراف من القانون ببعض الواجبات التي تميلها الاخلاق والادب .
فلو ان فقيرا انقذ مثريا من الغرق التزم المثري نحو الفقير بما ياتي :
اولا : بما تجشمه من خسارة في انقاذه وذلك بدعوى الفضالة وهذا التزام مدني .
ثانيا: باجازة الفقير على انقاذه وهذا التزام طبيعي .
ثالثا : بالاحسان الى هذا الفقير من حيث هو فقير وذلك حتى لو لم يكن هو الذي انقذه وهذا واجب ادبي .
ولما كان القانون قد اقر فكرة التزام الطبيعي نزولا على مقتضيات الاخلاق والادب فمن الطبيعي ان تقر الشرائع المدنية هذه الفكرة بل وتتوسع فيها وهذا ما كان من القانون اذ وسع في نطاق الالتزامات الطبيعية فجعلها تمتد الى كل التزام يوجبه الضمير وكادت منطقة الالتزام الطبيعي تكون هي عين منطقة الواجب الادبي .
( هذا ما نجده ايضا في الفقه الاسلامي على ما سياتي ) .
( يراجع السنهوري ، الوسيط ، ج2 البند 385 ص 721 وما بعدها) .
الواجب ديانه في الفقه الاسلامي :
وفي الفقه الاسلامي الواجب قد يكون واجبا ديانة لا قضاء وقد يكون واجبا قضاء لا ديانة وقد يكون واجبا قضاء وديانة . ومثال الواجب ديانة لا قضاء ، الدين الذي يجحده المدين ويعجز الدائن عن اثباته امام القضاء . ومثال الواجب قضاء لا ديانة الدين الذي يشهد به شهود كذبة او يستند الى وثيقة قائمة في حين ان الدائن كان قد قبضه او ابرا المدين منه . ومثال الواجب ديانة وقضاء ، الدين الذي يقر به المدين او يقوم عليه شهود صادقون وما زالت الدعوى به مسموعة .
( يراجع رد المحتار في كتاب القضاء ، 4: 315، وكتاب الحجر 5/95 وكتاب الحظر والاباحة 5/271).
فالواجب قضاء في الفقه الاسلامي يقابله في القانون الالتزام المدني والواجب ديانة في الفقه الاسلامي يقابل في القانون الالتزام الطبيعي .
ومن المنطقي ان تقر الشريعة الاسلامية ، وهي الشريعة التي تنبني وتحض على البر والاحسان بأوسع معانيهما ، فكرة ما اطلق عليه في القانون الالتزام الطبيعي ).
كما ادرك الفقهاء المسلمون قبل رجال القانون ان للدين عنصرين عنصر المديونية ( اي قيام اصل الدين ) وعنصر المطالبة وقد وقد يتوافر العنصران جميعا للدين في ذمة الشخص وقد يتوافر المطالبة دون عنصر المديونية كالدين المكفول بالنسبة الى الكفيل وكالدين المحال بالنسبة الى المحال عليه على راي من ذهب من الفقهاء الى ان الكفالة ضم ذمة في المطالبة وان الحوالة نقل المطالبة فحسب .
( يراجع عقد الكفالة والحوالة في كتب الفقه الاسلامي - مثل - الكاساني البدائع 6/2 وما بعدها ، وهذا التحليل يشبهه ما قال به رجال القانون من ان للدين عنصرين احدهما المديونبة والاخر المسؤولية فالالتزام المدني يتوافر في العنصران المديونية والمسؤولية اما الالتزام الطبيعي فيتوافر فيه المديونية دون المسؤولية ذلك ان المدين بالتزام طبيعي مدين لا في حكم الضمير فحسب بل ايضا في حكم القانون فاذا وفي الدين لم يستطع استرداده وهذا هو عنصر المديونية وقد توافر ولكن المدين لا يجبر على الوفاء اذا لم يرد ذلك عن بينة واختيار وهذا هو عنصر المسؤولية وقد انفصل عنه . وكذا الواجب قضاء . هو دين ثابت في ذمة المدين ويلزم به جبرا فتوافر فيه عنصرا المديوينة والمطالبة ( وبلغة القانون عنصرا المديونية والمسؤولية ) اما الواجب ديانة فقد توافر فيه عنصر واحد وهو عنصر المديونية دون المطالبة ( وبلغة القانون عنصر المديونية دون عنصر المسؤولية ).
والواجب ديانة اذا وفى به المدين اختيارا فالظاهر انه يعتبر موفيا لدين فلا يجوز الرجوع فيه واسترداد ما دفعه .
وفي اليمين والنذر والتزام المعروف تطبيقات لذلك :
فالنذر لا يفيد التزاما قضائيا اذا ما صح عند الجمهور خلافا للشافعية في بعض احواله وانما يترتب عليه التزام ديني . فلو نذر مكلف بعتق رقبة في ملكه وفى به وان لم يف اثم بالترك .
ولا يدخل تحت الحكم فلا يجبره القاضي لان العبد لم يثبت له حق العتق عليه لان ذلك بمنزلة ما لو حلف بالله تعالى ليعتنقه. ليس له اجباره على ان يبر بيمينه لان ذلك مجرد حق الله تعالى .
( ابن عابدين 3/95 وما بعده . وعلي الخفيف ، التصرف الانفرادي 202- 203) .
والتزام المعروف كالصدقة والهبة والحبس والجائزة والقرض على وجه الصلة وطلب البر والمكافاة وما اشبه ذلك اذا كان على وجه الحلف والتعليق قصدا الى فعل شيء او امتناع عن فعل شيء فانه لا يقضي عليه بذلك اذا تحقق الشرط وانما يلزم به ديانة سواء كان الملتزم له معينا ام غير معين وهذا هو المشهور من مذهب مالك ( علي الخفيف المرجع السابق ص 195).
والعدة على راي لا يقضى بها مطلقا على اية حال لانها تفضل واحسان وان امر بالوفاء بها ديانة وهذا هو مذهب الحنيفة والشافعية والحنابلة وجمهور الفقهاء من الصحابة والتابعين ( علي الخفيف ، المرجع السابق ص 196- 197).
والدين الذي لا تسمع الدعوى به بمرور الزمان لا تمكن المطالبة به قضاء ونتيجة لذلك لا يمكن الاجبار عليه ولكن ما الحكم اذا اوفاه المدين عالما بانه غير ملزم قضاء به هل يملك استرداد ما دفع ( الظاهر لا - ( تراجع المادة 1674 من المجلة ).
فالظاهر ان قضاء ما يجب ديانة يعتبر وفاء لدين فلا يملك المدين استرداده واذا كان المشروع قد اخذ بان الوعد ملزم ( م254) فمن المنطق ان يعترف بفكرة الالتزام الطبيعي ، وان لا يكون اقل اعتدادا بالعوامل الادبية الاخلاقية من القانون .
واذا قيل بان الوفاء بالواجب ديانة يتضمن الاقرار وهو حجة على المقر ( م 79 و 1587 و 1588 من المجلة ). فالرد على ذلك في المجال الذي نحن فيه ان ( الاقرار هو اخبار الانسان بحق عليه لاخر ) . ( م 1572 من المجلة ) والظاهر ان المقصود بالحق هنا هو الحق الواجب القضاء لا مجرد الحق الواجب ديانة ( اذ ان حكم الاقرار هو ظهور المقر به لا حدوثه بداءة ولهذا لا يكون الاقرار سببا للملك )( م 1628 من المجلة ).
واذا كان القانون المدني العراقي قد خلا من الاشارة الى ذلك ( الالتزام الطبيعي او الواجب ديانة ) فان ذلك لا يفيد ضرورة انه لا يعترف بالالتزام الطبيعي ففي المبادئ العامة وفي مبادىء الفقه الاسلامي ( وهي مصدر من مصادر القانون العراقي وفقا للمادة الاولى منه ) ما قد يستعاض به عن النص للاعتراف بالالتزام الطبيعي في هذا القانون ( يراجع السنهوري الوسيط ج2 ، البند 385 ص 722).
مكان الواجب ديانة في المشروع :
يلاحظ ان هناك فرقا بين الواجب ديانة ( او الالتزام الطبيعي ) والدين غير المستحق ففي الاول يكون هناك التزام ولكن لا يلزم المدين بالوفاء به قضاء واذا وفى به عالما بانه غير ملزم بالوفاء به قضاء اعتبر وفاء فلا يجوز الرجوع فيه واسترداد المدفوع ، وفي الثاني يكون هناك وفاء بدين موهوم لا وجود له فيجوز استرداد ما دفع ( م 296 ).
وقد كان القانون المدني المصري القديم يعالج الالتزام الطبيعي في مجال الكلام على دفع غير المستحق ( م 147/ 208 منه ) ولكن القانون الحالي وجد ان المكان الانسب للالتزام الطبيعي هو في مستهل الكلام على اثار الالتزام اذ الالتزام الطبيعي يمتاز عن غيره بوجه خاص بما يكون له من اثار ، فسمة الالتزام الطبيعي هي اجتماع امكان ترتيب الاثر القانوني وفكرة انتفاء الجزاء فالالتزام الطبيعي لا جبر في تنفيذ ولكن اذا نفذ اختيارا اعتبر وفاء للالتزام اما الالتزام المدني فيجبر المدين على الوفاء به . لذا راى المشروع المصري ان خير موضع لاحكام الالتزام الطبيعي هو المكان المخصص لاثار الالتزام.
( تراجع مجموعة الاعمال التحضرية للقانون المدني المصري ج 2 ص 495- 496).
وعلى هدى القانون المدني المصري والسوري والمشروع الاردني عالج هذا المشروع ( الواجب ديانة ) في مجال الكلام على اثار الالتزام اذ ان سمته تظهر في اثاره كالالتزام الطبيعي .
مصطلح ( الواجب ديانة ):
واذا كان القانون عبر بلفظ ( الالتزام الطبيعي ) فقد رؤي في هذه المذكرة استعمال عبارة ( الواجب ديانة) نزولا على لغة الفقهاء من ناحية ولان عبارة القانون تبدو غريبة عن الفقه الاسلامي من ناحية اخرى.
وابقينا التعبير بـ( الالتزام ) للتعبير عن الواجب قضاء لانه تعبير متردد في جنبات المشروع كله وقد جرت به اقلام الفقهاء المسلمين قديما ( مع خلاف في النطاق ) وحديثا بمعناه المقصود هنا .
نص المشروع :
قصد بالفقرة الاولى من هذه المادة بيان حكم الالتزام ( اي الواجب قضاء ) من انه يجوز تنفيذه قهرا . فللدائن بالتزام مدني ( اي بواجب قضاء ) ان يجبر مدينه على الوفاء بحقه كاملا اما عن طريق الوفاء عينا واما عن طريق الوفاء بمقابل على ما سيأتي :
ويؤخذ من هذا ان الواجب ديانة ( اي الالتزام الطبيعي ) لا يجوز تنفيذه جبرا وهو ما نصت عليه الفقرة الثانية . وبذا يتبين من الفقرتين وجه المقابلة بين الالتزام المدني ( الواجب قضاء) والواجب ديانة ( الالتزام الطبيعي ) فالاول - كما تقدم - يجوز تنفيذه جبرا اما الثاني فعلى النقيض من ذلك لا يكون تنفيذه الا اختيار .
وهي تقابل المواد (199) مصري و( 200) سوري ومشروع اردني و( 246) عراقي .
تتناول هذه المادة الاثر الرئيسي للواجب ديانة ، وهو ينحصر في جواز الوفاء به .
ويشترط لصحة هذا الوفاء ان يقوم به المدين من تلقاء نفسه دون اجبار وان يكون حاصلا عن بينة منه اي وهو يدرك انه يستجيب لمقتضى الواجب ديانة وانه غير ملزم قضاء به .
فاذا تحقق هذا الشرط كان لاداء المدين - في القانون - حكم الوفاء لا حكم التبرع ، ويتفرع على ذلك اربعة احكام هي :
1. امتناع المطالبة برد ما دفع ، فهو لم يؤد وفاء لدين غير مستحق او تبرعا يجوز الرجوع فيه وانما ادى وفاء لما هو واجب ، لا يدفعه الى ذلك نية التبرع .
2. عدم اشتراط شكل خاص للوفاء به التبرعات ( فالغالب ان القانون يشترط فيها شكلا خاصا ).
3. الاكتفاء في تنفيذ الواجب ديانة بأهلية الوفاء بوجه عام دون اشتراط اهلية التبرع .
4. اعتبار اداء المدين وفاء لا تبرعا وبوجه خاص فيما يتعلق بتطبيق احكام تصرفات المريض مرض الموت مع ملاحظة انه قد يفرض في تصرفات المريض مرض الموت انه تبرع حتى يثبت انه ليس كذلك بل معاوضة ، فيفرض في هذا الوفاء انه تبرع حتى يثبت الدائن انه وفاء لواجب ديانة.
( تراجع المذكرة الايضاحية للمادة السابقة ) وهي تقابل المواد (201) مصري و( 202) سوري ومشروع اردني .
تراجع المذكرة الايضاحية للمادة ( 313) من هذا المشروع .
الفصل الثاني
وسائل التنفيذ
الفرع الأول
التنفيذ الاختياري
أولا : الوفاء :
أ. طرفا الوفاء :
نظرة عامة
جرى المشروع على صياغة القانون المدني المصري والسوري والمشروع الأردني والقانون المدني العراقي من عزل الأحكام المتعلقة بالوفاء عن الأحكام المتعلقة بآثار الالتزام مع ما بين هذه وتلك من وثيق الصلات في نواح عدة مما جعل بعض التقنينات كالتقنين السويسري والتقنين البولوني إلى جمع هاتين الطائفتين تحت عنوان مشترك ، هو (تنفيذ الالتزامات) .
وقد حرص المشروع - اقتداء بصياغة التقنين المصري وما جرى مجراه من التقنينات العربية - على ضبط حدود بعض الأحكام ضبطاً دون شك وإعطائه نصيبه من الأهمية . فعرضت النصوص الخاصة بتعيين من يصح منه الوفاء للأحوال التي يصح فيها الوفاء من الغير .
أما الأحكام الخاصة بتعيين من يصح الوفاء له فقد أقام المشروع قرينة لصالح من يقدم مخالصة صادرة من الدائن على ثبوت صفة في استيفاء الدين كما عمد إلى بيان الأحوال التي يجوز فيها الوفاء للغير .
وقد فصل القواعد الموضوعة المتعلقة بالعرض الحقيقي والإيداع ، رغم انه أحال بشأنهما إلى أحكام قانون المرافعات. فعرض لأعذار الدائن وما يترتب عليه من آثار كما عرض لأثار الرجوع في الإيداع . وقد عني كذلك بالنص على إجراءات خاصة تستجيب لما تقتضيه طبيعة الوفاء بالأشياء التي لا تقبل الإيداع أو التي يسرع إليها التلف . على أن الفكرة الجوهرية في الإيداع بأسره تتمثل في القاعدة التي تكفلت المادة (327) من المشروع بتقريرها في العبارة الآتية :
(يقوم العرض الحقيقي بالنسبة للمدين مقام الوفاء إذا تلاه إيداع يتم وفقاً لأحكام قانون المرافعات أو تلاه أي إجراء آخر مماثل وذلك ، إذا قبله الدائن أو صدر حكم بصحته) وعلى هذا النحو يصبح الوفاء عند الالتجاء إلى الإيداع ، وعدم قبول الدائن له ، تصرفاً ينعقد بإرادة منفردة مع أنه في الأصل تعاقد لا يتم إلا بتوافق إرادتين .
هذا وقد أفردت نصوص خاصة للأحكام المتعلقة بمحل الوفاء تضمنت القاعدة الأساسية في هذا الشأن ، فأوجبت أن يكون الوفاء بعين ما يرد الالتزام عليه وأن يكون كاملاً دون تجزئة أو تعويض ، فلا يجوز إلزام الدائن بالاقتصار على استيفاء جزء من حقه ، إلا فيما استثني من الأحوال . وقد عرضت هذه النصوص للقواعد المتعلقة باحتساب الخصم عند تعدد الديون فأجملتها إجمالا وافياً ثم تناولت أخيراً إثبات الوفاء فاقتصرت بشأنه على إقرار حق المدين في الحصول على مخالصة تاركة ما عدا ذلك للأحكام المتعلقة بالإثبات بوجه عام .
?
المذكرة الايضاحية :
?1. يصح الوفاء من المدين نفسه او ممن ينوب عنه نيابة قانونية اواتفاقية ، كالوصي والوكيل. على ان اللدائن ان يستلزم الوفاء من المدين نفسه ، اذا كانت مصلحته تقتضي ذلك (م 356 من المشروع).
2. ويصح الوفاء ايضا من كل ذي مصلحة كالكفيل والمدين المتضامنين .
3. ويصح كذلك من ليست له مصلحة فيه ، كما هي الحال فيمن يقوم بقضاء الدين عن المدين تفضلا ، ولو على غير علم منه . بل وللغير ان يقوم بالوفاء رغم ممانعة المدين ، وفي هذه الحالة لا تكون له صفة الفضولي .
ويلزم الدائن بقبول الوفاء من الغير ، في هذه الاحوال جميعا ولا يمتنع هذا الالتزام الا حيث يعترض الدائن والمدين معا على الوفاء من غير ذي مصلحتة فيه . ولا يكفي في ذلك اعتراض احدهما استقلالا فاذا اعترض المدين على الوفاء ، جاز للدائن رغم ذلك ان يقبله ، واذا اعترض الدائن وحده كان للغير ان يلزمه بقبوله ما دام ان المدين لم يقم بابلاغ اعتراضه .
( تراجع المواد 196و 197 و 202 و 205 من مرشد الحيران ).
وهي تقابل المواد ( 322) سوري ومشروع اردني و( 375) عراقي و( 323) مصري .
يشترط في الموفي ، سواء كان هو المدين او غيره ان يكون مالكا لما وفى به حتى اذا استحق الشيء الموفى بالبينة واخذه صاحبه او هلك واخذ بدله فللدائن الرجوع بدينه على غريمه .
وانه اذا كان المدين صغيرا مميزا ، او كبيرا معتوها ، او محجورا عليه لسفه او غفلة ودفع الدين الذي عليه ، صح دفعه ، ما لم يلحق الوفاء ضررا بالموفي ، رعاية لمصلحة من ليسوا اهلا للتصرف .
( تراجع المادتان 219 و 221 من مرشد الحيران ).
وهي تقابل المادتان ( 376 و 377) من القانون العراقي والمادة ( 325) مصري والمادة ( 324) سوري ومشروع اردني .
تعرض هذه المادة لحالة ما اذا كان المدين مدينا لاكثر من واحد ووفى لبعضهم دون بعض.
- فاذا كان المدين محجورا للدين فقد قضت المادة (220) من مرشد الحيران بحكمها اذ نصت على ما ياتي :
( اذا كان المديون محجورا عليه بسبب ديونه ودفع من امواله المحجور عليها دينا في ذمته لاحد غرمائه فلسائر غرمائه نقض تصرفه واسترداد المبلغ الذي دفعه.
- واذا كان المدين مريضا مرض الموت فقد نصت المادة ( 378) من التقنين العراقي على انه ( لا يصح للمدين ان يوفي دين احد غرمائه في مرض موته اذا ادى هذا الوفاء الى الاضرار ببقية الدائنين.
وقد رؤي في المشروع جمع الحالتين في هذه المادة لان حكمها في الاصل واحد وهو عدم النفاذ في حق الدائنين الاخرين .
الاصل ان الدائن هو ذو الصفة في استيفاء الدين وله ان ينيب عنه وكيلا في ذلك ، ويتعين على الوكيل في مثل هذه الحالة ان يقيم الدليل على صفته وفقا للاحكام العامة في الوكالة . على ان المشروع قد جعل من التقدم بمخالصة صادرة من الدائن قرينه كافية في ثبوت صفة استيفاء الدين لمن يحمل تلك المخالصة ، ما لم تنف دلالة هذه القرينة بالاتفاق على وجوب الوفاء للدائن شخصيا . فاذا اتفق على ذلك كان للمدين ان يرفض الوفاء لمن يتقدم له بالمخالصة الصادرة من الدائن حتى يستوثق من ثبوت صفته في استيفاء الدين .
وتثبت صفة استيفاء الدين كذلك لمن ينوب عن المدين نيابة قانوينة او قضائية ولمن يخلفه .
وهي تقابل المواد ( 332) مصري و( 330) سوري ومشروع اردني و(383و384 ) عراقي .
تتناول هذه المادة حالة ما اذا كان الدائن عديم الاهلية او ناقصها لصغر او جنون او نحوه ففي هذه الحالة لا يكون الوفاء مبرئا لذمة المدين اذا حصل للدائن عديم الاهلية او ناقصها نفسه . وعلى الدائن ان يفي لوليه او وصيه او القيم عليه كي تبرأ ذمته . فاذا وفى للدائن عديم الاهلية او ناقصها لم تبرأ ذمة المدين فاذا هلك الشيء الموفى به في يد عديم الاهلية او ناقصها او ضاع من يده فللولي او الوصي او القيم على الدائن مطالبة المدين بالدين .
( تراجع المادتان 217 و 218 من مرشد الحيران ).
وهي تقابل المادتين ( 383 و 384) من القانون العراقي .
?ج. رفض الوفاء :
نظرة عامة
قد يحتاج الوفاء ، علاوة على عمل من المدين إلى عمل من الدائن وقد يرفض الدائن القيام بهذا العمل ويرغب المدين في إتمام الوفاء بالتزامه كي تبرأ ذمته - في هذه الحالة رسم القانون طريقاً للمدين كي يفي بإرادته وحدها .
والدائن قد يرفض استيفاء الدين لأنه اعتقد أن المدين لا يوفيه له كاملاً أو لا يوفيه له وفاء صحيحاً أو نحو ذلك في حين يعتقد المدين أنه يقوم بوفاء صحيح - فأمام هذا الخلاف لا يجد المدين بدأ من عرض الدين وإيداعه وقد يكون الدائن متعنتاً في رفضه لاستيفاء الدين فهنا أيضاً ، ومن باب أولى يحق للمدين أن يعرض الدين ويودعه . ويماثل رفض الدائن لاستيفاء الدين أن يقتضي الوفاء تدخل الدائن فيمتنع عن ذلك ، كما لو كان الدين واجب الوفاء في موطن المدين وأبى الدائن أن يسعى إليه في هذا الموطن . وقد يسبق الدائن الحوادث فيعلن ، قبل أن يعرض المدين الوفاء ، أنه لم يقبله إذا عرض عليه ، فعندئذ يحق للمدين أن يعرض الدين عرضاً حقيقياً ثم يودعه .
كما أن المدين قد يجد نفسه في حالة يتعذر معها أن يوفي دينه للدائن مباشرة كما في الحالات الآتية :
1. أن يجهل المدين شخصية الدائن أو موطنه كان يموت الدائن الأصلي عن ورثة انتقل إليهم الدين ولكن المدين يجهل من هم هؤلاء الورثة أو أين موطنهم وقد حل الدين ويريد المدين أن يتخلص منه بالوفاء ، فلا يعرف لمن يوفيه . عند ذلك لا يسعه إلا أن يودع الدين على ذمة صاحبه دون عرض حقيقي أو أعذار ، إذ يجهل من هو الدائن الذي يعرض عليه الدين أو أين هو .
2. أن يكون الدائن عديم الأهلية أو ناقصها ولم يكن له نائب يقبل عنه الوفاء فلا يجد المدين بدا من إيداع الدين على ذمة هذا الدائن دون أن يعرضه عليه عرضاً حقيقياً إذ ليست للدائن أهلية الاستيفاء .
3. أن يكون الدين متنازعاً عليه بين عدة أشخاص وهنا أيضاً لا يجد المدين من الحكمة أن يحمل هو التبعة في حسم هذا النزاع فيوفي الدين لمن يعتقد أنه على حق من المتنازعين ، وإلا كان مسؤولاً عما قد يقع فيه من الخطأ فلا يجد بدا من إيداع الدين على ذمة أي من المتنازعين يكون هو الدائن الحقيقي دون أن يسبق هذا الإيداع عرض للدائن ومثل ذلك أن يموت الدائن فيتنازع الدين الوارث وموصى له بالدين إذ يطعن الوارث في الوصية بالبطلان .
4. أن تكون هناك أسباب جدية تمنع المدين من عرض الدين على الدائن وهو مع ذلك يريد الوفاء به فليس أمامه إلا أن يودعه على ذمة الدائن مثال ذلك أن يريد المشتري الوفاء بالثمن للبائع ، ولكن البائع يمتنع عن القيام بما يجب للتصديق على إمضائه في عقد البيع فلا يجد المشتري بدا من إيداع الثمن على ذمة البائع بشرط إلا يقبضه إلا بعد التصديق على الإمضاء ، ثم يعمد بعد ذلك إلى رفع دعوى بثبوت البيع ومثل ذلك أيضاً أن يريد المدين الوفاء بدين لغير الدائن حق فيه ، ولا يستطيع المدين أن يحصل على مخالصة من هذا الغير ، فلا يسعه في هذه الحالة إلا أن يودع الدين .